صفحات مميزة

العودة من الماضي/ حسام عيتاني

 

يغري الماضي بمقاربته عند اشتداد اسوداد الحاضر. تصنع المخيلات المأزومة من التاريخ عصوراً ذهبية وحلولاً سحرية لأزمات جديدة. وتبيح الهرب إلى زمن أسطوري كانت فيه النعاج ترعى قرب الذئاب.

تحمل الأنباء كل يوم أنباء فظائع ترتكبها «الدولة الإسلامية في العراق والشام – داعش». إعدامات اعتباطية وقمع لكل تحرك إعلامي واعتداء صارخ على الحريات الفردية والعامة. أخوة «داعش» الأعداء في «جبهة النصرة» يسيرون على خطاها. ووراءهما تمضي جماعات من صنف «أحرار الشام» وجيش زهران علوش.

يستسيغ هذا الجمع إلقاء تبعات أفعاله على الإسلام. ويستمرئ الإعلام الموالي لبشار الأسد وأزلامه السلوك المذكور ويسوقه باعتباره عينة على ما تعد المعارضة السورية مواطنيها به في حال سقوط النظام. ووسط درجة لا تغتفر من السذاجة السياسية وادعاءات البراغماتية، ابتلعت المعارضة الطعم وصمتت طويلاً عن «داعش» و «النصرة» بذريعة الحفاظ على وحدة الصف وتوحيد الجهود ضد النظام وأولوية الثورة على الأسد قبل الانزلاق في اقتتال بين معارضيه.

تأخرت فصائل المعارضة حتى مطلع 2014 لتقرر بدء المواجهة مع «داعش». في هذا الوقت بدأ عدد متزايد من السوريين يشعر بوطأة تسلط «النصر» وجماعة «علوش». هزائم ميدانية متتابعة. امتناع عن المشاركة في أي استراتيجية متعددة الأقطاب للإطاحة بالأسد. استحواذ على أقسام كبيرة من المعونات وحجبها عن المحتاجين. بالإضافة، طبعاً إلى إحياء القمع البعثي بصبغة إسلامية باهتة. وكل ذلك يجري تحت شعارات «بناء الأمة» والعودة إلى المجتمع الفاضل النقي الذي لا يوجد إلا في أقوال بعض المتنفذين.

والحال أن مسؤولية كبيرة عن الوضع هذا تقع على عاتق الإسلاميين الذين تغاضوا عن الجماعات العدمية وأرخوا لها اللجام إلى أن تحولت سرطاناً ينهش جسدي الثورة والمجتمع السوريين. وعلى رغم سطحية قيادات المعارضة التي أملت في مرحلة سابقة في توظيف «داعش» وأضرابها في الثورة على بشار الأسد، إلا أن الإسلاميين الذين يلزمون الصمت حتى اليوم بذات الذرائع المتهافتة القديمة، يتحملون تبعات ضيق أفق معيب.

يرفض الإسلاميون عموماً تحميل المسؤولية إلى الإسلام كدين عما تقترفه هذه الجماعات ويصرّون على براءته وتعاليه عما يفعلون. ولهم في ذلك رأي وجيه. لكنهم في المقابل، يحصرون دفاعهم عن «الإسلام الأصيل» باقتراحات لا تقل، في العمق، ماضوية وفواتاً عما تقدمه الجماعات الأخرى.

هم يقترحون إسلاماً «شعبياً» يقوم على ما رسخ في فطرة المسلمين العاديين من تسامح واعتراف بالآخر وبالتعدد في مجتمع مركب. ويمضي البعض إلى وضع الإسلام الصوفي في مقابل إسلام «داعش». لا مناص من القول إن الموقف هذا ناقص وغير كاف. فالعبث الذي أوغل فيه أنصار «القاعدة» ومشتقاتها، بات يهدد بانهيار المجتمع السوري وضياع ثورته.

والإسلاميون مدعوون إلى قول صريح في ما ترتكبه هذه الجماعات التي راحت تهدد أسس الدول في المنطقة برمتها ورفع الغطاء الديني عنها. وليس كشفاً عظيماً القول بارتباط هذا الموقف الأخلاقي والسياسي المطلوب، بموقف صريح من دور الدين في المجتمع وضرورة إعادة نظر كبرى فيه يتولى فيها الإسلاميون الجزء الأكبر من الجهد بوجوهه النظرية والمعرفية والفقهية، للتخلص من دعاة الفضائيات الذين يقودون الشباب العرب إلى الجهل والهلاك.

تفترض هذه المهمة قطعاً مع الماضي والتخفف من أعبائه التي لا يتحمل أوزارها غير المشاركين فيها. والخروج، حكماً، من أسطورة العصر الذهبي والالتفات إلى الحاضر بتعقيداته ومشكلاته.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى