خليل النعيميصفحات الثقافة

العملة الرديئة لا تطرد إلاّ العملة الأردأ/ خليل النعيمي

 

 

ليس صحيحاً أن الضجيج الأعلامي لكتاب “عاديين”، حتى لا نقول مبتذلين، أوغير مهمّين، يُعَتِّم على حضور كتاب “كبار” كما تقول. الكاتب واحد. ليس هناك كاتب كبير وآخر صغير، إلاّ بالحجم. والموهبة لا تُقاس بالضجيج، ولا بالإشهار. الموهبة ليست سلعة. إنها موقف تاريخي من العالَم. وتصوّر معقَّد وعميق للحياة. فضاؤها هو العلاقة الجدلية مع الكائنات. ومجالها هو البحث المستمر عن جوهر الوجود. ولكن ما هو هذا الجوهر؟ وكيف تتجلّى صوره؟ وما هي علامة الاقتراب منه؟ في هذا المثلث تكمن طاقة الموهبة وخطورتها.

الفكر العربي المعاصر ما زال بدائياً، ومتخلِّفاً. والإعلام الذي تتكلم عنه وكأنه طاقة حقيقية، ما هو إلا “فقاعة معرفية” مثل فكر “السلطة العربية الواحدة” الذي يتحكَّم فيه. إنه إعلام مغرض. لا يستند إلى استراتيجية معرفية لها بُعد تاريخيّ. ولا يتمتّع بمصداقية حازمة. ولذا، فهو لا يستطيع أن يخلق موهبة حتى ولو تجيَّش من أجلها. ولا يُلْغي أخرى، إذا كانت موجودة، حتى ولو أراد ذلك.

مَنْ قال لك إن الأدب الحقيقي يحب الأضواء؟ ما هذه المهزلة التاريخية؟ كيف يمكن لمبدع حقيقي (لأن المزيفين كُثُر) أن يمسك بخيوط “لعبة الكريات الزجاجية” وهو تحت الأضواء “العامِيَة”؟ المبدع ضمير، وسلاحه اللغة. الضمير لا يقبل المساوَمة، واللغة لا تقبل التنازل. فــ”مَنْ يقبَلْ أي تنازل في اللغة، يقبَلْ أي تنازل في الحياة”.

نحن اليوم بحاجة إلى كتاب “منسيين”. لا يحتفلون بالضجيج الإعلامي. ولا يأبهون بالجوائز والمكافآت. ولا ينتظرون من السلطة الثقافية العربية غير أن ترفضهم. فرفضهم هو وحده العلامة المضيئة في خضمّ هذا الجهل المتسيّد بقوة وسائل إعلامها.

المبدع يمثّل “الضمير العام”. ووسائل الإعلام تمثل “السلطة”. ولا لقاء بينهما إلا في ساحة وعي عميق بما يجري اليوم في العالم العربي. لكننا نعرف أن مخالب السلطة الثقافية المتوحشة، أو التي صارت اليوم على هذا الشكل اللاإنساني، من أجل خنق الإبداع الحقيقي الذي سيطل برأسه، كما نتمنى، قريباً، منبثقاً من الاستياء العميق الذي بدأ يتململ في ضمائرنا.

وفي النهاية، الأدب الرديء يظل رديئاً، حتى ولو ساد بقوة الإعلام. ولا يمكن لإعلام غير حر، أن يحرر أدباً من الابتذال. وليست الجوائز الاصطناعية، والألقاب الملفقة، مثل الكاتب الكبير، وغيرها كثير، إلا تأكيداً صارخاً على كون الأدب العربي الراهن يعاني من أزمة بنيوية، فكرياً وأخلاقياً ومعرفياً، لا مثيل لها. وهو، بعد اندحاره الإبداعي، واستسلامه المريع لمغريات السلطات الثقافية “الكريمة”، لم يجد أمامه منفذاً، غير الدخول في حظائر الإعلام المشهدي برأس مطأطئ وكئيب. وبدلاً من أن يساهم الكتّاب العرب في رفض الأطروحات البائسة حول مصير الكائن العربي، ويقومون بإلقاء “الضوء المبدع “على مأساته اليومية، صاروا  يتدافعون بالمناكب من أجل “بقعة ضوء” عابر، هو في الحقيقة، علامة “موتهم الأكيد”.

ضفة ثالثة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى