صفحات العالم

العدّ العكسيّ لزعيمين!؟/ حـازم صـاغيـّة

 

 

ينتهي العام 2014 حاملاً أخباراً غير سعيدة لزعيمين: رئيس روسيا فلاديمير بوتين ورئيس تركيّا رجب طيّب إردوغان. ولأنّ الاثنين مأزومان، نراهما يحاولان التقارب في ما بينهما حيث يمكن التقارب، مع وضعهما خلافهما السوريّ بين هلالين.

الاثنان، وهما مقيمان على أطراف “الغرب”، يصطدمان بـ”الغرب”. واحدهما يتّهمه بالعمل على تقليم أظافر الدبّ الروسيّ، والثاني يتّهمه بالتدخّل – السياسيّ كما القيميّ – في ما لا يعنيه.

والاثنان يتربّعان في سدّة نظام هو شبه ديمقراطيّ، شبه استبداديّ، حيث يحاول “سيادة الرئيس” أن يلخّص في ذاته، غير هيّاب، العمليّة السياسيّة لبلده.

لكنّ الاثنين، فوق هذا، أو بسبب هذا، متفرّعان عن وعي إمبراطوريّ يتحايل كلٌّ منهما على الواقع لاسترجاعه: فبوتين لا يكتم حبّه للعظمة التي مثّلتها “الروسيا” القيصريّة ثمّ الاتّحاد السوفياتيّ الستالينيّ من بعدها، وإردوغان، الذي أعاد الاعتبار مؤخّراً للّغة العثمانيّة، لا يكتم حنيناً للخلافة جعله العالم المعاصر حنيناً مجهَضاً. والحال أنّ الحنين هذا هو السبب الأعمق وراء الاستيراد التركيّ لحركة الإخوان المسلمين وأفكارها.

معضلة بوتين انفجرت في الأسابيع القليلة الماضية حين تضافرت العقوبات الغربيّة المتواصلة على روسيّا، بسبب سياستها الأوكرانيّة، وانخفاض أسعار النفط، أساساً بسبب التوسّع في اكتشاف النفط الصخريّ. أمّا معضلة إردوغان فبدأت قبل عام ونيّف مع انفجار الخلاف بينه وبين حليفه الإسلاميّ السابق الداعية فتح الله غولن.

معضلة بوتين كشفت أنّ العملاق الروسيّ لا يملك من وسائل القوّة إلاّ أسعار النفط والغاز المرتفعة، وهذا لا يكفي بتاتاً في زمن الثورة المعلوماتيّة وما بعد الصناعيّة. في هذا تحاول البوتينيّة بكثير من المكابرة أن تُكمل السيرة السوفياتيّة القديمة حيث استعيض بالقوّة العسكريّة عن كلّ قوّة اقتصاديّة أو مجتمعيّة أخرى.

وبدورها ترافقت معضلة إردوغان مع مراوحة الاقتصاد الذي كان نقطة قوّته في السنوات الماضية، وتوقّف العمليّة السياسيّة مع الأكراد، وجمود السعي إلى الانضمام للاتّحاد الأوروبيّ، والكارثة التي ألمّت بالإخوان المسلمين في مصر في موازاة انكماش طموحهم في تونس، والارتباك المشوب بشكوك الحلفاء بمواقف أنقرة من الحرب مع “داعش”، وانقشاع الفساد الذي بدأ يطال إردوغان نفسه وأسرته (وهو ما كان السبب الفعليّ للخلاف مع غولن)، وانكشاف العُظام الرئاسيّ في توسيع الصلاحيّات وبناء القصور، وتعاظم الاعتداءات على الإعلام والصحافيّين ووسائط التواصل الاجتماعيّ، علماً بأنّ أحد أسباب قوّة إردوغان أنّه تصدّى لنفوذ المؤسّسة العسكريّة وتعدّياتها على الحريّات… وهذا كلّه بعد النهاية المؤلمة لنظريّة “تصفير المشاكل” التي ارتبطت باسم داوود أوغلو، وزير خارجيّة إردوغان قبل أن يصير رئيس حكومته.

ما من شكّ في أنّ الزعيمين شعبيّان، وهما لن يسقطا بين ليلة وضحاها. فبوتين تنهض زعامته على التلاعب بأوتار القوميّة والكرامة الروسيّتين الجريحتين، والشيء نفسه يصحّ في تركيّا في حالة إردوغان الذي يستفيد أيضاً من تماهيه مع السنّيّة التركيّة في مواجهة الأقليّتين الكبريين العلويّة والكرديّة. مع هذا، ربّما جاز القول إنّ العدّ العكسيّ قد بدأ فيما توالي هالة “التاريخيّة” سقوطها عن الزعيمين.

موقع لبنان ناو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى