صفحات الناس

الفرنسية” تحيي نقاش المهنة في مأزق التغطية السورية/ بتول خليل

 

 

ما زال النقاش حول سلامة المراسلين المستقلين في سوريا يتفاعل منذ العام 2013. فالجدل الذي أثير مطولاً حول التحدي الذي تواجهه وسائل الإعلام العالمية لناحية تحقيق التوازن بين واجبها بإعلام الجمهوروتقديم الحقائق له بموازة الحاجة للحفاظ على أمن صحافييها ومراسيلها، أعادت “وكالة الصحافة الفرنسية”، قبل يومين، التذكير به في ضوء الأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة، لا سيما ذبح الصحافيين الأميركيين، جايمز فولي وستيفن سوتلوف، اللذين كانا يزودان الوكالة بقصص وتقارير قبل اختطافهما من قبل تنظيم “داعش”.

ففي شباط/ فبراير 2013، أعلنت صحيفة “صاندي تايمز” عن قرارها بعدم استقبال أية صور أو قصص من مراسلين مستقلين أو ناشطين في المناطق السورية تجنباً لتعريضهم للخطر وتشجيعهم على المغامرة بحياتهم، وهو المسار نفسه الذي تبنته “وكالة الصحافة الفرنسية” في آب/أغسطس من العام عينه، حين أعلنت عن توقفها عن إرسال صحافيين ومراسلين للمناطق التي يسيطر عليها “المتمردون”، إلى جانب عدم تلقيها مواداً من مراسلين مستقلين يتوافدون إلى تلك المناطق، باعتبارها أن الوضع في تلك المناطق خطير للغاية وخارج عن السيطرة والقانون، وينطوي في نفس الوقت على مخاطر جدية مثل التعرض للاختطاف أو القتل، خاصة أنّ الصحافيين باتوا أهدافاَ أو سلعاً يتم تداولها للحصول على فدية.

 

وإذ تدرك الوكالة الفرنسية أنه لا يمكن لوكالة أنباء أن تتوقف عن تغطية كافة جوانب الصراع في سوريا او في اي مكان اخر، تعيد التذكير بأنها تفعل ما بوسعها للحفاظ على فرقها الصحافية آمنة، أولاً عن طريق إرسال صحافيين تدربوا على العمل في المناطق التي تشهد حروب ونزاعات، وثانياً عبر تزويدهم بكافة معدات الوقاية، إذ إنّ “سلامة الصحافيين على المحك، ولم يعد للمنافسة مكان في هذا الوضع”. وعليه أعلنت “أ ف ب”، مؤخراً، عن إطلاقها مدونة مخصصة لنشر وعرض المواد المتخصصة بسلامة الصحافيين في مناطق النزاع، والتي سوف تكون مفتوحة أمام المشتركين والصحافيين، وهي تهدف إلى تبادل نصائح حول تأمين سلامة الصحافيين مع أكبر عدد ممكن من الجمهور حول العالم.

من المؤكّد أن تفاقم الأوضاع في سوريا واشتداد المخاطر على الصحافيين في البلد الذي لا يزال يعدّ منذ العام 2011 الأخطر على الجسم الإعلامي المحلي والعالمي، أحدث تغييراً في بنية عمل وسائل الإعلام ووكالات الانباء العالمية، ووضعها أمام خيارات جديدة طاولت المعايير المهنية والأخلاقية التي تستند عليها في تغطيتها للنزاعات، وهو الأمر الذي سلطت “أ ف ب” الضوء عليه، في تقريرها الأخير، والذي خصصت جزءاً منه للحديث عن سياستها التحريرية تجاه المواد المتعلقة بتغطية أعمال وعمليات “داعش”، مع ما تحمله من إشكاليات ترى الوكالة أنها توجب التعامل معها بحذر، طالما أنه يستحيل على الصحافيين والمراسلين المستقلين العمل في المناطق التي تسيطر عليها “داعش”.

وعليه تعيد الوكالة التذكير، بما بات معروفاً، وهو أنّ “الصور ومقاطع الفيديو الدعائية الصادرة عن الدولة الإسلامية، غالباً ما تكون المصدر الوحيد للمعلومات حول ما يحدث داخل دولة الخلافة”. وإذ تعتبر بأنّ “الصور الآتية من داعش تقدّم معلومات وافية، خصوصاً حينما يتعلق الأمر بالرهائن، إذ يمكن أن توفر مقاطع الفيديو التي يبثها التنظيم دليلاً على الحياة أو الموت”، ترى الوكالة بأنه “لا يمكنها إشاحة النظر عنها أو تجنّب التقارير بشأنها”، وهو الأمر الذي يثير عدداً من الأسئلة التحريرية والأخلافية، التي تستبق الوكالة الرد عليها بإعلانها عن أنها ” لن تقوم بنشر صور تروج لدموية داعش”، لكنها سوف “تنشر الصور التي من شأنها أن تقدم معلومات وتعكس وضعاً معيناً، باعتبار أنها كوكالة أنباء واجب عليها استخدامه”.

الصحافيون الذين طالما كانت لأرواحهم وتضحياتهم ومعاناتهم قصص لا تنتهي في مواجهة من يخشون ايصال الحقيقة، وحيثما كانوا يواجهون القمع والاعتقال والتنكيل والنفي، أضيفت على مرارتهم مرارة وعلى لائحة التهديد سبب جديد لقتلهم، لا علاقة له بالحقيقة أو حجبها، بل لمجرد الترهيب ورد الفعل، وقد بات عليهم الان في حمى الإرهاب ان يحموا رقابهم من سكاكين لا تتردد من ايصال رسائلها من الوريد الى الوريد في اعناقهم، وقد تكون خطوة “وكالة الصحافة الفرنسية” وقبلها “صانداي تايمز” خطوة أولى في هذا المسار.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى