صفحات سوريةعمر كوش

العقل السياسي الإيراني والأزمة السورية


عمر كوش *

كشفت فضيحة ترجمة المقاطع من خطاب الرئيس المصري محمد مرسي، التي تخص الوضع في سورية، مدى انخراط النظام الإيراني وتورطه في دعم النظام السوري بشتى الوسائل، إلى درجة أن المترجمين استبدلوا اسم سورية بالبحرين، في عملية ليست خطأ، كما حاول الساسة الإيرانيون تبريرها، بل تحريفاً مقصوداً، يكشف حجم الزيف الذي لجأ إليه العقل السياسي الإيراني الرسمي في تصوير واقع الحال في سورية. وربما، لو أن إيران لم تكُن الدولة المضيفة لقمة دول عدم الانحياز، لانسحب الوفد الإيراني من القمة، مثلما فعل نظيره السوري، احتجاجاً على كلمة مرسي، التي انتقد فيها النظام السوري، ولم يقل فيها سوى القليل بحق نظام فقد الشرعية، ولجأ إلى قتل شعبه بمختلف أنواع الأسلحة.

وإن كانت فضيحة الترجمة الفارسية لخطاب مرسي قد كشفت آلية تفكير النظام الإيراني في النظر إلى الوضع في سورية، وطريقته في النظر إلى البحرين وإلى الربيع العربي، الذي تحول في المقياس الإيراني إلى «صحوة إسلامية»، إلا أنها تدعو إلى التفكير بالأسباب والحيثيات التي جعلت قادة إيران يتعاملون مع الوضع في سورية، وكأنها القضــــية الأهم بالنــسبة إليهم في منطقة الشرق الأوسط. وتدعو كذلك إلى التفكير في أبعاد الدور الإقليمي لإيران والمشروع الإيراني الارتدادي، الذي يضرب عمقه في التاريخ، وتحكمه مرجعيات الثأر لمعارك ومواجهات قديمة، لم يخضها عرب اليوم، ولا يسألون عنها، مع العلم أن العرب الذين دخلوا إيران، في غابر الأزمان، دخلوها مسلمين، وفاتحين، ولم يكنوا العداء للشعوب الإيرانية التي دخلت الإسلام من دون إكراه.

والناظر في عقلية المتشددين في إيران، يجد أنهم دعاة مشروع أيديولوجي، يتخذ تلاوين مختلفة في المنطقة، ويقف وراءه عقل سياسي، يزاوج ما بين الديني والقومي، أي ما بين العقيدة المؤولة مذهبياً، وفق فهم رجال دين متزمتين، وبين الطموح القومي الضارب في عمق الأيديولوجيا والتاريخ الغابر، الأمر الذي يجعل منه مشروعاً جامعاً ما بين السعي إلى الهيمنة وإلى التغيير، وهادفاً إلى تحقيقهما بمختلف الوسائل، المشروعة وغير المشروعة. ولا يقدم دعاته ومناصروه أية تنازلات، ولا يقبلون بالمساومات أو التسويات، حتى وإن تعلّق الأمر بالاسم فقط، حيث ما زالوا يرفضون تسمية «الخليج الإسلامي»، التي اقترحت كحل وسط لتسمية الخليج العربي، ويصرون على تسميته «الخليج الفارسي»، بل ويتخذون إجراءات عقابية صارمة بهذا الخصوص.

والمفارقة في الأمر أن الشعب الإيراني، لا تسكن غالبيته هواجس هذا المشروع، ولا يكن العداء للشعب السوري أو سواه من الشعوب العربية وغيرها، في حين أن الموقف الإيراني الرسمي حيال الأزمة في سورية، اتسم بالانحياز الكامل للنظام السوري، منذ اندلاع شرارة الحراك الاحتجاجي الشعبي فيها، حيث تبنى الساسة الإيرانيون خطاباً داعماً للنظام في نهجه وسياساته الداخلية والخارجية، ونظروا إلى الأزمة بصفتها نتاج «مؤامرة خارجية»، هدفها النيل من مواقف النظام المعادية للمشاريع الأميركية والصهيونية، ولم يخفوا وقوفهم القوي إلى جانبه بكل إمكاناتهم الديبلوماسية والسياسية واللوجيستية والعسكرية، بل دعموه بالمال والسلاح، وتبنوا وجهة نظره وطريقة تعامله مع الأوضاع الدامية وتغوّله في قتل المدنيين وتدمير البلاد.

وعلى رغم التصريحات الخجولة لبعض المسؤولين الإيرانيين حول الإصلاح واحترام مطالب الشعب السوري، إلا أن ساسة إيران لم يعيروا الجانب الإنساني والأخلاقي أي اهتمام يُذكر، على رغم سقوط عشرات آلاف الضحايا المدنيين، فضلاً عن الجرحى والمعطوبين والمعتقلين والمفقودين والنازحين، مع علمهم بأن الحراك الاحتجاجي السلمي، أعلن منذ انطلاقته عن رغبة الشعب السوري في نيل الحرية واسترجاع الكرامة، والتطلع إلى دولة مدنية تعددية، تقوم على المواطنة والعدالة الاجتماعية.

منذ عقود عدة، أنتج العقل السياسي الإيراني معادلات، يحاول النظام الإيراني تنفيذها وتثبيتها، من خلال ســـعيه إلى قيام إيران بدور الدولة المحورية بأسنـــان نووية، متزعمة المـــشرق الإسلامي تحت لافتة ذرائعية، فحـــواها الصراع مع إسرائيل ومجابهة الولايات المتحدة الأميركية. وهي لافتة شعاراتية فارغة، لأن هذا النظام سارع على الدوام إلى مهادنة المشاريع الأميركية والاستفادة منها، بل وساعد الإدارات الأمـــيركية، التي تعاقبت على البيت الأبيض، على تنفيذ مرادها في أفغانستان وفي العراق.

في حين أن الصراع المزعوم مع إسرائيل اكتسى معانيَ لفظية، طــنانة فقط، لأن الهدف من ورائه ضمان أمن النظام الإيراني وسلامة نخبته الحاكمة، إلى جانب سعيه إلى إيجاد مجال حيوي يضمن نفوذه الإقليمي القوي.

وفي ظل فراغ القوة الحاصل في المنطقة العربية، وغياب أي محور فاعل فيها وقادر على الوقوف في وجه النفوذ الإيراني، سعت إيران، خلال العقود الثلاثة الماضية، إلى تقوية تحالفها مع النظام في سورية، وإلى بناء شبكة معقدة مع العلاقات في المنطقة العربية، حيث تمكنت مع امتلاك أوراق كثيرة في دول المشرق العربي، بدءاً من العراق، الذي تمكنت فيه من إيجاد قوى سياسية عراقية فاعلة على الأرض، مكونة من ميلشيات وأحزاب مذهبية، تنفذ سياساتها، وتتمتع بعلاقاتها الجيدة مع الولايات المتحدة الأميركية. ودعمت إيران حزب الله اللبناني، بل وساهمت في تأسيسه وتقويته، ومدّه بالرجال وبالمال وبالسلاح. كما دعمت مجموعات مذهبية في بلدان الخليج العربي، حيث دعمت في شكل كبير التمرد المسلح لجماعة الحوثيين في اليمن ومدّتهم بالأسلحة والمال. إضافة إلى مساندة النظام الإيراني، وفي شكل علني، الحراك الاحتجاجي في البحرين ومحاولة تجييره.

ولم يتردد النظام الإيراني في استخدام أي وسيلة كانت في سبيل تحقيق مصالح نخبته الحــاكمة ومصالح حلفائه في المنطقة، مستنداً إلى نهج يبرر الوسيلة في خدمة المصالح، بينما يعيش الشعب الإيراني أوضاعاً صعبة، على مختلف المستويات، خصوصاً بعد قمع «الثورة الخضراء»، لذلك يحاول ساسة إيران أن يقللوا من خسائرهم الناجمة عن إرهاصات الربيع العربي، وأن يشعلوا صراعات في بعض الدول العربية، وخصوصاً دول الخليج، بغية تحويل أنظار الداخل الإيراني إلى الأماكن التي يستهدفونها.

وعلى رغم ذلك كله، فإن العقل السياسي الإيراني معروف بأنه ليس بعيداً من عالم الصفقات، حيث توصف العقلية السياسية الإيرانية بعقلية «البازار»، القائمة على المساومة والمماطلة. وفي هذا السياق قد تدخل القيادة الإيرانية في مساومات مع القوى الدولية الفاعلة، ومع بعض أطراف المعارضة السورية، من منطلق وضع النظام الإيراني مصالحه فوق كل العلاقات مع العالم الخارجي، على رغم أن علاقاته وتحالفاته مع النظام السوري، لا تتوقف عند حدود سورية الجغرافية، إنما تتجاوزها إلى حزب الله في لبنان وإلى القوى الحليفة له في العراق.

* كاتب سوري

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى