صفحات العالم

الغاء حالة الطوارئ في سورية

 


رأي القدس

اقرت الحكومة السورية الجديدة يوم امس في اول جلسة دورية لها برئاسة السيد عادل سفر مراسيم مشاريع الغاء محكمة امن الدولة وحالة الطوارئ وتشريع قانون جديد يسمح بالتظاهر السلمي، ومع ذلك استمرت المظاهرات والاحتجاجات في مختلف انحاء سورية، تخللها سقوط ضحايا نتيجة صدامات بين قوات الامن والمتظاهرين.

الغاء محكمة امن الدولة وحالة الطوارئ خطوة جيدة نظرياً على الأقل، وتشكل استجابة لمطالب الشعب السوري وتضحياته المعمدة بالدم والشهادة، فقد استخدمت قوانين الطوارئ هذه، المستمرة منذ اكثر من اربعين عاماً، في ارهاب المواطنين واذلالهم، ومصادرة الحريات، واطلاق يد القوات الامنية القمعية للتغول في تعذيب المواطنين دون اي رادع قانوني او اخلاقي.

المتظاهرون السوريون نزلوا الى شوارع وميادين جميع المدن السورية دون استثناء للمطالبة بالحريات والاصلاحات السياسية الجذرية والغاء احتكار حزب البعث للحياة السياسية واطلاق التعددية السياسية وتعديل الدستور والتوزيع العادل للثروة ومكافحة الفساد وتكريس حكم القانون.

السلطات السورية، والاجهزة الامنية بالذات، اعتقدت انها تستطيع اخماد هذه المظاهرات بالقمع واطلاق الرصاص بهدف القتل والترويع، ولكن هذه الاساليب الدموية لم ترهب المواطنين العزل، ودفعتهم للمزيد من التحدي، وتقديم المزيد من الشهداء في اصرار اعجازي على المضي قدماً في انتفاضتهم لتحقيق جميع مطالبهم.

الرئيس بشار الاسد تعهد في خطابه الاخير، الذي القاه في الجلسة الاولى للوزارة الجديدة، بالغاء قانون الطوارئ في غضون اسبوع، وها هو يفي بالعهد، ومن المتوقع ان يتم اقرار جميع هذه المراسيم قبل نهاية الاسبوع الحالي من قبله مثلما تقتضي الاعراف الدستورية.

جميل ان يتجاوب الرئيس السوري مع هذه المطالب المشروعة لابناء شعبه ويلغي محكمة امن الدولة الكريهة التي اذلت الشعب السوري وطلائعه الوطنية من خلال احكامها التعسفية بالسجن مدى الحياة، خاصة للسياسيين المعارضين، ولكن من المتوقع ان تستمر الشكوك في مدى جدية هذه الخطوة الايجابية حتى يرى الشعب السوري نتائج عملية على ارض الواقع.

شكوك الشعب السوري مشروعة، ويجب احترامها، لان هذه الخطوة، اي الغاء المحكمة وحالة الطوارئ، غير مسبوقة، وهذا هو اول تنازل كبير تقدمه السلطات السورية تجاوبا مع مطالب المحتجين. وهناك الكثيرون من يعتقدون ان الهدف منها هو كسب الوقت، والالتفاف على الاحتجاجات، وامتصاص الغضبة الشعبية، وينبع هذا الاعتقاد من عدم الثقة بالمؤسسة الامنية المتغولة من حيث احترامها لرغبة الشعب، والتزامها بتطبيق هذه المراسيم والقرارات. فمن المعروف ان رئيس الوزراء في سورية ليس صاحب قرار، خاصة في القضايا المتعلقة بالامن، وانما هو مجرد واجهة صورية فقط، والشيء نفسه يقال عن الوزراء الآخرين، بمن في ذلك وزيرا الداخلية والدفاع.

الشعب السوري في رأينا يجب ان يعطي فرصة لاختبار مدى جدية السلطات السورية في تطبيق هذه المراسيم، واصدار مراسيم اخرى تتعلق بانهاء هيمنة حزب البعث وتعديل المادة الثامنة من الدستور المتعلقة بهذا الامر، واطلاق الحريات والتعددية السياسية، واصدار قانون جديد للاعلام، ومحاربة كل رموز الفساد.

المظاهرات السلمية يجب ان تستمر ريثما تتحقق جميع هذه المطالب تماماً مثلما فعل شباب الثورة في مصر، فمظاهراتهم السلمية المليونية هي التي اجبرت المجلس العسكري الحاكم على اعتقال كل رموز الفساد بمن فيهم نجلا الرئيس المخلوع حسني مبارك وتقديمهم الى العدالة بعد استجوابهم حول جميع التهم الموجهة اليهم، بما في ذلك تهمة نهب المال العام وقتل المتظاهرين العزل.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى