صفحات الناس

الظلام يخيّم على السوريين صيفاً وشتاءً/ دمشق – سلام السعدي

 

 

 

“محطة توليد الكهرباء ليست مجموعة يمكن تحميلها وشحنها على كونتينر أو في سيارة، وإنما هي مدينة قائمة بحد ذاتها، يحتاج بناؤها إلى عشر سنوات وتكلف مئات المليارات من الليرات السورية”. هذا ما تعلنه وزارة الكهرباء السورية على صفحتها الرسمية في مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك في محاولة يائسة لتنفيس الحنق الشديد الذي أصاب السوريين القاطنين في مناطق النظام من الانقطاع المديد للتيار الكهربائي، حتى مع حلول فصل الصيف.

“لم نشهد فترات انقطاع مماثلة في التيار على الإطلاق، ولا حتى في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، حين كانت سورية تعاني أزمة كهرباء حادة”، يقول أبو جميل (50 عاماً) المقيم في العاصمة دمشق. في تلك الفترة، خيّمت العتمة على كل سورية قبل سد فجوة العجز الكهربائي من خلال استيراد الكهرباء من تركيا، وبناء محطات توليد جديدة في نهاية التسعينيات. لكن الأزمة عادت بقوة منذ بداية عام 2012، وهي لا تني تتفاقم منذ ذلك الوقت.

وفي حين كانت أطول فترات انقطاع التيار تحصل في الشتاء، تفاقمت المشكلة لتستمر صيفاً.

يقول أبو جميل، لـ “العربي الجديد”: “جرت العادة أن تكون ساعات التقنين في فصل الصيف بين 5-8 ساعات، وفي الشتاء بين 8-16 ساعة”. ويعود ذلك الاختلاف إلى الطلب الكبير على المحروقات في فصل الشتاء من أجل التدفئة، وهو ما يقلّص من الكميّات التي تذهب لمحطات التوليد، ويتسبب بإنتاج أقل للكهرباء وبساعات تقنين أطول. لكن الصيف الحالي شهد، بحسب أبو جميل، “فترات تقنين كهربائي طويلة لا تختلف بشيء عما كانت عليه في فصل الشتاء”.

وبرغم أن وزارة الكهرباء أكدت أن التقنين سوف ينخفض مع انقضاء فترة “الذروة الشتوية”، لكن ذلك لم يتحقق.

يقول الباحث الاقتصادي، معن الفاضل، لـ “العربي الجديد”: “من الممكن أن تكون كمية المحروقات التي تصل محطات توليد الكهرباء هي ذاتها في الصيف والشتاء، وذلك برغم انخفاض الطلب، نظرياً، على المحروقات”. ويفسّر ذلك بالقول: “مع التراجع الحاد في القوة الشرائية للأسر السورية، لم تعد هي المستهلك الأكبر للمحروقات في فصل الشتاء، حيث يستهلك القطاع الخاص وقوات النظام السوري ومؤسساته الغالبية المطلقة من المحروقات المتاحة، وهو ما يجعل حجم الطلب على المحروقات في الشتاء والصيف متقارباً إلى حد ما”.

كما تعزو الوزارة استمرار انقطاع التيار الكهربائي في فصل الصيف إلى تواصل “الاعتداءات الإرهابية” على محطات توليد الكهرباء. يقول المهندس، أيهم خير، لـ “العربي الجديد” إن “محطات توليد الكهرباء في سورية باتت في حالة يرثى لها، إذ لم تشهد عمليات تحديث وصيانة جدية منذ عام 2011، وبمرور الوقت أصبحت عملية إعادة تأهيل شبكات الكهرباء ومحطات التوليد حاسمة من أجل الحفاظ على تغذية كهرباء مقبولة، لكن الحكومة السورية باتت عاجزة عن القيام بذلك”. ويضيف: “بسبب صعوبة وصول عمال الصيانة إلى بعض المناطق، أو عدم رغبتهم في المجازفة، تؤدي الأعطال الاعتيادية البسيطة إلى انقطاع الكهرباء عن بعض الأحياء لساعات طويلة وأحياناً لأيام متواصلة”.

وبرغم أن سورية كانت قد وقعت اتفاقيات عدة مع إيران لإعادة تأهيل محطات الكهرباء وبناء محطات جديدة منذ أكثر من ثلاثة أعوام، لكن واقع شبكة الكهرباء ومحطات التوليد لم يشهد أي تحسن، بل يشهد تدهوراً كبيراً عاماً بعد آخر، وذلك تحت ضغط الحرب واندحار قوات النظام السوري من مناطق شاسعة من البلاد. وتواجه تلك الأخيرة حالياً على سبيل المثال صعوبات كبيرة في صدّ هجمات تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على آبار جحار والمهر وحيان وحقل الشاعر للغاز بريف حمص الشرقي، وهي حقول توفر أكثر من 6 ملايين متر مكعب من الغاز يومياً تستخدمها محطات توليد الكهرباء في حمص ودمشق.

هكذا، تراجع إنتاج سورية من الكهرباء بنسبة 56 في المائة عما كان عليه قبل اندلاع الاحتجاجات في منتصف آذار/ مارس 2011، وذلك بحسب صحيفة حكومية. الصحيفة نقلت عن مدير عام مؤسسة النقل في وزارة الكهرباء، نصوح سمسمية، أن “كمية الطاقة الكهربائية المنتجة في عام 2011 بلغت نحو خمسين مليار كيلوواط ساعي، في حين انخفض حجم الإنتاج في عام 2014 إلى 22 مليار كيلوواط”.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى