صفحات العالم

العلوم السياسية والحرب في سوريا” – فورين بوليسي

من ‘لاعبي الفيتو’ إلى ‘المشاعر’، جولة حول دراسات الحروب الأهلية والثورات:1

سوريا على حافة مرور ثلاث سنوات من حرب وصراعات التي أسفرت عن مئات الآلاف من القتلى وملايين اللاجئين. ما بدأت كثورة سلمية آلت إلى حرب أهلية الأكثر دموياً في العالم، وبدعم خارجي من كلا الطرفين.

الحرب في سوريا، رغم فظاعتها، تكاد أن تكون أول حرب أهلية معقدة تندب عالمنا الحديث. وبالفعل، دراسة الحروب الأهلية هي اليوم من أغنى البحوث الدراسية في العلوم السياسية. فماذا تقول هذه البحوث والدراسات عن الحرب الأهلية في سوريا؟

من أجل معرفة الأمر، عقدت ورشة دراسية الشهر الماضي في جامعة جورج واشنطن من خلال معهد ‘العلوم السياسية في الشرق الأوسط’، ودعوت العديد من علماء وخبراء الحروب الأهلية لكتابة مذكرات تربط أبحاثهم بالوضع في سوريا. لم أتوقع سوى البعض ليستجيبوا لدعوتي، وإذ فوجئت عندما تلقيت قبول معظم المدعووين وبرغبة كبيرة منهم، للمساهمة في هذه المبادرة. بالإضافة إلى أولئك العلماء والأساتذة، دعوت خبراء مختصين بسوريا ومجموعة من مسؤولين حاليين وسابقين مختصين بالوضع السوري.

معظم نتائج المساهمين تطابقت مع المشاورات والمناقشات التي حصلت خلال جلسة ’لعبة سلام‘: أن إحتمال الوصول إلى تسوية وحلول دبلوماسية (أو عسكرية) للحرب في سوريا ضئيلة جداً. ولكن هذه جزء من القصة، ما يثير الإهتمام أكثر هو الأسباب التي تكمن وراء هذه المعضلة، وكيف السياسات الدولية ساهمت إلى عدم إيجاد حلول.

حذّر مختصون العلوم السياسية من اللجوء إلى إفتراضات مثل: “تفشل التسويات التفاوضية ٦٨ في المئة من الوقت” أو “الدعم الخارجي للثوار يطيل بعمر الحرب ويجعلها أكثر دموية”. هذه النتائج الإحصائية عادةً تنطبق فقط إذا كانت الحالات متشابهة للحالة السورية، ولكن الحالة السورية فريدة من نوعها بشكل ملحوظ من صراعات أخرى كثيرة. لا توجد حالات كثيرة، إن وجدت، تشبه بالوضع السوري حيث يتكوّن الصراع من جهتين: نظام متماسك نسبياً مدعوم من قبل رعاة خارجية قوية ويسيطر على مناطق أساسية واستراتيجية في البلد، ومن جهة أخرى مجموعات معارضة متنوعة، وبالوقت ذاته متنافسة، تسيطر على بقية المناطق. وإن صح القول، فإن أشبه الحالات للوضع السوري هي أفغانستان في الثمانينيات والكونغو في بداية هذا القرن.

ولكن يجب أن نوضح بأن ملامح الحرب في سوريا ليست جديدة. تهشم وتجزئة المعارضة، عدم وجود دعم متواصل ومتناسق للمعارضة، إستهداف المدنيين من قبل النظام وتسييس مسألة المساعدات الإنسانية كلها عوارض لها أمثلة كثيرة في التاريخ، ولكن لسوء حظ سوريا أنها ورثت كل هذه العوامل في آنٍ واحد. وعلينا ألّا ننسى بأن الحرب في سوريا عمرها أقل من ثلاثة سنوات، وبالمقارنة مح حروب أهلية كثيرة في التاريخ، ليست طويلة المدى، إلى الآن.

يقول زكريا مامبيلي من جامعة فاسار، أن أحد أسباب إستعمال النظام أساليب وحشية وهمجية هو لأنها تريد عرقلة جهود المعارضة لتأسيس سلطات محلية التي تجلب الإستقرار للمناطق التي تستولي عليها المعارضة. فلذلك قوات المعارضة لديها حافز سياسي قوي لإثبات إمكانيتهم بجلب الإستقرار لمناطقهم، كما أن النظام لديه حافز أقوى لإعاقة تلك الجهود بالقصف العشوائي وعمليات عسكرية غير منطقية من وجهة نظر جيوش نظامية في العالم.

طبعاً وجود خلافات من ضمن صفوف المعارضة لا شك أنها ستترجم إلى إقتتال داخلي، وعلينا أن نتذكر أن جميع فصائل المعارضة، أو معظمها، تريد إطاحة نظام الأسد، ولكن هذه الفصائل تخشى أن منافسيها في المعارضة ستحظى حصص أكبر من غنائم الإنتصار على النظام. فوتيني كريستيا من معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا، وثّقت حالات في أفغانستان والبوسنة حين افتقدت المجموعات المقاتلة إلى هيكل تأسيسي فعال والذي أدى إلى تحالفات متغيرة وإقتتال داخلي شديد كما هو الحال في سوريا اليوم.

خبراء آخرون اقترحوا مجموعة واسعة من المسارات المختلفة التي قد يأخذها الصراع في سوريا. جيمس فيرون من جامعة ستانفورد يقول أن حتى لو أطالت الحرب، عدد ضحايا المدنيين قد ينحدر عندما تستقر خطوط المعركة. جوناه شولهوفر من جامعة فيرجينيا ناقش أن عندما تشعر قوى المعارضة بأمان من النظام قد تزداد إقتتالاً وتشرذماً، ولكن ذلك سيؤدي إلى نقص في الموارد وبالتالي ستضطر تلك القوى إلى إنشاء هدنة غير مستقرة.

التشرذم والإقتتال الداخلي في صفوف المعارضة ليس غريباً أو إستثنائي في حروب أهلية كهذه النوع، النوع الأقل قابلية لحل دبلوماسي، الأكثر انفتاحاً للتدخل الأجنبي، والأقل احتمالاً لينتج حالة مستقرة في البلد بعد انتهاء الحرب.

ويشير بول ستانيلاند من جامعة شيكاغو أن التشرذم سببه طبيعة الثورة منذ بدايتها. إذ الأنشطة والتحركات الثورية كانت محلية وغير متامسكة بقيادة مركزية موحدة. ويضيف، أن من الصعب جداً توحيد فصائل معارضة هيكلها ديّق وهشاش.

ولكن من جهة أخرى، تقول وندي بيرلمان من جامعة نورث وسترن أن المعارضة تماسكت بشكل أفضل بكثير من المتوقع. وأضافت أن الأمر كان كذلك خاصةً في بدايات الثورة ولكن عندما تم عسكرة الثورة وازدادت وتيرة الحرب والضغط العسكري، بدأنا نرى التشرذم من ضمن صفوفها. والسبب على حسب قولها هو عدم وجود تنسيق وتنظيم لدعم قوات المعارضة. لو كانت هناك نقطة واحدة لدخول الأموال والعتاد، لم تتمكن القوى الخارجية من كسب نفوذها على فصيلة على حساب الأخرى.

بالرغم من أن ذلك يقوي الفصائل التعددة، ولكنها تجعل كل منهم معتمدة على ممولها الخارجي وبالتالي مسألة الوحدة صعبة جداً.

وبيرلمان أجرت بحثها الخاص بذهابها إلى تركيا والأردن للقاء بعض المواطنين اللاجئين. واسنتجت أن جميعهم يدركون جيداً مدى تأثير الدعم المتجزأ والغير منسق على تشرذم المعارضة وعدم وحدتها.

ناقش الكثيرون أن لو دعمت الولايات المتحدة الجيش السوري الحر أكثر لما وصلت حالة المعارضة إلى ما هي الآن من تشرذم. ولكن بول ستانيلاند يشك في صحة تلك النظرية، بأن حتى لو ازداد دعم فصائل المعارضة أكثر، لن ينتج ذلك إلّا تعاون مؤقت من قبل الفصائل المحتاجة للدعم ولكن من الغير مرجح أن يؤدي ذلك إلى تغيير جذري لهيكل وتنظيم قوات المعارضة.

لذلك، الدعم الخارجي لقوات المعارضة أنتج حالة توقعها جوناه شولهوفر: إطالة الحرب، تصعيب الوصول إلى حل، تشرذم قوات المعارضة وظهور جماعات متطرفة على الأرض. ويضيف “الدعم العسكري للمعارضة مكنهم في مواجهة قوات النظام ولكنهم يفتقروا إلى القدرة على كسب المعارك الحاسمة”.

لهذه الأسباب معظم المساهمين متشائمين حول احتمال نهاية الحرب والقتال في سوريا بوقت قريب. المعادلة في سوريا معقدة للغاية: معارضة متشرذمة، مفسدين كثيرين وأطراف خارجية متدخلة بشكل أنها تطيل بعمر الحرب ولكن ليس بشكل حاسم لإنهائها. ديفيد كانينجهام من جامعة ماريلاند يشير أنه يكفي لوجود ‘لاعبي الفيتو’ الذين قد يعرقلوا المبادرات لمنع إنتهاء الحرب. وثم أشار جيمس فيرون إلى أن هناك أيضاً مشكلة الإلتزام بالإتفاقيات. إذ أن لا النظام ولا المعارضة يثقون ببعضهم إذا قرر أحدهم ترك السلاح.

ويقول أيضاً، أن قوات المعارضة عادةً في حروب كهذه، يطالبون بإسقاط النظام ولا يطالبون بإصلاحات، لأنهم يدركون، وهم على حق بذلك، أن الدكتاتور سيخالف الإتفاقيات حينما يشعر أن التهديد لحكمه قد فان.

لايا بلسيلس من جامعة ديوك على عكس معظم المساهمين، لديها نظرية متفائلة أكثر. فتقول أن الحرب الآن أشبه بحرب تقليدية من حرب غير منتظمة، فالحروب الأهلية التقليدية لديها معارك ضارية، جبهات مكشوفة واقتتال داخل المدن، وهذه الحروب نادراً ما تنتصر فيها الحكومات مقارنةً مع الحروب الأهلية الغير تقليدية. وتضيف أن الوضع في سوريا أشبه بليبيا من ما يظن البعض، ولذلك لديها فرصة أكبر لنهاية سريعة ومفاجئة وبهزيمة للنظام.

وماذا عن مرحلة ما بعد الحرب؟ للأسف معظم المساهمين لم يجدوا أدلة ومؤشرات كثيرة للقول أن سوريا ستتعافى بوقت قريب. والسبب لا يختصر فقط على حجم الضخم لعدد القتلى، أو مسألة اللاجئين، أو مسألة الإنهيار الإقتصادي في البلد. الحروب الأهلية ترسّخ وتخلق حالة جديدة من أسواق سوداء وأمراء حرب الذين يعتمدون على إستمرارية الحرب والقتال. ويتحدث روجر بيترسون من معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا عن مسألة ‘المشاعر القوية’ التي تنتجها حروب أهلية بين حكومات وشعوب، فكيف سترجع المجتمعات التي عانت من بطش قوات الأسد إلى حياتها الطبيعية تحت حكم النظام من دون السعي إلى الإنتقام منه وأعوانه؟ وماذا عن التأثيرات الإجتماعية والسيكولوجية على جيل الحرب الجديد؟

المذكرات ال١٨ التي أحصيناها في ورشة “العلوم السياسية والحرب في سوريا” تقدم معلومات ووجهات نظر أكاديمية حول الحروب الأهلية والثورات. يفسرون الأسباب وراء عدم التوصل إلى حل في سوريا، الأعراض الجانبية التي تسببت من وراء الدعم الخارجي للمعارضة، والعوائق التي تقف أمام إنهاء معاناة السوريين.

ومع أن هذه المذكرات لا تمنح الكثير من التفاؤل، ولكن إذا كان هناك من يسمع من المسؤولين، فبإمكانهم الإستفادة من هذه المذكرات التي قد تجنبهم من إتخاذ خطوات تزيد الطين بلة.

كلنا شركاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى