صفحات العالم

الغرب لا يريد إسقاط بشار

 


رولا زين

قال احد المعلقين على اذاعة (فرانس اينتر) الحكومية التابعة لراديو فرنسا الاسبوع الماضي، انه عندما يرى وجوه الذين يتظاهرون في انحاء سورية، وعلى الرغم من مساندته لربيع الثورات العربية، يخشى من وصول هؤلاء الى الحكم في سورية.

هذا المعلق لخَّص في ساعات الصباح الاولى ذاك اليوم مواقف باريس واوروبا معها مما يجري في سورية منذ اسابيع، وهو تخوف العواصم الغربية من سقوط نظام الأسد لما له من تبعيات على استقرار البلدان المجاورة، وعلى رأسها لبنان واسرائيل والعراق.

وها هو الغرب وقع في شرك حمــــلته العــسكرية على ليبـــيا وانكشف وجهه الحقيقي بعد أن تستَّر تحت غـــطاء قرارات مجلس الأمن الداعية لمسؤولية المجلس بحماية المدنيين.

فلا هو تراكض يوماً لحماية مدنيين ولا ساهم فعلاً في نشر أسس ديمقراطية يعتبرها حكراً عليه وحده دون غيره، خاصة في البلدان العربية.

أهالي طرابلس الغرب وتعدادهم مليونا نسمة من أصل خمسة ملايين ـ عدد سكان ليبيا ـ لا ينامون منذ اكثر من شهر، او يحاولون على وقع ضربات حلف شمال الأطلسي الذي دمر البنية التحتية لبلد سجل عام 2010 أعلى نسبة نمو انساني في افريقيا، حسب التقرير الأخير لبرنامج الأمم المتحدة، متقدماً على جنوب افريقيا ومصر ونيجيريا.

قرار مجلس الأمن الذي يحمل الرقم 1973، والذي صوتت عليه تحت الفصل السابع كل من فرنسا وبريطانيا ولبنان وجنوب افريقيا والبوسنة والهرسك والبرتغال ونيجيريا وكولومبيا والغابون، وامتنــــعت عن التصـــويت عليه روسيا والصين والهند والبرازيل والمانيا يوم 17 آذار/مارس الماضي، كان يقضي بفرض منطقة حظر جوي على الاراضي الليبية.

وبحماية المدنيين.. لكن الاهداف تغيرت.. اليوم تعيش ليبيا حرباً أهلية بين أبنائها، وتقصف طائرات الأطلسي منازل فيها اناس آمنون لا يهتم الغرب بمصيرهم، ان كانوا أحفاد القذافي أو أولاده أو أقرباءه، فقد نجحت الحملات الدعائية بتصوير الرجل وعائلته مهما كانت أعمارهم بسلالة ارهابية تهدد أمن واستقرار العواصم الغربية، وتهز مضاجع النائمين في باريس ولندن!

كان الجنرال ويسلي كلارك رئيس أركان قيادة الناتو بين 1997 ـ 2000 قد كشف بعد أيام من احداث الحادي عشر من ايلول/سبتمبر ان مسؤولاً مهماً في البنتاغون أطلعه على لائحة بلدان عربية تريد الولايات المتحدة الامريكية قلب النظام فيها، ومن هذه البلدان ليبيا.

ولا غرابة في ان يكون اليوم الجنرال خليفة حفتر الذي قضى عشرون عاماً في الولايات المتحدة الامريكية هو القــــيادي الفعلي للمجلس الوطني الانتقالي في بنغازي ومنســــق انشـــطة المعارضة الليبية لدى المخابرات الامريكية. هذا الرجل يعتبر عميلاً بالنسبة الى اهالي طرابلس وعدد كبير من الليبيين.

ولنسلم ان القذافي رحل او تنحى او قتل ما الذي سيجري في طرابلس وبين الأهالي و’الثوار’؟

الأمر الأكيد هو دخول الضفة المقابلة لأوروبا على المتوسط، اي بلدان المغرب العربي في حالة عدم استقرار واضطرابات لفترة طويلة من الزمن، الأمر الذي يعيه المسؤولون في كل من الجزائر ومصر والمغرب.

اما سورية فليست دولة نفطية، غير أن اهميتها الاستراتيجية وموقعها الجغرافي يجعلان منها دولة لا تقل أهمية في اسيا الصغرى عن ليبيا وشواطئها الممتدة على الفي كيلومتر على المتوسط.

اعترف نيكولا ساركوزي بانه من الصعب استصدار قرار اممي ضد سورية لعلمه المسبق باستحالة موافقة الصين وروسيا على مثل هذا القرار. كذلك هو لم يخف يوماً اعجابه بحالة التعايش الطائفي التي تسود سورية، وكان قد ذكر ذلك في كتابه (انا حر) قبل ان ينتخب رئيساً لفرنسا. كما انه وطَّدَ العلاقات الشخصية مع الرئيس الأسد الذي استقبله في كانون الاول/ديسمبر الماضي في باريس وتفَّهم وجهة النظر السورية بخصوص لبنان واسرائيل وحتى ايران ـ نقطة الخلاف الجوهري بين العاصمتين.

الإجراءات التي اتخذتها الدول الاوروبية ضد سورية حتى الآن اقتصرت على الحد من بيع الاسلحة لسورية، ودمشق لا تشتري السلاح من اوروبا، وعلى عدم دعوة السفير السوري في لندن الى حفل زفاف الامير وليام، وهذا الأمر يستخف به السوريون لأنهم يتمنون لو يستنسخ السفير الذي يقيم في لندن في الخارجية السورية ليرسل أمثاله الى عواصم اخرى في العالم..

أما قضية العقوبات الامريكية وتجميد الأموال وإدراج اسماء الشخصيات فأمور شكلية اعتادها النظام السوري والسوريون.

حتى الآن لم تسحب واشنطن ولا العواصم الغربية سفراءها من دمشق واكتفت بتحذير رعاياها من السفر.

وعندما ستنتهي السلطات السورية من عمليات ‘التمشيط’ كما يقول الاعلام الرسمي وستقضي على ‘الخلايا السلفية’ سينسى العالم الصور التي تبثها التلفزيونات العربية والغربية. لأن معلق فرانس اينتر قال انه لا يرغب برؤية هؤلاء يحكمون سورية!

 

‘ كاتبة لبنانية

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى