صفحات سورية

العقدة الأميركية في تأمين المعارضة السورية/ عبد القادر عبد اللي

 

 

بدأ لغط كثير منذ تصريح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، لمراسل “ديلي صباح” التركية، أثناء زيارته إلى كوريا، حول عقد “اتفاق مبدئي” مع الولايات المتحدة الأميركية لتأمين المقاتلين السوريين من الجو. يذكرنا هذا اللغط بما حدث من قبل حول تدريب المعارضة السورية وتسليحها.

لم يعد خافياً بأن هناك قواتٍ سورية معارضة تتدرب في قاعدة “قرشهير” التركية، وقد أكد هذا الأمر وزير الخارجية التركية أكثر من مرة، ولكن الولايات المتحدة حتى الآن لم تعترف بشكل رسمي بالبدء في هذا التدريب على الرغم من إرسال عشرات المدربين الأميركيين إلى القاعدة ذاتها. وطالما قالت واشنطن إنها أجلت البرنامج “لأسباب تقنية”. وكان السبب الرئيس لعدم البدء بهذا التدريب، وتأجيله المتكرر هو الخلاف على نقطة رئيسة بين تركيا والولايات المتحدة، وهي “محاربة النظام”، إذ رفضت أميركا أن تكون مهمة المتدربين مقاتلة النظام، والاقتصار على قتال “داعش” فقط، ولكن تركيا أصرت على قتال “النظام وداعش”. وبعد أخذ ورد طويل، رضخت الولايات المتحدة لمطلب تركيا، وقبلت بأن يقاتل المتدربون “النظام السوري وداعش”، ووقعت اتفاقية مع تركيا بهذا الخصوص في مبنى وزارة الخارجية، وكان أول من أعلن عنها وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو. ولكن يبدو أن هذا القبول تم بما يمكن تسميته بالإكراه، وهذا ما جعل الولايات المتحدة تعلن أكثر من مرة عن تأجيل البدء بالتدريب “لأسباب تقنية”.

عادت قضية “تدريب المعارضة السورية وتسليحها” إلى النقاش مرة أخرى بعد تصريح جاويش أوغلو، حول ما أسماه “التأمين (أو الإسناد) الجوي للمقاتلين السوريين”. في الحقيقة كان هذا الأمر مطروحاً منذ البداية، وتصريح وزير الخارجية ليس غريباً، فالمقاتلون الذين سيقاتلون “داعش”، سيكون لهم دعم جوي أو على الأقل حماية جوية. وهكذا لا يعتبر تصريح الوزير التركي غريباً، والجميع يتذكر القتال الذي خاضته “وحدات الحماية” الكردية و”البشمركة” ومعها مجموعات من الجيش الحر في عين العرب “كوباني”، وقد قدمت الولايات المتحدة الدعم الجوي لهذه القوات، وكان ثمة تنسيق بين القوات التي على الأرض وقوات الحلفاء الجوية. ولكن بما أن الاتفاق المعقود بين الولايات المتحدة وتركيا أقر بأن هؤلاء المقاتلين سيقاتلون “داعش” والنظام، فمن الطبيعي أن يُقدم لهم الدعم الجوي، ولهذا لم يستغرب أحد تصريح الوزير التركي، وأخذ على اعتباره معلومة من مصدر مسؤول.

الناطق باسم “البنتاغون” جيمس برندل، أعلن بأن “المباحثات في هذا المجال مازالت قائمة، ولم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي بعد”. المعارضون للحكومة التركية اعتبروا هذا تكذيباً، وأن وزير الخارجية التركية يهرف بما لا يعرف. ولكن هذا التصريح يعني أن “البنتاغون” يعترف بوجود مباحثات مع تركيا حول تأمين المقاتلين السوريين من الجو، ولكن هذه المباحثات لم تصل إلى اتفاق نهائي بعد. نعم، لقد قال الوزير التركي عن اتفاقي مبدئي، ونفى الناطق باسم النتاغون وجود اتفاق نهائي.

الوزير التركي موجود، ومازال قائماً على رأس عمله، ولا يمكن أن يفوّت الإعلام هذه القضية، وفي أثناء زيارته إلى نيقوسيا الواقعة في الشطر التركي من قبرص، أعيد عليه السؤال، وذُكر بتصريح “البنتاغون”، فأجاب بأن كلامه قد أسيئ فهمه.

في الحقيقة، عند جمع هذه التصريحات منذ الإعلان عن خطة “التدريب والتسليح”، ووضعها في مسارها الزمني، نجد أن الخلاف التركي الأميركي مازال قائماً. وإذا كان الأتراك قد فشلوا بانتزاع أي موقف عملي من الولايات المتحدة ضد النظام السوري على مدى أربع سنوات، فإن تركيا خلال الأشهر الأخيرة، وخاصة بعد التقارب السعودي-التركي، بدأت تنتزع من الولايات المتحدة بعض المواقف لصالح المعارضة السورية، ومنها البدء بتدريب المعارضة السورية المسلحة على الأرض التركية الذي لم تعترف به الولايات المتحدة بعد. وهناك نقطة مازالت حتى الآن في إطار التسريبات على ألسن المقربين من الحكومة التركية، وهي أن المعارضين السوريين يتدربون على أسلحة دفاع جوي لتأمين مظلة جوية بأنفسهم أثناء قتالهم النظام السوري، وهذا ما كانت واشنطن قد اعتبرته خطاً أحمر أمام المعارضة المسلحة السورية.

أصبح جلياً أن نقطة الخلاف الأساسية بين تركيا والولايات المتحدة الأميركية هي رفض إدارة أوباما إسقاط النظام السوري، وهذه الإدارة تعرف أن الدعم الجوي يمكن أن يؤدي إلى انهيار النظام، لأن سلاح الجو هو ورقة القوة الوحيدة المتبقية بيد النظام، لذلك فهي ستبقى تطرح ذريعة “التفاصيل التقنية” لتأجيل هذا الدعم، كما حدث تماماً عند طرح قضية “التدريب والتسليح”، وتذرعت به فترة طويلة. وإذا كانت الولايات المتحدة ما زالت رافضة تقديم الدعم الجوي للمعارضة السورية اليوم، فعلى ما يبدو أن هذا الأمر بعد أخذ ورد، وبعد رؤية أداء المعارضة المسلحة على الأرض سيجد ذريعة ما، ويتم. فالاتفاق على تقديم الدعم الجوي ضد “داعش” موجود، والممول السعودي جاهز، والأرض والتقنيات جاهزة، وليس ثمة حاجة إلى اتفاق جديد. وبما أن الاتفاق بين تركيا والولايات المتحدة حول تدريب المعارضة السورية المسلحة الموثق، والمعترف به من قبل الطرفين قد أضاف عبارة “النظام السوري” فلابد أن تجد هذه المشكلة التي تسمى اليوم “تقنية” حلاً.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى