صفحات مميزة

الغارة الإسرائيلية الأخيرة على حزب الله “مجموعة مقالات”

 

طهران قالت «الأمر لي» في سورية الصغرى/ حازم الامين

قالت إيران للعالم عقب الغارة الإسرائيلية على موكب الحرس الثوري في القنيطرة: «الأمر لي في دمشق». وجاء نعيها الجنرال في الحرس الثوري الذي قُتل مع القادة العسكريين في حزب الله مهيناً لما تبقى من نظام بشار الأسد، ثم توجت الإهانة بتلويحها بفتح جبهة الجولان، في ظل صمت غريب ومُطبق مارسه ما تبقى من نظام البعث. رسائل كثيرة ومتعاقبة أرسلتها طهران في الـ48 ساعة التي أعقبت الغارة، كلها تمحورت حول رغبتها الشديدة في أن تكشف حقيقة أن النظام السوري لم يعد شيئاً، وأنها من يدير كفة كل شيء في دمشق.

والحال أن وثبة طهران الأخيرة جاءت في سياق إقليمي ودولي يؤشر إلى أن ثمة بحثاً فعلياً يجري حول مستقبل سورية، ويبدو أن الغارة الإسرائيلية كانت جزءاً من هذا الحوار. فالمرجح أن مهمة الموكب العسكري الذي كان متوجهاً إلى القنيطرة كانت حجز موقع لطهران على خط النزاع مع إسرائيل في لحظةٍ يُعاد فيها البحث في الخريطة السورية. أرادت إيران أن تقول إن الجولان جزء من «سورياها»، وأجابت إسرائيل بالغارة. حصل ذلك في ظل تقارب إيراني أميركي، ولقاءات بين وفود رفيعة المستوى من البلدين.

ما يُشير إليه مراقبون وديبلوماسيون لجهة أن ثمة «سورية مفيدة» هو ما بدأت حدوده تلوح حيث طموحات النظام فيه شبه مؤكدة، وثمة، في المقابل، مناطق واسعة من سورية تُمثل اليوم عبئاً عليه. وأن تُقتطَع من سورية مساحات «سنية»، في الشمال والشرق والجنوب، سيكون ذلك نموذجياً للأسد. والمُرجح أن لا يكون الرئيس الضعيف بوارد التمسك بمساحة مواجهة مع إسرائيل في ظل انكماش دولته الجديدة، ذاك أن «ضرورات المواجهة» كانت أملتها على نظام البعث حاجته كنظام أقلوي إلى عصبية (أكثرية) موازية للعصبية المذهبية الأقلوية. ثم إن دولته الجديدة الممتدة من دمشق إلى الساحل مروراً بحمص ستخفف من عقدة أقلويتها، وإن كانت لن تعدمها، وهو ما سيُخفف عن نظامها ثقل الشرط الممانعاتي في السلطة.

الأرجح أن طهران قالت لبشار «لا». فسورية الجديدة لن تكون «مفيدة» لها إذا ما اقتطعت منها حدود «المواجهة»، تلك التي تُجيد طهران توظيفها في سعيها للتحول قوةً إقليمية مطلة من غير مكان على الحدود مع إسرائيل. وهنا على المرء أن يرصد تعمد إيران «إهانة» بشار الأسد! فأن تُهدد على لسان مسؤولين رسميين فيها بفتح جبهة الجولان، فهذا يمثل رسالة قوية إلى دمشق، لا إلى تل أبيب التي تعرف جيداً أن الجبهة لن تُفتح. وجاء الصمت الرسمي السوري حيال هذه التصريحات ليُشير إلى عدم رضا، أو إلى قبول الضعيف بحكم «قرقوش».

وإذا كانت هذه طموحات طهران، فإن لتل أبيب طموحاتها في شكل «سورية المفيدة» أيضاً. فالمرجح أن يُناسبها نظام أقلوي على تلك المساحة من سورية، لا سيما إذا اقتطعت منها مناطق التماس معها. لكن الجارة الضعيفة مرشحة لنفوذ «امبرطوري» إيراني يجيد توظيف الحدود لتعزيز أحلامه في النفوذ. «سورية المفيدة» يجب أن تبتعد قليلاً عن الحدود مع إسرائيل. هذا ما حملته الغارة الإسرائيلية من رسائل، وهي في أكثر من اتجاه: إلى طهران وإلى دمشق، ولكن أيضاً إلى واشنطن. فالإقرار الأميركي المستجد بنفوذ طهران في العراق وفي سورية، ومؤخراً في اليمن، يجب أن لا يرقى إلى مرحلة إقرار بالنفوذ على مساحة جديدة من الحدود مع إسرائيل، لا سيما أن طهران استعادت «حماس» مؤخراً، وبالتالي تضاعفت نوافذها على تل أبيب في المرحلة الأخيرة.

لكن يبدو أن ضمور سورية لن يعني تقسيماً، فالمناطق التي تفيض عن مساحة الدولة الجديدة، وهي أكثر من ثلثي مساحة سورية، لا يبدو أنها مرشحة لأن تتحول إلى دول. الجنوب الذي تتصارع عليه طهران وتل أبيب لا يتسع لدولة، وهو في معظمه امتداد لبادية تطمح بمياه جبلها وبأفخاذ عشائرها، فيما الشمال والشرق اللذان تصول «داعش» في ما تبقى منهما بعدما دمر الأسد مدنهما، فتشملهما طموحات امبراطورية موازية تخترق الحدود السورية العراقية وتصل إلى نينوى، فتستعيد أحلام طريق الحرير وولاية الموصل وتضم حلب إليهما. وما الصورة التي التقطها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لنفسه محاطاً بجنود يرتدون أزياء تلك المرحلة وغيرها من مراحل الصعود الإمبراطوري لتركيا، سوى مؤشر رمزي على ما يمكن أن يجول في رأس الرجل. فـ «داعش» التي اقتطعت تلك المساحات والمدن من سورية والعراق يُمكنها أن تُغير الخرائط، لكنها لن تتمكن من البقاء فيها، وتركيا الأردوغانية التي قالت للعالم إنها تريد ثمناً إذا ما قررت أن تقضي على «داعش»، تُفكر من دون شك بتلك المساحة، وتعرف أن سورية «المفيدة» والعراق «الشيعي» لن يتسعا لحلب وللموصل، وأن المدينتين كانتا ذات يوم خارج هذين الوعاءين.

طبعاً تتفاوت سرعة التوجه نحو هذا المصير الافتراضي لسورية بين الشمال والجنوب. في الجنوب يبدو أن البحث به وضع على نار حامية. وساعدت على تسريع البحث حقيقة أن تل أبيب لا تؤجل ملفاتها، وتجيب عن عمل طهران الدؤوب والممل لإنتاج جبهة جديدة في الجولان بسرعة وحسم يُشبهان وثباتها منذ نشوء كيانها. ومن الواضح أنها حددت ماذا تريد. لا تريد لبشار أو لنظامه أن يتهاوى، وفي الوقت نفسه تريد حدودها في يد معارضيه من أبناء المنطقة، فهؤلاء أضعف من أن تكون لهم طموحات بدولة، وربما كان من السهل إلحاقهم في ما بعد بامتداداتهم الجغرافية والعشائرية. قال ديبلوماسي غربي لصحافي عربي ذات يوم ليس بعيداً، إن ما تريده الولايات المتحدة من ســورية أخذته، وهو ترسانتها الكيماوية وتأمين الحدود مع إسرائيل وبعض الاستقرار في لبنان. واليوم، وفق هذا الديبلوماسي، يتقاتل في سورية أشد عدوين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط عداء، وهما «داعش» و»حزب الله»، وهذا ما أمّن لواشنطن ما لا يؤمنه لها وجودها العسكري المباشر. صاحــب هذا الاعتقاد أصــيب بخــيبة جراء واقعة القنيطرة. طهران قالت «الأمر لي» على الحدود السورية الإسرائيلية، وجواب تل أبيب كان مؤلماً.

الحياة

 

 

 

 

“حزب الله” وإسرائيل: ثلاث مجازفات قبل التقاط قفاز التحدي/ صبحي حديدي

في مفردات الردّ على الغارات الإسرائيلية، سيما تلك المهينة منها، والجارحة معنوياً، والقاتلة من حيث طبيعة الأهداف والتوقيتات؛ انتقلت العدوى، اللفظية أساساً وحصراً، من النظام السوري إلى النظام الإيراني، مروراً بإعلام «حزب الله» الرسمي وإعلام «محور المقاومة» عموماً. الأميرال علي شمخاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، أكد أنّ «المقاومة ستردّ بقوّة على العدوان الإسرائيلي في القنيطرة، في المكان والزمان المناسبين لها»؛ دون أن يفوته الإفتاء بأنّ اعتداء القنيطرة يأتي في إطار «استمرار التعاون بين الكيان الإسرائيلي والجماعات الإرهابية»، وهو «استكمال لتوجّه تل أبيب في استخدام التيار التكفيري لإيجاد منطقة عازلة على الحدود المصطنعة للكيان الإسرائيلي».

على موقع قناة «المنار»، يقرأ المرء هذه الخلاصة، التي تبدو وكأنها قفزت من إحدى افتتاحيات صحيفة «البعث» الناطقة باسم حزب النظام في سوريا: «فات البعض بأنّ حزب الله لن يردّ الآن ربما، تاركاً الموضوع إلى مستقبل قريب أو بعيد بحسب ما تفرضه طبيعة الرد، حيث يعود لقيادة المقاومة تحديد هذا الرد بدقة وروية واختيار المكان والتوقيت المناسبين له، كي لا يأتي الرد متسرعاً وغير ذي جدوى أو بدون فعالية أو دون مستوى الاعتداء الإسرائيلي، وهنا قد يكون سلاح الرد المتأني أو تأجيل الرد حتى تحين الساعة المناسبة، أفضل أنواع الردود على هذا الاعتداء»! فإذا ذهب المرء إلى إعلام «حليف»، مثل صحيفة «السفير» اللبنانية ـ وليس إلى إعلام محض بوق، مثلاً، فسيقرأ التالي: «حزب الله لن يتصرف بانفعال وتسرّع، وإنما سيأخذ الوقت اللازم لدراسة الخطوة القادمة للردّ على الهجوم الصهيوني!«

غنيّ عن القول أنّ سُبُل قراءة واقعة الغارة الإسرائيلية يمكن أن تتعدد وتتباين وتتقاطع، طبقاً لزوايا نظر مختلفة، واعتماداً على ما يدرجه هذا الفريق أو ذاك من اعتبارات سياقية، وربما توقيتية، تسند هذه القراءة أو تلك. فليس عسيراً، في التماس مسوغات مبسطة للغارة، التفكير بحاجة بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، إلى مناخ استعراض العضلات العسكرية والأمنية، لتسخين الحملة الانتخابية الراهنة (وهذا رأي بعض جنرالات إسرائيل المتقاعدين أيضاً، في كلّ حال). وليس إفراطاً في الترجيح أن يذهب بعض التفكير إلى جوانب معنوية صرفة، لا تخلو من مكاسب عسكرية وأمنية أيضاً؛ مفادها حاجة نتنياهو إلى «صيد» ثمين يضمّ محمد عيسى (أو النظير، من جانب «حزب الله»، للجنرال الإيراني قاسم سليماني في الملفّ العسكري على الأرض السورية)، وجهاد عماد مغنية (الفتى، ربيب سليماني، وحمّال القِيَم الرمزية الكبرى لأبيه الذي اغتيل في واحدة من أنجح، وأوجع، عمليات الاستخبارات الإسرائيلية ضد «حزب الله»)، والجنرال الإيراني محمد علي الله دادي (والرموز، هنا، محتشدة وافرة، خاصة في صفّ «الحرس الثوري» الإيراني). ولا حاجة، في المقابل، إلى استنباط بُعد بالغ الخصوصية ربما، يخصّ تكذيب حسن نصر الله؛ الذي صرّح، قبل ثلاثة أيام سبقت الغارة، أنّ حزبه غير متواجد في الجولان؛ أو إلقاء قفاز التحدّي إزاء تصريحه بأنّ إسرائيل ذاتها عاجزة عن تخيّل أنواع الأسلحة المتطورة، والرادعة، التي بات الحزب يملكها الآن.

هذه السُبُل مسار منطقي، بالطبع، لا يلوح أنّ القراءات المختلفة والمتباينة والمتقاطعة، يمكن أن تتجاهل جاذبيته؛ لكنها، وسواها، لا تجيز، ويصعب أن تفلح في، طمس ثلاثة عناصر حاسمة، على الأقلّ؛ إلا إذا نهض فعل الطمس على أفعال التجهيل والتضليل والتعمية، عن سابق قصد وتصميم، وانتهج أنماط التبرير المشابهة لتلك التي يجترها الإعلام «الممانع».

وأوّل العناصر هو أنّ الغارة الإسرائيلية على «مزرعة الأمل»، في القنيطرة السورية، تعيد تسليط الضوء على ذلك الاتفاق المدهش ـ الضمني كما يبدو للعيان فقط، أغلب الظنّ ـ بين إسرائيل و»حزب الله»»؛ حول تجميد المواجهة على امتداد خطوط التماس الحدودية اللبنانية ـ الإسرائيلية؛ الأمر الذي لم يشمل امتناع إسرائيل عن استهداف مصالح الحزب، التسليحية بصفة خاصة، على أية أرض متاحة، سواء في سوريا أم في لبنان. ومنذ 2006، تاريخ آخر الحروب بين «حزب الله» وإسرائيل، لم تقع أية مواجهة عسكرية ذات عمق ملموس يوحي بنقض ذلك الاتفاق الضمني.

العنصر الثاني هو تقدير، ثاقب والحقّ يُقال، عبّر عنه ذات يوم المعلّق الإسرائيلي ألوف بِنْ؛ وكان كمَنْ ينوب في الرأي عن عدد من الساسة وأجهزة الأمن والقادة العسكريين الإسرائيليين، صَعُب عليهم البوح بالمسكوت عنه: أنّ صاروخاً فلسطينياً من طراز «القسام»، محمّلاً بمواد انفجارية بدائية، ولا يتجاوز مداه 12 كيلومتراً، يسقط على سيدروت أو عسقلان، ويتسبب في أضرار طفيفة لا تتجاوز جرح مستوطن أو حفر طريق إسفلتي؛ أخطر، على إسرائيل، من صاروخ «سكود»، محمّل برأس كيماوي، يمكن أن يُطلق من سوريا ويسقط على تل أبيب، ويوقع مئات الإصابات والأضرار البالغة. لماذا؟ لأنّ الـ»سكود» لن ينطلق، في كلّ حال، إذْ يعرف بشار الأسد، كما عرف أبوه من قبله، العواقب الوخيمة لقرار كهذا؛ والحكمة، إذاً، ليست في تكنولوجيا الصاروخ ذاته، بل في السياسة التي تقف خلفه وتضبط إطلاقه.

استطراد المعلّق الإسرائيلي لم يكن أقلّ أهمية: نصر الله قد «لا يكره إسرائيل والصهيونية أقلّ من قادة حماس، وخاطفي شاليت، وفصائل القسام. ولكنه، على نقيض منهم، يمتلك السيطرة ويتحلى بالمسؤولية، ولهذا فإنّ التكهن بسلوكه ممكن عقلانياً ومنطقياً. وهذا، في الظروف الراهنة، هو الوضع الأفضل لنا: إنّ حزب الله يقوم بالحفاظ على الهدوء في الجليل على نحو أفضل بكثير مما فعل جيش لبنان الجنوبي الذي كان موالياً لإسرائيل». والخلاصة هي أنّ قواعد اللعبة التي سادت بين إسرائيل ونظام «الحركة التصحيحية»، الأسد الأب مثل الابن، ومنعت إطلاق طلقة من بندقية صيد في الجولان المحتل منذ 1973؛ يمكن أيضاً أن تُقتبس، مع تعديلات ضرورية بالطبع، على خطوط تماس «حزب الله» مع إسرائيل. ليس هذا بسبب العلاقة الوثيقة بين الحزب والنظام السوري، فحسب؛ بل كذلك لأنّ تاريخ علاقات إسرائيل مع إيران، مرجعية «حزب الله» الفقهية والعقيدية والعسكرية والسياسية والأمنية، كان تاريخاً عاصفاً في مستوى السطح فقط، في اللفظ والبلاغة والضجيج والجعجعة، ليس أكثر.

العنصر الثالث يتفرّع عن هذا التفصيل الأخير، تحديداً: أنّ أية مواجهة عسكرية بين «حزب الله» وإسرائيل باتت معادلة إيرانية مباشرة، ثمّ اكتسبت طبيعة أشدّ حساسية بعد تدخّل الحزب المباشر في القتال إلى جانب نظام الأسد، وباتت بالتالي تقتضي هذا المستوى أو ذاك من التورّط الإيراني المباشر؛ فكيف إذا كانت إسرائيل، وليس الحزب، هي المبادرة إلى الاستفزاز؟ وكيف، ثانياً، إذا وقعت الواقعة على أرض سورية محتلة، مشحونة بشتى صنوف الرموز حول «الممانعة» و»المقاومة»؟ وكيف، ثالثاً، إذا اتفق أن تسفر العملية عن مقتل جنرال إيراني بارز، من النواة الصلبة لفريق المرشد الأعلى علي خأمنئي، ومن قلب «الحرس الثوري» الإيراني؟ المدهش، في المقابل الجدلي لهذه التساؤلات، أنّ إيران ذاتها كانت الطرف الرادع، أو بالأحرى: المقرِّر، في تجنّب لجوء «حزب الله» إلى استفزاز إسرائيل على امتداد بطاح الجولان، والاكتفاء بـ»إدارة الأزمة» بين الفصائل المسلحة المعارضة للنظام، و»جبهة النصرة» بصفة خاصة، وما تبقى من وحدات النظام هناك، والاحتلال الإسرائيلي.

وهذه العناصر أقرب إلى مجازفات ثلاث، يصعب أن يتفادى الانزلاق إليها الحزب؛ إذا شاء التقاط قفاز التحدّي، بالطبع!

 

٭ كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

القدس العربي

 

 

 

ضربة القنيطرة وامتهان العقل/ حازم صاغية

قبل أيّام قليلة، وبُعيد الضربة الإسرائيليّة في القنيطرة، هطلت علينا الطبيعة صواعق وزلازل وبراكين. على ذلك استعين ببلاغة التقليد الدينيّ وفصاحته ممّا لا يملك مثلَهما النظام الجهازيّ السوريّ، للقول إنّ الردّ آتٍ. استُنطق الكتّاب والمعلّقون كي يُطلقوا العنان لمخيّلاتهم في وصف الردّ المحتّم. استقرّ الأمر، في النهاية، على تحديد هدف استراتيجيّ مهول: إنّه إطاحة اتّفاق فصل القوّات الموقّع في 1974، والمرعيّ كونيّاً. بعد اليوم، لن تصمت المدافع في الجولان كما فعلت طوال 41 عاماً. بعد اليوم، فليبلّط العالم البحر.

والحال أنّ حافظ الأسد الذي وافق على فصل القوّات آنذاك، دخل إلى لبنان بعد عامين كي يمدّ مفاعيل الاتّفاق إيّاه إلى جبهة «الشقيق» الأصغر. هنا، في لبنان، يراشق بالحجارة عبر طرف ثالث لبنانيّ الغطاء، إلاّ أنّه لا يكبّر الحجر بما قد يرتدّ على استقرار سلطته في سوريّة. وحين غزت إسرائيل لبنان في 1982، وطردت الجيش السوريّ من معظمه، لم يتغيّر العمل بهذه القاعدة الذهبيّة، فظلّت جبهة الجولان كقلب ابن عربي، مرعى لغزلان لا يدين إلاّ بدين الحبّ. يومذاك كان الاتّحاد السوفياتيّ بجبروته يقف وراء الأسد، وكان الأخير يبني «توازنه الاستراتيجيّ» الشهير مع الدولة العبريّة، ومع هذا لم يُمسّ الاتّفاق ولم تتحرّك جبهة الجولان. والسلوك المطواع هذا هو تحديداً ما تسبّب بالوصف الذائع الذي التصق بالأسد من أنّه يفي بالتزاماته وتعهّداته. وهو، في واقع الأمر، لو لم يفِ لما حكم 26 سنة أخرى، ولما تمكّن من توريث نجله الحكم من بعده.

ووسط الضوضاء والكلام المنتفخ، حاول وزير الإعلام السوريّ أن يعيد الاعتبار للتقليد الأسديّ. هكذا قال عمران الزعبي إنّ «ما يجب أن تدركه حكومة إسرائيل هو أن كلفة المحافظة على الأمن الإقليميّ أقلّ بكثير من كلفة انفلات الأمور من عقالها وتطوّرها على نحو سلبيّ».

لكنّ إيران و»حزب الله»، صاحبي اليد العليا في سوريّة اليوم، آثرا التحدّث بلغة الطبيعة، وإن استعارا من القاموس القديم اختيار الزمان والمكان الملائمين، أي اجراءات التحكّم بالطبيعة وضبط أفعالها الهائجة.

مع هذا، فإنّ ما لم يفعله حافظ الأسد يصعب أن تفعله إيران، التي تفاوض الدول الغربيّة حول ملفّها النوويّ. وفي أغلب الظنّ تسري هذه الصعوبة على خصوم روحاني الراديكاليّين. فهم، وإن كانوا يريدون تخريب التفاوض مع الغرب، يعلمون أنّ فتح جبهة الجولان يخرب كلّ شيء، لا التفاوض فحسب، طارحاً على المحكّ أوضاع سلطتهم في طهران ذاتها. ومن دون إيران، يستحيل أن يقدم «حزب الله» على قرار هذا حجمه، هو الذي كان يعدنا بالردّ على اغتيال عماد مغنيّة لحظة اغتيال نجله الشابّ.

لقد سبق لبعض راديكاليّي اليسار أن قالوا: «كلّ الحقيقة للجماهير» و»الحقيقة دائماً ثوريّة» فيما كانوا يكذبون على «الجماهير». لكنْ نادراً ما بلغت الاستهانة بالعقول ما بلغته اليوم، بحيث لا يستغرق التهويل بإعلان تاريخيّ كفتح جبهة الجولان أكثر من يومين، يومين يغطّ الجميع بعدهما في نوم عميق!

الحياة

 

 

 

 

سيادة سوريا الأسد/ زيـاد مـاجد

قتلت إسرائيل قبل يومين عدداً من مقاتلي حزب الله وكوادره في محافظة القنيطرة جنوب سوريا. وقتلت معهم ضابطاً في الحرس الثوري الإيراني.

وبحسب بيان النعي الصادر عن الحزب اللبناني، فقد كان عناصره المغدورين في “مهمةّ على مقربة من الجولان المحتلّ”. أما بيان النعي الإيراني فذكر أنّ فقيده كان يقدّم “الدعم والمشورة للحكومة السورية ضد الإرهابيّين التكفيريّين”.

بهذا، نستنتج من البيان الأوّل أن تواجد ستة مقاتلين لبنانيّين من حزب الله، بينهم أحد المسؤولين العسكريّين، وبينهم أيضاً ابن القائد العسكري السابق للحزب (الذي اغتيل في سوريا نفسها العام 2008)، إضافة الى عميد إيراني من الحرس الثوري، كان أقرب الى مهمّة “مقاومة” لقرب المُستهدفين جغرافياً من حدود الجولان المحتلّ. في المقابل، يُعلن البيان الإيراني أن الضابط المُستهدف كان في مهمّة دعم لنظام الأسد ضدّ خصومه “الداخليّين”.

على أن الأهمّ من بيانَي حزب الله والحرس الثوري وتناقضهما في تحديد الدور الذي كان المقتولون يؤدّونه، هو صمت النظام الأسدي على خبر الهجوم الإسرائيلي واستهدافاته. والحقّ أن الموضوع “مُحرج” له، في صيغتيه. فأن يكون مفاده أنّ مجموعة لبنانية بقيادةٍ أو بتشارك قيادةٍ من إيراني كانت تحضّر لعمل “مقاوم” في الجولان المحتلّ منذ العام 1967 والهادئ منذ العام 1974، وتتصرّف كما لو أنها في أرضها وتملك دون سواها توقيت تنفيذ العمل وموضعه، ففي الأمر ما يجعله شاهد زور على خطبٍ لم يلجأ (في غير التهديدات الخطابية) الى ما يشبهه على مدى واحدٍ وأربعين عاماً. وأن يكون الأمر مرتبطاً بنشاطٍ يهدف الى مساعدته ضد خصومه الداخليّين، أي إنقاذه في مواجهة “العصابات المسلّحة” (على ما سمّى معارضيه منذ اليوم الأول للثورة)، ففيه ما ينتقص من قدرته على “الدفاع عن نفسه”، ويُحوّله الى مراقب لا جنود له حتى لمرافقة اللبنانيّين والإيرانيّين القادمين لعونه، والمُستهدَفين وحدهم – كما استُهدفت قوافل أسلحتهم في السابق داخل أراضيه – بالنيران الإسرائيلية…

بهذا، توجز واقعة العملية الإسرائيلية ضد موكب حزب إلهي – إيراني داخل سوريا الكثير في ما يخصّ التراجع الذي أصاب “سيادة” الدولة السورية بنسختها الأسدية الثانية على ما تبقى من أراضي تسيطر (نظريّاً) عليها وعلى القرار العسكري داخلها. وتجسّد كذلك التلاحم الحزب – إلهي الإيراني العابر لحدود أربعة بلدان، الفاتح إياها على بعضها: إيران والعراق وسوريا ولبنان. كما تُظهر مدى هشاشة الأحوال اللبنانية، حيث أبرز المشاركين في السلطتين التنفيذية والتشريعية في بيروت يخوض بالتحالف مع دولة أجنبية بعيدة (إيران) حرباً داخل دولة أُخرى قريبة (سوريا)، صارت تستهدف بحسبه دولة ثالثة (إسرائيل) تحتلّ أراضي سورية.

ويجري الأمر بالطبع، مع احتمالات تداعيات مباشِرة على لبنان لا خيار لمعظم اللّبنانيّين فيها ولا كلمة لهم في صددها.

هكذا، يتكرّس تحوّل “سوريا الأسد” الى ساحة مفتوحة لكثرة من اللاعبين الإقليمييّن والدوليّين يديرون أولويّات معاركهم فيها بعلمِ النظام وبغيرِ علمه. وهكذا يمضي حزب الله في ربط لبنان بصراعات دموية يُزيل عنفها الحدود بين كيانات المشرق بعلمِ الأطراف اللبنانيّين وبغير علمهم، وفي الحالين، بأكلافٍ قد يدفعون أثمانها جميعهم.

موقع لبنان ناو

 

 

 

 

أبعد من الغارة الإسرائيلية/ أحمد جابر

الغارة الجوية التي استهدفت حزب الله في سوريا، ليست مسلكاً عدوانياً جديداً، بل هي تكتيك قتالي في سياق استراتيجية عسكرية عامة تعتمدها إسرائيل، عنوانها: الهجوم الاستباقي. إذن، وقبل الحديث عن “الرسائل” التي حملها الطيار المعادي، هي متوقعة دائماً، على خلفية المعرفة بعقيدة العدو القتالية، ومن البديهي أن تكون مفاجئة في مكانها وزمانها، لأن السرية أساس كل عمل معادٍ، خاصة عندما تجتمع في الخطة الهجومية، صفتي: الأمن – القتال. عليه، فإن ما قامت به إسرائيل ضد “الحزب” أسقط جغرافيا المكان، وهو ساقط في عرفها منذ زمن بعيد، واحتفظ لها بحيّز الزمان، الذي يعني الاحتفاظ بزمام المبادرة الهجومية، حسب توقيت إسرائيلي ملائم.

وكي تكون الملامسة للحدث موضوعية، يجب القول أن انتقال حزب الله إلى سوريا، دفاعاً عن محوره، حسب اللغة التي يعتمدها، سهّل على إسرائيل صياغة بيان استهدافه هناك. نقول سهّل، ولا نردد أنه قدّم لها الذريعة، فالعدو الإسرائيلي لم يكن لينتظر الذرائع عندما يقرر التحرك، وفي التاريخ الصراعي معه ما يؤكد أنه قام هو بافتعال بعض الحوادث… الذرائع. في السياق، نطرح السؤال على الذات: ماذا يفعل حزب الله في سوريا حتى الآن؟ وفي جواب الذات على الذات، هو هناك لسياسة تخصه هو، لها كل مبرراتها في حساباته، ولكنها غير موافق عليها من الآخرين، ولعل هؤلاء الآخرين هم أكثرية اللبنانيين.

العودة إلى الأسئلة الداخلية، هي تلمس لإمكانية تأسيس الحصانة الوطنية اللبنانية الداخلية، وهي محاولة للتخفيف من آثار وانعكاسات الأحداث العربية المحيطة بلبنان، وهي دعوة لخروج اللبنانيين وإخراجهم، من ساحات المحاور ومن ميادين المعارك. التي تدور خارج جغرافيا بلدهم، البلد الرجراج حالياً، بشهادة كل مأزقه الكياني والصيغوي والاستقلالي والاندماجي…، المأزق الذي يكاد يكون مصيرياً.

وإذا ما أردنا تقدير الموقف السياسي، لأن لكل خطة سياسية تقدير موقف، ستواجهنا حقيقة الاختلال في ميزان الاحتشاد السياسي، بين حزب الله وإسرائيل. وجه الاختلال، هو “اجتماع” الداخل الإسرائيلي حول مقولة الأمن وأولوية حمايته، وتركيز السجال حول كيفية تحقيق هذا الهدف ومنع اختراق تدابيره الوقائية، أو إحباط خططه الاحترازية. هذا التوافق شبه الكامل إسرائيلياً، هو ما يفتقر إليه حزب الله، عندما يؤكد على تعريف مقاومته، وعندما يكرر تعريفها، وعندما يحدد أولوياتها، واستراتيجيتها وخططها العملانية.

ولا يقف الأمر عند حد اللاموافقة، بل وكما هو معروف، بات لحزب الله من يناوئه ومن يقاتله في سوريا، ومن يستهدفه في الداخل، على خلفية أن الداخل هو نقطة ارتكاز عسكرية، ومركز إمداد وإسناد لهجماته الخارجية. إعادة رسم اللوحة كاملة توضح الآتي: حزب الله هدف للعدو الأساسي إسرائيل، وهو هدف للقوى السورية التي تقاتل نظامها، وهو موضع اعتراض سياسي من صنف واسع من اللبنانيين!!!.

بناء على ما تقدم، تجتمع عوامل عدّة تفرض مراجعة حسابات من جانب حزب الله، تقوم على تحديد ماذا يريد، وعلى تعيين موقعه ضمن البنية اللبنانية العامة، أي ضمن “الكيان”، الذي يعلن هو، مثلما يصرّ غيره، على أنه “وطن نهائي للبنانيين”. ربما تضافرت أدلة وشواهد كثيرة لتقول، لكن حزب الله لا يملك زمام أمره، وهو جزء من سياسة إقليمية عامة، مركز قرارها في الخارج، وفي إيران تحديداً. هذا الكلام لا يغير من ضرورة الوقوف أمام “مسألة” حزب الله، وقفة مسؤولة، من قبل اللبنانيين الآخرين، الذين هم معنيون أيضاً بحفظ الكيان، وبصياغة توازناته الدقيقة، وبمعالجة معضلاته، التي باتت “الشيعة السياسية”، واحدة من أكثرها تعقيداً.

أحياناً قد لا تتوفر بنود المشروع السياسي المأمول على صعيد الإيجاب، أي لا يكون متاحاً تسطيرها بدقة ووضوح، لكن قد يكون قيد الصياغة المستطاعة تعداد البنود على صعيد النفي، أي في صيغة ما سيكون ضاراً وغير ناجع، في حالة الإقدام عليه. على صعيد الطموح ليس في متناول اليد مثلاً، الحديث عن عودة حزب الله إلى لبنان، أو الحدّ من طفرته على أحكام التوازنات اللبنانية، أو كسر إمساكه بمفاتيح تسهيل الحلول الداخلية… هذا وغيره، يجب ألا يكون بديله قوالب عدائية، ولا تعريفات تخوينية، ولا اقتراح الإقدام على مغامرات سياسية.

عليه تصير المعادلة واضحة: لا نستطيع هذا المسلك المحدد في السياسة، لكننا نستطيع الإمتناع عن مسالك سياسي آخر، لأسباب وطنية تتعلق بسلامة البلد، وتحاول مراكمة ميزان آخر، يؤمل أن ترافقه بعدها السياسات الوطنية المناسبة. ربما هي حكمة في مواجهة اللاحكمة التي تعرض البنيان الوطني لأفدح الأخطار.

رب قول صائب يدلي بسؤاله حول أهلية الطائفيات المتحكمة بمقاليد الأمور اليوم، في اعتماد عدم الموافقة والامتناع، والحفاظ على الحدود السلمية الراهنة في الوقت عينه!. السؤال حقيقي وواقعي، لكن ما البدائل التي في الحوزة؟ واضح أن لا قوى ديمقراطية وازنة تلعب دور الحجز والكبح في ميدان الطائفيات، لكن الواضح أيضاً، أن لا وجود لمشروع “انتحاري” لدى أي من هذه الطائفيات. ربما بدا الاستئثار الذي تمارسه الشيعية السياسية نافراً جداً، لكن ذلك مازال يتم تحت سقف الكيان والتسليم “بكيانيته”، ولو من ضمن عدم الاعتراف بتوازناته وبالحصص المترتبة على هذه التوازنات.

تحت عنوان المسؤوليات الداخلية للطائفيات والمذهبيات السياسية، يجب عدم الهروب من معاينة وضعية الشيعية اليوم، والاعتراف بأنها تشكل عقبة كبرى أمام صياغة تسوية داخلية جديدة، وأن تعريفها لمصالحها يتجاوز على تعريفات الآخرين لمصالحهم، ويلامس حدود اللا إحتمال إذا ما عرض على ما هو معروف من ضرورات “الصيغة” اللبنانية. هذا الأمر، يفتح موضوع الطائفة الشيعية، مثلما يفتح مواضيع سائر الطوائف، ويجعل موضوع مقاربة شيعية إضافية، لمصالح الطائفة الشيعية، مهمة عاجلة لكل الشيعة الذين لا يرضون بما هو متداول من فهم وتعريفات للمصالح. ومن باب التشديد، لن يتنفس أي طرح جديد، إلا في ظل مناخ الاستقلالية الفعلية للقائمين به، وفي مناخ نقاش مواز داخل كل الطائفيات والمذهبيات الأخرى، كذلك لن يكتب لأي طرح النجاح، إذا ما ظل مقترحوه في منزلة “الشعراء الصعاليك”، الذين يكتفون من الحياة بقصائد فريدة.

خلاصة، ما جرى ضد حزب الله في سوريا، يجب أن يناقش بعبارات المصلحة الوطنية اللبنانية العليا، ويجب ألا يغيب، أن من حصانات المصلحة هذه، التأكيد دائماً على أن العدو الأول للبنانيين هو العدو الذي اغتصب فلسطين. هذه حقيقة لا يطويها النسيان، ومن الحكمة أن تتصدر دائماً جدول الأعمال.

المدن

 

 

 

الحزب أم إيران؟/ امين قمورية

عندما تؤكد طهران مقتل ضابط كبير في الحرس الثوري يصير للجريمة التي ارتكبتها اسرائيل في القنيطرة معنى آخر. وعندما توجه الدولة العبرية ضربة مباشرة وواضحة الى هدف ايراني يفترض ان تتراجع القراءات الامنية التكتيكية لتتقدمها الحسابات السياسية الاستراتيجية.

صحيح ان “حزب الله” تلقى ضربة معنوية قاسية بسقوط رمزين كبيرين من رموزه ومعهما رهط من المقاتلين وضعته أمام تحدي الرد… بيد ان اطلاق النار مباشرة على ايران هو استهداف لدورها الطامح والطموح في صميمه.

الاستياء الاسرائيلي من التفاهم الاميركي – الايراني واضح وصريح وكاد يدفع بتل ابيب مرات عدة الى جنون شن هجوم أحادي على المفاعلات النووية. الآن، كل المعطيات تشير الى ان خلف هذا التفاهم قوة دفع ثنائية قوية قد توصله الى النهايات السعيدة حتى قبل الموعد المحدد في الاول من تموز. هذا الاندفاع لا يبدو ان قيداً يمكنه وقفه سوى حرب تقلب المعادلات. فهل تضمر اسرائيل من وراء الضربة – التحدي، جرجرة خصمها اللدود الى حرب مباشرة او بالواسطة ترغم واشنطن على حسم خياراتها والوقوف كما جرت العادة الى جانب صنيعتها والتخلي عن مشروع صداقتها المحتمل مع ايران؟

إسرائيل ترفض النووي الايراني أكان سلميا أم عسكريا وهي مرتابة من الدور المستقبلي لطهران الذي قد يترتب على تفاهمها مع الغرب. لكنها تخشى اكثر الطوق الايراني المباشر او بالواسطة الذي يلتف حول خريطتها، في جنوب لبنان عبر الحليف الاوثق “حزب الله” ، وفي غزة عبر الحليف “الجهاد” ونصف الحليف “حماس”، واخيرا في الجولان عبر الوجود الفاعل للحزب و”الحرس الثوري”. وبرسالتها القاتلة في “مزارع الامل” ، كأن اسرائيل تقول: “انا لاعب اقليمي كبير ايضا ومعني برسم الخطوط المستقبلية في سوريا وخصوصا على حدودي في الجولان، ولا اقبل بأمر واقع يفرض علي ولا يتناسب مع مصالحي الامنية والسياسية حتى لو كلف الامر حربا جديدة مدمرة!”.

رسائل بالجملة حملتها الغارة الاسرائيلية. وايران المعنية بحصة الاسد منها، كيف سترد؟ هل ترد مباشرة ام ترد بالواسطة وبالتكليف؟ هل تنجر الى مغامرة مكلفة الثمن ام تتجاهل الرد؟

الحائك الايراني الذي يحبك السجاد حبكة حبكة، لن يفوت الحبكة الاخيرة المتاحة لإنجاز السجادة السحرية للاتفاق مع الغرب. وبعدما حقق كلاعب هجوم محترف أهدافا متتالية في المرمى السوري، سيحاول تفادي الاخطاء التي من شأنها ان تتسبب برفع بطاقة حمراء في وجهه لإخراجه من هذا الملعب. اما رده، فعلى الارجح، لن يكون مباشرا انما “ذبحا بالقطن” كما جرت عادته، وبالخيوط القاطعة للحلفاء وليس بخيوطه الخاصة.

النهار

 

 

 

عنصرية “المقاومة”/ غازي دحمان

من أغرب ردود الفعل التي صدرت عن إعلام المقاومة على الغارة الإسرائيلية التي استهدفت كوادر من «حزب الله» في القنيطرة السورية، كانت وصف الحادثة بأنها بمثابة الانزياح الطبيعي للصراع الحاصل داخل سوريا، في اتجاه هويته الأصلية، بعدما طبعته لفترة من الزمن «الأسماء الحركية».

المقصود هو الثّورة كاسم حركي لمؤامرة إسرائيلية كبرى، على اعتبار ان الثورة تلّطت لفترة طويلة تحت عناوين» ثورة الكرامة والحرية» أو «الثورة ضد استبداد نظام الأسد»، رغم أن كل المعطيات التي حصلت في سياق هذا الحدث تؤكد صفتها كثورة شعبية مكتملة الأوصاف، وفق معايير تصنيف الحراكات السياسية والاجتماعية، إن لجهة كثافة المشاركة والفئات المنخرطة بها، أو لجهة انتشارها على حيز جغرافي شمل أغلب الجغرافية السورية.

لا يحمل هذا الوصف شبهة الاستعجال أو النزق، نتيجة تأثر قائله بالحادثة، فلا يمكن لأي نزق، مهما بلغت حدّته، أن يمسح دماء مئات آلاف الشهداء الذين سقطوا في سبيل الحرية ولا عذابات تشرد الملايين والمفقودين والمغيبين، هل كان كل ذلك كرمى لعيون اسرائيل وتنفيذا لأجنداتها، في مواجهة تنظيم لم يعد له علاقة بالحرب معها، بعد قبوله القرار 1701، الذي قيّد حركته تماماً، أو نظاماً لم يفكر بمحاربتها يوماً، ولم يكن وارداً ضمن استراتيجياته التفكير بهذا الامر لعقود طويلة سابقة ومقبلة؟

كل ذلك لا يعدو كونه منهجاً عنصرياً في تفسير الأحداث والظواهر، يرتكز على منطلقات أيديولوجية غيبية، أساسها أن الآخرين لا يقومون بالثورات، الثورات فعل لا يليق إلا بأطراف معينة ، وبما أن هؤلاء السوريين من صنف أدنى، بالتالي فإن ما يقومون به يبقى فعلا دنيئاً، وإما فعل غوغائي فوضوي، هذا في حالة تحكيم حسن النوايا في التفسير، أو في الغالب عمل مؤامراتي خبيث يتطابق مع السلوكية الدونية التي ينطلقون منها، ثم الثورة على من؟، نظام يقع ضمن المنظومة المقدسة المسماة «مقاومة»، والمفروض إنه أعلى قدراً وشأنا من المساءلة والمحاسبة من قبل أطراف غير مؤهلة أخلاقياً وقيمياً لهذه المهمة، ومن أجل ماذا؟ الفساد! إذا كانت قيادات وكوادر «حزب الله» المتنفذين بدأت بعزل نفسها ضمن أحياء ومناطق خاصة ويسكنون في قصور فاخرة على أطراف بعض القرى الجنوبية، نتيجة تمتعهم بفوائض صادرات النفط الإيرانية، على ما ذكر تقرير نشرته مجلة « فورن بوليسي» في عددها الأخير.

لعل هذا ما يفسر عدم تعاطف جمهور «المقاومة» مع كل أشكال الموت التي يتعرض لها السوريون، مع ان البيئة المستهدفة من قبل نظام الأسد بالقتل والموت قريبة من بيئة هذا الجمهور، إن على مستوى التقاطعات بين أفراد البيئتين، أبناء العشوائيات والضواحي والأرياف، أو على مستوى التداخل والاندماج العلائقي الحياتي بينهما، في أماكن العمل اللبنانية (في المقالع والحقول والخدمات) أو في الأسواق الشعبية السورية، في دمشق وحمص.

هذا الأمر له صلة بسلوك عميق تمارسه «المقاومة» في طريقة عملها، فهي ترفض إشراك الآخرين بالفعل المقاوم، حتى وإن تمت الاستفادة منهم فإن ذلك يتم من خلال أعمال حصرية يأنف المقاومون القيام بها، وهذا يعود إلى حقيقة النظر للآخرين على أنهم ليسوا فقط غير موثوق بهم وإنما لكونهم أقل قدرا من تنفيذ الأعمال «الجليلة»، التي تقوم بها «المقاومة»، كما أنهم لا يستحقون «المجد» نتيجة أدائهم للمهام المقدَسة.

كلنا يتذكر المقولة الشهيرة لأمين عام» حزب الله»: «ما في شي بحمص». لم يكن يومها يقصد التمويه ولا التضليل، تلك صفات لا تحتاج اليها المقاومة، إنما كان يقصد أنَ الأمور طبيعية طالما أن النظام هو الذي يقتل ويردع، وطالما أن الآخرين هم في وضع المقموع والمقتول. إذاً، الأمر طبيعي ولا يحتاج لكل هذا الضجيج، ولا شك أن نسق الخطاب هذا سيتطور بعد مدة عندما يشتد عصب الثوار ويتحولون إلى مقاومين للظلم الواقع عليهم، حينها سيصبحون بنظر «المقاومة» إما تكفيريين من خارج العصر وإما متآمرين خونة، وبالتالي يستحيل حتى للحظة الشك، أو حتى الافتراض أنهم خارج هذين التعريفين، أو الإدراكين (بلغة أدق)، مستحيل أن يكونوا ثواراً. هذه الصفة لم يقبلها العقل «المقاوم»، وللأسف لا يخضع تعريف «المقاومة» للثورة لمعايير واضحة ومحدّدة، بل هو نتاج عقلية عنصرية تستند إلى أحكام قبلية، لا يمكن زحزحتها أو تعديلها، تحت اي ظرف من الظروف.

قتلى «المقاومة» في أي مهمة وعلى أي جبهة «شهداء»، أما أن يموت مئات آلاف السوريين فذلك أمر غير مهم، الشيء الذي يستحق الاهتمام في مأساة السوريين أنها تسلط الضوء على قداسة «المقاومة» وتثبت أحقيتها وجدارتها. التفاصيل الأخرى ليست أكثر من لواحق للفعل الأول «الخيانة والتآمر والغباء»، وفي أحسن الأحوال التمرد والجنوح ، وحده العقل العنصري من يرى أن ملايين السوريين مغرر بهم، لدرجة أن واحدة من النائبات في مجلس النواب الأردني، ممثلة عن حزب يساري، أكدت أن السوريين افتعلوا الثورة ليأتوا الى مخيم الزعتري ويتمتعوا بالمساعدات، التي تمنحها إياهم مفوضية الأمم المتحدة، عبارة عن كرتونة معلبات شهرية! ألم أقل لكم أن الدونية هي محرك الثورة؟ خلاصة قراءة العقل «المقاوم» للثورة السورية.

المستقبل

 

 

 

 

الثأر وجبة تؤكل باردة ؟/ راجح الخوري

مساء الخميس الماضي قال السيد حسن نصرالله لـ”قناة الميادين” ان “حزب الله” يملك اسلحة يمكن اسرائيل ان تتخيّلها وان لا تتخيّلها ايضاً. ومساء الأحد بعد العملية الاسرائيلية في القنيطرة، أجمع المراقبون على انه يمكن المرء ان يتخيّل وان لا يتخيّل ما سيجري، لكن بيان “حزب الله” أوحى انه سيعمل وفق النظرية اليهودية القديمة التي تقول “ان الثأر وجبة لا تؤكل إلا باردة”.

واضح ان ساحة الثأر باتت تمتد من الناقورة الى الجولان، ففي حديثه الأخير قال نصرالله “إن الغارات الاسرائيلية على أهداف سورية عدة في الأعوام الاخيرة، يشكّل استهدافاً لمحور المقاومة وان الرد عليها أمر مفتوح في أي وقت”، ولهذا كان السؤال الأبرز بعد عملية القنيطرة، هل تندفع الأمور الى حرب شاملة بقواعد وديناميات عسكرية جديدة، وهل تعمّد العدو الاسرائيلي لحسابات عسكرية وسياسية، إفتعال هذه الحرب التي طالما تحدث أخيراً عن التحضير لها، الى درجة ارتفاع اصوات في تل ابيب تحذّر من مخاطر قيام “الجبهة الشمالية” ؟

قبل الحديث عن الحسابات العسكرية والسياسية وحتى الانتخابية الاسرائيلية، من الواضح ان ضربة العدو موجعة في إتجاه “حزب الله” كما في اتجاه ايران، فخسارة كوادر نوعية ليست سهلة على الحزب، ثم ان خسارة جهاد مغنية أبن عماد مغنية، مؤلمة حتى الصميم عند السيد حسن كما عند قاسم سليماني رجل ايران القوي، ومع نشر صوره امس تذكّر الكثيرون كيف وقف سليماني في عزاء والده وراح يقدّمه شخصياً الى كبار المعزّين، وليس غريباً ان يكون جهاد الذي تسلّم ملف القنيطرة أخيراً قد وضع على الطريق التي كانت ستجعله يتسلم المسؤوليات العليا التي تولاها والده الذي إغتيل في سوريا عام ٢٠٠٨.

العملية تأتي قبل شهرين من الانتخابات الاسرائيلية التي يخوضها نتنياهو لولاية رابعة، ويرى البعض انها قد تخدمه في كبح المخاوف المتصاعدة في الشارع الاسرائيلي من أزدياد قوة “حزب الله”، وخصوصاً عندما يتحدث السيد نصرالله عن ان صواريخ “فاتح ١١٠” سلاح قديم، وهو ما فسّر في تل ابيب بوجود معادلات جديدة كاسرة للتوازن.

كذلك وضعت العملية على ساعة استئناف المفاوضات النووية بين ايران والدول الغربية، في ظل مؤشرات قوية لرغبة الطرفين في التوصل الى اتفاق في آذار قبل نهاية فترة التمديد في تموز. أضف الى ذلك ان ضغوطاً متصاعدة من الديموقراطيين والجمهوريين في الكونغرس الاميركي تلوّح بفرض عقوبات اقتصادية جديدة على طهران، ومن شأن العملية الاسرائيلية ان تقوي هذه الضغوط.

وبالعودة الى السؤال الأساس: هل تندفع الأمور الى حرب شاملة قد يكون العدو الاسرائيلي خطط لها، أم ان الثأر سيكون هذه المرة وجبة كبيرة لكنها ستؤكل باردة ؟

النهار

 

 

 

“حزب الله” يردّ على إسرائيل ضمن سقوف؟ إيران تتجنّب مواجهة تطيح مفاوضات النووي/ روزانا بومنصف

هل يجب ان يخشى اللبنانيون حربا جديدة مع اسرائيل قريبا؟

دان وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف بقوة، في موقف بدا وحيدا بين الدول الاقليمية والدولية باعتبار ان اي عاصمة لم تصدر بيان ادانة، العملية العسكرية التي قامت بها اسرائيل ضد قافلة من عناصر الحرس الثوري و”حزب الله” في القنيطرة قرب الجولان السوري المحتل واصفا العملية “بارهاب الدولة “. ومضى للاعلان انه سيلتقي نظيره الاميركي جون كيري وغيره من وزراء خارجية الدول الخمس الكبرى زائد المانيا على هامشي اجتماعي دافوس بين 21 و24 الجاري وقمة ميونيخ حول الامن بين 6 و8 شباط المقبلين. يبدو الموقف الايراني واضحا على نحو كاف بالنسبة الى مصادر سياسية بان ايران لا تستطيع خوض حروب كبيرة مع اسرائيل يمكن ان تعرقل او تعيق المفاوضات الجارية مع الغرب اقله وفق المعطيات الراهنة. فهذا السقف بحسب موقف ظريف وانخراطه في المفاوضات الديبلوماسية الغربية يرسم حدودا يصعب في ضوئها الاعتقاد برغبتها في تصعيد الوضع مع اسرائيل الى درجة جر المنطقة الى حرب كبيرة في المرحلة الحالية، على غير ما يمكن ان يكون عليه الصراع المخابراتي على سبيل المثال، خصوصا اذا كانت اسرائيل استهدفت المفاوضات الجارية حول النووي بالضربة العسكرية.

هذا الموقف يستبعد وفق المصادر السياسية رد فعل لـ”حزب الله” يمكن ان يستدرج لبنان الى حرب مع اسرائيل وفقا للاحتمالات المبنية على الحسابات الايرانية. وقد يكون من مصلحة ايران، وهي قادرة على استيعاب الضربة الاسرائيلية، عدم تسليط الاضواء عليها كثيرا لجهة ضلوعها بعناصر من حرسها الثوري على الارض ميدانيا في سوريا وليس فقط في مناطق سيطرة النظام بل على الحدود قرب الجولان المحتل مع اسرائيل في الوقت الذي نفت مرارا انخراطها عسكريا في سوريا، ولو انها توجه رسالة الى الولايات المتحدة والدول الاقليمية عن امساكها ليس فقط بورقة نفوذها في الجنوب اللبناني بل ايضا بسعيها الى امتداد ذلك الى منطقة الجولان ايضا. الا ان الوضع يبدو مختلفا بالنسبة الى “حزب الله” الذي يبدو مضطراً الى الرد على العملية العسكرية الاسرائيلية التي استهدفت عناصر من قياداته ولا يستطيع قطعا غض النظر عنها او تأجيل الرد لوقت بعيد. اذ ان العملية اتت بعد ثلاثة ايام على مواقف اطلقها الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله اكد فيها اولا الجهوزية الكاملة لردع اسرائيل والحق في الرد على اي اعتداء بما في ذلك الاعتداءات التي طاولت سوريا انطلاقا من اعتباره ان هذه الاعتداءات هي على ما سماه محور المقاومة. وفاخر بقدرة لا تقارن بما سبق رادعة للعدو الذي ظهر انه لم يرتدع وبادر فورا الى اظهار ذلك عبر قصفه قافلة للحزب والحرس الثوري الايراني في القنيطرة. ومن غير المحتمل الا يعتبر ان العملية العسكرية الاسرائيلية تمس صدقية ما تقدم به وعرضه من معادلات قوة وردع في الوقت نفسه فتضعه في موقع حرج وحتمي من اجل الرد وليس في وقت بعيد جدا . ولكن غلب الاعتقاد على نطاق سياسي واسع ووفق الاعتبارات المنطقية للمعطيات السياسية الراهنة ان هناك سقوفا للرد. فهناك من جهة السقف الايراني في ظل استمرار المفاوضات حول النووي والتي لا يبدو ان من مصلحة ايران نسفها راهنا. وهناك من جهة اخرى محاذير لا يعتقد ان الحزب قد يكون في وارد اطاحتها كأن يكون رده على العملية الاسرائيلية حافزا لرد فعل اسرائيلي مقابل قد يستدرج لبنان الى اتون حرب لا قبل للبنان بتحملها ككل ولا قبل خصوصا لجمهور الحزب ان يكون عرضة لتكرار ما حصل في حرب تموز 2006 خصوصا ان الوضع مختلف تماما عما كان عليه الوضع في لبنان وفي المنطقة في ذلك الوقت.

وهناك اختلاف في تقدير اهمية الوضع الداخلي بالنسبة الى حسابات الحزب في تقدير حجم الرد على اسرائيل وماهية هذا الرد. فهناك سياسيون يعتبرون ان الحزب وفي خضم حوار يجريه مع تيار المستقبل من اجل تخفيف الاحتقان مضطر في هذه المرحلة الى تقدير موقف الافرقاء اللبنانيين الآخرين في توقيت وفي تقدير حجم اي رد قد يورط لبنان لئلا ينسف الحوار من جهة ولئلا يفتح بابا اضافيا عليه بانه اتى بالحرب السورية الى لبنان عبر انخراطه في الحرب الى جانب النظام السوري فيما هو يأخذ لبنان الى حرب مع اسرائيل تحت وطأة عملية استهدفت عناصره في القنيطرة في سوريا وربما بسبب ذهابه الى هناك ولم يستهدف في لبنان حيث يقول انه مقاومة من اجل الدفاع عنه في الاساس. والكلام في هذا الاطار عن رد انطلاقا من سوريا يبدو غير محتمل لاعتبارات متعددة، ولو ان الفكرة لا تبدو مستهجنة في رأي هؤلاء السياسيين نظرا الى استخدام سوريا الجنوب اللبناني اعواما طويلة لحرب بديلة من الجولان. في حين ان سياسيين آخرين يرون ان هذه الاعتبارات الداخلية لا تدخل فعلا في حسابات الحزب لجهة اقامته الاعتبار لموقف الافرقاء السياسيين انطلاقا من ان اي رد فعل اسرائيلي عنيف ضد لبنان على رد من جانب الحزب قد يؤدي الى تأليب جميع اللبنانيين حوله فضلا عن اعتقاد هؤلاء انه اذا كانت ايران داعمة لعملية نوعية كبيرة فمن غير المحتمل ان تكون الاعتبارات السياسية الداخلية عائقا امامها.

النهار

 

 

 

هل يرد حزب الله؟/ جويس كرم

العملية الاسرائيلية التي استهدفت موكبا لـ “حزب الله” في منطقة القنيطرة السورية، تعكس معادلة جديدة في الصراع بين الطرفين، يعتبر فيها الجولان “خطا أحمر” بالنسبة الى اسرائيل، كما انها تبتعد بأسلوبها عن الحرب الشاملة.

مقتل ستة عناصر من الحزب بينهم قياديون، وجهاد نجل عماد مغنية، القيادي السابق في الحزب الذي اغتيل ف سورية ايضاً في 2008 ، وأحمد عيسى الذي كان مسؤول القوات الخاصة للحزب في الحرب السورية، وله اليد الطولى في تحصين قدرة النظام السوري في دمشق، يعكس تحضيرا ميدانيا واستخباراتيا اسرائيليا سبق الضربة. ويمكن القول ان حصيلة الضحايا التي ضمت بحسب بعض التقارير قائدا إيرانيا ميدانيا في سورية هو محمد علي الدادي، هي الأكبر لإسرائيل منذ اغتيال مغنية الأب، ومن هذا الباب تطرح العملية أسئلة عن دور “حزب الله” في سورية وأفق المعركة هناك. إذ نقلت صحيفة “هآرتس” الاسرائيلية ان جهاد مغنية كان يقود فريقا في القنيطرة لوضع الارضيّة العسكرية لتنفيذ ضربات وإطلاق صواريخ ضد اسرائيل من تلك الجبهة.

وبالتالي، يمكن استخلاص هدفين للعملية. الاول ان الجولان خط أحمر، وأي جهود لتثبيت حضور “حزب الله” على الحدود السورية – الاسرائيلية، سيتم التصدي له. والثاني هو استغلال اسرائيل لانهماك الحزب في النزاع السوري بكل ما يعنيه ذلك من تحولات سياسية وامنية، لتعقب قيادته.

ويقول مصدر مطلع في واشنطن ان اسرائيل نقلت الى إيران بشكل غير مباشر بعيد دخول “حزب الله” الحرب السورية قبل سنتين، رسالة مفادها ان الجولان خط أحمر. فالحزب الذي نجح في تعويم النظام السوري منذ 2013، جعل نفسه أكثر عرضة لنار الإسرائيليين. فهو يحارب على جبهات عدة داخل سورية وتحت أجواء مستباحة من اكثر من 40 دولة في التحالف لضرب تنظيم “داعش”، وفي ميدان حاضن لميليشيات المعارضة والنظام. هذا الواقع مثالي لإسرائيل التي نفذت خمس ضربات جوية داخل سورية منذ بدء النزاع في 2011، فيما لم يتخط هذا الرقم ضربتين بين 1974 و 2011.

وتستدرج العملية برمزيتها وكونها جاءت بعد يومين من تهديد أمينه العام حسن نصرالله للاسرائيليين “حزب الله” الى الرد. فالحزب سيجد نفسه مضطرا الى الحفاظ على هيبته واحتواء غضب جمهوره، إنما من دون المجازفة في الوقت نفسه بحرب شاملة. فلا الحرب السورية ولا المفاوضات الإيرانية مع الغرب حول الملف النووي، ولا حتى حسابات اسرائيل في انتخابات طاحنة لبنيامين نتانياهو، تنبئ بحرب شاملة بين الجانبين. ويبدو الرد خارج سورية ولبنان الأكثر ترجيحا، لإبعادهما عن كرة النار وضبط التداعيات.

وفي جميع الأحوال، ترسخ عملية القنيطرة واقعا جديدا بين الحزب واسرائيل، تمتد رقعته الى مناطق نفوذ جديدة للحزب في سورية، وتنحصر تداعياته حتى إشعار آخر بعمليات وردود بين الجانبين، قد تتوسع رقعتها، لكنها تبقى دون الحرب المفتوحة.

الحياة

 

 

 

دفاع «حزب الله» المكلف عن الأسد/ رندة تقي الدين

الاعتداء الإسرائيلي على القنيطرة الذي أوقع مقاتلي «حزب الله» والقائد في الحرس الثوري الإيراني يؤكد مجدداً ما نشهده منذ زمن طويل ان النظام السوري بارع في قتل وقمع شعبه وعاجز عن التحرك بوجه من يدعيه عدوه الإسرائيلي. فطائراته وبراميلها منشغلة بقصف الشعب السوري تاركاً الدفاع عن أراضيه للحليفين اللبناني والإيراني. عندما دخل «حزب الله» في القتال الى جانب النظام السوري ضد شعبه كان مرغماً من حليفه الإيراني لأن أمينه العام حسن نصرالله مدرك تماماً أن هذه الحرب دفاعاً عن نظام ضد شعبه تنزع صفة المقاومة التي أرادها لحزبه. فسمعناه تارة يقول إنه دخل القتال في سورية للدفاع عن أماكن المقدسات الشيعية ثم الآن لردع التكفيريين.

واقع الحال أن الضربة الإسرائيلية في القنيطرة ليست مفاجأة. فالجميع في المنطقة يعرف سياسات الدولة العبرية الوحشية ان كان في الأراضي الفلسطينية او في لبنان في كل عملياتها في تاريخها الكارثي. من الاجتياح الإسرائيلي على لبنان في ١٩٨٢ والهجوم الوحشي عليه في ٢٠٠٦ وكل ما تقوم به من ارهاب وقتل واحتلال. ان الضربة على «حزب الله» في القنيطرة ليست الا استمراراً في مثل هذه السياسة.

السؤال اليوم هو الى اين سيأخذ «حزب الله» وحليفه الإيراني لبنان نتيجة قتالهما في سورية.

ان كل التحليلات الغربية عما يريده «حزب لله» وإيران في لبنان خاطئة. فالجميع يردّد لطمأنة وراحة نفسه ان ليس من مصلحة ايران و»حزب الله» تخريب الوضع في لبنان وأنهما بالنتيجة يريدان انتخاب رئيس لأن الحزب حريص على الحفاظ على الدولة. هذا ايضاً خطأ لأن حرب «حزب الله» في سورية تهز استقرار لبنان اضافة الى سقوط عدد من المقاتلين للحزب على الأراضي السورية. فهل من مصلحة لحزب لبناني يهيمن لسوء حظ البلد على الحياة السياسية فيه ان تارة يخرب حياة اللبنانيين المقيمين في الخليج بتصريحات غير مسؤولة وتارة اخرى ينشر الرعب في البلد لأنه سينتقم من ضحاياه في القنيطرة من العدو الإسرائيلي. معروف ان اسرائيل كلما تضرب لبنان تريد تدميره وتركيعه. فإسرائيل لم تتعرض يوماً لنظام الأسد بالشكل الذي تفعله في لبنان علماً أنها تعرف تماماً أنه النظام الذي ساهم مع الحليف الإيراني في تأسيس «حزب الله» وزوّده بالسلاح. فهي تفضّل بقاء أسد ضعيف وسورية ولبنان في خراب وحزب لبناني يحارب ويضعف في سورية ومن فترة إلى فترة عند الحاجة تضربه بوحشيتها المعتادة.

دخول «حزب لله» مستنقع الحرب الأسدية – الإيرانية على الشعب السوري خطر كبير على لبنان بأسره مسيحيين وسنة وشيعة ودروزاً. فـ «حزب الله» لا يمكنه حماية نظام الأسد والقيام بما يدعيه بمقاومة في لبنان في الوقت نفسه. صحيح أنه تمكن من التغلب على إسرائيل في ٢٠٠٦ لكن إسرائيل دمّرت لبنان. ونشوة الانتصار لدى الحزب ينبغي أن تهدأ لأن الوطن في خطر ولا يجوز ان يجر مجدداً الى خراب وساحة حرب مثلما يحدث في سورية. ألم يحن الوقت ان ينسحب «حزب الله» من القتال في سورية لأن ذلك يزيد عبئاً عليه وعلى شبابه المقاتلين. فعندما يسقطون على ايدي اسرائيل ينعيهم الحزب بالشهداء لكن ماذا عن المقاتلين الباقين الذين يسقطون للمشاركة في قتل مواطنين سوريين ثاروا على نظام حمته وتحميه اسرائيل منذ عقود. المنطق والولاء للبنان ان ينسحب «حزب الله» من سورية. إلا إن الحليف الإيراني الصديق الجديد للسيد باراك أوباما لا يتمنى ذلك فهو محتاج إلى هذه الأوراق في بازاره على الساحة الدولية.

الحياة

 

 

 

ما بعد الضربة الإسرائيلية في ريف القنيطرة السؤال الكبير: أين سيردّ الحزب ومتى وكيف؟/ ابراهيم بيرم

أقل من 36 ساعة هي المسافة الزمنية الفاصلة بين كلام الامين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله الذي اعلن فيه رفع سقف المواجهة مع اسرائيل الى حدود غير مسبوقة.

أكد نصرالله الاستعداد التام لتغيير قواعد اللعبة والاشتباك معها الى درجة التفكير الجدي في اقتحام منطقة الجليل، وبين الضربة الاسرائيلية الموجعة التي اردت مجموعة من كوادر المقاومة في بقعة جغرافية سورية تقع ضمن نطاق منطقة ريف القنيطرة اي على تخوم المنطقة التي ما زالت في قبضة اسرائيل وتتبع الجولان المحتل.

سارع بعض المحللين الى ادراج الخطوة الاسرائيلية التصعيدية في سياق الرد العاجل على عنصر التحدي الصريح الذي اطلقه السيد نصرالله في اطلالته الاعلامية الاخيرة بغية طمأنة هواجس الشارع الاسرائيلي ومن يعنيهم الامر بان زمام الامور ما فتئ في يد تل ابيب ولم يتحول الى سواها، وهذا يعني ان اسرائيل قبلت التحدي.

فيما اعتبر البعض الآخر ان اسرائيل ربما قررت السير طائعة او مكرهة في حماقة غير محسوبة وارتضت ولوج عتبة مغامرة غير محمودة من شأنها ان تفتح الباب على احتمالات التصعيد الفالت من اي عقال، خصوصا اذا ما بادر الحزب الى الرد على “تحية” سقوط 6 من كوادره بينهم ثلاثة من القادة المخضرمين، اضافة الى الجنرال الايراني. وبصرف النظر عن رجحان اي من كفتي القراءتين، وبعيدا من نهج الغموض الذي اعتصم به الحزب حيال ما مني به رافضا اماطة اللثام عن كيفية رده وتوقيته ومكانه، خصوصا انه لم يعتد في تاريخ صراعه المديد مع اسرائيل الا الرد، فالثابت ان حزب الله وبعد هذه الضربة وجد نفسه امام واقع مختلف ثلاثي البعد:

– ان الحزب سيسأل ولا ريب عن الرد ولا سيما انه بعث بأكثر من رسالة توحي بانه على اهبة الاستعداد لتطوير سبل المواجهة مع عدوه التاريخي، فضلا عن ان الضربة التي تلقاها الاحد الماضي هي من حيث الحجم والصدى امر لا يمكن استيعابه والسكوت عنه او وضعه في دائرة “الحساب المفتوح”، وهو المصطلح الذي تلهج به ألسنة قيادات الحزب في كل مرة يتوسل الحزب تبرير ارجاء الرد على اي عدوان.

– ان الحزب كشف من خلال ما حصل اخيرا انه اختار ميدانا جديدا لمقارعة الاحتلال ومواجهته هو الميدان السوري المشتعل، وبالتحديد في بقعة جغرافية شاءت اسرائيل ان تكون لها بمثابة “جدار طيب” آخر او “دفرسوار” تعبر منه الى معادلات الداخل السوري بعدما ضرب الاضطراب هذا الداخل وخلخل بنيانه المعهود واسقط معادلات واقام اخرى في تكرار جلي لما اقدم هذا الكيان عليه في الشريط الحدودي من الجنوب اللبناني في بداية الحرب الاهلية عام 1976، والذي تمدد لاحقا كبقعة الزيت، وبعدما قررت ان تمد يدها لمجموعات سورية معارضة اخذت على عاتقها السيطرة على شريط حدودي سوري مع الجولان المحتل.

– ان الحزب ارتضى بمعنى آخر الدخول جهارا في لعبة تغيير قواعد اللعبة والاشتباك مع الاسرائيلي من خلال توسيع نطاق خطوط التماس والمواجهة معه بعمق وطول غير مسبوقين في تاريخ صراعه الطويل مع الاحتلال، والذي بدأ عمليا وميدانيا في اعقاب الاجتياح الاسرائيلي الواسع للاراضي اللبنانية في صيف عام 1982.

وعليه فان السؤال المطروح بإلحاح في اوساط جمهور الحزب وقاعدته هو: هل لدى الحزب الجهوزية العددية والعتادية لهذه المنازلة ولهذا التحدي الذي وضعه امام نفسه، واستطرادا لهذا الميدان المترامي الاطراف والحافل بشتى صنوف التعقيدات والاحتمالات الخطرة؟

لهذه التساؤلات اجاباتها الاولية الجاهزة لدى دوائر القراءة والقرار في الحزب وذلك على النحو الآتي:

– ان ماحصل في مزارع الامل في ريف القنيطرة الاحد الماضي له في مقابل وجه الخسارة الكبرى المتمثل بفقدان الكوادر الستة مع الجنرال الايراني وجه ربح معنوي كونه اكد بما لا يرقى اليه الشك ان الحزب لم يضع بوصلته الاساسية ولم يته عن عدوه على رغم انخراطه المباشر والوازن في الميدان السوري المشتعل منذ اكثر من عامين.

– ان الحزب سبق له واظهر قبل اشهر عدة انه سارع الى ملء الفراغ في مناطق معينة من ريف القنيطرة من خلال تعمده الاشتباك مع دورية اسرائيلية ردا على غارة اسرائيلية استهدفت مواقع للجيش السوري في خطوة الغاية منها ابلاغ اسرائيل انه صار موجودا على تخومها وانه مصر على تركيز قواعد جديدة دائمة له هناك، واكثر من ذلك انه مستعد لإرساء قواعد لعبة جديدة عمادها الرد على كل استهداف للاراضي السورية.

ويبدو وفق المعلومات ان خطأ تكتيكيا سقطت فيه مجموعة الحزب التي كانت في رحلة استطلاع وتهيئة لإقامة قواعد، اذ انها كانت تتحرك باطمئنان مبالغ فيه ولم تكن تلتزم قواعد الامان والتخفي اللازمين مما جعلها هدفا سهلا للاسرائيليين.

– لم يعد جديدا القول ان منطقة القنيطرة هي اولى ثغر ثلاث تعاني القيادة السورية فيها ضعفا، وثانيها هي درعا وثالثها ريف حلب الشمالي.

ويبدو جليا ان ثمة خطة وضعها محور المقاومة مع النظام في سوريا لتدارك الامر تقوم على اقامة خط دفاع عن العاصمة دمشق من جهة درعا ويتكفل به الجيش السوري، فيما يتكفل الحزب بالتعاون مع المستشارين الايرانيين ملء ثغرة القنيطرة على ان يستكمل الجيش السوري محاصرة حلب لخنق المجموعات المعارضة التي تبسط سيطرتها على بعض احيائها، وبذا يمكن النظام وحلفاءه القول بيقين انهم تجاوزوا الخطر وانهم قادرون على مواجهة كل المفآجات المحتملة حاضرا ولاحقا.

وعليه فان الحزب وحلفاءه هم في وضع من يحاول تغيير قواعد اللعبة، ووضع قواعد اشتباك جديدة فيما الاسرائيلي اراد عبر غارته ان يبلغ من يعنيهم الامر انه يعارض هذا الواقع المستجد وانه ليس في وارد القبول بأي تغيير او تبديل، و انه بالتالي لن يسكت حتى لو تدحرجت الامور الى حافة الهاوية او الهاوية نفسها.

وثمة من يرى ان الصراع بين الطرفين هو صراع ارادات وعملية عض اصابع موجعة، فالحزب ضمن قراءته المعمقة لمسار الامور في الساحة السورية ولمخاطر سيطرة اسرائيل بشكل مباشر او غير مباشر على بقعة القنيطرة، مضطر الى ملء الفراغ او اقامة خط دفاع يمنع اي تقدم اسرائيلي – تكفيري نحو العاصمة التي تصبح قريبة، فيما الاسرائيلي بات مضطرا نتيجة العلاقات التي نسجها مع بعض المجموعات المعارضة ونتيجة حسابات ورهانات عائدة اليه والى مصالحه الحيوية، الى ان يواجه اية وقائع مستجدة او اية مفاجآت، وبالتالي ان ينغمس اكثر فاكثر في لعبة الميدان السوري.

وبناء على كل هذه المعطيات لم يعد مفاجئا القول ان رد “حزب الله” لن يكون اعتباطيا متسرعا من خلال اطلاق بضع قذائف او صواريخ، او حتى من خلال تفجير في الميدان المبرر وهو مزارع شبعا.

إذاً أين سيرد الحزب ومتى وكيف؟

سؤال كبير الاجابة الفصل عنه محصورة بالعقل الاستراتيجي للحزب الذي يعود اليه وحده التقدير واختيار الوقت المناسب والظروف المؤاتية، خصوصا ان سيد المقاومة اعلن اخيرا ان اي رد من الآن فصاعدا سيكون منسقا لانه سيكون رد محور بكامله، وهذا كلام يقرأ على اكثر من وجه، علما ان ما من احد يمكنه ان يزعم ان زمن المواجهة الواسعة التي قد تصل الى حدود الحرب المفتوحة قد آن اوانها. في اي حال اثبت الحزب مرة اخرى انه صار قوة اقليمية تتخطى حدود الجنوب التي ضاقت عليه وبه، وانه لم يعد مستحيا بهذا الدور ولم يعد يخشى لومة لائم ما دامت اللعبة في المنطقة تخطت الحدود والسدود وتجاوزت كل القيود المألوفة.

النهار

 

 

 

 

أيُّ هدفٍ للرسالة الدمويّة؟/ الياس الديري

كثيرة هي التفسيرات والتحليلات والتعليقات الصحافيّة والسياسيّة التي أُطلِقت في اليومين الماضيين تعليقاً على الغارة الإسرائيليّة التي استهدفت عدداً من كوادر “حزب الله” في قنيطرة الجولان. وعلى الصعيدين العربي والدولي. وعلى مستوى كبار المسؤولين والمعنيّين، كما كبار المعلّقين والخبراء في شؤون الشرق الأوسط وإسرائيل. يمكن القول، بعد مراجعة ردود الفعل والاستنتاجات، إن ثمّة إجماعاً على التساؤل عن هدف هذه العمليّة الإسرائيليّة، وفي هذا الوقت وهذا المكان تحديداً.

مثلما ذهب بعضهم إلى حدّ الاعتقاد أن الرسالة الدمويّة العدوانيّة، المُدانة محليّاً وعالميّاً، تنطوي على أكثر من هدف واحد قد يصل بعضها مباشرة إلى طهران حيث بيت القصيد، وبيت النووي الذي يُقلق إسرائيل وحكومتها وشعبها.

ولم يستبعد محلّلون بريطانيّون وإسرائيليّون أيضاً أن تكون للانتخابات الإسرائيليّة حصّة الأسد في هذه الضربة التي لا تزال ذيولها تتفاعل في مختلف العواصم الكبرى، مع تسجيل تخوّف من أن تتفاعل في الردّ، والردّ على الردّ، مما يُطلق العنان لكل الاحتمالات والتوقّعات الخطيرة.

وفي هذا الصدد، تحديداً، تتساءل صحيفة “معاريف” الإسرائيليّة عمّا إذا كان “الهجوم في الجولان واغتيال قادة ميدانيّين من “حزب الله” بينهم جهاد مغنيّة كان عملاً ضرورياً، أم أن سببه اعتبارات انتخابيّة”، وفقاً لما تردّده أوساط مطّلعة في إسرائيل وبعض العواصم الأوروبيّة.

اللافت في هذه العملية الغادرة أن جميع الذين تحدّثوا عنها، وحاولوا سبر أغوارها وأبعادها، أكّدوا قلقهم من تفاعلاتها وذيولها، خصوصاً أن مسؤولين دوليّين أبدوا استغرابهم واعتراضهم، مع الاعتقاد أن ما حصل في الجولان شكّل خرقاً لقواعد اللعبة في المنطقة، وفي وقت تجد الدول الكبرى نفسها عاجزة عن القيام بأية خطوة بنّاءة.

فكيف يكون الأمر إذا ما تطوّرت هذه اللعبة الجهنميّة التي ارتكبت خلالها إسرائيل جريمة اغتيال ستة كوادر للحزب؟

وتدليلاً على الاهتمام الدولي بهذه المفاجأة التي لم تكن واردة في بال أحد، رأت صحيفة “الموند” الفرنسيّة أن ما حصل صباح الاثنين جعل الشرق الأوسط يحبس أنفاسه. لقد تمّت الغارة “بعد ثلاثة أيام من المقابلة التلفزيونيّة للسيد حسن نصرالله، والتي شدّد فيها على امتلاك الحزب صواريخ باليستيّة قادرة على الوصول إلى كل أنحاء إسرائيل…”.

فهل تؤدّي هذه العمليّة إلى تدهور كبير في المنطقة؟ وباعتبار “أن الهجوم حصل داخل الأراضي السوريّة وليس اللبنانيّة” هل يجد لبنان نفسه خارج أيّة ردود فعل تحصل، أم أن في النيّة إدخاله إلى ملعب النار؟

الجميع يعلمون أن لا ناقة للبنان في هذه القضية المستَنكرة ولا جَمَل، فهل يعفيه ذلك من دفع الجزية مرّة جديدة؟

النهار

 

 

 

حضّروا ملاجئكم/ موناليزا فريحة

منذ لحظة انكشاف ثقل القياديين الذين استهدفتهم الغارة الإسرائيلية في القنيطرة، بدأ الضغط الشعبي على “حزب الله” من أوساط محور المقاومة تحديداً للرد على الهجوم. وبدا ذلك واضحاً خصوصاً في هاشتاغ “حضّروا ملاجئكم”، الذي أطلقه مناصرو الحزب بالعربيّة والعبريّة على “تويتر” وتناقله الملايين.

خسارة في هذا الحجم لـ”حزب الله” ومعه ايران لن تمر بسلام. ليس من عادة الحزب أن يتجاهل اعتداء اسرائيلياً أصغر بكثير من الغارة على مزارع الامل في القنيطرة. وهو ليس قادراً هذه المرة تحديداً على عدم الرد، بعد الحديث التلفزيوني الطويل لأمينه العام السيد حسن نصرالله، وكشفه علانية امتلاك الحزب “كل أنواع الاسلحة”، وتسميته صراحة صواريخ “الفاتح 110” الإيرانية القادرة على اصابة سلسلة من الأهداف والمنشآت الإسرائيلية الإستراتيجية. وليس مستبعداً أن يكون الحزب أعد الرد سلفاً بعد تلويح نصرالله للدولة العبرية بما يملك من أسلحة في ذروة الحملة الانتخابية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

الى ذلك، أتت الغارة الاسرائيلية في ظل ارتفاع وتيرة الحديث في وسائل الاعلام الغربية خصوصاً عن ضعف الحزب وفساده وقابليته للاختراق. وهذا الكلام عززه اعتراف نائب رئيس المجلس التنفيذي الشيخ نبيل قاووق بأن الحزب “يواجه التجسس داخل صفوفه”، وسط تقارير مفادها أن “حزب الله” اكتشف أن أحد قادته، وهو محمد شوربة، كان جاسوسا إسرائيليا. وإذ تشكل غارة االقنيطرة اختراقا أمنياً اضافياً، قد يستغل الحزب رده عليها لتوجيه أكثر من رسالة وفي أكثر من اتجاه.

بالطبع، ليس قرار الرد في يد “حزب الله” وحده. فالهدف ايراني قبل أن يطاول الحزب. وثمة تقارير تفيد أن ثلاثة ايرانيين لا واحدا سقطوا في الغارة. وطهران التي تعتبر لبنان وسوريا خطها الدفاعي الاول ضد الدولة العبرية، لن تسمح لاسرائيل بتحديد خطوط حمر لها في الجولان. غير أنها في الوقت نفسه لن تذهب على الارجح الى مغامرة تطيح مفاوضاتها النووية مع الغرب، فتحقق لاسرائيل ما سعت اليه بكل ما تملك من ثقل سياسي في الكونغرس ودوائر القرار في واشنطن.

على قدر العوامل التي تدفع في اتجاه رد على عملية اسرائيلية بهذا الحجم، تبدو محاذير الذهاب الى حرب مفتوحة من لبنان خصوصاً، على غرار ما حصل عام 2006، كبيرة ايضاً. فالوضع الداخلي في لبنان مختلف تماماً عما كان قبل ثماني سنوات. وأية مغامرة للحزب في ظل الجبهات الداخلية المفتوحة والكامنة تشكل انتحاراً حقيقياً ودفعاً بالبلاد الى هاوية محتومة. ومع ذلك، تبقى كل الاحتمالات واردة بين خصمين لدودين، بما فيها جبهة الجولان أو حتى غزة، بعد محاولات اعادة مد الجسور مع “حماس”. ولكن في ظل دينامية الحرب السورية وبروز “النصرة” لاعبا قويا في الهضبة، قد تكون “حرب الظل” بين ايران واسرائيل على موعد مع جبهات جديدة شرسة في ساحات العالم الواسع.

النهار

 

 

 

ولكن ماذا يعني تغيير “قواعد اللعبة”؟/ عبد الوهاب بدرخان

انهالت التحليلات للعملية الاسرائيلية في الجولان، من جانبي الحدود، على نحو يذكّر بالمعلقين الرياضيين على مباراة في المصارعة الحرّة والمفتوحة. الاسرائيليون تساءلوا هل كانت ضربة مبيتة أم مغامرة غير محسوبة، وهل يردّ “حزب الله” وكيف وأين. اللبنانيون اعتبروها تغييراً لقواعد اللعبة، مؤكدين أن الحزب لا يمكنه إلا أن يرد بسبب حجم الضربة ومدى التحدّي الذي تشكّله لهيبته. وكان أيضاً، على الطرفين، حديث عن توقيت الردّ وطبيعته، وتوقّعات بأن الحزب سيحرص على أن لا يتسبب ردّه بمواجهة واسعة. لكن ماذا لو قررت اسرائيل أن تردّ على الردّ خلافاً لحسابات الحزب، كما في 2006. ثم، هناك العنصر الايراني الموجود علناً في المعادلة هذه المرّة، بل في الجولان، اذ يتوافق المحللون على أن طهران ستُعنى بمسألة التوقيت لئلا تشوّش على المفاوضات النووية.

اذا قدّر لمجلس الوزراء اللبناني أن يناقش ما حصل في الجولان فإنه قد يضطر الى ضمّ مندوبين عن النظامين السوري والايراني الى أعضائه، كي يتمكّن من بلورة موقف واضح. هذا ليس خيالاً، فهو ما تمارسه الأطراف الثلاثة (طهران ودمشق و”حزب الله”) واقعياً على الأرض، وتحاول دفع الحكومة اليه لإنهاء تعقيدات لا لزوم لها، وكذلك لإشهار لبنان رسمياً شريكاً كاملاً وعلنياً في الاستراتيجية الايرانية. ولِمَ لا، فالحكومة قد تُرغم على ذلك، في حال نشوب حرب، ومن دون وجود رئيس للجمهورية، لأن الثلاثي إياه يريد توجيه ادارتها السياسية لهذه الحرب.

بطبيعة الحال، كان السؤال المطروح – والمستغرَب – مساء الأحد: ماذا يفعل الايرانيون وقياديون من “حزب الله” في الجولان؟ كان مستغرباً من جانب الحزب لأنه يفترض أن الجدل على وجوده ودوره في سوريا حُسِم وانتهى. ويقول القيادي في الحزب محمود قماطي إن العدوان الاسرائيلي “تحوّل نوعي في طبيعة الصراع لجهة أنه خرقٌ للسيادة السورية، واغتيالٌ مباشر لقادة مقاومة نوعيين على الأراضي السورية”، مستنتجاً “وقوف اسرائيل الواضح الى جانب التنظيمات التكفيرية الارهابية”… لكن ما هي “طبيعة الصراع”، أن يقتصر الاشتباك بين الطرفين على أرض لبنان؟ وماذا عن الانتهاكات الاسرائيلية المتكررة للسيادة السورية في العامين الأخيرين؟ وكيف يُفسّر غياب أي عسكري سوري عن موقع العدوان على القنيطرة، حتى إن دمشق لم تدنه إلا في اليوم التالي؟

لم يعد هناك معنى للحديث عن تغيير في “قواعد اللعبة”، إلا في حالين: أن تكون المواجهة مع اسرائيل صارت “حرباً جانبية” عند ايران، مقارنةً بأولوية حربها في سوريا، أو أن تعتبر ايران أن اسرائيل أخلَّت بتفاهم ضمني بينهما، قوامه الحفاظ على النظام السوري. لم تغيّر اسرائيل موقفها بشأن إبقاء النظام، لكنها لا تريد الجولان السائب تحت سيطرة ايران وتفضّل احتواء المسيطرين عليه حتى لو كانوا “تكفيريين”.

النهار

 

 

 

 

هل أنهت إسرائيل خطر “هجمات طموحة” لحزب الله؟/ فادي الداهوك

تخضعُ المنطقة، محددة التسليح، التي استهدف فيها تجمع من قادة حزب الله اللبناني وفيلق القدس الإيراني، لإدارة قوة “اندوف” الدولية. وهي أيضاً آخر المواقع العسكرية البارزة في المنطقة التي يسيطر عليها النظام. ومزرعة الأمل، التي شهدت الغارة، هي مساحة تحرك ضيق بين تلين، يسميان “تلول الحمر الشمالية”. يقع الأول، الذي جرى الاستهداف بالقرب منه، جنوب شرقي بلدة حضر الدرزية التي شهدت في السابق نشاطاً لحزب الله عبر قائد جبهة عمليات الحزب في المنطقة، الأسير المحرر سمير القنطار. أما الثاني فيقع شرق شمال بلدة أوفانيا. وتفصل بينهما مسافة 4 كيلومترات تقريباً.

نشاط حزب الله وفيلق القدس في منطقة القنيطرة أو ما يعرف باسم “جبهة الجولان” قديمٌ. ويعود إلى الفترة التي تلت حرب تموز 2006، وذلك النشاط كان يقوده محمد أحمد عيسى الملقب بـ”أبو عيسى”، الذي نعاه الحزب في بيانه بمرتبة أدنى من جهاد مغنية تقليلاً لهول الخسارة. تلك الشخصية “الفذّة” أحيلت إليها قيادة جبهة الجولان منذ ذلك الوقت، وأية عمليات تحصل هناك تكون من تخطيطه، حيث كان الرجل مهندس الاستراتيجية الحربية لحزب الله والنظام في المنطقة. لكن دوره بشكل خاص، ودور الحزب عموماً تصاعد بشكل كبير بعد مقتل نائب رئيس الأركان العامة في الجيش السوري، صهر الرئيس السوري، آصف شوكت. وهذه التقديرات هي إسرائيلية، أشارت إليها صحيفة “هآرتس” في الخامس والعشرين من كانون الأول/ديسمبر، وتحدثت أيضاً عن مسؤولية جهاد عماد مغنية، وسمير القنطار في إدارة خلايا حزب الله في منطقة الجولان. الأمر الذي اعُتبر في إسرائيل عدولاً عن قواعد الصراع الثابتة منذ عقود، وجاء على وقع متغيرات جديدة، أبرزها اختلال موازين القوى بين “العدوين”؛ سوريا وإسرائيل، بعدما استخدم النظام قرابة 80 في المائة من ترسانة صواريخه وقذائفه في تلك المنطقة، باتجاه أهداف لمعارضيه داخل سوريا، كما أن المدفعية التي كان من الممكن أن تشكل تهديداً ما على إسرائيل، أصبحت شبه مختفية.

قول إسرائيل إن المدفعية باتت شبه مختفية في منطقة المواجهة مع سوريا، تلتقي معه وقائع وأحداث كثيرة؛ أبرزها أن النظام في صراعه مع الجيش الحر في المنطقة الجنوبية خسر تلالاً استراتيجية في ريف درعا المتاخم للقنيطرة، مثل تل الحارة الذي يعتبر أعلى مرتفع في درعا (1075 متر). وهذا ما دفع النظام إلى تعديل خطته القتالية في وحدات اللواء 90 التي تتوزع على ريفي القنيطرة ودرعا، من وحدات هجومية إلى وحدات دفاعية، وتركزت نوعية التسليح فيها على أسلحة مضادة للدروع.

أمام هذا الواقع، كان الضغط العسكري على النظام كبيراً جداً. فهو يشغل مساحات معينة في المنطقة تحيط بها بقع معادية، تسيطر عليها المعارضة؛ إحداها المنطقة التي تعرضت للغارة الإسرائيلية، وهي تمتد نحو المناطق اللبنانية التي تتصل مع آخر حدود المنطقة التي تديرها قوات “اندوف” (شبعا والجزء الجنوبي من راشيا). فأعطى النظام لحزب الله حرية التحرك في تلك المساحة، التي كانت حتى فترة قريبة مجالاً حيوياً مهماً لحزب الله، لاسيما في القرى الدرزية، عندما أنشأ في قرية عين الشعرة مقرين، الأول لقوات “الدفاع الوطني”، والثاني سرية المهام الخاصة، التي كان يديرها جهاد مغينة بإشراف سمير القنطار. لكن حادثة مقتل عناصر الدفاع الوطني من القرى الدرزية في مواجهة جبل الشيخ الأخيرة (المعروفة إعلامياً باسم معركة عرنة) مع قوات المعارضة، أفضت إلى خلل في العلاقة مع قادة حزب الله في تلك المنطقة، عندما اكتشف الدروز أنه جرى توريطهم في تلك المعركة وتركهم، وحدهم بلا مساندة، وسط وابل من الرصاص، الأمر الذي دفع الحزب إلى الانتقال من عين الشعرة، والاستغناء عن فكرة وضع مراكز له في القرى الدرزية.

لم يكن لدى حزب الله خيارات كثيرة بعد عين الشعرة. وأي انتقال لن يكون مفيداً له إلا باتجاه الجنوب، وهنا معضلة جديدة في أن بعض المناطق تخضع لسيطرة الجيش الحر. وهذا الأمر يعزز الاعتقاد بأن الحزب لم يجد موطئ قدمٍ آمن له إلا في “تلول الحمر الشمالية”، لكن التلين يقعان ضمن المنطقة المنزوعة السلاح. وهي فعلياً تسيطر عليها إسرائيل استخباراتياً.

الوضع العسكري الذي وصلت إليه القنيطرة ستحافظ إسرائيل على استقراره. التهديد العسكري التقليدي عليها من القنيطرة زال تماماً. لا منظومات صاروخية، ولا أسلحة هجومية مع الجيش السوري؛ الخطر الوحيد من هناك ينبع من إمكان شن “هجمات طموحة” من قبل عدو أكثر إشكالية من سوريا، هو حزب الله، وهذا ما لن تسمح إسرائيل بحدوثه. قائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، كان مضطرباً “من عملية محتملة في الجولان”. قالت “هآرتس” قبل شهر. لكن يبدو الآن بأنه بات مسترخياً.

المدن

 

 

 

موقعة القنيطرة السحب من الرصيد السائب/ نبيل عمرو

على مدى عقود، وبين يدي كل انتخابات في إسرائيل، يكون العامل الحاسم في الفوز أو الإخفاق هو ضربة ما تسبق التوجه إلى صناديق الاقتراع.

ولقد أصبح هذا التقليد قانونا يتقيد به كل تشكيل يسعى إلى الظفر بالانتخابات، ولم يحدث أن استبعد هذا القانون إلا في حالات نادرة تكاد لا تذكر لقلتها في تاريخ الانتخابات الإسرائيلية، وهنالك رصيد سائب لا حراس له في عالمنا العربي يسحب منه المتنافسون ما يحتاجون لتزويد عرباتهم الانتخابية بالوقود، ومن غير المحيط الفلسطيني والعربي يوفر للإسرائيليين هذا الاحتياطي الذي لا ينفد.

بما أننا الآن نراقب بشغف المعركة الانتخابية شديدة الحرارة والإثارة في إسرائيل، فإننا والحالة هذه، نتوقع مزيدا من السحب الإسرائيلي غير المتحفظ من الرصيد السائب، ومثلما حسم قصف المفاعل النووي العراقي بسهولة مدهشة، أمر من سيفوز في الانتخابات الإسرائيلية التي كانت ستجري في اليوم التالي، فإن ما حدث على أرض القنيطرة يشبهه إلى حد كبير في تأثيره الانتخابي.. مع فارق في التوقيت والمكان.

لقد وجهت إسرائيل ضربة معنوية أكثر من كونها عسكرية، وأفدح الخسائر فيها كان الجنرال الإيراني الذي يجسد واحدة من ذرى الوجود العسكري الإيراني في المنطقة، كما أن التوقيت الذي اختاره العسكريون والسياسيون الإسرائيليون هو أيضا توقيت معنوي بامتياز، إذ أصاب وفي الصميم خيلاء نجم النجوم المتحدي إسرائيل السيد حسن نصر الله، فالرجل الذي أعلن أن لديه القدرات الكافية لاحتلال بعض القرى في الجليل، لا بد وأن يواجه حرجا شديدا إذا ما تأخر في الرد أو إذا كان الرد متواضعا بالقياس لفداحة الخسارة.

أما سوريا التي لم تعد بالنسبة لإسرائيل أكثر من مكان لا حول له ولا قوة قياسا بباقي اللاعبين على الأقل في أرض التماس مع إسرائيل، فقد تضعضعت صورة النظام فيها فوق ما هي متضعضعة أصلا، مما شكل حرجا إضافيا لمكانتها في الحرب الدائرة على أرضها.

وبمتابعة لما يصدر عن إسرائيل من تفسيرات وتوقعات، فإن صناع القرار فيها يراهنون على أن تبتلع إيران و«حزب الله» الضربة على قسوتها، وأن تؤجل الرد «الصاعق» الذي تحدث به القادة العسكريون في إيران، وإذا كان لا بد من الرد فترغب إسرائيل في أن يكون من النوع الذي يمكن احتواؤه دون بلوغ حرب واسعة لا مصلحة لأي طرف من أطراف اللعبة في وقوعها.

لقد سجل نتنياهو حتى الآن نقطة في صالحه وصالح حليفه يعالون، عززت رصيدهما في ادعاء أنهما الأكثر جدارة في قيادة إسرائيل وحماية أمنها، بل وحتى حماية مصالح اليهود في كل العالم، وهكذا يفكر ويفعل كل من يلمس في نفسه القدرة على السحب من رصيد الجيران السائب والإنفاق منه على احتياجاته الباهظة خصوصا في مواسم الانتخابات.

ليس نهائيا ما حدث من تسخين دراماتيكي جاء في زمان ومكان مشتعلين أصلا، فلموقعة القنيطرة الأخيرة ما بعدها مما لا نعرف لا بالمعلومات ولا بالاستنتاج، وليس لنا إلا أن ننتظر لبعض الوقت لنرى تأثير هذه الموقعة على الإقليم بأسره، فلم يعد هنالك حدث موضعي ألبتة في زمن التداخل النشط بين القوى والتحالفات والأجندات.

كاتب وسياسي فلسطيني

الشرق الأوسط

 

 

 

 

سوريا المسرح والضحايا لبنانيون../ ساطع نور الدين

قدم لبنان الضحايا، وعرضت سوريا الارض، لكن الاشتباك في القنيطرة الاسبوع الماضي كان ايرانياً اسرائيلياً حصرياً ومباشراً، تُقرأ تفاصيله ونتائجه في تل ابيب وطهران وواشنطن اكثر مما تُقرأ في بيروت ودمشق، اللتين كانت مجرد شهود على ذلك حدث دولي خطر..لن يترك اثراً عميقاً في أزماتهما الداخلية المستعصية ولن يفجر أوضاعهما اكثر مما هي متفجرة أصلاً.

الاشتباك ليس الاول من نوعه ولن يكون الاخير، لكنه يختلف بعض الشيء عما سبقه في كونه أصاب ضابطاً رفيع الرتبة من الحرس الثوري الايراني، مع العلم انه ليس من المستبعد ان يكون قد سقط ضحايا ايرانيون في غارات اسرائيلية عديدة نفذت في السنوات الاربع الماضية داخل الاراضي السورية، واستهدفت مخازن او قوافل او منظومات صواريخ آتية من ايران الى حزب الله.

لم يكن في التضحية اللبنانية اي جديد. فهذا قدر ودور. كما لم يكن في العرض السوري اي طارىء، فهذا تحول حصل منذ ما قبل الثورة السورية، لكنه برز في خلالها بحيث باتت ايران وحزب الله أشد حضوراً وتأثيراً من اي وقت مضى في مفاصل الصراع السوري الداخلي. مع ذلك فإن إنتشارهما على الجبهة الجنوبية من ذلك الصراع، وأقترابهما الاخير من خطوط الفصل مع العدو الاسرائيلي، يمثل تعديلا جوهرياً في موازين القوى السورية وفي سلوك نظام الرئيس بشار الاسد على تلك الجبهة.

الوقائع لا تثبت حتى الان على الاقل ما اذا كان النظام الذي فقد في الاونة الاخيرة الكثير من مواقعه على الجبهة الجنوبية السورية، إتخذ قراراً واعياً ومتعمداً بان يلجأ الى ايران وحزب الله من اجل سد الفراغ في تلك الجبهة، وبالتالي في استثمارها في المواجهة مع الاسرائيليين والاميركيين، ام أنه إضطر الى مثل هذا الخيار بعدما خرج الجنوب السوري في معظمه عن سيطرة قواته. في الحالتين كان حليفاه الايراني واللبناني جاهزين ومتحمسين طبعا للقيام بهذه المهمة، بعدما بات من المتعذر استخدام جبهة الجنوب اللبناني منذ حرب العام 2006، وبعدما دخل التفاوض الاميركي الايراني مراحل حرجة جداً.

اذا ما قرر النظام فعلاً تحويل القنيطرة والجولان عموما من خط تماس خلفي هادىء الى جبهة مواجهة متقدمة، فان ذلك يعني انه يعرض على الاسرائيليين والاميركيين مفاضلة بينه وبين الحرس الثوري الايراني وحزب الله. هو يطلب نجدة صريحة، صاغها وزير إعلامه عمران الزعبي بطريقة مواربة بعد الغارة الاسرائيلية، عندما ذكر بنظرية سورية قديمة وصحيحة مفادها ان نظام الاسد هو الضمانة الوحيدة ل”الاستقرار الاقليمي”.. وأوحى بان النظام هو الذي طلب من حليفيه اللبناني والايراني فتح تلك الجبهة.

الغارة الاسرائيلية كانت بمثابة إعتراض وتحذير للنظام من مغبة المضي قدماً في ذاك الاتجاه. لكن اسرائيل تعرف سلفاً ان مثل هذا القرار ليس في دمشق وحدها. ثمة في طهران، وفي اوساط الحرس الثوري تحديداً من يريد الاستفادة من الفراغ في الجولان السوري، لكي يعرقل التسوية النووية الايرانية الاميركية المحتملة قبل نهاية شهر حزيران يونيو المقبل، وما تحمله من تغييرات جذرية في معادلة السلطة في داخل ايران..حسب المعلومات التي يتناقلها الايرانيون انفسهم، ولم تعد سراً على أحد. فالصراع الداخلي على خلافة المرشد علي خامنئي وعلى دور الحرس في المرحلة المقبلة، الذي يخوضه الرئيس حسن روحاني وفريقه يعتبر المفاوضات مع اميركا فرصة نادرة لمثل هذا التغيير، لم تتوافر حتى في حكم الرئيس السابق محمد خاتمي.

ينتهز فريق روحاني هذه الفرصة الان لكي يطلب من الاميركيين بادرة حسن نية تتمثل برفع جزئي للعقوبات يمكن تسويقها في الداخل الايراني، لكن اقصى ما وعدت به ادارة باراك اوباما حتى الان هو الفيتو على اي محاولة من الكونغرس، الجمهوري الغالبية، لتشديد العقوبات على ايران، والاحتجاج على اي مسعى من الجمهوريين لتحويل اسرائيل الى أداة لتعطيل الاتفاق النووي المرتقب. خلاصة التفاوض الان تفيد بان واشنطن تنصح المفاوض الايراني أن يتدبر أمره لوحده مع الحرس الثوري، من دون أن تعد بأن تتولى احتواء الشغب الاسرائيلي، الذي سيتجلى في خطاب يلقيه بنيامين نتنياهو امام الكونغرس في 11 شباط فبراير المقبل.

في الغارة على القنيطرة، كان لبنان ضحية وكانت سوريا مسرحا، لذلك الفصل من “السجال” الايراني الاميركي الاسرائيلي المرشح للتصاعد حتى موعد إسدال الستارة في شهر حزيران يوينو المقبل.

المدن

 

 

 

الممانعة وحروبها الأهلية/ حـازم الأميـن

اعتبر “ممانعون” عُصبويون أهليون لبنانيون أنّ الغارة الإسرائيلية على موكبٍ إيراني قُتل فيها قادة عسكريون من “حزب الله”، تُعرّي مقولة خصومهم المتمثّلة بـ”تأجيل” فتح جبهة الجولان، عبر استئجار جبهات موازية. فعسكريّو “حزب الله” ومن ورائه الحرس الثوري كانوا ذاهبون لفتح هذه الجبهة عندما أغارت المروحيات الإسرائيلية على موكبهم.

والحال أنّني ممّن كانوا يشيرون إلى أن ستاتيكو الجولان في مقابل الجبهة المفتوحة في جنوب لبنان أمرٌ لا يروق للبنانيّتي، التي أعترف أنها مستجدّة على وعيي. وهنا أيضاً يجب أن استتبع اعترافاتي هذه بالإشارة إلى أن اللحظة اللبنانية التي اختير فيها الجنوب ليكون مسرحاً للمواجهة، تشبه إلى حدٍ كبير اللحظة السورية التي تحرّك موكب الحرس الثوري الإيراني على وقعها، متجهاً إلى القنيطرة. إنها المقاومة على وقع النزاع الأهلي.

فسورية “المستقرة” في عهد الأسد الأب والأسد الابن، لم تكن يوماً قابلة لفتح الجبهة في الجولان. سورية الحرب الأهلية – الإقليمية تتيح للموكب أن يتحرك، وتتيح لإسرائيل أن تقصفه. لكن سورية الممانعة وسورية البعث وسورية النظام الذي تسعون لحمايته ليس هذا همّه، كما أنه ليس همّكم.

إنها قناع جديد للحرب الأهلية أيها الممانعون. المقاومة ليست سوى حرب أهلية، ودعوة إسرائيل إلى هذه الوليمة لطالما شكّلت مخرجاً لمآزقكم.

“حزب الله” ليس حزباً سورياً لكي يعتقد الممانعون الأهليون اللبنانيون أن تحرّكه في القنيطرة علامة عافية لشعاراته. على هؤلاء أن يقولوا لنا نحن المتربصين بأيّ خطأ في آدائه ما اذا كانوا يعتقدون أن سوريا بلد وأن لبنان بلد ثانٍ.

عليهم أن يقولوا لنا كيف يُسمح لحزب لبناني أن يُقاتل في سورية، ويُنكرون على لاجئ سوري هارب من جحيم الحرب التي يخوضها نظامهم عليه حقّه في أن يعبر الحدود إلى لبنان. القول بحق “حزب الله” بتجاوز الحدود للقتال لأن لا قيمة لهذه الحدود، عليه أن ينسحب على حق اللاجئ السوري في أن يعبر هذه الحدود أيضاً. لا بل أن هذا العبور المسلّح في مقابل العبور الإنساني يبقى مختلاً لمصلحة العبور الثاني، وها هي “داعش” تسعى لموازنته بعبور مسلح أيضاً.

كم أسأنا لفلسطين أيها الممانعون حين أقحمناها بحروبنا الأهلية. وكم يبدو الفلسطينيون بعيدين اليوم عن همومنا الحقيقية. هل تُدركون أن الجولانيين في المناطق المحتلة يُفضلون البقاء تحت سلطة دولة قبيحة وعنصرية ومُحتلة على العيش في ظل دولة البعث الممانع. نعم تُدركون ذلك، ولا تسألون أنفسكم عمّا يعنيه. فلسطين في وعيكم ليست أكثر من وعاء لحرب أهلية. فلسطين ليست نازحين وضحايا وأرضاً محتلة. تُفتح الجبهة على وقع جرح أهلي، وتُقفل بعد أن يُعاد توزيع الغنائم.

بالأمس لبنان، واليوم سورية، وبينهما العراق. مقاومات مقاومات. لا جواب عندنا على أي سؤال آخر يطرحه الزمن على قاطنيه. لا حدود ولا قوانين ولا تعليم ولا طبابة ولا تقدم. فقط مقاومة. فقط حروب أهلية.

موقع لبنان ناو

 

 

 

إسرائيل تختبر تعهدات «حزب الله» للأميركيين/ حسان حيدر

وحدهم اللبنانيون قلقون مما سيكون عليه الوضع في بلدهم إذا اتخذت إيران و»حزب الله» قراراً بالرد على غارة القنيطرة التي استهدفتهما، لأن اشتباكهما اللفظي مع اسرائيل لم يعد يعني سواهما في المنطقة، أكان على المستوى العربي الرسمي، وهو موقف محسوم يستثنى منه حاكم دمشق، لكن هذا بالكاد يستطيع الدفاع عن كرسيه، أو على المستوى الشعبي، بعدما أمعن الحزب في تأكيد خروجه عن الاطار القومي، سواء بانخراطه في قتل السوريين، أو في سقطته الأخيرة عندما فضح تورطه المباشر في البحرين وحرّض على استقرارها.

تعمد الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير الذي جاء قبل ايام من الغارة الاسرائيلية على الجولان، ان يعلن بالتزامن مع معاودة مفاوضات التسوية بين إيران وأميركا ورغبة الطرفين في تعجيل انجازها، بدء هجمة ايرانية جديدة في المنطقة، برز شقها الاول في تركيزه على وضع البحرين وتأكيده القدرة على ايصال السلاح والرجال الى هذا البلد، وتوجيهه دعوة علنية الى العنف ضد نظامها بمقارنته بـ «الصهيونية». وظهر الشق الثاني عبر الهجمة في اليمن حيث يستكمل الحوثيون الموالون لطهران انقلابهم الدموي على سلطة المصالحة الوطنية.

ويبدو ان الاسرائيليين الذين يعتبرون أنفسهم أكثر المعنيين بتبعات الاتفاق بين طهران وواشنطن، ويعرفون تفاصيله، رأوا ان الفرصة مناسبة لاختبار مدى التزام الحزب وعود التهدئة التي قطعتها القيادة الايرانية المنشغلة بتثبيت أحد بنود الصفقة التي تلوح في الافق، أي تعزيز نفوذها في منطقة الخليج التي لا يهمها سواها، عبر محاولة محاصرة السعودية.

وعلى رغم اتخاذ اسرائيل اجراءات احتياطية، مثل نشر بعض منصات منظومة «القبة الحديد» المضادة للصواريخ، ومنع المستوطنين من الاقتراب من الحدود مع لبنان، الا انها تدرك تماما أن اي رد من «حزب الله» سيكون محدوداً للغاية، هدفه الأساس رفع العتب وحفظ ماء الوجه، ولن يتحول الى مواجهة واسعة، لان إيران تريد حالياً اظهار حسن نيتها للاميركيين، وتقدم نفسها «قوة استقرار» في المنطقة، مؤكدة ان «حزب الله» سيكون الضامن للهدوء على حدود اسرائيل الشمالية مثلما كان هذا الدور منوطاً بالنظام السوري قبل 2005.

ولم تتأخر «المكافأة» الاميركية مع إعلان اوباما في خطاب «حال الاتحاد» أمس انه لن يسمح للكونغرس بفرض عقوبات اضافية على ايران، وسيستخدم حقه الرئاسي في نقض أي قرار جديد بهذا المعنى.

وترغب اسرائيل ايضاً من خلال غارتها في «تصحيح» الوضع في الجولان، ومنع نصرالله من «نقل» لبنان الى سورية، بعدما فشل في حرب 2006 في اعادة سورية الى لبنان، لان اسرائيل تعتبر ان الاتفاق غير المعلن مع الايرانيين، عبر الوسيط الاميركي، يفصل بين جبهتي جنوب لبنان والجولان، وان دور الحزب في الدفاع عن نظام الاسد الذي وافقت عليه اسرائيل ضمناً، لا يستلزم وصول عناصره وعناصر «الحرس الثوري» الايراني الى الهضبة.

وهذا يعني توقع توجيه اسرائيل المزيد من الضربات بهدف إعادة تحديد الحيز الجغرافي اللازم لمشاركة الحزب في الحرب السورية، ومنعه من أي محاولة جديدة لتخطيه، من دون كبير حساب لردود فعله، بغض النظر عن سيل التحليلات المتدفق من الجانبين، اسرائيل و»حزب الله»، عن القلق الذي يعتري الاسرائيليين بعد الغارة.

ويبدو حتى الآن ان الحزب سيكتفي بالرد «الإفتراضي» الذي اطلقه على «تويتر» ودعا فيه سكان مستوطنات الشمال الى «تجهيز الملاجئ»، بينما ستكتفي ايران بتهديد اسرائيل بـ «صواعق مدمرة» مثلما فعلت كثيراً في الماضي، فيما كلاهما ينتظر «الجائزة» في الخليج.

الحياة

 

 

 

الحرب على “داعش” تحجب إيران في الجولان احتواء الضربة وسط شبكة تعقيدات النووي/ روزانا بومنصف

نقلت وكالة رويترز عن مصدر أمني اسرائيلي ان الجنرال الايراني الذي قتل في الضربة الجوية الاسرائيلية في الجولان لم يكن مستهدفا وان اسرائيل اعتقدت انها تهاجم مسلحين عاديين. فهذه الصيغة توازي تلك التي استخدمها الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في حرب 2006 قائلا: “لو كنت أعلم” بحيث تفيد انه لو علمت اسرائيل بان هناك قياديا ايرانيا لما اقدمت على القيام بما قامت به. فهذا الكلام يكشف جملة امور، من بينها محاذرة اسرائيل فتح حرب مع ايران في هذه المرحلة وعدم رغبتها، وفق مصادر سياسية، في ان تتحمل مسؤولية مباشرة في عرقلة مسار المفاوضات الجارية بين الدول الغربية مع ايران حول ملفها النووي والذي يبدو باقرار من الدول الغربية في الايام الاخيرة سائرا الى ايجابيات قريبة، وهو الامر الذي دفع بها الى هذا التبرير تحت وطأة عتب اميركي، ترجح المصادر حصوله، على العملية العسكرية التي ادت الى سقوط جنرال ايراني في الجولان في توقيت غير ملائم بالنسبة الى مسار هذه المفاوضات. اذ من غير المحتمل ان تعمد الادارة الاميركية الى بذل جهود بالغة مع الكونغرس من اجل عدم فرض عقوبات جديدة على ايران حماية للمفاوضات القائمة فيما تخاطر بان تؤدي عملية عسكرية يذهب ضحيتها جنرال ايراني في الجولان الى إضعاف الموقف الاميركي او الى تطيير المفاوضات. وكان لافتا في هذا الاطار تخصيص الرئيس الاميركي ايران في خطاب الاتحاد في اتجاه الطلب من الكونغرس عدم فرض عقوبات جديدة واعطاء فرصة لنجاح المفاوضات على رغم ان الوضع في منطقة الشرق الاوسط يغلي على وقع ازمات متعددة في دول كثيرة منها. ولا تستبعد المصادر حصول اتصالات ديبلوماسية ساهمت في حصر المسألة في اطارها من دون وجود اي ابعاد لها بحيث سمحت لوزير الخارجية الايراني جواد ظريف الاعلان الاثنين انه يتوجه الى لقاء نظيره الاميركي في دافوس وكذلك نظرائه الغربيين في مجموعة الخمس زائد واحد، ما يفيد ان ايران عزلت الموضوع عن خلفيات اميركية له في الدرجة الاولى واعطت رسالة قوية في هذا الاتجاه عبر هذا الموقف. في حين ان الموقف الاسرائيلي الاعتذاري يعتقد انه كان مطلوبا اميركيا ايضا من اجل تخفيف التوتر والضغط عن المسؤولين الايرانيين المفاوضين على رغم اعلاء صوت المسؤولين الامنيين بالانتقام من اسرائيل، لكن من دون التقليل من سعي اسرائيل الى احتواء مفاعيل الضربة العسكرية ورد الفعل المحتمل من جانب ايران.

 

وتشير مصادر ديبلوماسية الى انه كان لافتا عدم استقطاب العملية العسكرية اي رد فعل على مستوى اقليمي او دولي باستثناء موقف ايران في حين ان هذا الواقع الظاهري لا يعكس مدى المخاوف الكبيرة التي ساورت عواصم كثيرة من احتمالات تصعيد ربما يؤدي الى فتح جبهة حرب في غير اوانها وظروفها خصوصا اذا كان سيأخذ الاهتمام والانظار من امام الحرب على تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا والعراق. وهذه النقطة تشكل اساسا في حسابات ايران بالمقدار نفسه الذي لا يناسبها اطاحة الفرصة المتاحة امام اتفاق على الملف النووي.الا ان الاسئلة التي تثيرها المصادر المعنية خارج التساؤل حول مدى العلنية في تصرف الحزب والقائد الايراني في محيط معاد تتمحور على جملة امور من بينها: عدم اثارة اي عاصمة خارجية وجود جنرال ايراني في القنيطرة على الحدود المحتلة مع اسرائيل وما اذا كان ذلك يعني التسليم دوليا بوجود ايران في سوريا ومساعدتها مع “حزب الله” الرئيس السوري بشار الاسد وصولا حتى الجولان باعتبار انه معروف الى حد بعيد مدى الانخراط الايراني في سوريا ولا يثير اعتراضات قوية غربية، ما يثير تساؤلات اذا ثمة تسليم بامكان ان تساعد ايران والحزب النظام في استعادة الجولان من معارضيه المنتمين الى جماعات متطرفة ام ان ذلك مرتبط بعدم الرغبة في تسليط الضوء على غير الحرب الدولية على داعش، وفق ما ترجح المصادر. ذلك علما انه سبق لجنرال ايراني آخر هو حسن شاطري ان اغتيل في طريقه من سوريا الى لبنان كما قيل وجرى التوعد بالانتقام له ايضا، في الوقت الذي قال الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في 21 شباط 2013 بعد ايام على الاغتيال ان شاطري لم يكن الاول الذي يقتل في مهمة مع الحزب ملمحا الى انخراط ايران عسكريا في نشاط الحزب مما يفترض ان ينهي الاستغراب الذي يبديه كثر عند كل محطة من هذا النوع في هذه النقطة بالذات، علما ان ثمة موقفا ايضا لمرشد الثورة الايرانية عام 2012 يقول فيه “اننا تدخلنا في عمليات ضد اسرائيل ما ادى الى نصر في 33 يوما من الحرب التي قادها “حزب الله” ضد اسرائيل في 2006 وفي حرب الـ22 يوما في قطاع غزة” في ذلك الوقت.

التساؤل الآخر يتصل بما كشفته الغارة الاسرائيلية من انخراط للحزب وربما لإيران ايضا في منطقة باتت تجمع بين جملة مكونات لمعارضة سورية متطرفة وقوات سورية واخرى اسرائيلية يعملون جميعهم من ضمن منطقة متقاربة وما اذا كان ذلك من اجل مساعدة النظام في استرداد السيطرة على الجولان ام من اجل تثبيت المصالح الاستراتيجية الايرانية في الجولان بعد الجنوب اللبناني في موازاة التنازلات المحتملة.

النهار

 

 

 

 

لهذه الأسباب لن يتسرّع “حزب الله” في الردّ على غارة القنيطرة لا مكان لحرب جديدة والقلق غير مبرّر في ظل الإجماع على الإدانة/ سابين عويس

منذ وقوع الضربة الاسرائيلية التي أودت بحياة مسؤول قيادي إيراني إلى جانب مجموعة من الكوادر القيادية في “حزب الله”، إنشغلت الاوساط السياسية وحتى الشعبية بترقب ما سيكون رد الحزب على هذه العملية، وما سيكون تأثير مثل هذا الرد على الوضع الداخلي أولا والاقليمي ثانياً، وخصوصاً بعدما جاءت تصريحات مسؤولين إيرانيين لتهدد بذراع الحزب.

وفيما تعاظمت المخاوف مما ستحمله ردة فعل الحزب على الساحة الداخلية في ظل الاستقرار الهش المهدد في كل لحظة تحت وطأة النار الاقليمية المشتعلة، جاءت المعلومات المستقاة من أكثر من مرجع سياسي معطوفة على المواقف المعلنة لأكثر من فريق، لتقلل من حدة هذه المخاوف، تاركة فسحة من الطمأنينة التي يمكن الركون إليها لأكثر من سبب وعامل.

ففي رأي مصادر وزارية بارزة أن لا خوف على الوضع السياسي الداخلي، لا على جبهة الحوار المفتوح اخيرا بين “حزب الله” و”تيار المستقبل”، ولا على الجبهة الحكومية من أي تداعيات سلبية لعملية القنيطرة. ذلك ان الحوار السني – الشيعي محصور بالملفات الداخلية التي تعنى بالاحتقان المذهبي بينهما وسبل إحتوائه. اما بالنسبة إلى الحكومة، فلا تخشى المصادر أن يطرح هذا الموضوع أي جدلية أو خلاف، معولة على إجماع القوى السياسية ومن ضمنها قوى 14 آذار على إدانة الجريمة وإستنكارها بإعتبارها عدوانا إسرائيلياً. وفي رأي المصادر أن هذا الاجماع كفيل بحماية الحكومة والنأي بها عن أي صدام، من دون أن يعني ذلك ان فريق الرابع عشر من آذار تراجع عن مآخذه أو هواجسه حيال ما يمكن أن تستجلبه العملية من إرتدادات تدفع البلاد نحو الانزلاق إلى مواجهة جديدة لا تحمد عقباها. وهذا يعني أن جلسة مجلس الوزراء المقررة اليوم ستشكل ساحة إختبار لحجم التضامن الحكومي والوعي لإستدراك هذه المسألة والابتعاد عن إثارتها من باب الانتقاد، بل من باب الاستنكار.

لمبررات الطمأنة التي تتحدث عنها المصادر أكثر من عامل تدرج أبرزها في الآتي:

– أن الحفاظ على الاستقرار في لبنان هو قرار دولي لن يخرج عنه “حزب الله” تحت أي مبرر او ذريعة أو إستهداف. وثمة تفاهم دولي مع المحور الذي يمثله الحزب بعدم خرق هذا الاستقرار وعدم السماح بإمتداد النار السورية إلى الداخل اللبناني. وهذه المظلة الدولية هي التي تفسر نجاح لبنان في تجاوز كل الالغام الامنية التي واجهته ولا تزال منذ إندلاع الحرب السورية وتمدد تنظيمي ” داعش” و”جبهة النصرة” إلى داخل أراضيه ، وتمدد “حزب الله” في إتجاه الاراضي السورية، وصولا إلى الجولان.

– أن بيانات التنديد والاستنكار من مختلف القوى السياسية ساهمت في تخفيف وطأة العملية وسهلت على الحزب إمكان إحتوائها.

– أما الكلام التصعيدي والتهديدي في إتجاه إسرائيل فلا يعدو كونه في رأي المصادر، محاولة لإحتواء النقمة الشعبية في قواعد الحزب وجمهوره.

– أن “حزب الله” ليس في وارد الانزلاق إلى أي مواجهة الآن مع إسرائيل تستزف عناصره وكوادره، فيما استراتيجيته تركز على الجبهات المفتوحة ولا سيما سوريا واليمن والعراق والبحرين أخيرا.

– ردة الفعل التي أظهرتها إسرائيل لناحية رفع درجات الجهوز الى اقصى حدود، ثم الكلام السياسي الذي تعترف به إسرائيل – وإن بخبث ربما- بأنها “أخطأت بتقدير مكانة القتلى”، كل ذلك يصب في إطار تخفيف حجم الضربة.

– أن إسرائيل في ردود فعلها تعاملت مع “حزب الله” على أنه قوة موازية لقوتها ( لجهة ما يملكه من ترسانة اسلحة وصواريخ)، وهو ما يشكل إعترافا إسرائيليا بحجم الخطر الذي يشكله الحزب عليها، يمنح الحزب تعويضا معنويا لقاء الخسارة الكبيرة التي تكبدها.

– على رغم الخسارة، فقد أدت الضربة وظيفة إيجابية لمصلحة الحزب، إذ ساهمت في إعادة تظهير صورة المقاوم لإسرائيل في الداخل كما في المنطقة العربية، وذلك بعدما ضُربت هذه الصورة نتيجة تورطه في لبنان منذ أحداث 7 أيار التي وضعته في وجه مكون سياسي اساسي في البلاد بتهمة تغيير وجهة بندقيته في إتجاه الداخل، أو نتيجة تورطه في الحرب في سوريا ودول عربية اخرى.

وفي رأي هذه المصادر أن فترة إنتظار ردة فعل الحزب قد تطول على غرار الانتظار المستمر لرده على عملية إغتيال القائد العسكري الابرز في الحزب عماد مغنية في تفجير إستهدف سيارته في دمشق في شباط 2008.

وتخلص المصادر إلى القول أن الاولوية اليوم لدى “حزب الله” هي إستكشاف الاسباب والعوامل التي أدت إلى نجاح إسرائيل في عمليتها، وخصوصا بعد التبسيط المتنامي للإسرائيليين لتلك العملية، وكأن الغارة إستهدفت دورية روتينية، ولا مجموعة عسكرية نخبوية من بين أعضائها جنرال إيراني!

النهار

 

 

 

 

غارة القنيطرة في إعلام الممانعة/ نديم قطيش

الاعلام الإسرائيلي كان منذ مطلع الأسبوع الفائت نجم شاشات وصحف الممانعة في لبنان. لم يترك المعلقون والصحافيون مقالة او تصريحا او تعليقا او تقريرا اسرائيليا ينتقد غارة القنيطرة على موكب لحزب الله والحرس الثوري الأحد الفائت، الا واستفاضوا في عرض تفاصيله. تعرف اللبنانيون على النخبة الإعلامية الإسرائيلية وعلى جديد أسمائها، من باب “شهد شاهد من أهله” على دعاية حزب الله السياسية.

بديهي ان يحاول حزب الله دعم وجهة نظره بتشهيد اسرائيليين عليها! هذا جزء من الحرب النفسية من جهة ومن اسراتيجية بناء المصداقية من جهة اخرى. لكن فائض الاستشهاد في الأيام القليلة الماضية قدم الى جمهور حزب الله واللبنانيين عامة صورة عن اسرائيل ليس لحزب الله مصلحة في تظهيرها.

وضعنا اعلام الممانعة امام اسرائيل تعددية، ديموقراطية، فيها اصحاب وجهات نظر ورأي عام يعبر بكل قوة وصراحة عن مواقف على صلة بخيارات عسكرية وسياسية حساسة كمثل غارة القنيطرة. سمعنا من هؤلاء آراء تترواح بين انتقادات جزئية لغارة القنيطرة وبين رفض قاطع لها، هو امتداد لمعارضة راديكالية لرئيس الوزراء بنيامين نتانياهو.

مع ذلك لم يخون احد كاتبا اسرائيليا لانه يمتلك وجهة نظر سلبية في الخيارات العسكرية لحكومته. ولم يقل احد لزميله ان لا صوت يعلو فوق صوت المعركة وهو يطالب بمحاسبة المسؤولين عن استفزاز حزب الله وإيران وربما تعريض المنطقة الى مخاطر الحرب. ولم تقم دعاية سياسية دنيئة في اسرائيل تتهم قادة الرأي العام بأنهم ليسوا سوى جزء من موازنة خارجية تنفق على تشويه سمعة اسرائيل والنيل من تاريخها ومعنوياتها. ولم يطرد “الأهالي” رئيس تحرير او معلق او صاحب رأي، يعتبر ان القرار باستهداف موكب القنيطرة قرار احمق. ولم يقل احد ان هؤلاء هم “حزب الله الداخل” بمجرد ان التقوا في رأي او تحليل مع حزب الله. وفي مقابل كل ذلك لم تقل الحكومة الإسرائيلية، لهؤلاء بان ما حصل هو “نصر الهي” لا يحتمل مهاترات البشر ولا ان يخوضوا في نقاش تفاصيله وأثمانه وتداعياته. لم تخرج الأمور عن سكة الرأي والراي الاخر.

الى ذلك، أعطى زخم استشهاد إعلام الممانعة باصوات إسرائيلية تشبه رأيه، مصداقية عارمة لفكرة المحاسبة في اسرائيل التي في تاريخها لجان تحقيق لا تعد ولا تحصى، ابرز ما يعنينا منها لجنتا كاهان في مجزرة صبرا وشاتيلا، وفينوغراد حول التقصير العسكري في حرب تموز ٢٠٠٦. دعاية المقاومة تعتبر ان هذه اللجان ما هي الا عمليات تجميل لتغطية واقع اسرائيل كدولة جريمة منظمة بمؤسساتها وشعبها، وإذ بأذرع الدعاية نفسها تضعنا امام اسرائيل مناقضة لهذا التقويم. فدولة الجريمة المنظمة بمؤسساتها وشعبها تملك سلطة رابعة حقيقية تحاسب وتفضح وتصنع رأيا عاماً على أبواب انتخابات مفصلية!!!

في التفاصيل فضيحة اقسى كشفتها شهية تشهيد اسرائيليين على صواب خيارات حزب الله. راح إعلام الممانعة يبحث وينقب في المواقع الالكترونية وتقارير الوكالات عن جملة هنا او رأي هناك يتجاوز انتقاد الغارة الى تاكيد ودعم دعاية حزب الله عن “ارتباك العدو” و”ارتعاش الحكومة” و”تخبط المستوطنين”، في انتظار رد حزب الله على الغارة القاسية.

لم تسع الفرحة هذا الاعلام الممانع حين تعثر بكلام لمصدر إسرائيلي لوكالة رويتزر يقول ان اسرائيل لم تكن على علم بوجود جنرال إيراني في الموكب! إعلام حزب “لو كنت اعلم” إنطلق في “تعيير” اسرائيل بقول مصدر فيها “لو كنت اعلم”، معتبراً هذا القول بمثابة هزيمة نكراء منيت بها اسرائيل. لم ينتبه المحتفلون بالتصريح الاسرائيلي انهم يقفزون فوق ما ينطوي عليه من تمييز بين جنرال ايراني يحسب حساب قتله وبين ستة لبنانيين بعضهم من نخبة الحزب، لم يقم احد وزناً لزهق ارواحهم. فأي تردد او مراجعة اسرائيليين، لو صح ان ثمة تردداً ومراجعة، يطال فقط الجنرال الإيراني ولا ينسحب على اللبنانيين من عناصر وقادة حزب الله!!

ثم ما لبث إعلام المقاومة نفسه، بعد ان رفع تصريح رويترز الى مصاف الاعتذار الاسرائيلي عن الغارة، ان قال إن كلام هذا المصدر كان موضع سخرية في الاعلام الاسرائيلي نفسه، بمعنى انه لا يعبر عن رأي جدي داخل المؤسسة السياسية والأمنية الإسرائيلية. وما يزيد من سوء التركيز على التصريح المنسوب لمصدر إسرائيلي تحدث لرويترز ان اسرائيل سبق ونفذت عمليات اغتيال داخل ايران نفسها في سياق حرب الظل الإسرائيلية على المشروع النووي الإيراني وصناعة تطوير الصواريخ المرتبطة به. ولعل من ابرز من استهدفتهم اسرائيل، الى جانب علماء في البرنامج النووي، الجنرال في الحرس الثوري حسن مقدم، ابرز عقول تطوير ترسانة الصواريخ الإيرانية، الذي قتل في تفجير داخل ايران.

لا شك ان غارة القنيطرة اصابت حزب الله والحرس الثوري بجراح بالغة. لكن تعاطي الاعلام الممانع معها، وهو الرد الوحيد المتاح الان، زاد على الجرح إهانة.

المدن

 

 

 

الجولان لإيران أيضاً؟/ وليد شقير

يصعب تلمس المنحى الذي سيسلكه تدحرج الأحداث بعد عملية القنيطرة الاسرائيلية ضد عناصر «حزب الله» وبينهم قياديان، و»الحرس الثوري» الإيراني، وسط سيل التحليلات والقراءات الاسرائيلية التي أطلقت خيال المعلقين، واللبنانية المتمادية، عن تداعياتها. فمروحة التوقعات تبدأ بالحديث عن خرق قواعد الاشتباك، ولا تنتهي عند دور هذه العملية وموقعها في المفاوضات الإيرانية – الغربية على الملف النووي، وخلفيتها الانتخابية اسرائيلياً…

ويستولد تنوع التقديرات حول التداعيات، أسئلة كثيرة في معرض الإجابة عن أسئلة لا تحصى. مثلاً من الذي خرق الخطوط الحمر في هذه العملية وقام بتغيير قواعد الاشتباك: اسرائيل أم ايران ومعها «حزب الله»؟

فالحديث عن تغيير هذه القواعد يقود إما الى تثبيتها، أو الى نسفها للدخول في مرحلة جديدة تشكل تحولاً في الصراع في الميدان السوري الذي بات ملعباً للجميع، آخر اللاعبين فيه هم السوريون أنفسهم. والدليل ان القيادة السورية بدت آخر من يعلم في ما جرى. واكتفت بتوصيف العملية للتلفزيون السوري، بحياء. وأقصى رد فعل عليها توخى اعتماد القاعدة التي تقول إن النظام يهتم بمقاتلة عملاء اسرائيل في الداخل الذين تعوّل عليهم (وهو التوصيف الذي دأب النظام السوري على أن يصم به معارضيه من اسلاميين ومعتدلين). وهذا ما يعتبره النظام رداً على العملية الإسرائيلية، حتى المعلقون السوريون الذين ظهروا على الشاشات اهتموا بالرد الذي سيقوم به «حزب الله» وإيران تحت مظلة «محور المقاومة» وساهموا في تغييب سورية قلب العروبة عن هذا الرد.

ألم يكن لافتاً أن سيارتي موكب الحزب و»الحرس الثوري» اللتين استهدفتا، لم تضمّا أي جندي أو ضابط سوري يرافق الحلفاء اللبنانيين والإيرانيين؟

لعلّ التوصيف الذي أطلقه رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري على العملية حين تحدث عن «ارتكاب اسرائيل خطأ استراتيجياً وبهذه الجريمة تكون اسرائيل وضعت ايران على حدودها وتماس مباشر معها»، يضيء على جوهر الإشكالية.

يستبطن كلام بري حرصاً على حصر المواجهة المحتملة التي قد تنجم عن هذه العملية، بإيران وإسرائيل، وبالتالي في المنطقة الحدودية السورية – الاسرائيلية على جبهة الجولان المحتل. وما يرغب به بري هو إبعاد التداعيات عن لبنان، نظراً الى قلقه الكبير من موقعه كمسؤول لبناني. لم يكن سهواً منه ان يتجنب ذكر «حزب الله» في سياق هاجسه بإبعاد المواجهة عن لبنان، على رغم أنه أكثر العارفين بالصفة الإيرانية لسلوك الحزب في القنيطرة وسورية، قياساً الى لبنانيته.

إنها الإشكالية نفسها التي تفرض نفسها على كل مسؤول لبناني، في ما يخص التزامات «حزب الله» الإيرانية وتداعياتها على لبنان، واختلاف الخيارات بينه وبين الفرقاء اللبنانيين. فهو قال لهؤلاء الفرقاء: فلنتقاتل في سورية ولا ننقل القتال الى لبنان، لكن لبنانيين متطرفين متعاطفين مع المعارضة السورية، وخارجين عن السيطرة انبروا الى مواجهته بالتفجيرات والانتحاريين في لبنان، ما اضطره واضطر حتى المختلفين معه الى مكافحتهم ومقاومتهم والى تغطية تحرك الأجهزة اللبنانية ضدهم (تيار المستقبل). وهو قبل 3 أيام من غارة القنيطرة أكد ان لا تواجد للحزب على جبهة الجولان، لكن الغارة كشفت تواجده على بعد 6 كيلومترات من خط الاحتلال للجولان… وها هي تداعيات الغارة تطرح بقوة ما سيكون عليه الوضع على جبهة الجنوب، في حال رد الحزب وإيران على الغارة، سواء من الجولان أم من منطقة مزارع شبعا المحتلة… وقبل ذلك فإن قرار تورط الحزب في سورية فرض على القوى الأمنية غض النظر عن إبقاء الحدود مفتوحة أمام قوات الحزب ذهاباً وإياباً، في حين وجب إقفالها على غيره من باب سياسة «النأي بالنفس». خلاصة القول إن الساحة المفتوحة، من إيران الى العراق وصولاً الى سورية ولبنان، في سياسة طهران، تبقي البلد الصغير في عين العاصفة بسبب حسابات لعبة أكبر من لبنان ومن لبنانية الحزب، الذي يفاخر قادته بأنه بات قوة إقليمية، فيما التداعيات تقع على البلد ككل.

قواعد الاشتباك على جبهة الجولان تغيرت موضوعياً منذ أن هدّد النظام السوري عام 2011 بأن مس استقراره سيطاول استقرار إسرائيل، فلجأت الأخيرة الى إقامة ما يشبه المنطقة العازلة، عبر تعاونها مع فصائل مقاتلة معارضة، بديلاً من الضمانات التي قدمها النظام منذ 1974. إلا ان تفوق النفوذ الإيراني في سورية على حكّامها أوجب على طهران استعادة السيطرة على تلك المنطقة لتصبح هي في موقع من يقدم الضمانات أو ينقضها، في سياق تجميع أوراق «المناطق العازلة» في الاقليم.

الحياة

 

 

 

 

تداعيات عملية القنيطرة لن تُهضَم بسرعة عمل ديبلوماسي كبير تداركاً “لردّ الاعتبار”/ روزانا بومنصف

على رغم ان لبنان يبدو كأنه استوعب مبدئيا الضربة العسكرية التي وجهتها اسرائيل الى “حزب الله” والحرس الثوري الايراني في القنيطرة السورية، فسجل الافرقاء السياسيون من خصوم الحزب مواقفهم بهدوء واوصلوا الرسالة المتصلة بما يرونه في هذا الاطار خصوصا لجهة عدم تعريض لبنان لمغامرة جديدة يمكن ان يدفع ثمنها خصوصا ان استهداف الحزب لم يحصل على الارض اللبنانية كما تلافت الحكومة في اجتماعها الاسبوعي مواقف متشنجة، فإن مصادر ديبلوماسية تخشى الا تكون انعكاسات العملية او تردداتها قد انتهت بعد. اذ من غير الجائز الجزم بان الازمة انتهت او عبرت باستنتاجات مختلفة وتكهنات عما سيكون عليه رد ايران اوالحزب، خصوصا ان الحزب لم يعط اي مؤشرات واضحة او نهائية حول الاتجاه الذي سيسلكه ومن المستبعد ان يفعل فيما توعد المسؤولون العسكريون الايرانيون واطلقوا سلسلة تهديدات بالنيابة عن الحزب او من اجل رد اعتباره كما قال احد المسؤولين في طهران. فالمشكلة كبيرة فعلا وفق ما تقول هذه المصادر ولم يتم هضمها بعد على رغم كل الظواهر الموحية في هذا الاتجاه كما انه من المبكر جدا القول بامكان هضمها خلال الايام المقبلة في الوقت الذي يمكن ان تعطي فيه اطلالة الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله بعد اسبوع المؤشرات حول الاتجاهات التي تكون قد وصلت اليها الامور بعد التصعيد الايراني المدروس.

وتكشف هذه المصادر الديبلوماسية ان هناك عملا ديبلوماسيا كبيرا يجري وراء الكواليس وعبر اتصالات مباشرة وغير مباشرة من اجل فكفكة المشكلة التي اثارتها العملية العسكرية الاسرائيلية . وهذا العمل الديبلوماسي بدأ فورا بعد ساعات من العملية اولا من اجل لجم ردود الفعل العسكرية من جهة وضبط الانفعالات والمواقف كما انه استلزم جملة خطوات تكشف هذه المصادر ان اعلان اسرائيل على لسان مصدر امني رفيع لوكالات انباء عالمية انها لم تعرف بوجود جنرال ايراني من ضمن الموكب العسكري الذي استهدفته في القنيطرة يشكل احد بنود العمل الديبلوماسي الذي بذل من اجل فكفكة المشكلة. وبحسب المعلومات المتوافرة لدى هذه المصادر، فإنه كان مطلوبا من اسرائيل ان تذهب ابعد من ذلك في موقف اكثر تطورا وتقدم ما يشبه الاعتذار عن استهدافها الجنرال الايراني لكنها لم تفعل واكتفت بالتوضيح بانها لم تعرف بوجود الجنرال الايراني ضمن الموكب ما يعني انها لم تقصد استهدافه . وعدت المصادر الديبلوماسية الموقف الغاضب للبيت الابيض من دعوة رئيس الحكومة الاسرائيلية الى القاء كلمة في الكونغرس الاميركي حول ايران ظاهريا بسبب عدم اطلاع الادارة الاميركية على هذه الدعوة لكن هذا الغضب هو في العمق لكون الدعوة تعتبر سياسيا بمحاولة التعويض على نتنياهو استياء البيت الابيض من العملية العسكرية التي نفذتها اسرائيل في القنيطرة من جهة وتشكل تعويما له ازاء هذا الاستياء او تنفيسا لهذا الاخير من جهة اخرى في الوقت الذي لا يمكن ان تستبعد واشنطن استهداف المفاوضات الاميركية الجارية مع طهران حول الملف النووي الايراني من الاستهداف العسكري الاسرائيلي للموكب الذي تضمن جنرالا ايرانيا له حيثيته.

ومن هذه الزاوية بالذات ليس من الواضح اذا كان هذا الموقف الاسرائيلي التوضيحي سيكون كافيا في ضبط ردود الفعل المحتملة والتي هي قوية على ألسنة القادة العسكريين الايرانيين. ذلك ان هذه العملية العسكرية لا يمكن اعتبارها مجرد عمل عسكري بل هي حملت معها جملة انفعالات مؤثرة بشحنات عاطفية ومعنوية لا يمكن تجاهلها. وقول احد المسؤولين الايرانيين وهو امين عام مجلس تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي ان طهران سترد الاعتبار” الى “حزب الله” يعني ان العملية العسكرية كانت بمثابة اهانة لان رد الاعتبار يسير في موازاة اهانة المرء بحيث سيتعذر على ايران او الحزب تمرير الامور من دون رد فعل يعطي معنى لعبارة ” رد الاعتبار” المستخدمة في هذا السياق.

هذا العامل يسير وفق المصادر الديبلوماسية في موازاة احتمال التوظيف الايراني لهذه المشكلة بحيث تتطلب معالجة التداعيات اثمانا معينة يتعين على بعض الافرقاء دفعها من اجل حصر الموضوع وعدم تفاقمه. كما انه يسير في موازاة العمل من اجل الاستمرار في المحافظة على الاستقرار في لبنان بحيث ان الاتصالات التي بدأها السفير الاميركي في لبنان ديفيد هيل مع رئيس الحكومة تمام سلام تعد احد عناصر العمل الديبلوماسي الذي نشط من اجل الاستمرار في تثبيت الاستقرار وعدم تهديده. كما يسجل دفع بعض الافرقاء اللبنانيين ايضا بعامل عدم حصول العملية العسكرية الاسرائيلية ضد الحزب وجنرال في الحرس الثوري الايراني في لبنان الى الواجهة وكذلك بالنسبة الى ضرورة تجنيب لبنان مغامرات جديدة قد يدفع ثمنها غاليا من اجل الحض على عدم التوظيف الايراني للساحة اللبنانية او استخدامها للرد على اسرائيل. فالاستقرار في لبنان حتى الان يشكل خطا احمر تحرص دول عدة على عدم التفريط به باعتبار انه كان ولا يزال المغزى مما شكلته مجموعة الدعم الدولية من اجل لبنان.

النهار

 

 

 

الجولان ساحة صراع إسرائيلي – إيراني/ رندة حيدر

الهجوم الإسرائيلي على القنيطرة عملية معقدة استهدفت تحقيق أكثر من هدف وتوجيه أكثر من رسالة. صحيح ان هدفها الاول والاساسي كان احباط النشاط العسكري لـ”حزب الله” على جبهة الجولان السورية، بيد ان الهدف الآخر الذي لا يقل أهمية عنه هو كشف نشاط الحرس الثوري الإيراني في الهضبة وعرقلة المساعي التي يبذلها الطرفان لاقامة قاعدة عسكرية قوية في تلك المنطقة من الجولان السوري لاستخدامها في عملياتهما الموجهة سواء ضد إسرائيل أو ضد قوى المعارضة السورية المنتشرة هناك.

قد تكون الرسالة الجديدة التي حملها الهجوم هي تلك التي أرادت إسرائيل توجيهها الى إيران وخصوصاً بعدما ثبت معرفة المسؤولين الإسرائيليين المسبقة بوجود مسؤول عسكري إيراني رفيع المستوى ضمن القافلة التي ضمت أيضاً المسؤول الشاب عن الحزب جهاد مغنية ومسؤولين عسكريين آخرين، وذلك عكس التصريحات الإسرائيلية التي نفت هذا الأمر.

لقد أرادت إسرائيل ان توضح لإيران ان عدم تدخلها في الحرب الاهلية الدائرة في سوريا منذ أربعة اعوام، ووقوفها مع الحرب التي تخوضها الولايات المتحدة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) في سوريا، الذي تتماهى معه “جبهة النصرة” التي تسيطر على قسم اساسي من هضبة الجولان السورية، لا يعنيان اطلاقاً التساهل مع تمدد “حزب الله” والحرس الثوري في هذه المنطقة. كما تشير هذه العملية الى ان الخوف الإسرائيلي من تمدد “داعش” و”جبهة النصرة” في الجولان واقترابهما من حدودها لا يعني القبول بوجود عسكري للحرس الثوري الإيراني وللحزب هناك. ففي نظر إسرائيل ان الخطر العسكري الذي يمثله “حزب الله” اكبر بكثير من خطر التنظيمات الجهادية.

منذ فترة من الوقت تغيرت المقاربة الإسرائيلية للتطورات في سوريا ولم يعد بقاء نظام الأسد من مصلحة إسرائيل نظراً الى التغيير الذي طرأ بعد تفكك أوصال سوريا. ففي رأي عدد من الخبراء الإسرائيليين ان سوريا الدولة الموحدة لم يعد لها وجود، بل هناك كيانات سياسية طائفية تتحكم بها مجموعات مسلحة متقاتلة، وقد تحول نظام بشار الأسد الى واحد من هذه الكيانات التي تقاتل من أجل بقائها وهو لايسيطر سوى على جزء من الاراضي السورية، لكن الاهم من ذلك ان القرار السياسي لم يعد في يد بشار الأسد وحده بل صار أيضاً في أيدي إيران و”حزب الله” اللذين لولا دعمهما العسكري لما استطاع الأسد الصمود حتى الآن.

معنى هذا ان إسرائيل باتت تنظر الى الجولان السوري على انه ساحة مواجهة خلفية مع إيران مثلما تنظر الى المواجهة مع “حزب الله” في لبنان.

النهار

 

 

 

 

جهاد مغنية: الكادر التقني والعائلي والملحمي/ وسام سعادة

والده القيادي الجهاديّ الأمميّ عماد مغنية. خاله المتهم من لدن المحكمة الدولية، مصطفى بدر الدين، وقد ظهر في الجنازة، ظهر قبل ذلك في معركة القصير. شقيقته فاطمة مغنية. منحت الجنسية الإيرانية بقرار من المرشد في وقت سابق من هذا العام. والدته سعدى بدر الدين. أما الزوجة الثانية لوالده، الإيرانية وفاء، فمن مواليد مدينة قم. كانت أثارت بلبلة بعد اغتيال الحاج رضوان، يوم عادت إلى طهران من دمشق، واتهمت جهات في النظام السوري بالتورط في اغتيال زوجها، واستدلت على ذلك برفض النظام تسهيل مهمة المحققين الإيرانيين، ثم نفت التصريح لاحقاً. وسائل إعلام ألمانية فسّرت الأمر يومها على أنّها كانت تقصد آصف شوكت. بعد ذلك، سيتسبب الحديث عن رفاهيتها وأعمالها التجارية ببعض الضيق والحجب في بيئة جهاز «حزب الله».

بعد اغتيال الحاج رضوان في كفرسوسة، انخرط كل من جهاد وفاطمة في العمل الحزبي. فاطمة في العمل النسائي. جهاد في العمل الأمني. أثبت جدارته في جهاز الحراسة الشخصية للسيد حسن نصر الله. تحدّث الإسرائيليّون عن صورته اثناء الظهور العلني المفاجئ للسيد حسن نصر الله في كانون الأول من عام 2011، في العاشر من محرّم، يوم قال السيد «لقد سمحوا لي ببضع دقائق فقط»، وكان يقصد الجهاز المولج بحمايته.

هل شارَك جهاد عماد مغنية بعد ذلك بالحرب السوريّة، أسوة بخاله بدر الدين؟ يفترض أن يكون الاحتمال ضئيلاً، أو أن تكون المشاركة عابرة. كذلك المقارنة بين استشهاد كل من هادي نصر الله وجهاد مغنية يفترض أن تكون محدودة. هادي عندما قُتل في الجنوب لم يكن يعدّ ليكون شخصية أمنية قياديّة، هذا بخلاف جهاد.

ليس بالامكان التكهّن في حقيقة أو طبيعة «لجنة إزالة إسرائيل» التي يروى أنّ والده شكّلها قبل خمسة عشر عاماً كلجنة سرّية داخل «حزب الله» نفسه، ولا تخضع للمجلس الجهادي، وترتبط بالدائرة القيادية الضيقة للحرس الثوري الايراني، لكن من المرجّح أنّ فحوى هكذا لجنة استمرّت في العلاقة بين جهاد والإيرانيين. هل كان جهاد مسؤولاً للجنة أمنية في «حزب الله» الموكلة بهضبة الجولان؟ الجميع قرأ ذلك في الأيام المنصرمة، متأثراً بالكلام الأخير لحسن نصر الله، وكلام سابق له، عشية القصير، عن فتح جبهة الجولان، ناهيك عن حديث الجهوزية للسيطرة القتالية على الجليل، وقبل ذلك توعّده الإسرائيليين بالحرب المفتوحة بعد اغتيال الحاج رضوان، وهو ما يفترض أن يكون الأفق النفسي «اليوميّ» لجهاد.

المهام التي أوكلت لجهاد تربط اذاً بين مستويين: واحد مباشر، التدرّب على حماية الشخصيات (وقد سبق لوالده أن تدرّب على ذلك في حماية ياسر عرفات وخليل الوزير) وثان تدريجيّ، وهو تدريبه، في إطار «سياسات تدمير إسرائيل» (علم المستقبليات في فقه الحرس الثوري) ليكون نموذجاً قيادياً يحاكي والده في المقبل من سنين، لولا مصرعه في ريعان شبابه، وتحوّله إلى قرين للسيد هادي، مع أنّه كان يعدّ في الحقيقة لما هو أبعد من ذلك.

ففي معادلة توجب الجمع بين الولاء المطلق والمهارات المطوّرة منهجياً، كان نجل عماد مغنية يمثّل بالنسبة للحرس الثوريّ عنصراً ثميناً ونادراً.

يجوز الافتراض بقوة اذاً، أنه في الموكب الاستطلاعي الآتي من جهة الحدود اللبنانية، والذي قصفته إسرائيل في القنيطرة، ولم تتبن رسمياً ذلك (كما لم تتبن اغتيال عماد مغنية رسمياً بعد) كانت هناك علاقة مزدوجة: جهاد يعمّق تجربته في حماية الشخصيات، من خلال حماية المهمة الاستطلاعية الحساسة للبريغادير ابو علي الطباطبائي، والحرس الثوريّ يواظب على الإحاطة به وترفيعه درجة بعد درجة. طبعاً، هذه الحسابات لا يكترث بها الإسرائيليون جديّاً. لكنه من شبه المؤكّد أنّه لحظة إطلاق الصواريخ على الموكب كانت المعلومة الاستخبارية التي في أيديهم واضحة: الموكب يضمّ الطباطبائي وابن عماد مغنية.

«الكادر يقرّر كلّ شيء»، طرحه جوزيف ستالين ذات يوم كشعار، للتأشير على أنّ العمل لتجهيز كادر قياديّ يحتاج إلى مواكبة حثيثة ومضنية. جمع الشعار بذلك بين أقصى الإرادوية وأقصى الحاجة للتجهيز المؤسسي لها. جهاد مغنية كان يمثّل بهذا المعنى تجربة باسدرانية في تطبيق شعار «الكادر يقرّر كل شيء». تجربة تختلط مع التركيبة العائلية والقرابية للجهاز القيادي في «حزب الله». تجربة يختلط فيها العمل اللوجستيّ البحت مع الأفق الأكثر ملحمية. لكنها أيضاً تجربة، بيّنت، بنهايتها، والبدايات التي قد تفتحها، انه ليس صحيحاً ان «الكادر يقرّر كلّ شيء»…

القدس العربي

 

 

 

 

الرد الإسرائيلي على «حزب الله» في القنيطرة/ غازي دحمان

أفرج عن نصف ابتسامة، وأودع النصف الثاني عند جمهوره يظهرها يوم المفاجأة القادم، أو عند خصومه حين يكتشفون السر بعد أن تصفعهم المفاجأة. السيد حسن نصرالله في حديثه التلفزيوني الأخير كان ممتلئاً فرحاً وثقة توحي بأنه اكتشف السر الذي سيمكن محور «المقاومة» من السيطرة على هذه المنطقة وديموغرافيتها، وللمرة الأولى يتحدث عن حق لكيان اسمه «حلف المقاومة» في المواجهة مع إسرائيل.

السر لم يكن بصواريخ «الفاتح 110»، فهذه أسلحة معطّلة لا تصلح للاستخدام الميداني في حالة «حزب الله»، ذلك أن قواعد الاشتباك المفروضة بعد حرب تموز (يوليو) 2006، لا تتيح إمكان الاستفادة من هذه الأسلحة ولا حتى اعتبار أنها يمكن أن تحدث تغييراً مهماً على قواعد اللعبة أو إدماجها ضمن معادلات القوة في المنطقة، ناهيك عن أنها بالأصل أنماط من أسلحة دفاعية يتم استخدامها للرد على استهداف إسرائيلي محتمل، وليس للهجوم أو لتغطية عمليات تسلل عناصر الحزب لاحتلال الجليل، وفوق كل هذا وذاك لا تسمح العمليات الجوية الإسرائيلية والطلعات التفقدية اليومية بتجهيز قواعد إطلاق هذه الصواريخ وتشغيلها.

ولم يكن السر أيضاً بإمكان تحقيق نصر ناجز في مواجهة الثورة السورية، فالوقائع الدامية والتراجعات الهائلة في الميدان، والتشكيك بإمكان الاحتفاظ بتواجد عناصر الحزب في قرية فليطة في القلمون، تفضح أي مزاعم بهذا الخصوص، فلا أخبار وردية على هذا الجانب، وليست هناك مفاجآت لم تستعمل من دون أي نتائج مجدية على الأرض.

السر كله يكمن في اعتقاد القيادات الميدانية للحزب بأنها على وشك إطلاق دينامية جديدة للأزمة في المنطقة، تقضي بالإطاحة بالثورة السورية من بوابة القنيطرة، أما آليات هذه الدينامية فهي عبارة عن إطلاق الصواريخ من الشريط الحدودي المتاخم للجولان على المستوطنات الإسرائيلية، فضلاً عن القيام ببعض عمليات التسلل لزرع الألغام واستهداف الدوريات الإسرائيلية، وفي ذلك يضمن الحزب، ومن ورائه إيران، إشعال حالة من الصراع بين مقاتلي المعارضة في جنوب سورية وإسرائيل، ما يضطر هذه الأخيرة إلى الانخراط في الحرب ضدهم، وربما يستدعي ذلك انخراط التحالف الدولي المشكّل للحرب على «داعش» في هذه الجبهة، باعتبار أن «جبهة النصرة» الموضوعة على قوائم الإرهاب الغربية تشكل القوة الأساسية فيها، وفق مزاعم إعلام الأسد و «حزب الله».

من الواضح أن «حزب الله» ومن خلفه إيران عقدا آمالاً كبيرة على هذا المخطط، فبالإضافة إلى انه قد يشكل حبل إنقاذ لنظام الأسد الذي تشير معظم التوقعات إلى أنه سيواجه أوضاعاً ميدانية معقدة في الفترة المقبلة وتحديداً من جبهة الجنوب، فإن نجاح هذه الخطة سيعيد ترتيب الأولويات في المنطقة على أساس المتغير الإسرائيلي لقلب المعادلة، وفي أقل الأحوال سوءاً سيفجر تناقضات خطيرة بين القوى المعادية لنظام الأسد والرافضة لإعادة تأهيله، خصوصاً أنه يأتي عقب أحداث باريس التي شكلت صدمة وارتباكاً غربياً واضحاً.

على ذلك، كان يمكن القنيطرة أن تشكل متغيّراً يعزّز التغييرات الحاصلة في الآونة الأخيرة منذ اجتياح «داعش» الموصل، مروراً بجريمة «شارلي إيبدو»، بحيث تتكامل ثلاثية هذا النسق: اضطهاد الأقليات، إرهاب ضد الغرب، وزعزعة أمن إسرائيل، وبالتالي تصبح إعادة صياغة التوجهات وترتيب الأولويات في المنطقة حاجة ضرورية، مع ما يتطلبه ذلك من استدعاء مقاربات جديدة تفي بالغرض.

ويوحي تواجد قيادات من الصف الأول في «حزب الله» وكبار المستشارين الإيرانيين في القنيطرة، بأنهم كانوا معنيين باستعجال تحقيق هذا التطور، والأكيد أنه لم يكن مجرد جولة تفقدية، على ما حاول الحزب قوله في بيانه، إذ من الواضح أن الأمور كانت في طور التجهيزات الأخيرة للقيام بعمل ما، ربما كان من بينها قيام الحزب بنقل بعض المعدات إلى الشريط الحدودي على خط شبعا- العرقوب، وربما عند وصول الأمور الى هذه الدرجة من التطور تدخلت إسرائيل التي باتت مهتمّة بدرجة كبيرة بتدمير أكبر كمّ ممكن من أسلحة الحزب.

* كاتب سوري

الحياة

 

 

 

 

 

إسرائيل تحبط “طبخة” طهران في الجولان/ ماجد الشيخ

يبدو أنه لم يعد من الصعب تحديد، أو تسمية، تلك “الحرب الخفية” التي تشنها إسرائيل ضد حزب الله في لبنان، كما في سورية، ففي هذه الحرب ضد ما يسمى محور “المقاومة والممانعة”، تقف فيها سورية النظام، في ظل حربها الداخلية، شبه محايدة، في انتظار أن تحدد هي مواعيد الردود التي يمكن أن تقوم بها ضد إسرائيل، وضرباتها وغاراتها الجوية ضد أهداف سورية في سورية، وضد أهداف خاصة بحزب الله في الأراضي السورية، أو في مناطق حدودية بين سورية ولبنان، من قبيل ضرب أسلحة وصواريخ يجري نقلها من سورية إلى لبنان، وربما العكس أيضا، في ظل حاجة القوات السورية، وقوات الحزب إلى مزيد من الأسلحة، وما يقال عن تحريك صواريخ الفاتح الاستراتيجية الدقيقة.

“هدفت إسرائيل من الغارة، إيصال رسالة تحذيرية لكل من إيران ودمشق وحزب الله بأنّ الجولان خارج الحدود، وخصوصًا القنيطرة”

تجلت الحرب الخفية التي باتت أكثر من معلنة، أخيراً، بأنها حرب تحذيرية، كما أطلق عليها في بعض الإعلام الإسرائيلي، كونها تجري في مواجهة “إشراف إيراني” على بناء قواعد لمنظومات أسلحة استراتيجية أكثر دقة، توجد في سورية، في حوزة النظام كما في حوزة مقاتلي حزب الله، وهذا ما كشفت عنه مصادر إستخباراتية لموقع “ديبكا فايلز” الإسرائيلي، ذكرت أنّ الموكب الذي كان يضمّ قياديين إيرانيين ومسؤولين بارزين من حزب الله في القنيطرة كان يقوم بعملية كشف ميداني على موقع للحزب، بهدف نشر صواريخ في الجهة السورية من الجولان. لذلك، هدفت إسرائيل من الغارة، إيصال رسالة تحذيرية لكل من إيران ودمشق وحزب الله بأنّ الجولان خارج الحدود، وخصوصًا القنيطرة. ونقل الموقع عن مصادره العسكرية أن قياديين من حزب الله حضروا إلى القنيطرة في يونيو/حزيران 2014، وحينها حذرت إسرائيل الحزب بضرورة أن يسحب عناصره من الجولان، وإلا سيتم استهدافهم، وبالفعل، انسحب هؤلاء بعد وقت قصير.

ولكن، فيما بعد، شهد الوضع تطورات ميدانية، حين عزز الجيش السوري امتلاكه صواريخ أرض – أرض في القنيطرة، إضافةً إلى صواريخ “فاتح 110” الإيرانية. وقبل فترة وجيزة من نشر الأسلحة في العاشر من يناير/كانون ثاني الجاري، زار رئيس هيئة الأركان العامة للجيش السوري، العماد علي عبدالله أيوب، الموقع، يرافقه ضباط من الحرس الثوري الإيراني بملابس مدنية، وقدموا استشارات استراتيجية للقيادة السورية لمختلف الجبهات، وبعد هذه الزيارة استُقدمت صواريخ إلى المكان. وبعد أيام، أعلن الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله، أنّ المقاومة تملك صورايخ مشابهة لفاتح منذ العام 2006، ويمكن أن تصل إلى أي هدف داخل إسرائيل.

ويضيف “ديبكا”: “يبدو أنّ نصرالله كان يشير إلى أنّ موقع الصواريخ التي يملكها الحزب داخل الجولان تحسّن، فباتت تمتلك دقة وسهولة أكبر في إطلاقها على إسرائيل. وما لم يقله نصرالله هو الخطة التي طبخت في طهران لربط عناصر حزب الله بقاعدة بطاريات الصواريخ، وإطلاق الصواريخ لأول مرة من الأراضي السورية”، خاتمًا: “هذه هي الخطة التي هدفت المروحية الإسرائيلية إلى قصفها”.

“حسب المخابرات الإسرائيلية، فإن مغنية كان مسؤولاً عن تشغيل بضع شبكات مرتبطة بالحرب السورية في منطقة الجولان”

وعقب الإعلان عن الغارة، والتي أسفرت عن مقتل قيادات في حزب الله، منهم جهاد عماد مغنية، والذي كان يعد أحد أبرز العقول المدبرة للحزب؛ ذكر التلفزيون الإسرائيلي أن جهاد مغنية “من أبرز القادة الشبان في حزب الله، ومن المقربين للأمين العام نصر الله، وتمتع بعلاقات طيبة إلى حد كبير مع إيران، وتحديداً الحرس الثوري الإيراني، الأمر الذي سيجعل من وفاته جرس إنذار حاد يدوي في الحزب، خصوصاً وأنه كان مسؤولاً رفيعاً عن الارتباط الأمني مع إيران، وهي مهمة لا يتم تكليفها إلا لكبار الخبراء وأصحاب الثقة داخل منظومة الحزب الأمنية”. وحسب المخابرات الإسرائيلية، فإن مغنية كان مسؤولاً عن تشغيل بضع شبكات مرتبطة بالحرب السورية في منطقة الجولان، ما يعني أن موته يثبت عدم صدق نصر الله أن قواته لم ولن تعمل في منطقة الجولان. ولفتت صحف إسرائيلية إلى أن اغتيال مغنية أثبت وجود “عملاء” لإسرائيل في سورية، أو داخل حزب الله نفسه، إذ تأتي دقة العملية وتوقيتها وقتل إسرائيل عملاء لحزب الله، بعد دخولهم منطقة القنيطرة بدقائق، لتؤكد هذه المعلومة. وكان الحزب اعترف بالقبض على أحد العملاء في صفوفه، وهو الذي ذكر الحزب أنه كان أحد أبرز أعضاء المنظومة الأمنية، ما يؤكد أن ثمة خللاً أمنياً في صفوف الحزب، تبدى مع هذه العملية.

تقديرات إسرائيلية

ذكرت القناة الإسرائيلية الثانية، مساء الأحد الماضي، أن التقديرات في إسرائيل تشير إلى أن حزب الله سيرد على عملية الاغتيال التي قضى فيها جهاد مغنية، نجل الشهيد عماد مغنية، وخمسة من عناصر الحزب، وقد رفع الجيش الإسرائيلي درجة التأهب في منطقة الشمال. وأوردت القناة الإسرائيلية العاشرة أن القيادي أبو علي طبطبائي، مسؤول القوة الهجومية في حزب الله هو هدف الغارة الاسرائيلية على القنيطرة السورية، حيث كان يفترض أن يكون قائد الحرب المقبلة على إسرائيل.

وكانت المعلومات في الجانب اللبناني، قد أفادت عن مقتل القيادي الإيراني، أبو علي الطبطبائي في الغارة، إلى جانب جهاد عماد مغنية، والحاج محمد عيسى، وهو من قرية عربصاليم في قضاء النبيطة، ومهدي الموسوي، وعلي فؤاد، وحسين حسن، وحسين حسن حسن، وحسين إسماعيل الأشهب.

وقد صرح رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، بيني غانتس، أن الجيش جاهز للرد على أي هجوم يمكن أن ينفذه حزب الله أو غيره، وعلى شتى الجبهات. وأوضح أنه “مطمئن من قدرة الجيش على الوقوف أمام التحديات، آنية أو على المدى البعيد”. وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن هناك توقعات بأن رد حزب الله على الغارة قد يتراوح بين زرع ألغام لاستهداف دوريات للجيش الإسرائيلي عند الحدود، وتنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية في العالم، أو إطلاق صواريخ باتجاه الشمال، غير أن المحلل العسكري في صحيفة هآرتس، عاموس هارئيل، كتب أن تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ما زالت تقول إن حزب الله لن يبادر إلى تصعيد مع إسرائيل، على الأقل، بسبب انشغاله في الحرب في سورية. ولم يستبعد هارئيل، وكذلك المحلل العسكري في صحيفة يديعوت أحرونوت، ألكس فيشمان، أن يرتبط توقيت الغارة بالانتخابات العامة في إسرائيل، وتراجع شعبية رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وحزب الليكود الذي يتزعمه. وكتب فيشمان أن الجهة التي قررت تنفيذ الغارة “قدرت أن مصلحة حزب الله هو الرد بصورة معتدلة. ربما هو على حق وربما لا. فالاستخبارات ليست بين العلوم الدقيقة”.

وكتب تسفي بارئيل في “هآرتس” أن الاغتيال المحكم الذي نُفذ، يوم الأحد الماضي، ضد قيادة حزب الله العاملة في سورية؛ يعتبر أساساً هجوماً تحذيرياً، وأشار إلى الأهمية الخاصة لجهاد عماد مغنية وأبو علي طبطبائي الذي وصفه لأنه خليفة مغنية الأب قائداً للقوة الخاصة التي أسسها هو والقوة العاملة في سورية تحديداً، وقد حقق نجاحات في الحدود السورية اللبنانية. وذكر أن مغنية الابن يشغل منصب نائب القائد، ومسؤوليته التنفيذية ثانوية، فيما عمل طبطبائي بالتنسيق والتعاون مع قائد قوات القدس الإيرانية، قاسم سليماني، المسؤول من بين أمور كثيرة أخرى عن تنسيق القتال ضد داعش في العراق، وعن تنسيق المنظومة الدفاعية والهجومية في جنوب لبنان مع حزب الله. ولا يضعف اغتيال طبطبائي بنية الوحدات أو منظومة نشاطاتها العسكرية في سورية ولبنان؛ إذ طبطبائي هناك يأتي بعد مغنية، وبهذا سيتم تعيين قائد جديد لهذه الوحدات.

دفاعات إسرائيلية على الحدود مع الجولان (أ.ف.ب)

2- الدفاعات الإسرائيلية على الحدود مع الجولان (فرانس برس)ومن شأن الهجوم التحذيري (كما أسماه برئيل)، والذي لم يتضح بعد مكسبه التنفيذي؛ أن يدشن تدحرج كرة ثلج الردود والردود المضادة، لكن حسن نصر الله الذي تحدث، قبل ثلاثة أيام من الغارة، عن منظومة صاروخية حديثة ومتطورة يمتلكها، يعاني، الآن، من معضلة سياسية صعبة؛ فتنظيمه يجري، هذه الأيام، حواراً تفاهمياً مع خصومه السياسيين من تيار المستقبل، الذي يرأسه سعد الحريري، بهدف التوصل الى اتفاق على تعيين رئيس جديد في لبنان. وقبل ذلك، كان السيد حسن نصر الله، قد صرح مرات، أن الهجوم الإسرائيلي على سورية هجوم على لبنان، ولا يجب المرور عليه بهدوء. ولكن، في ساعة الاختبار، يحتاج هذا القول إلى تنسيق مع إيران، الداعمة الكبرى لنشاطات حزب الله في داخل لبنان وخارجه، إلا أنه وبالنسبة لإيران التي تدخل في مفاوضات معمقة مع الغرب حول ملفها النووي، وفي السياق حول دورها الإقليمي، هناك الآن جبهتان مشتعلتان: في العراق وسورية، وبذلك، فإن الحرب الخاصة بحزب الله وإسرائيل ليست على رأس سلم أولوياتها.

عملياً؛ تعيش الجبهة الشمالية وضعاً متفجراً جداً منذ بداية العام 2014، عندما هدد حزب الله بأنه سيرد بعمليات على الهجوم ضد قافلة كانت تحمل السلاح على الأراضي اللبنانية، وقد نفذ تهديده، فقد نفذ الحزب في العام المنصرم عدة عمليات من جبهة هضبة الجولان، ومن الحدود اللبنانية، أيضاً، فقبل أيام، هدد نصر الله بأن تنظيمه يمتلك أسلحة تستطيع الوصول إلى كل نقطة في إسرائيل. فما هي الخيارات التي يمتلكها حزب الله، الآن، في ظل تشابكات الأوضاع المحلية والإقليمية والدولية؟

“من الصعب تحديد ما إذا كان لموعد الانتخابات القريبة أي أثر على قرار الهجوم في الجولان، لكن المؤكد أن الأسابيع المتبقية للانتخابات ستظل متوترة جداً في الشمال”

في كل الأحوال، يمكن القول إن الغارة الإسرائيلية، في 18 يناير/كانون ثاني الحالي، جاءت لتوضح أن قواعد اللعبة التي سادت في العام المنصرم، وحولت هضبة الجولان إلى ساحة عمليات؛ لم تعد سارية. وعلى الرغم ذلك، قد يرد حزب الله بعمليات على طول الحدود، وربما أكثر من ذلك إطلاق صواريخ أو عمليات ضد أهداف إسرائيلية في الخارج. لكن، من الصعب تحديد ما إذا كان لموعد الانتخابات القريبة أي أثر على قرار الهجوم في الجولان، لكن المؤكد أن الأسابيع المتبقية للانتخابات ستظل متوترة جداً في الشمال.

وإذ لم تعقب إسرائيل رسمياً على عملية الاغتيال، إلا أن وزير الأمن الإسرائيلي تطرق لها في حديث إذاعي، وقال: “إذا كان حزب الله يقول إن رجاله قتلوا في العملية، فليشرحوا لنا ماذا يفعلون في سورية”. وأضاف: “كلما حصل شيء في المنطقة يتهموننا. لست معنيا في التطرق إلى ذلك. سمعنا خطاب حسن نصر الله، الأسبوع الماضي، ونفى وجود قوات لحزب الله في هضبة الجولان. إذا كان ذلك صحيحا، فعليه أن يشرح”.

العربي الجديد

 

 

 

 

من القنيطرة الى صنعاء: المخطط واحد!/ محمد مشموشي

ليست المسألة أن يرد «حزب الله» (عفواً، نظام «ولاية الفقيه» في إيران) على الغارة الاسرائيلية التي استهدفت 12 مقاتلاً لبنانياً وإيرانياً في منطقة القنيطرة السورية، ولا هي أين وكيف ومتى يتم هذا الرد. المسألة أن جندياً سورياً واحداً لم يكن ضمن القافلة المستهدفة من جهة، بما يعني أن سيطرة «الحرس الثوري الايراني» على الجزء السوري (غير الخاضع للمعارضة) من الجولان باتت كاملة، وأن وضعاً اقليمياً جديداً نشأ فيه شبيه بما هي عليه حال الجنوب اللبناني ودور ايران فيه من جهة ثانية… لكن أساساً وقبل ذلك كله، خلق «أمر واقع» ايرانياً في المنطقة، وتأكيد أن سياسة القضم، ثم محاولة الهضم البطيء، قد حققت نقلة جديدة: من لبنان والعراق سابقاً، الى سورية الآن، وحتى الى اليمن ومضيق باب المندب، عبر «انصار الله» الحوثيين، في الفترة ذاتها.

المسألة هنا قبل أي شيء آخر، وحتى قبل ما تحدث به رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الايراني علاء الدين بروجردي عن «رد مزلزل» ستقوم به أداته اللبنانية («حزب الله»)، من زاوية أنها تكشف طبيعة التسلل الايراني الى دواخل بلدان المنطقة، على الأرض كما في السياسة والأمن والبنية السياسية لهذه البلدان فضلاً عن نسيجها الاجتماعي (الطائفي والمذهبي) بهدف فرض «الأمر الواقع» هذا، مضافاً الى «أمر واقع» آخر هنا وهناك، على الطريق لبسط هيمنتها على الاقليم كله. ومؤداها طبعا، ليس العدوان الاسرائيلي على القافلة الايرانية فقط، انما أيضا الغاية الفعلية من هذه القافلة: هل هي لتنفيذ عملية أمنية ضد اسرائيل، كما قالت حكومة العدو، أم للتحضير لها في وقت لاحق، أم هي لمجرد ابلاغ اسرائيل بأن ايران باتت على حدودها الشمالية كلها من الجولان الى الناقورة في جنوب لبنان؟.

الحال أن هذا تحديداً ما فعلته سياسة التمدد الايرانية في العراق بعد الغزو الأميركي العام 2003، وقبله في لبنان، والآن في سورية واليمن وربما في غيرهما، استغلالاً لأوضاع غير سوية في هذه البلدان في بعض الحالات (العراق بعد الغزو وسقوط صدام حسين، ولبنان بعد الاجتياح الاسرائيلي العام 1982، وسورية بعد وفاة حافظ الأسد ثم بعد الثورة الشعبية على خلفه بشار العام 2001) أو افتعالاً لمثل هذه الأوضاع في حالات أخرى… من السودان الى اليمن الى البحرين الى بعض دول الخليج الأخرى وغيرها.

في حالة سورية الآن، لم يعد سراً أن بشار الأسد ونظامه تحولا الى ما يشبه «شاهد الزور» الذي لا يملك من السلطة إلا ما يعطيه إياه «الولي الفقيه» علي خامنئي، والذي يحميه حتى جسدياً أفراد من من «الحرس الثوري» و»حزب الله» بعد أن قالا علناً أنهما أنقذا نظامه من السقوط. وعملياً، فلم تكن قافلة القنيطرة، وبالتالي الغارة الاسرائيلية عليها، الا تأكيداً لهذا «الأمر الواقع» الذي أرادته وسعت اليه ايران منذ دخول مقاتلي «حزب الله» الى داخل سورية… أولاً بدعوى مساعدة مواطنين لبنانيين يعيشون في قرى سورية، ثم بذريعة حماية مزار السيدة زينب وغيره، ثم بحجة الدفاع عما يسمّى «ظهر المقاومة»، لتتحول المهمة الآن الى امكان فتح جبهة الجولان ودخول الجليل، كما قال الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله قبل أيام فقط من عملية القنيطرة.

والواقع أن التمدد ذاته، وبأسلوب خلق «الأمر الواقع» اياه، شهده لبنان في خلال الفترة السابقة، منذ انشاء «حزب الله» من قبل الحرس الايراني العام 1982، مروراً بحملة ملاحقة الأجانب وخطفهم وتفجير مقراتهم على امتداد فترة الثمانينات، وصولاً الى «لو كنت أعلم» العام 2006، ثم الى «اليوم المجيد» العام 2008، من دون نسيان اعلان تشكيل «جبهة مقاومة الشعوب» من قبل محمود أحمدي نجاد والأسد ونصرالله في دمشق، وبعدها لاحقاً مصادرة القرار اللبناني عبر منع انتخابات الرئاسة مرتين على الأقل واسقاط الحكومات وتشكيلها بقرار وحيد منه… وفي المحصلة، وضع البلد كله في قبضة ايران وتحت رحمة استراتيجيتها وخططها في المنطقة.

وكما في العراق بدوره، ففي كل مرة اصطدمت الخطة الايرانية بما يعيق تقدمها هنا أو هناك، فقد كانت تلجأ الى التراجع التكتيكي لكن من دون أي تبدل أو تغيير فيها: تسهيل تشكيل حكومة ما في لبنان عند الضرورة، أو التزام مندرجات القرار 1701 في جنوبه، أو التخلي عن رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي عندما لا يكون بد من ذلك، أو حتى التعاون والتنسيق مع «القاعدة» أو «حماس»، ثم اقفال الأبواب أمام أي منهما، ثم اعادة فتحها مجدداً، عندما تجد أياً من هذه الأمور مناسباً لها.

المهم هو خلق «وقائع» ايرانية جديدة على الأرض، لا سيما منها الأرض العربية، من أجل هدف واحد في نهاية المطاف هو المساومة عليها في «لعبة الأمم» التي بدأتها منذ فترة مع الدول الكبرى الست من جهة، وحتى مع حليفتها روسيا من جهة ثانية.

ولا مبالغة في اعتبار ان عملية القنيطرة جاءت في هذا السياق، كذلك هي الغارة الاسرائيلية رداً عليها والتي جاءت على طريقة: أخذنا علماً!.

كما لا مبالغة في القول ان ما شهدته صنعاء في الأيام القليلة الماضية لم يختلف عن ذلك، وأن ما تنتظره طهران هو رد مماثل من الدول الست نفسها، وحتى من الأمم المتحدة التي ترعى مشروع التسوية في اليمن.

ولعل ما قاله مستشار المرشد الايراني، علي شمخاني، بعد ساعات فقط من انقلاب الحوثيين على التسوية، ودعا فيه الى فتح صفحة جديدة مع دول الخليج والمملكة العربية السعودية، لا يخرج عن المناورة الايرانية نفسها.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

 

 

 

 

لماذا يستفزّ نتنياهو إيران؟/ سميح صعب

عندما وجهت اسرائيل ضربتها الى كوادر “حزب الله” والجنرال في الحرس الثوري الايراني محمد علي دادي، كان وفد ايراني يجلس قبالة ممثلين لمجموعة 5 + 1 في جنيف سعياً الى اتفاق على البرنامج النووي الايراني. وليس اقتراب جنرال ايراني من الجولان فقط هو ما يؤرق اسرائيل وزعماءها في هذا الوقت بل ان الاقتراب من التوصل الى اتفاق بين ايران والغرب وخصوصاً مع الولايات المتحدة هو الذي

يتعب الدولة العبرية ويتحكم بسلوكها في هذا الاتجاه

أو ذاك.

عين اسرائيل اليوم على المرحلة التي تلي التوصل الى اتفاق من الواضح ان الرئيس الاميركي باراك أوباما يراهن عليه بقوة وكذلك ترى ايران ان مصلحتها تكمن في اتفاق يرفع عن كاهلها العقوبات ويعترف بها قوة اقليمية لها وزنها في المنطقة. وربما لأن الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة الذي يقاتل من أجل احباط احتمالات الاتفاق مع ايران استدعى رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو كي يخطب أمام الكونغرس بهدف اقناع المشرعين الاميركيين بـ”الخطر” الذي تشكله ايران وتالياً بالسير بمشروع قانون لفرض عقوبات على طهران باعتبار ان سياسة العقوبات والتهديد باللجوء الى القوة هما أجدى من الديبلوماسية التي يعتمدها أوباما في التعامل مع طهران.

ففي القنيطرة حاول نتنياهو توجيه رسالة اقليمية لا لبس فيها بأن اسرائيل لا تزال قادرة على تغيير قواعد اللعبة من خلال اللجوء الى استخدام القوة، أو عبر استدراج المحور الآخر الى رد يفضي الى حرب شاملة تمتد من لبنان الى سوريا الى ايران لا يمكن التنبؤ بما سترسو عليه من نتائج، ولكن بالتأكيد من شأنها وقف المفاوضات بين الغرب وايران وارساء معادلات جيوسياسية جديدة. هذا على افتراض ان اسرائيل ستخرج قوية ورابحة من حرب كهذه. وتدل الحرب على لبنان عام 2006 وحربا غزة العام الماضي وحرب 2008-2009، ان اسرائيل لم تعد وحدها في الميدان وان عهد الحروب النظيفة قد انتهى.

ومن المؤكد ان نتنياهو يدرك هذه الحقيقة قبل غيره ويعرف ان الثمن الذي ستدفعه اسرائيل في حرب شاملة قد يكون باهظاً جداً وربما فوق الطاقة على الاحتمال، لكنه في الوقت عينه يلعب بالنار من خلال ممارسة سياسة حافة الهاوية مع “حزب الله” وايران وسوريا أملاً في نشوب مواجهة محدودة تدفع بأميركا الى وقف المفاوضات النووية مع طهران. ويحاول نتنياهو على أبواب الانتخابات العامة استخدام كل أوراقه في واشنطن وخصوصاً في الكونغرس ليحول دون الاتفاق بين الغرب وايران. ولكن ليست كل مغامرات نتنياهو مأمونة العواقب.

النهار

 

 

 

 

قراءة هادئة في عاصفة القنيطرة/ راجح الخوري

عشية العملية الإسرائيلية التي خلطت الأوراق في القنيطرة وأطلقت المخاوف من انفجار عسكري، يمكن أن يتجاوز حدود تلك الهضبة التي اتسمت بالهدوء منذ اتفاق فض الاشتباك عام 1974، كانت كل التقارير الدبلوماسية تجمع على أن أميركا وإيران تتجهان إلى توقيع اتفاق نووي في مارس (آذار) قبل الوصول إلى يوليو (تموز) نهاية فترة التمديد الأخيرة في المفاوضات.

وعشية المفاوضات بين محمد جواد ظريف والغربيين على هامش منتدى دافوس قال «لقد تمكنا من رسم الخطوط العريضة، إذ إن مبادئ تخصيب اليورانيوم وضرورة رفع العقوبات وإبقاء برنامجنا النووي مقبولة من الجميع». قصفت إسرائيل الحافلة في الجولان حيث سقط مقاتلون من مواقع حسّاسة سواء بالنسبة إلى إيران التي فقدت العميد علي دادي أحد قادة «الحرس الثوري» والظل العسكري لقاسم سليماني في ملفات سوريا ولبنان وفلسطين، أو بالنسبة إلى «حزب الله» الذي خسر مجموعة من مقاتليه بينهم جهاد مغنية ابن عماد مغنية الذي اغتيل في دمشق عام 2008.

منذ الأحد الماضي والوضع على حافة الانفجار، والسؤال واحد: كيف وأين ومتى يحصل الرد على العملية الإسرائيلية المؤلمة؟ «حزب الله» سيرد حتما على العملية، لكن بيانه عنها لا يوحي باندفاع إلى حرب شاملة، وإذا كان قائد «الحرس الثوري الإيراني» محمد علي جعفري قد هدد إسرائيل بـ«صواعق مدمرة»، فذلك لا يعني بالضرورة أن طهران ستنجرّ إلى صدام واسع الآن، تكون محصّلته السياسية والدبلوماسية في مصلحة الإسرائيليين.

ذلك أن أي تفجير واسع للوضع في هذه المرحلة سيعمل نتنياهو على توظيفه في أكثر من ملف خارجي وداخلي، لهذا ليس من المبالغة إطلاقا الافتراض بأنه أمر بتنفيذ العملية مراهنا على انفجار عسكري يخدمه في:

أولا: نوويا عبر قلب كل المعادلات المتصلة بالمفاوضات الغربية مع إيران، ذلك أن حصول «صواعق مدمرة» على ما هددت طهران يمكن أن ينسف هذه المفاوضات، وأن باراك أوباما الذي يستعجل الاتفاق يتعرّض لضغوط قوية في الكونغرس من الجمهوريين ومن ممثلي حزبه الديمقراطيين، تطالبه بفرض مروحة جديدة من العقوبات على إيران، ووصلت حد دعوة نتنياهو للحديث أمامه دون تنسيق مع البيت الأبيض.

لن يكون في وسع أوباما تمرير الاتفاق مع الإيرانيين إذا كانت صواريخهم تتساقط على المدن الإسرائيلية، سواء جاء القصف من جنوب لبنان، حيث كان السيد حسن نصر الله قد أعلن أن صواريخ «فاتح 110» سلاح قديم، بما يعني أنه يملك ما هو أقوى ويستطيع أن يقيم معادلات كأسرة للتوازن.. أو جاء الرد من الجولان بعدما كان نصر الله قد هدد بالرد على أي عملية إسرائيلية على الأراضي السورية، وبعدما لوّحت طهران الثلاثاء بفتح «جبهة الجولان».

تهديد نصر الله بالرد على أي عملية على سوريا اعتبرته الصحف الإسرائيلية إعلانا عن قيام «الجبهة الشمالية»، يقود فورا إلى توفير أفق لطرح سؤال خبيث:

أين يقف النظام السوري وبشار الأسد من فتح جبهة الجولان؟ وهل اتفاق فصل القوات الذي حصل عام 1974 بات في حكم المنتهي؟ وكيف يمكن لإيران ولـ«حزب الله» الحديث عن تفعيل جبهة الجولان وسط صمت النظام السوري، توصلا إلى إثارة جلبة أمام الأمم المتحدة والرأي العام الدولي تقول إن طهران هي التي باتت تتخذ القرارات في دمشق، ومن شأن هذا تغيير حسابات دولية واسعة تتعلق بعلاقات سوريا الخارجية وبقدرتها على التزام اتفاقاتها الدولية!

ثانيا: فلسطينيا، جاءت العملية في وقت كانت فيه تل أبيب قد فقدت صوابها غضبا في أعقاب قرار المدعية العامة في محكمة الجنايات الدولية باتو بنسودا «إجراء فحص أولي حول شبهات بارتكاب جرائم حرب في فلسطين». إسرائيل، التي اعتبرت أن «القرار مخز ويعطي الشرعية للإرهاب الدولي»، تهدد بخنق المحكمة وبتجفيف تمويلها مستندة إلى غضب أميركي مماثل من المحكمة. على هذه الخلفية فأي انفجار للوضع يعرّض إسرائيل للقصف ردا على عدوانها الدموي في القنيطرة. سيعطي نتنياهو أوراقا يلعبها في الساحة الدولية بهدف إجهاض عمل محكمة الجنايات الدولية.. وليس خافيا أن العملية وضعت أيضا على توقيت حملة دولية إسرائيلية وأميركية واسعة ضد المحكمة!

ثالثا: انتخابيا، واضح أن العملية تشكّل بيانا انتخابيا لمصلحة نتنياهو الذي يسعى للحصول على ولاية رابعة عبر الانتخابات بعد شهرين. وفي هذا السياق كان من الواضح أن توحّد مواقف القوى السياسية في إسرائيل ضد المحكمة شكّل منطلقا لقيام نتنياهو بتوظيف مشاعر الخوف والحذر عند الإسرائيليين، والتي طالما برع في إثارتها لكسب التأييد في المواسم الانتخابية. وتأتي العملية في القنيطرة لتعمّق القلق وتؤجج هذه المخاوف، وهو ما دفع مثلا الجنرال يواف غالانت، القائد الأسبق للواء الجنوب والذي أراد نتنياهو تعيينه رئيسا للأركان قبل أعوام، إلى القول صراحة «هذه العملية ضد (حزب الله) مرتبطة بشكل مباشر ووثيق بحسابات الانتخابات الإسرائيلية».

رابعا: دوليا، في أقل من 24 ساعة قلبت إسرائيل روايتها عن العملية في محاولة استباقية لتحميل الإيرانيين و«حزب الله» مسؤولية أي تفجير كبير قد يقلب الأوضاع على نطاق واسع، فيوم الاثنين كانت «المصادر الأمنية الإسرائيلية» قد سرّبت أن «قصف الحافلة أدى إلى مقتل كثيرين بينهم أحد قادة الحرس الثوري الإيراني الذي يخطط لعمليات مستقبلية في الشمال واحتلال بلدات في الجليل.. وأن إسرائيل كانت على علم بهوية هذه العناصر».

للوهلة الأولى يبدو هذا الكلام محاولة لتعميق الشكوك حول الاختراقات التي اعترف بها «حزب الله» ولإظهار نتنياهو كضامن قوي للأمن الإسرائيلي، لكن بعد 24 ساعة، أي يوم الثلاثاء، أعلن «المصدر الأمني الإسرائيلي» أن «تل أبيب لم تكن على علم بوجود الضابط الإيراني في السيارة التي قصفت، وأن الهجوم كان يستهدف وحدة ميدانية في طريقها لتنفيذ هجوم على الحدود، وكان بمثابة عملية تكتيكية محدودة»!

«عملية تكتيكية محدودة»؟

طبعا، تمهيدا لتحميل إيران و«حزب الله» مسؤولية أي تفجير كبير، توحي حسابات نتنياهو السياسية بأنه يتمناه، وأنه أمر بتنفيذ العملية وفق توقيت محسوب بدقة يأخذ في الاعتبار حتى المتاعب الاقتصادية الإيرانية!

يبقى السؤال الساخن: متى وأين وكيف يكون الرد على العملية؟.. وهل سيعمل الإيرانيون بوحي النظرية اليهودية القديمة التي تقول «إن الثأر وجبة لا تؤكل إلا باردة»؟

الشرق الأوسط

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى