صفحات الحوار

العالم العربي بين الجهاد والديموقراطية


الفرنسي جيل كيبيل، المتخصص بالعالم العربي المعاصر، يجيب على اسئلة “نوفل ابزفاتور” (3 تشرين الثاني 2011) حول فوز “النهضة” التونسية في الانتخابات الاخيرة، واثر هذا الفوز على بقية الحركات الاسلامية التي عرفت تغييرا سياسيا. هنا مقتطفات من هذه المقابلة:

[من هم ناخبو “النهضة”؟

ـ القاعدة الانتخابية لحزب “النهضة” واسعة جدا. فيما حصد هذا الحزب غالبية الأصوات، الا انه نال 41 بالمئة من المقاعد فقط، وذلك بسبب قانون النسبية الانتخابي الذي وضعته الهيئة العليا لتنظيم الانتخابات. فلو حصلت هذه الانتخابات ضمن قانون أكثري، لكان حزب النهضة نال الأكثرية. اما القاعدة الانتخابية، فهي تتألف من الذين همشهم التحديث، ولكن ايضا شريحة واسعة من البرجوازية الصغيرة التي تشعر بأنها تنحدر نحو الفقر. ذلك ان تونس اليوم لم تعد البلد المزدهر الذي كانته قبل خمس عشرة سنة. فهي متأخرة عن جارتها المغرب بعشر سنوات. وخلافا للاخوان المسلمين المصريين، فان ناشطي “النهضة” عملوا على توسيع قاعدتهم الاجتماعية عبر الاتصالات المكثفة. وقد عملوا على الاظهار ان فضاءهم السياسي يفيض عن قاعدتهم الإنتخابية التقليدية. إقرأ برنامجهم، حيث لا ذكر للشريعة بل للحرية والديموقراطية والتنمية؛ ما سيتسبب بمشاكل اخرى. فكلما انعطف حزب “النهضة” نحو الوسط، تخلى بذلك عن المجال الراديكالي لصالح السلفية الناشئة. وبتنا نشهد صراعا من اجل السيطرة على الاسلامية التونسية بين فرعها المعتدل، البرجوازي المدعوم من قطر وتركيا، الذي تود “النهضة” تمثيله، ، وبين فرعها السلفي المدعوم من دول خليجية أخرى (…).

[ما هي النقاط المشتركة بين إسلاميي ليبيا وتونس ومصر؟

ـ القالب الأصلي لكل هؤلاء هو الإخوان المسلمين. وما عدا ذلك هناك خصوصيات محلية واضحة. حزب “النهضة” مثلا لم يعد يسمي نفسه “إخوان مسلمين”. اما في مصر، حيث التغييرات الاجتماعية أضعف بكثير مما هي عليه من تونس، وعلى الرغم من سقوط مبارك، فان العسكر مستمرون بالحكم عبر المجلس الاعلى للقوات المسلحة، المكلف بتنظيم الانتخابات المقبلة. في مصر الاخوان المسلمين هم أبطال مرحلة إنتقالية يضيق إطارها بالنظر الى حجم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية ومساحة البلاد الشاسعة (…).

[في ليبيا يبدو الإسلاميون أكثر انقساماً مما هم عليه اسلاميي مصر وتونس.

ـ بالتأكيد. الوضع في ليبيا ليس مستقرا لأننا نشهد فيها ايضا تنافساً بين الاخوان المسلمين والسلفيين وقوى اخرى. ويجد قادة مختلف التيارات انفسهم امام وضع صعب، لأنهم مضطرون للتكيف مع سوق سياسي في حالة تبدّل دائمة. حتى الذين يودون المحافظة على ايديولوجية راديكالية والدفاع عنها، هم الآن مضطرون للقيام بتسويات اذا أرادوا بلوغ السلطة. والملفت في ليبيا هو قوة تأثرها بالعوامل القبلية والاقليمية. مدينة مصرانة سحقتها القوات القذافية، وما قام به ثوار مصراتة بعد ذلك ضد مدينة سرت، مسقط رأس الديكتاتور، كان ثأرا حقيقيا على يد ابنائها. وهم بعد ذلك حملوا جثتا الديكتاتور وابنه الى مصراتة، حيث عرض على اهلها، وكأنهما غنيمة. وكأنهم بذلك يوجهون رسالة الى اهل الجبال البربر القاطنين في الغرب والى السلفيين المتطرفين في بنغازي انهم عازمون على اخذ الجزء الذي يعود اليهم من السلطة.

ما رأيك بتصريح رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل حول تطبيق الشريعة، وتحويلها الى مصدر التشريع؟

اولا لست متأكدا انه عبر بذلك عن موقف مجمل اعضاء المجلس الانتقالي. كنت في ليبيا منذ اسبوعين. وعدد ممن التقيت بهم لم يكونوا على تناغم مع هذه الوجهة. برأيي ان عبد الجليل اعلن عن تبني الشريعة لسببين: الاول بحثا عن نيل الدعم الشخصي؛ اذ ان هناك العديد من القوى والشخصيات التي ترفضه نظرا لتاريخه الطويل في التعامل مع القذافي. لا يجب ان ننسى انه كان وزيرا للعدل تحت سلطة الديكتاتور. واذا اراد تبديد هذه الذكرى، عليه ايجاد الدعم من رجال من امثال عبد الحكيم بلحاج، العضو السابق في تنظيم “القاعدة”، والذي عينه قائدا عسكريا لمدينة طرابلس. ثانيا، من الواضح ان النظام القبلي في ليبيا ما زال قويا وان تعدد الزوجات منتشر فيها.

[الإسلاميون التونسيون، وجزء من الإخوان المصريين يقولون بأنهم يستوحون النموذج التركي. هل المقارنة مع الاسلام السياسي التركي مشروعة؟ مبررة؟

ـ حول هذه النقطة، الوضع في حال من التبدل. حتى الآن بدا أردوغان اسلامي يستطيع التماشي مع اقتصاد السوق والتعدد السياسي؛ الا ان النموذج التركي مأخوذ بتناقضاته الخاصة. عندما جال أردوغان على البلاد العربية، استقبلت تونس خطابه بترحاب. ولكن في مصر، كان لاستقبال علمانيته اثر اقل ايجابية. لماذا؟ لأن مضيفيه تصوروا ان الاسلام في تركيا هو في خدمة الدولة التركية، التي تنافس الدولة المصرية على الملف الفلسطيني، وكذلك على مشاريع إستثمار الغاز في شرق المتوسط. اضف الى ذلك ان النموذج التركي داخليا بلغ اقصى حدوده وإمكانياته. فحزب العدالة والتنمية كان مدعوما من البرجوازية الكبيرة والشركات الكبرى، لأنه كان يسمح بتمرير عقود في الباطن الى أرباب العمل الصغار في الاناضول، الذين يستغلون مهاجري الريف ذوي الرواتب المتدنية. اليوم تشعر قاعدة هذا الحزب بأنها خُدعت وهي تبعث رسائل الى القيادة تنم عن قلقها (…).

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى