صفحات الناس

الظلمة قدر أكثرية السوريين/ مروان أبو خالد

تستمر أزمة الكهرباء في سورية على وقع استمرار الحرب التي أشعلها النظام في البلاد والتي أدت إلى أضرار هائلة في قطاع الكهرباء، قدرتها حسب بعض الإحصاءات بـقرابة 650 مليار ليرة كخسائر مباشرة وغير مباشرة. وبعدما شهدت المنطقة الجنوبية من سورية انقطاعاً كاملاً للكهرباء لأيام عديدة في الفترة الماضية، غرقت محافظات إدلب وحمص واللاذقية وطرطوس وحماه وحلب في ظلام دامس بعد أن قطعت الكهرباء بشكل كامل عنها يوم 19 كانون الأول، في الوقت الذي وعدت فيه وزارة الكهرباء بإعادة التيار تدريجياً لهذه المناطق بعد إصلاح الأعطال. وهذا ما ينذر بأن عمليات انقطاع طويلة ستشهدها المناطق السورية في الفترة المقبلة في ظل انهيار قطاع الكهرباء في البلاد.

ونظراً لانخفاض توليد الكهرباء في سورية بنسبة 28% حسب تصريح وزير الكهرباء أواخر الشهر الماضي، أعلنت الوزارة أنها مضطرة لإجراء تقنين يومي حدد وفقاً للبرنامج الذي أعلنته ما بين 6-16 ساعة يومياً في مختلف المناطق، باستثناء ما تسميه الحكومة بالمناطق الحيوية في دمشق ومراكز المدن الأخرى والتي تبقى منارة على مدار اليوم أو لا يتجاوز التقنين فيها مدة 4 ساعات. ولكن ما يلمسه المواطنون يومياً هو أن تقنين الكهرباء لا يسير إطلاقاً وفقاً لبرنامج محدد، بل هنالك فوضى عارمة تطال عمليات التقنين، فبعض الأحياء في جرمانا وصحنايا والقزاز ومزة 86 وقدسيا وغيرها من مناطق دمشق تشهد عمليات تقنين يومية تصل إلى 18 ساعة وهي بالتالي تتجاوز برنامج التقنين المعلن، كما أن بعض الأحياء تشهد انقطاعات متكررة في الكهرباء لمدة 24 ساعة متواصلة تحت حجج الأعطال وأعمال الإصلاح.

ويشكو المواطنون في دمشق وريفها من أن التقنين في مدنهم تكثف في أحياء، وفي أحياء أخرى داخل المدينة ذاتها لا تقطع الكهرباء إلا ساعات قليلة في اليوم، والسبب معروف حسب المواطنين، فالأحياء التي يقطنها النافذون وأصحاب الوساطات يسعون من خلال نفوذهم إلى تقليص ساعات التقنين في الأحياء التي يقطنونها، ويتم تعويض ما تبقى من ساعات التقنين على حساب الأحياء الأخرى التي يقطنها الفقراء. في حين تكرر وزارة الكهرباء الحجج نفسها، بالهجمات التي تتعرض لها محطات التوليد، أو بنقص مادتي الفيول والغاز، أو بتحميل المواطنين سبب الاستجرار الزائد للكهرباء للتدفئة خاصة في ظل موجات البرد التي تضرب البلاد حالياً، ما يجعلها عاجزة عن تأمين أكثر من 50% من حاجة المحافظات السورية للكهرباء.

هذه الحجج غير مقنعة، فلو كانت هناك ظروف حقيقية تتعلق بنقص المحروقات وتوقف المحطات وراء قطع الكهرباء لساعات طويلة تتجاوز برامج التقنين المعلنة، لما كانت بعض الأحياء في المدينة عينها تحصل على كهرباء أكثر من أحياء أخرى، بل لكانت جميع الأحياء من دون استثناء تشهد نسب تقنين متساوية. كما أنه من المعروف أن سورية من أعلى دول العالم في هدر الكهرباء بحيث يقدر قيمة الهدر السنوي بحوالي 2 مليار دولار، ولم يسجل أي تحرك من الحكومة لخفض هذا الهدر وتوفيره لمصلحة تلبية طلب المواطنين. ناهيك عن عمليات الفساد بالمليارات جراء سرقة الكابلات النحاسية وقطع التبديل وبيعها في السوق السوداء، ولم نر الحكومة تحرك ساكناً لوقف عمليات النهب والفساد، وهذا ليس مستغرباً إذ كيف للفاسد أن يحاسب نفسه؟ ومعنى هذا ان انقطاع الكهرباء وطول ساعات التقنين لا تعود كلها للحجج التي ترددها وزارة الكهرباء دائماً، لاسيما أن قطاع الكهرباء في سوريا هو ضحية عقود من الإهمال والفساد وليست أزمته وليدة الحرب فقط.

 لهذا، شهدت الأسواق زيادة في الطلب على وسائل الإنارة الأخرى، فسعر الشمعة ذات النوعية الرديئة والتي لا تكفي إنارة لأكثر من ثلاث ساعات تجاوز في بعض المناطق عتبة 100 ليرة. وبعد أن عاد السوريون لاستخدام قنديل الكاز المندثر من زمن بعيد، نظراً لرخص سعر ليتر الكاز، رفعت الحكومة أخيراً سعر الليتر من 40 ليرة إلى 90 ليرة لتحرم السوريين بذلك من استخدامه، كما أن استخدام الغاز والمولدات الكهربائية في الإنارة يبدو اليوم حكراً على شريحة قليلة لاسيما من التجار وكبار الموظفين الحكوميين في ظل النقص الحاد في توفر هذه المواد من جهة ولارتفاع تكاليفها من جهة أخرى. فتكلفة إنارة ساعة واحدة للمولدات العاملة على البنزين تقدر وسطياً بـ 250 ليرة، وأما سعر تعبئة لوكس الغاز فوصل إلى 800 ليرة. وهو لا يكفي نظراً لساعات الانقطاع الطويلة سوى لأيام.

والحال إن الوضع الكهربائي المتأزم وارتفاع تكاليف وسائل الإنارة البديلة، تضع حياة السوريين على المحك. وهو ما يثبت ان حكومة الحرب وتجارها إنّما يسعون لدفن السوريين أحياء بحرمانهم من نعمة الكهرباء ووسائل الإنارة، بعد أن حرمتهم الحرب من كل نعم الحياة الأخرى.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى