صفحات سوريةهوشنك أوسي

العلويون الكرد والترك وتأثيرهم على الثورة

 

هوشنك أوسي

إذا كان علويو لبنان ومعهم شيعة العراق وإيران، سواء العلمانيين منهم أو المتديّنين، قد حسموا أمرهم في الوقوف مع نظام القتل والإجرام الأسدي في سوريا، وضدّ الثورة السوريّة، فلماذا نعتب على العلويين السوريين؟! بكل تأكيد، هنالك استثناءات، بين العلويين السوريين وشيعة لبنان والعراق وإيران، بخاصّة على مستوى النخب والمثقّفين، الذين يدعمون الثورة وبالضدّ من نظام الفساد والاستبداد والشبّيحة الأسديّة. وهذه النسبة، لا تذكر إلى جانب الغالبيّة العظمى من العلويين والشيعة المنخرطين في الحرب على الثورة السوريّة، وإذ يعتبرونها صنيعة «الاستعمار والامبرياليّة والوهابيّة..»!

أيّاً يكن من أمر، وفي مطلق الأحوال؛ حرب الأسد، ليست حرب العلويين على الثورة. ذلك أن آلة الأسد من جيش وشبّيحة وأمن…، تضمّ العرب السنّة والمسيحيين والدروز والاسماعيليين والكرد أيضاً، سواء من المستفيدين من النظام، أو الخائفين من بطشه!

علويو تركيا أيضاً، ليس بخافٍ عن أحد، أن غالبيّتهم العظمى موالون لنظام الأسد. وليس أقلّه دليلاً على ذلك، معارضة حزب الشعب الجمهوري الأتاتوركي، وحزب الحركة القوميّة المتطرّف، والأحزاب اليساريّة الصغيرة والمتفرّقة، (ينتمي لها العلويون بكثافة)، لسياسات حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، الداعمة للمعارضة السياسيّة والعسكريّة السوريّة. زد على ذلك، تورّط عناصر الاستخبارات التركيّة من العلويين الترك، في عمليّة اختطاف المقدّم السوري المنشقّ حسين هرموش وتسليمه للنظام السوري.

لا توجد إحصاءات دقيقة لعدد العلويين في تركيا، ولكن، تفيد التقديرات إلى وجود نحو عشرين مليون علوي، 25 في المئة منهم كرد. والكردي العلوي، كان مقموعاً من التركي والكردي السنّي، في الحقبة العثمانيّة، تحت التأثير الطائفي. بينما في العهد الجمهوري، كان الكرد العلويون، يتعرّضون لقمع وسحق مزدوج، قومي على أنهم كرد، وطائفي على أنهم علويون! وتاريخ الكرد العلويين في الثمانية عقود الأخيرة من الجمهوريّة التركيّة، مليء بالمجازر وحملات التهجير والتغيير الديموغرافي في مناطقهم، وبخاصّة بعد انتفاضة ديرسم سنة 1938، بقيادة سيد رضا، وصولاً إلى مجزرة مرعش سنة 1979.

ولأن الكرد العلويين كانوا يلقون من الكرد السنّة تجاهلاً أو غبناً ذو خلفيّة دينيّة مذهبيَّة، مضافاً إليها ظلم الدولة، أدّى ذلك بالكثيرين لاعتبار أنفسهم أنهم قوميّة مستقلّة عن الكرد، وليسوا تفصيلاً دينياً مذهبياً من تفاصيل التنوّع الديني لدى الشعب الكردي. ومعلوم أن هذا الغبن والتجاهل مِن بني جلدة الكرد العلويين، وأعني الكردّ السنّة، يمتدّ للحقبة العثمانيّة، كما ذكرنا آنفاً. حيث شهد العلويون، أكثر المراحل دمويّة، في زمن السلطان العثماني سليم ياووز (1470 1520). إذ إن بدايات السلطنة لم تشهد تلك المشاكل الحادّة معهم، بل كانت على علاقة مع أصحاب طريقة حاجي بكتاش العلويّة. وبحسب المصادر التاريخيّة للكرد والترك العلويين، قام السلطان مراد الثالث (1546 1595) بقتل ما لا يقلّ عن 40 ألف علوي. ولقّب بـ»حافر الأبار»، لأنّه كان يذبح العلويين ويلقي بهم في الآبار. في الحقبة العثمانيّة، كانت المجازر تطال الكرد والترك العلويين على حدٍّ سواء. أمّا في العهد الجمهوري، فقد كان الكرد العلويون وحدهم المستهدفين. وبدأت المجازر بحقّ الكرد العلويين قبل العهد الجمهوريّ بعامين، فسنة 1921 1922، ارتكبت الدولة مجزرة قوجكري (منطقة تابعة لمحافظة ديرسم)، وراح ضحيتها الآلاف. وسنة 1927، ارتكبت مجزرة ضدّ تمرّد عشيرة «قوتش أوجاغه» الكرديّة في ديرسم. وبعد سحق ذلك التمرّد، تم تهجير أبناء القبيلة، وصهرها ضمن البوتقة التركيّة، حتّى نسوا أنهم كرد، ويعتبرون أنفسهم أتراكاً أقحاح، بل وقوميين أتراك متطرّفين! وعلى سبيل الذكر لا الحصر، عصمت سزكين، (وزير الداخليّة في حكومة تانسو تشلّر سنة 1996، كان يشرف على الحرب التي يشنّها الجيش والبوليس التركي على المقاتلين والناشطين الكرد، بشكل دموي) هذا الشخص، تعود أصوله لهذه العشيرة الكرديّة العلويّة!.

الكثير من الكرد العلويين منذ مجزرة ديرسم، وحتى قبل انطلاقة حزب العمال الكردستاني، كانوا يعتبرون أنفسهم قوميّة مستقلّة، ويقولون عن أنفسهم بأنّهم «ليسوا كرداً، بل علويين». وتحيل الكثير من المصادر العلويّة المطلعة هذا الموقف إلى أن سياسات الدولة التركيّة، منذ الحقبة العثمانيّة وحتّى العهد الجمهوري، خلقت حالة من الفرقة والصدام بين الكرد العلويين والكرد السنّة، واستخدام الكرد السنّة ضدّ الكرد العلويين، بحجج دينيّة وطائفيّة، واعتبار الكرد العلويين «كفرة ورافضين ومارقين…»، ينبغي الاقتصاص منهم، أو إعادتهم لجادة الدين! وأن ممارسة العنف ضدهم هو «جهاد في سبيل الله»!.

وحملات القمع والصهر التي استهدفت الكرد العلويين، في العهد الجمهوري، جعلتهم يتنكّرون لكرديّتهم ولعلويّتهم، ويقولوا عن أنفسهم إنهم أتراك. والبعض منهم كان يرفض القوميّة التركيّة أيضاً، ويقول: نحن قوميّة علويّة مستقلّة عن الكرد والترك. وبذا صار الوعي الطائفي الديني العلوّي، لدى الكرد العلويين، نافياً ورافضاً للوعي القومي الكردي.

في المرحلة التأسيسيّة لحزب العمال الكردستاني، كان للكرد العلويين حضور لافت في حراك هذا الحزب. والأكثر شدّاً للانتباه، أن كل النساء الكرديّات اللاتي ضمن نشاطه، قبل أن يعلن عن نفسه كحزب سياسي، كنّ علويّات. ففي مؤتمره التأسيسي يوم 27/11/1978، في قرية فيس، التابعة لمنطقة «لجة» في محافظة دياربكر (كبرى المدن الكرديّة جنوب شرق تركيا)، حضر المؤتمر، امرأتان كرديتان علويتان، هما كسيرة لدرم (فاطمة.. مطلّقة أوجلان)، وساكنة جانسيز (قضت 10 سنوات في السجن. اغتيلت أخيراً في باريس). من دون أن ننسى حضور بعض الكوادر التركيّة، كـ»حقي كارير، كمال بير، ودوران كالكان» في تأسيس هذا الحزب. وكان للكرد السنّة حضورهم أيضاً في تأسيس وقيادة الكردستاني، في مقدّمهم عبدالله أوجلان، مؤسّسه وزعيمه، وجميل باييك. فمن بين الذين حضروا المؤتمر التأسيسي للكردستاني، (23 – 25 شخصاً)، بحدود النصف أو أكثر، كانوا من الكرد العلويين. وعلى سبيل الذكر لا الحصر: «مظلوم دوغان، محمد قره سونعور، خيري دورموش، مصطفى كاراسو، علي حيدر كايتان، رضا آلتون، هاميلي يلدرم، شاهين دونمز، يلدرم مركيت، تشتين غونغور (سمير)…، ساكنة جانسيز، كسيرة يلدرم».

الكرد العلويون في تركيا، نصفهم مؤيدون أو يميلون للكردستاني. والنصف الآخر، موالون لحزب الشعب الجمهوري، الأتاتوركي CHP (الرئيس الحالي للحزب؛ كمال كلتشدار أوغلو من الكرد العلويين الذين هجّروا من ديرسم سنة 1938، من قبل حزب الشعب الجمهوري نفسه!)، أو هم مؤيدون لتيارات وأحزاب اليسار التركي، ونسبة ضئيلة جدّاً، موالون لحزب الحركة القوميّة التركيّة المتطرّف MHP.

والآن، يسيطر حزب السلام والديموقراطيّة BDP (الكردي، الموالي للكردستاني)، على بلديّة محافظة ديرسم، والعديد من المدن والنواحي ذات الغالبيّة الكرديّة العلويّة. وبين البرلمانيين الكرد، عن هذا الحزب، في البرلمان التركي، من أصل 12 امرأة هنالك 8 علويّات، منهنّ؛ آيسل توغلوك، كولتان كشاناك (رئيسة الحزب)، صابحت تونجل. و45 في المئة من النشاط السياسي والإعلامي والثقافي الموالي للكردستاني، داخل وخارج تركيا، هم من الكرد العلويين، بحسب رئيس فرع ناحية «باختشلي أفلار» في اسطنبول لحزب السلام والديموقراطيّة، ماهر شاهين، ويضيف: أن ما يزيد عن 20 إلى 25 في المئة من الأصوات التي يحصل عليها حزبهم هي «أصوات الكرد العلويين».

وعليه، بقدر ما كان حضور الكرد العلويين فاعلاً ضمن الدولة، كذا الحال ضمن المعارضة، وفي مقدّمها حزب العمال الكردستاني وتيارات اليسار التركي. حيث برزت قيادات كرديّة علويّة هامّة بين الحركات اليساريّة التركيّة، كابراهيم كايباكيا (1949 1973)، رئيس الحزب الشيوعي الماركسي اللينيني التركي (TKP/ME)، حسين جواهر (1947 1971)، نائب ماهر تشايان، زعيم حزب جبهة التحرير الثوريّة الشعبيّة التركيّة (THKP-C) وحسين إينان (1949 1972)، القيادي البارز في حزب العمال التركي (T?P)، ودنيز غزميش (1947 1972)، زعيم حزب جيش التحرير الشعبي التركي (THKO).

إذا كان الاتراك العلويون في تركيا، سواء المنضوون في حزب الشعب الجمهوري أو في حزب الحركة القوميّة المتطرّف، أو في حركات اليسار التركي المتفرّقة والصغيرة، أو الناس العاديين، مع نظام الأسد، فماذا عن الكرد العلويين المنقسمين على الأحزاب التركيّة تلك وحزب العمال الكردستاني؟ أو لنحصر الأمر في العلويين المنضوين في الكردستاني فقط، ماذا عنهم؟ هل هم أيضاً موالون لنظام الأسد؟

إذا كانت النزعة الطائفيّة لدى العلويين الكرد والترك، قد غلبت التوجّه العلماني، إن جاز التعبير، فهل سيكون الأمر مختلفاً مع العلويين الكرد المنضوين في الكردستاني؟! وهل للعلويين الموجودين ضمن الكردستاني ذلك التأثير الوازن والفاعل لتحديد خياراته ومواقفه العمليّة من الثورة السوريّة ونظام الأسد؟

قصارى القول: إذا كانت الغالبيّة العظمى من العلويين الكرد والترك في تركيا موالية لنظام الأسد، الحال هذه، ان شعبيّة الأسد بين علويي تركيا (ما يزيد عن 15 مليون) تفوق شعبيّته في سوريا؟ وعليه، يمكن أن نفهم، أحد أسباب خشية الحكومة التركيّة، من الانخراط العسكري المباشر ضدّ نظام الأسد، والاستعاضة عن ذلك، بدعم كتائب إسلاميّة سنيّة متطرّفة، كجبهة النصرة، ضدّ الأسد والمقاتلين الكرد المحسوبين على العمال الكردستاني في سوريا.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى