حسين العوداتصفحات سورية

الغرب الأوروبي والأميركي والأزمة السورية


حسين العودات

صرح الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (بالفم الملآن) أن الحلف لن يتدخل عسكرياً في الشأن السوري، وفي اليوم نفسه تقريباً، أصدر وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي بنهاية اجتماعهم في قبرص الأسبوع الماضي بياناً أكدوا فيه أنهم لن يتدخلوا عسكرياً في الأزمة السورية، ولن يزودوا المعارضة السورية بالسلاح، كما صرح وزير خارجية بريطانيا في الفترة نفسها، أن بلاده لن تزود المعارضة السورية بالسلاح، ومبرره هو أن تزويد سورية بالسلاح أمر محظور بقرارات أوروبية سابقة، (ولم ينتبه وزير الخارجية البريطاني أن الحظر يقع على السلطة السورية، حسب قرارات المجموعة الأوروبية وليس على المعارضة).

وصار واضحاً، على أية حال، أن أوروبا والولايات المتحدة، أي الغرب الأوروبي والأميركي، تخلى كلياً عن تزويد المعارضة السورية بالسلاح، وهي الحاجة الأهم التي تحتاجها، وهذا يوحي ، من حيث المبدأ، بأن الغرب ألغى من برنامجه إسقاط النظام السوري، أو حتى السلطة السورية، أو أجل ذلك إلى وقت آخر، وكأنه يقول للسوريين: ((إقلعوا شوككم بأيديكم)) ولا تنتظروا منا سوى المساعدات الإنسانية.

وحتى هذه لا يضمن أحد وصولها إلى المحتاجين لها فعلاً، لأن السلطة السورية اشترطت توصيلها إليهم بطريقتها، وهذه الطريق لن تكون مفتوحة سوى للوصول إلى أنصار النظام والموالين له، وهؤلاء لم يتضرروا أساساً نتيجة ما يجري في سورية، ولعل الغرب، يعلم علم اليقين، أن مساعداته التي يقررها، والتي بقيت حتى الآن حبراً على ورق، وقرارات لم تنفذ، أن هذه المساعدات، فيما إذا قدمت فعلاً لن تصل لمحتاجيها.

وبالتالي فما زالت حتى الآن لا تتعدى الكلام والوعود والقرارات. وعلى أية حال ، ليس أمر المساعدات هو الذي يشغل البال، وإنما موقف الغرب خلال عام ونصف العام، المملوء بالوعود (والصراخ والاستعراض) من جهة ، والذي تغير وتبدل عدة مرات من جهة ثانية.

في الأسابيع الأولى للانتفاضة السورية لم يشجع الغرب عليها فقط، بل وعد قادة الحراك الشعبي، والأحزاب السورية المعارضة، أنه سيعمل على منع السلطة السورية من استخدام العنف أو السلاح ضدهم، ولما استخدمتهما وتشكلت تكتلات المعارضة في الداخل والخارج كرد فعل على ذلك، وعد الغرب أن يقيم مناطق آمنة، يحميها من القصف الجوي أو البري، وتكون بمثابة أرض محررة، وشجع فصائل المعارضة على حمل السلاح، وأوحى لها بأنه سيعمل على أن لا تبقى السلطة في الحكم أكثر من بضعة أسابيع.

وطالب بعض فئات المعارضة المقربة منه وخاصة المعارضة الخارجية، أن ترفض أي حل أو تسوية مع السلطة القائمة، إلا إذا كان ألف بائها تنحية الرئيس الأسد، والغرب يعلم استحالة قبول السلطة لمثل هذا المطلب، وهكذا أصرت المعارضة السياسية والحراك الشعبي وفيما بعد المعارضة المسلحة، على أن أية تسوية أو حوار لابد أن تكون مسبوقة بتنحية الرئيس، الذي ترفض سلطته التنحي حتى لو دمرت سورية، وهذا ما حصل.

وتعطلت إمكانية العثور على أية نقاط لقاء بين السلطة والمعارضة، أو أي تقاطع، وانتظر السوريون أن تصل مساعدات الغرب التي وعد بها، ولكن هذا الغرب، بدلاً من أن يفي بوعوده تراجع عن مواقفه، وأخذ يطالب بوحدة المعارضة، التي تقف شرذمتها عقبة في طريق إسقاط النظام ، حسب رأيه، فاجتمعت فصائل المعارضة في القاهرة ( 2يوليو الماضي) ووحدت أهدافها وبرامجها.

فأخذ يطالبها بمطالب جديدة لا حاجة لها لإسقاط النظام، ثم أخذ ينتقد المجلس الوطني السوري وهو أقوى فصائل المعارضة ويشكك بسلوكه ومسيرته، والأغرب من ذلك كله، أن المعارضة السورية المسلحة استطاعت بإمكانياتها المتواضعة، أن تسيطر سيطرة كاملة على منطقة واسعة شمال سورية (ريف حلب، وادلب، ودير الزور، ومناطق أخرى) أي أنها حققت أساساً صالحاً لمنطقة آمنة بقدراتها الذاتية، ولا تحتاج سوى لبضع عشرات من الصواريخ المضادة للطائرات والدبابات، حتى تجعل من هذه المنطقة (أرضاً محررة) يمكنها أن تكون مقراً ومستقراً، للمعارضة السورية ولحكومة مؤقتة، ولقيادات عسكرية ومعسكرات عديدة، وللاجئين السوريين الذين يطلبون الأمان والمقيمين الآن في تركيا.

كما يمكنها أن تتوسع شيئاً فشيئاً، حتى تضم مناطق ومدناً سورية أخرى، دون الحاجة لتدخل عسكري أجنبي، أو لأن تشن القوى الغربية حرباً ضد سورية، وكل ما هو مطلوب من هذا الغرب هو تقديم بعض السلاح لإقامة أرض محررة آمنة من صواريخ وبعض الأسلحة الأخرى، وبطرق غير مباشرة (بطريق المهربين) وستدفع بعض الدول العربية تكاليفها، ولكن الغرب مازال يفتعل المبررات كي لا يتدخل، وبالتالي فمن الواضح أنه يماطل قي إسقاط النظام السوري، بانتظار أهداف أخرى ينتظر تحقيقها.

يقول بعض المراقبين، أن هذا الغرب يراهن على قصر نظر السلطة السورية، وصلفها، وعدم استيعابها ما يجري، وإصرارها على رفض أية تسوية، واستمرارها في ممارسة العمل المسلح والتدمير ضد شعبها، يراهن على هذا على أمل أن تقوم القوى السورية المتصارعة، بتدمير سورية تدميراً ذاتياً، بنتيجة هذا الصراع العسكري الذي لا يبقي ولا يذر، وبعد أن يتم تدمير سورية، يقوم الغرب عندها، حسب هؤلاء المحللين ، بإسقاط النظام بإشارة منه، ولن تقوم لسورية قائمة بعدها لعشرات السنين القادمة. يبدو أن تراجع الغرب الأوروبي والأميركي عن تحقيق وعوده ليس مجرد تقاعس!.

البيان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى