صفحات سوريةعبدالله تركماني

العزة لشعب سورية العظيم


عبدالله تركماني

كشف نظام الاستبداد عن وجهه السافر في طريقة تعامله مع الاحتجاجات السلمية التي شهدتها محافظة درعا الأبية والتي أدت إلى استشهاد العشرات من المواطنين بالرصاص الحي الذي أطلقته قوات الأمن.

لقد تكررت، على مدار السنوات العشر الماضية، الحملات ضد المثقفين وناشطي الشأن العام، اعتقالاً ومحاكمات وأحكاماً بالسجن، وملاحقات واستدعاءات واتهامات مضللة، ومنعاً من السفر.

إنّ السلطة المستبدة، فاقدة الشرعية الدستورية، توسلت ذريعة الحفاظ على السيادة والاستقلال ودرء الأخطار الخارجية لتنّصب من نفسها مسؤولاً وحيداً عن إدارة شؤون الوطن واحتكار الحق في التصرف باسمه، معتبرة أية مبادرة بخلاف ذلك خروج عن الطاعة، تستحق أشد عقاب. فعطلت الحقوق المدنية والسياسية للمواطنين السوريين، بل أحصت أنفاس الناس، وتحكمت بكل شاردة وواردة في سلوكهم، وحتى تلقينهم ما ينبغي أن يقال وما يجب أن لا يقال.

إنّ نظام الاستبداد الذي نصبّ من نفسه وصياً على مصالح الوطن تمكّن من سحق وتفتيت بذور الحرية والتعددية السياسية. والمؤلم أنّ سلطة الاستبداد لم تراكم سوى المحن، ولم تنتج سوى الأزمات، مما قاد إلى انسداد كل أفق ممكن لإيجاد حلول ومعالجات ناجعة للأزمات الناشئة في مجتمعنا السوري.

إنّ الطبعة الوحيدة من الوطنية التي يطلب من جميع السوريين إعلان ولائهم لها وانتمائهم إليها، والالتحام عبرها بالرئيس والنظام والحزب، بصرف النظر عن موقعهم ومصالحهم وحقوقهم ومستقبلهم، لا تبدو الوطنية فيها مرتبطة بحقوق وواجبات ومصالح ومسؤوليات والتزامات تخص الجميع وكل مواطن، وتحتمل النقاش والتطوير والتجديد والتحسين، وإنما سقفاً تفرضه مقتضيات أمن النظام وديمومته.

إلا أنّ وصاية نظام الاستبداد تعاني اليوم حالة انكشاف واضطراب، من جراء فضيحته المجلجلة في درعا، وارتقاء وعي السوريين وقد صاروا يتحسسون جيداً وزنهم ويستشعرون الدوافع الحقيقية وحسابات المصالح الضيقة التي تقف وراء دعوات النظام إلى الركون إلى وعوده التي خبرها الشعب السوري جيداً، الأمر الذي يحث الغيارى على سورية ومستقبلها لاستمرار المظاهرات السلمية لتعميم ثقافة المواطنة، التي يكون الإنسان السوري مركزها وغايتها، تبدأ بأوجاعه وهمومه وتسعى إلى حقوقه ومصالحه، بعيداً عن التسلط والهيمنة، محطمة الجدار المصطنع بينه وبين السياسة، ممتدة في منظورها المجتمعي نحو الحريات وحقوق الإنسان وتطوير المؤسسات المدنية واحترام الكفاءات، بما في ذلك تعرية وكشف ما يعيقه أو يكبله من قيود، لتصل إلى إرساء مناخ صحي يثق بالناس ويمنحهم الفرصة من الأمان والحرية كي يأخذوا دورهم الحقيقي في المجتمع، كذات حرة واعية لمثلها وقيمها وأهدافها، قادرة على تحمل مسؤولياتها بحرية وطواعية بعيداً عن القسر والإكراه.

إنّ سلطة من دون معارضة هي سلطة مستبدة لا محالة، تتوهم أنّ الزمن طوع يديها، وأنّ شيئاً لا يمكن أن يزيحها طالما هي تملك القوة التي تقضي بها على كل من يطال حدودها.

إنّ ما نحتاج إليه لبناء الوطنية السورية الحقة ليس شعارات تعبوية تمجّد الزعيم والحزب الحاكم، بل إجراء تحولات ديمقراطية حقيقية في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لتعزيز الدعائم الأساسية التي تقوّي المجتمع وتؤكد حضوره ككيان موحد وفاعل. وبالتالي لن ينعم مجتمعنا بلحمة وطنية صحية إلا في حال البدء بتحرير السياسة من السيطرة الشمولية للسلطة، من الوصاية والنمطية، ومن سيادة الرأي الواحد والصوت الواحد والحزب الواحد، بما يعني الاستعداد لخطوات جريئة، على صعيد حقوق المواطنة والعدالة والكرامة وسيادة القانون، والقبول بالتعددية والاختلاف كمقدمة لا غنى عنها لصياغة عقد اجتماعي جديد، يضمن لجميع مكوّنات الشعب السوري حقوقها على قدم المساواة في المشاركة السياسية وإدارة الشؤون العامة.

وعليه، فإنّ ما أعلنته المستشارة الإعلامية الدكتورة بثينة شعبان من ” إصلاحات ” ينوي الرئيس القيام بها لا ترقى إلى مستوى التغيير الوطني الديمقراطي الذي يطمح إليه الشعب السوري الأبي، خاصة بعد أن عمّدت دماء شهداء درعا مطلب هذا التغيير، وما يمكن أن تسفر عنه غداً ” جمعة العزة ” في العديد من المحافظات السورية من تصعيد لهذا المطلب الذي طال انتظاره.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى