صفحات سورية

العرب أمام التغيير العاصف أم الهادئ؟


فايز سارة

أخيراً سقط نظام القذافي في ليبيا، وانضمت ليبيا الى قائمة الدول التي انخرطت في سياق عملية تغيير شامل عبر إطاحة النظام ورئيسه على نحو ما فعلته تونس اولاً، ثم مصر لاحقاً، وعلى نحو ما يحاول اليمنيون والسوريون القيام به وتغيير نظام الاستبداد والتسلط في بلادهم والانتقال بالبلدين الى نظام ديموقراطي تعددي يقوم على المواطنة والعدالة والمساواة والمشاركة وحكم القانون.

ويمثل خط التغيير العربي عبر إسقاط النظام وإطاحة حاكمه، احد خطي التغيير العربي الراهن. فيما يقوم الخط الثاني على فكرة القيام بإصلاحات أساسية، يتم القيام بها تحت ضغط الحراك الشعبي ومطالبته بتغييرات جوهرية في النظام القائم، بحيث توفر فرصة انتقال أكيد الى نظام جديد تتوافق قاعدته، وتتقارب مع محتوى قاعدة التغيير عبر إسقاط النظام ورئيسه، بحيث يتم دفع البلاد نحو إقامة نظام ديموقراطي تعددي بدلا من نظام الاستبداد والتسلط السابق.

القاسم المشترك بين الخطين، انهما يمضيان تحت ضغط الحراك الشعبي وقوته في بيئتين مختلفتين، الاولى فيهما هي رفض الحاكم العربي إجراء أي تغييرات في قواعد نظامه السياسي القانونية والحقوقية من شأنها تبديل طبيعة النظام، والإصرار على مواجهة مطالب الشعب بالقوة عبر استخدام كل العناصر، التي توفرها الاجهزة الامنية والقوات المسلحة، ومليشيات النظام من أنصاره ومن الذين يستأجرهم للمشاركة في قمع المطالبين بالتغيير، وهو سلوك يتزامن من حملات تحريض ضد المطالبين بالتغيير تتضمن اتهامهم بجر البلاد الى حروب داخلية وبالضلوع في مؤامرات خارجية من جملة اتهامات اخرى. فيما تأخذ البيئة الاخرى شكلاً آخر أساسه «تفهم» الحاكم العربي مطالب المنادين بالتغيير وملاقاتهم عند نقاط معينة من المطالب، وإعلان الاستجابة لها، بل البدء في إجراء تغييرات إصلاحية ذات مضامين دستورية وقانونية وإجرائية على نحو ما حدث في بلدان منها المغرب، وعمان والبحرين.

واذا كان التغيير عبر إسقاط النظام ورئيسه، هو الشكل الاكثر شعبية في العالم العربي، فإن التغيير عبر الاصلاحات الجوهرية، قد يكون الشكل الاهم والاكثر رسوخا والاقل تكلفة سواء في الفاتورة المباشرة، أو من خلال الفاتورة غير المباشرة لعملية التغيير، ذلك ان إسقاط النظام وإطاحة رأسه، يمكن ان يأخذانا الى مرحلتين، اولاهما الصدام بين الحراك الشعبي والنظام، بما تخلفه الصدامات من خسائر في الارواح وجرحى بينهم معوقون وعجزة وسجناء وملاحقون، الى جانب خسائر مادية، تتفاوت بين تجربة واخرى، وهذا كله اذا لم تأخذ ظروف البلد المعني وشعبه الى حروب داخلية أو باتجاه تدخلات دولية تأخذ طابعاً عنيفاً، ثم مرحلة تأتي بعدها المرحلة الثانية وهي مرحلة انتقالية، تتميز بالارتباكات السياسية والاقتصادية، الناجمة عن انهيار النظام الحاكم، والتوجه نحو بناء نظام بديل، وهذه المرحلة ذات تكاليف اقتصادية كبيرة في بلد يحاول أن يخرج من واقع له مشاكله وبينها مشاكل اقتصادية، وبالإجمال فإن فاتورة التغيير تكون مكلفة ومربكة، والتغيير يحتاج الى كثير من الجهد والوقت والتكلفة.

أما في الحالة الاخرى، فإن التغيير عبر الاصلاحات الجوهرية، يمكن ان يأخذ طابعاً هادئاً وبتكاليف أقل من الناحيتين البشرية والمادية، ليس فقط بسبب محدودية الصراعات بين الحراك الشعبي والسلطات الحاكمة في هذه البلدان بل ايضا بفعل ان السلطات لا تستطيع الدخول في مواجهات مع الحراك الشعبي، اذا كانت قد قررت التوجه الى معالجات سياسية، كما ان تلك المعالجات سوف تتجنب إحداث خضات سياسية واقتصادية واجتماعية عنيفة، تترتب عليها خسارات وخسائر كبيرة.

ان خيار الاصلاح الجوهري للحياة العربية في أنظمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كان خياراً مطروحاً من قبل النخبة العربية وجماعتها السياسية والاجتماعية والثقافية على نحو واسع طوال العقد الماضي، غير ان السلطات العربية، قابلت مطالب الاصلاح بالتجاهل وبعضها بادر بالهجوم على الاصلاحيين واعتقالهم وسجنهم، الامر الذي كان بين عوامل دفعت لانفجارات الوضع العربي الراهن الذي وان أطاح بعض الانظمة والقادة، فإنه سوف يسقط البقية، ما لم تتم بالفعل إصلاحات جدية في البلدان العربية بحيث تتغيير طبيعة الانظمة وطبيعة حياة المواطنين وموقعهم في سلم السلطة والثروة وخاصة لجهة مشاركتهم في تقرير شؤون بلدهم ومستقبل بلدهم وحياة أبنائهم القادمة.

لقد أصبح التغيير في الحياة العربية أمراً مؤكداً وحتمياً. ومسؤولية القادة والسلطات العربية، ان تمضي بهذا التغيير الى نهايته بطريقة هادئة وسلمية حتى وان كانت غايته النهائية الحد من سلطاتها وسيطرتها، لان البديل لنهج الانتقال الهادئ والسلمي والقليل التكاليف، انتقال عنيف مكلف، انتقال يجعل القادة لا يخسرون سلطاتهم وسيطرتهم فقط، بل يخسرون أنفسهم وما يحيط بهم جميعهم.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى