كتب ألكترونية

العقل ضد السلطة/ نعوم تشومسكي و جون بريكمون

 

 

 

يمثل عنوان هذا الكتاب تلخيصاً وافياً بأعمال تشومسكي، وإجمالاً لمسار حياته. فالمثقف الذي من طينته لا يملك إلا العقل وسيلة لخوض المعارك (…). والخلاف بين تشومسكي ومثقفين معاصرين عديدين يتمثل في أن هؤلاء كثيراً ما نبذوا سلاح العقل؛ بل إن منهم من يعدُّ هذا السلاح في جوهره سلاحاً قمعياً. غير أن تشومسكي لا يحمل إيماناً ساذجاً بقوة العقل، بل يرى أن العقل هو كل ما نملك. ولا يصدر تشومسكي كذلك عن إيمان ساذج بالتقدم؛ لكن الديمقراطية، والحريات الفردية، واللائكية، وتحرّر المستعمرات، وحقوق الأقليات، وحقوق النساء، وحقوق الأجيال المقبلة (الحركة من أجل حماية البيئة)، تُعتبر علامات دالة على التقدم، والتقدم المقرون بإعادة النظر في الأشكال التقليدية للسلطة، وهي عملية صارت ممكنة بفعل حركة النقد العقلاني والتحرّري المتحدّر من الأنوار.

جون بريكمون ونعوم تشومسكي العقل ضد السلطة

إذا كان الكثيرون يعرفون تشومسكي المنتقد للسياسة الأجنبية الأمريكية، فإن أفكاره حول الطبيعة البشرية والتقدم والثورات والفوضى والسوق وحرية التعبير والفلسفة والمثقفين (بمن فيهم المثقفون الباريسيون) والعلوم والدين والأخلاق لا يزال العارفون بها قليلين.

والكتاب الذي نقدم ترجمته ههنا يشتمل على حوارين، أنجزا هما الاثنان بطريق الكتابة، يعود أولهما إلى سنة 2009 والثاني إلى مطلع سنة 2010. وقد أراد المحاور به أن يكون مساعداً على زيادة فهم لمختلف جوانب الثراء المميز لفكر تشومسكي. ولتحقيق هذه الغاية جاءت معظم أسئلته في صورة اعتراضات.

يمثل عنوان الكتاب «العقل ضد السلطة» تلخيصاً وافياً لأعمال تشومسكي وإجمالاً لمسار حياته. فالمثقف الذي من طينته لا يملك إلا العقل وسيلة لخوض المعارك؛ فهو لا يملك أسلحة ولا يستند إلى دولة أو يعول على محاكم. والخلاف بين تشومسكي ومثقفين معاصرين كثر يتمثل في أن هؤلاء كثيراً قد نبذوا سلاح العقل؛ بل إن منهم من يعدُّ هذا السلاح في جوهره سلاحاً قمعياً. وأما تشومسكي فلا نراه يحمل إيماناً ساذجاً بقوة العقل، بل يرى أن العقل هو كل ما نملك. ولا يحمل تشومسكي كذلك إيماناً ساذجاً بالتقدم. لكن الديمقراطية والحريات الفردية واللائكية وتحرر المستعمرات، وحتى إلى وقت قريب، كما يقول «حقوق الأقليات، وحقوق النساء، وحقوق الأجيال المقبلة (الحركة من أجل حماية البيئة)» تعتبر علامات دالة على التقدم، والتقدم المرتبط بإعادة النظر في الأشكال التقليدية للسلطة، وهي عملية باتت ممكنة بفعل حركة النقد العقلاني والتحرري المتحدر من الأنوار.

جون بريكمون : فوضويون آخرون يتهمونك بأنك إصلاحي. فما جوابك؟

نعوم تشومسكي: إن كنت «إصلاحي» يعني أن يهتم المرء لظروف الحياة التي يحيا فيها الأشخاص الذين يعانون ويعملون على تحسينها، فإن كل شخص يستحق أن نتكلم وإياه يكون «إصلاحياً». وتوخياً للدقة أقول إن «الإصلاحيين» بهذا المعنى يناضلون في سبيل إجراءات الهدف منها تحسين الأمن في أماكن العمل والاطمئنان إلى توفر الغذاء والعلاج والماء الشروب للجميع، إلخ. وأن «تتهم» شخصاً ما بأنه إصلاحي بهذا المعنى معناه أنك تتهمه بأنه كائن بشري بحد أدنى من اللياقة. فما أغربه من اتهام! وبطبيعة الحال فنحن نلاحظ أحياناً أن بعض الأشخاص الذين يدعون أنهم إصلاحيون بهذا المعنى – أي كائنات بشرية بحد أدنى من اللياقة – يمكنهم أن يتبنوا هذه الوضعة بهدف تعزيز القمع والهيمنة. لكن هذه قضية أخرى.

جون بريكمون: وفي الأخير ماذا تتمنى؟ أتتمنى ثورة؟

نعوم تشومسكي: الثورة وسيلة، وليست هدفاً. وإذا نحن التزمنا بأهداف معطاة، كما هي، فسنسعى في تحقيقها بكيفية سلمية، وعن طريق الإقناع – أو على الأقل ما لم نكن حمقى وكان لدينا حد أدنى من الحس الأخلاقي. وهذا صحيح، سواء أكان هدفنا ثورياً أو غير ثوري. فليس هنالك صيغة عامة لمعرفة هل – أو متى – ستكون وسائل أخرى ضرورية ومناسبة. فحتى الثوري الأشد حماسة يكون على اتفاق مع هذا الأمر، على افتراض ألا يكون أحمق وأن يكون يمتلك حداً أدنى من الحس الأخلاقي.

جون بريكمون: على كل حال هل الثورة وسيلة ماضوية للتغيير الاجتماعي، تنتمي إلى فترة كانت فيها غالبية الناس أشد بؤساً مما هم اليوم، على الأقل في الغرب؟

نعوم تشومسكي: إنها عقيدة لا تقوم على أساس، حسب ما أعرف. ويمكننا باستعمال مصطلحية ماركس أن نؤكد أنه كلما أمكن للإنسان أن يشبع «احتياجاته الحيوانية» بشكل أفضل إلا وصار أقدر على تكريس أفكاره وطاقته لإشباع «احتياجاته الإنسانية» بشكل أفضل، وهو ما قد يتطلب تغيرات جذرية في التنظيم الاجتماعي والعلاقات الإنسانية. ولاحظوا كذلك أنه إذا كان هذا الافتراض (وهو افتراض معقول) صحيحاً، فإنه يترك الباب مفتوحاً على مصراعيه لاختيار الوسائل، التي لا يمكن أن نعلن عن أي صيغة متصلبة بشأنها.

جون بريكمون : وعلى العكس هل الإصلاحي يعود دائماً ليخضع للنظام؟

نعوم تشومسكي : إنني لا أستبين على وجه الدقة مغزى هذا الكلام. وهاك على سبيل التمثيل العبودية. فوضع نهاية للعبودية يدخل في «الإصلاحية». فهل «عاد إلغاؤها ليخضع النظام»؟ بمعنى من المعاني، نعم. ففي الولايات المتحدة على سبيل التمثيل أبقت الظروف والقوانين والممارسات ما بعد العبودية على ميراث العبودية التي لم تكن قد زالت بصورة كلية. فهل معنى ذلك أن ننكر أن إلغاء العبودية قد كان نجاحاً حقيقياً، أو أن الجهود «الإصلاحية» التي بُذلت منذ تلك الفترة لتجاوز ذلك الميراث قد حققت بدورها نجاحات لا يستهان بها؟ ولنمض أبعد من ذلك. ففي فترة الحرب المدنية التي شهدتها الولايات المتحدة كان العمال في الشمال يعتبرون «العبودية المأجورة»، فكذلك كانوا يسمونها، وذلك من غير أن يحصلوا على مساعدة مشكوك فيها من المثقفين الجذريين -، غير مختلفة كثيراً عن العبودية بمعناها الحصري؛ فلذلك حاولوا أن يتجاوزوها. وبعد قرن ونصف من الزمان لا يزال ذلك النضال في بداياته، لكن هل ينبغي أن ننصرف عنه بذريعة أن بنيات السلطة القائمة ستبذل قصاراها بطبيعة الحال لتسفيه أقل نجاح؟ وهذا كذلك أمر ليس له معنى. وإذا كنا نفهم من «استعادة» أن تبقى بعض الجوانب في نظام غير عادل، على الرغم من أشكال التقدم الإنسانية، فهذا شيء حقيقي دون شك. لكن لا أحد يفكر جدياً في الوصول إلى اليوتوبيا دفعة واحدة، أو حتى الوصول إليها في يوم من الأيام. إن التقدم في الشؤون الإنسانية شيء أقرب شبهاً إلى تسلق الجبال. فأنت تنظر إلى إحدى القمم، وتبذل قصاراك لتسنمها، وفجأة تكتشف أن على مسافة توجد قمم أخرى لم تكن لتخطر لك على بال. ومما لاشك فيه أنه قد تطورت مجموعة من أشكال التقدم الحقيقية في امتداد حقوق الإنسان والحريات في التخفيف من المعاناة ومن الاضطهاد قد تطورت على امتداد التاريخ. إن كل انتصار يتيح فرصة لاستكشاف شديد التنبه لطبيعتنا العميقة ويسمح بالوعي بوجود أشكال من الجور والعنف لم نكن لها بواعين. وكمثل متسلق الجبال قد تقع لنا سقطات تكون في بعض الأحيان قاسية، وينبغي أن نواصل المهمة انطلاقاً من المستوى الذي نوجد فيه. فلماذا نفترض أن هذه السيرورة قد انتهت، أو أنها ستنتهي في يوم من الأيام؟

جون بريكمون: انظر إلى الاشتراكيين الديمقراطيين وإلى القضايا التي ساندوها منذ أن قبلوا بالمشاركة في بعض الحكومات (في فترة الحرب العالمية)؛ فقد ساندوا الاستعمار، بما جاء به من حروب (كحرب الجزائر وحرب فييتنام)، وها إنهم اليوم قد صاروا في معظمهم ليبراليين جدداً. أو انظر إلى الخُضر؛ وهي حركة جديدة نسبياً وقد لزمها من الوقت أقل مما كان يلزم الاشتراكيين للاندماج في النظام. ثم آل الأمر بهؤلاء أيضاً إلى أن صاروا يدعمون في الواقع البرنامج الليبرالي الجديد كما يدعمون الحرب التي شنها حلف الشمال الأطلسي على يوغوسلافيا. ويمكننا أن نقول الشيء نفسه عن الحركات الثورية سابقاً؛ من قبيل المؤتمر الوطني الإفريقي أو السندينيين ]الجبهة السندينية للتحرير الوطني[. فما لهم لا يبعثونك على اليأس؟

نعوم تشومسكي: أعتقد أن هذه الرؤية إلى التاريخ في غاية التضليل. أولاً ينبغي أن ننظر في كل حالة بصورة منفردة. فالحالات كلها شديدة الاختلاف عن بعضها. وثانياً إن كوننا لا نصل إلى الكمال لا يعني أننا لم ننجز شيئاً على الإطلاق. وعودة إلى المثال الأول، المتعلق بالاشتراكية الديمقراطية، فلقد حققت ألواناً مهمة وعديدة من التقدم. وهذا أمر يظل غير قابل للجدال. وإذا كان الأناسي الذين ناضلوا من أجل تحقيق هذه الأهداف بنجاح لا يزالون يتحملون أو حتى يساندون بقوة خروقات أخرى فادحة فذلك أمر لا يبعث على التشكيك في حقيقة تلك الأشكال من التقدم، وأن يكون التاريخ ليس سيرورة دائمة من التقدم صوب مزيد من الحريات والعدل، من غير أن يقع تراجع كيفما كان؛ فذلك شيء لا يجيز لنا أن نخرج منه بأي خلاصة. إن أشكال التقدم التي تحققت في نشر الحرية وحقوق الإنسان خلال القرون الماضية، وحتى خلال السنوات الماضية لا تزال تتعايش مع مجموعة من التراجعات ومع عدم القدرة على تحقيق مزيد من المكاسب – على الأقل إلى الوقت الحاضر -، فذلك لا يعتبر مبرراً إذاً لا للتفاؤل ولا للتشاؤم.

 

حمل الكتاب من أحد الروابط التالية

 

الرابط الأول

 

العقل ضد السلطة/ نعوم تشومسكي و جون بريكمون

 

الرابط الثاني

 

العقل ضد السلطة/ نعوم تشومسكي و جون بريكمون

 

 

الرابط الثالث

 

العقل ضد السلطة/ نعوم تشومسكي و جون بريكمون

 

 

 

صفحات سورية ليست مسؤولة عن هذا الملف، وليست الجهة التي قامت برفعه، اننا فقط نوفر معلومات لمتصفحي موقعنا حول أفضل الكتب الموجودة على الأنترنت

كتب عربية، روايات عربية، تنزيل كتب، تحميل كتب، تحميل كتب عربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى