صفحات العالم

الطيور على أشكالها تقع: الأسد وأقصى اليمين/ جلبير الأشقر

 

 

المدعو جيمس اليكس فيلدس جونيور دخل التاريخ من بابه الخلفي، ذلك الذي تُخرج منه القمامة. فهو ذلك الشاب الأحمق المنتمي إلى اليمين الأمريكي المتطرف المعادي للسود والمسلمين واليهود، الذي قلّد الداعشيين والقاعديين باستخدامه سيارة كوسيلة إجرام في مدينة تشارلوتسفيل (فرجينيا) يوم السبت الماضي، فدهس جمعاً من الشباب والشابات كانوا يتظاهرون احتجاجاً على تظاهرة نظمها أمثاله، وقتل امرأة شابة كما جرح ما يناهز العشرين من المتظاهرين. ولا عجب في أن تتملّك النشوة اليمين المتطرف العنصري الأمريكي عندما يقيم في البيت الأبيض رجلٌ يشاركهم أفكارهم المقيتة، مُحاطٌ بمستشارين من أشباه النازيين، جعلوا ذلك البيت أبيضاً بالمعنى السياسي العنصري للتعبير.

أما الطريف في الأمر والذي لفت أنظار المهتمين بالشأن السوري (منهم «القدس العربي» في افتتاحيتها ليوم أمس)، فهو ما كشفته صحيفة «واشنطن بوست» يوم الأحد من أن صفحة الشاب المتطرف الأحمق على فيسبوك تحتوي على الصليب المعقوف النازي وصور لأدولف هتلر و… صورة لبشّار الأسد! وكانت صحيفة «هاف بوست» الأمريكية قد نوّهت في 13 آذار/مارس الماضي بأن ديفيد ديوك، الزعيم الأسبق لجماعة كوكلوكس كلان التي اشتهرت تاريخياً بارتكاب المجازر إزاء السود والتي تمثّل أقصى التطرف اليميني المسيحي، نوعاً من الرديف الغربي المسيحي البروتستانتي لحالة تنظيم داعش العربية الإسلامية السنّية، ديفيد ديوك هذا إذاً كان قد أذاع في اليوم السابق لصدور المقال جملة من التغريدات على حساب تويتر الخاص به تمجّد بالرئيس السوري. وقد وصف ديوك هذا الأخير بأنه «بطل معاصر صامد في وجه قوى شيطانية تسعى وراء تخريب شعبه ووطنه»، مضيفاً «حفظ الله الأسد!». كما وصف الأسد أيضاً بأنه «زعيم مذهل» وأنه «يجب أن يكون حليفنا القريب (ولا جدال في ذلك)».

هذا وفي تقريرها ليوم الأحد أشارت «واشنطن بوست» إلى أن ثلاثة من المتطرفين اليمينيين الذين شاركوا بالتظاهرة الاستفزازية في تشارلوتسفيل كانوا قد نشروا بواسطة تويتر شريط فيديو يظهر فيه أحدهم مرتدياً قميص تي شرت عليها، على صدره، صورة طائرة مروحية تحيط بها كلمات «شركة بشّار لتسليم البراميل» (لولا أن مرتدي القميص لم يكن من أنصار الأسد لظننا أنه يتهكم بآلة القتل الأسدية). هذا ويصيح الشاب في شريط الفيديو «إدعموا الجيش العربي السوري!» مؤكداً أن «بشّار لم يرتكب أي شرّ» وهو عنوان التغريدة، كما يدعو إلى المزيد من استخدام البراميل المتفجّرة، بل وحتى السلاح الكيماوي!

وليس في هذه الوقائع ما يثير الاستغراب. فإن بشّار الأسد قد التحق بفلاديمير بوتين في لائحة الرجال الذين يرى فيهم أقصى اليمين الغربي القائم على كراهية الإسلام نماذج يُحتذى بها، وذلك قبل سنوات من أن ينضاف إليهما دونالد ترامب. ومن أبرز المعجبين والمعجبات ببشّار الأسد زعيمة أقصى اليمين الفرنسي مارين لوبين (وقد سبقها والدها إلى الدفاع عن الرئيس السوري)؛ وزعيم أقصى اليمين البريطاني نيك غريفين، الزعيم الأسبق للحزب القومي البريطاني (BNP) الذي زار دمشق قبل ثلاث سنوات للمشاركة في «مؤتمر ضد الإرهاب» (كذا) وأذاع من هناك تغريدات تمدح بالنظام السوري؛ وغيرهما من أعضاء الجماعات الفاشستية الأوروبية التي ترى في بشّار الأسد رمزاً للحرب على المسلمين. ومن الجدير بالذكر أن النظام السوري يرحّب بدعم كافة هذه الجماعات له بالرغم من إدراكه التام بأنها عنصرية ومعادية للإسلام وبحدّة بالغة.

أما المضحك المبكي فهو حقاً أن بعض الجماعات التي تدّعي اليسار، عربية أكانت أم غربية، تصوّر نظام آل الأسد وكأنه حصن للمعاداة اليسارية للإمبريالية، ويلتقي معها في تلك البلاهة بعض زعماء اليسار في أمريكا اللاتينية الذين يعملون بوحي من شعار «عدوّ عدوّي صديقي» وهو مبدأ الذين لا مبدأ لهم ولا ضمير، أمثال ذلك النفر من العرب الذين حدا بهم الأمر في القرن المنصرم إلى التمجيد بأدولف هتلر بسبب عدائه لبريطانيا ولليهود.

٭ كاتب وأكاديمي من لبنان

القدس العربي

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى