صفحات المستقبل

الفشل الأخلاقي للثورة السورية؟


دمشق ـ عمر العبد الله ()

اقتربت الثورة السورية من نهاية عامها الثاني، ورغم كل الموت والدمار الذي تنشره قوات الأسد في طول البلاد وعرضها، لا تزال هذه الثورة مستمرة ومصرة على إسقاط النظام وتغييره، لكنها فشلت على أكثر من صعيد، كان أبرزها هو الصعيد الأخلاقي الذي فشلت الثورة حتى اللحظة في التعامل معه وتغيير الواقع الأخلاقي السلبي القائم على مجموعة من الأعراف والتقاليد التي نشرها النظام السوري خلال نصف قرن من حكمه.

لا يزال المجتمع السوري يعاني الكثير من المشاكل الأخلاقية التي تستمر وتصيب الثورة. قد يتذرع البعض بأن الوضع الراهن الآن لا يسمح إلا بمواجهة النظام والعمل على التخلص منه ثم الانتقال الى المرحلة الثانية من الصراع، وهو إعادة بناء الوطن الإنسان والحجر. لكن هذه النظرة للمشكلة الأخلاقية هي أضيق بكثير من الحقيقة. فالثورة، بالمفهوم العام، هي تحول جذري من حال الى آخر والنظام هو مجموعة من المفاهيم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية. ومن هذا المنطلق، تكون الثورة على النظام هي ثورة على المنظومة بكليتها بما فيها الجانب الأخلاقي.

أوضح تعابير هذا الفشل هو بعض الأفعال التي يقوم بها عناصر “الجيش السوري الحر” وردود الأفعال عليها، فما قام به لواء داوود في إدلب من إعدام لعناصر حاجز حميشو لم يكن إلا صورة مشابهة ومطابقة، لما قامت به قوات الأسد في قرية البيضا في بانياس بدايات الثورة، ليس الحديث هنا عما قام به هذا الحاجز واستدعى إعدام عناصره، فهذا معروف للجميع، لكن طريقة الإعدام والتعامل مع الجنود المعتقلين هي المشكلة الأخلاقية هنا، يجب إعدامهم؟ ربما، لكن ليس بهذه الآلية وهذه الطريقة، إضافة الى ما حصل في حي الأشرفية في حلب عندما أطلق عناصر من الجيش الحر النار على مظاهرة كردية ترفض دخول الجيش الحر إلى الحي، وما يقوم به لواء عاصفة الشمال بقيادة أبو ابراهيم من عمليات خطف للصحافيين وطلب الفدية مقابل إطلاق سراحهم.

هذه التصرفات، التي أخذت بالانتشار والوضوح تعطي مؤشراً خطيراً لمستقبل سوريا ما بعد الثورة. الأخطر منه هو ردود الأفعال التي تقول بأن محاسبة الجيش الحر لا ينبغي أن تكون الآن وأن عناصر الجيش الحر يضحون بأنفسهم من أجل الشعب السوري، فلا ينبغي الحديث عن أي محاسبة. ضمن هذا السياق، نقوم (من دون أن نعلم، بخلق طاغية جديد، سيكون من الصعب السيطرة عليه لاحقا، خصوصا أنه يحمل السلاح.

لسنا بصدد التشهير بالجيش الحر، فرغم كل أخطائه يبقى درع الثورة والمدافع الحقيقي عن الوطن، لكن علينا التنبه الى هذه الأفعال حتى لا نصل الى يوم نقول فيه أن الأسد كان أفضل.

الجانب الثاني من المشكلة الأخلاقية هما الفساد والوصولية الذان انتشرا كالنار في الهشيم بين الناشطين والسياسيين السوريين. فكثيراً ما صرنا نسمع عن فلان الذي تلقى المبلغ الفلاني دعما للثورة من إحدى الدول لكن لا نرى هذا المبلغ قد وصل الى الناس بل بقي حبيس البنوك، ثم تأتي الإنتهاززية والسعي لتحقيق مكاسب سياسية والمتاجرة بدماء السوريين سعيا من البعض لتحقيق مكاسب شخصية وفئوية ضيقة على حساب مصلحة الوطن، ما جعل الشعب السوري يفقد الثقة بالسياسيين السوريين مهما كان توجههم، لمجرد أنهم أعضاء في تنظيم من التنظيمات العاملة على الأرض السورية.

لن تتمكن الثورة من تحقيق هدفها في التغيير الشامل إذا لم تنظر ب نظرة كلية، تشمل كل معاني هذا التغيير ومفرداته.

() كاتب سوري

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى