صفحات سوريةطيب تيزيني

الفصل السابع!


طيب تيزيني

منذ الرصاصات الأولى التي أُطلِقت على المتظاهرين العزَّل في سوريا، كنا نراهن على رجاحة العقل والحكمة، التي ستكون المدخل إلى الحفاظ على الوطن السوري. ونذكر أن حواراً راح يتسع بين جموع من الفئات الاجتماعية (مثقفين وفلاحين وتجار وعمال وشباب وطلاب من كلا الجنسين)…إلخ، وتركّز الحوار على السؤال التالي: بعد الإعلان الرسمي عن إلغاء قانون الطوارئ خصوصاً، ألم يعد التظاهر المباشر في شوارع سوريا وارداً مسموحاً به؟ والإجابة على هذا السؤال الخطير تعادل مصداقية السلطة في سوريا كلياً. وتطور الأمر بكيفية محشوَّة بالقنابل الموقوتة. وتعاظم الموقف الداخلي والخارجي اضطراباً، حين فشلت خطة عنان، وانفجرت المجازر هنا وهناك من بقاع سوريا، إلى أن حدثت الزلازل الكبرى الأخيرة، التي يبرز منها الاثنان الهائلان في الحولة وتريمسة، وحتى ذلك الحين كنا نطالب بالكفّ عن استخدام السلاح بمقاييسه المختلفة، وبالعودة إلى لحظة العقل والحكمة، ولكن دون فائدة بالحد الأدنى.

لقد اتضح أن الاستمرار بذلك الطريق سيقود إلى المآل الكارثي في الوطن. أما هذا المآل فراح يُفصح عن شخصه بصيغتين اثنتين، ظهرت أولاهما في الدفع إلى الأمام باتجاه تدخل خارجي، سواء كان عسكرياً أو اقتصادياً ودبلوماسياً وغيره. بيد أن الصيغة الثانية أخذت تعلن عن نفسها في مناطق محدّدة مختارة، على أساس إنتاج صراعات وحروب ذات طابع طائفي أو إثني أو جهوي أو أهلي، وأرِيد لهاتين الصيغتين الإثنتين أن تتكاملا في قدرتهما على إشعال البلد بكامله. فيبقى مَن يبقى مِن المغامرين في النظام القائم، ومَن تجمّع حوله مِن حملة السلاح والساعين إلى البقاء في السلطة إلى آخر لحظة. وإذا كنا في فترات سابقة ليست قصيرة نراهن على سحب السلاح من حقل القتل والذبح والحرق، وعلى الاستمرار بتطبيق خطة عنان عبر الانتقال إلى المحاور الخمسة المتبقية (إخراج السجناء المعنيين والبدء بمحاكمة المتسبّبين…إلخ)، فإننا أخذنا نلاحظ أنه ليست هنا رغبة ولا إرادة في إنجاز ذلك. ورحنا نشعر بأسى وغضب عميقين، حين أدركنا أنه ليس ثمة في الأفق -بالنسبة إلى المعْنيّين في السلطة- سوى الاستمرار في الخيار العسكري الأمني وبكل الأهوال التي قاد إليها وما يزال يقود.

ها هنا بالضبط، وجد الناس أنفسهم أمام خيار قسري وحيد: إما القبول بالموت في هذه المجزرة أو تلك، درءاً لمخاطر التدخل الأجنبي، وإما الانتقال إلى خيار الدفاع عن النفس عن طريق كيفية أو أخرى من التدخل الخارجي (ربما عدا العسكري المباشر). وقد تعمق هذا الخيار وتكرّس في وعي ملايين السوريين، حين اكتشفوا ما “يكمن وراءه). واتضح أن “الفصل السابع” يمكن ضبطه على أساس استخدامه حتى الحد الأقصى ما قبل “السلاح المباشر”. وحين يحدث ذلك، فإن من قاد ويقود إليه إنما هو أولئك الذين يضعون استراتيجياتهم وهمومهم خارج “الشأن الوطني السوري”. وبهذا الاعتبار “تغير الأحكام بتغيّر الأزمان”. فحماية النساء والأطفال والشباب والكتاب هي، أيضاً، استحقاق يفرض نفسه على من يعلن أنه يقوم بحماية سوريا وشعبها. وحينذاك سيكون هنالك ما هو أعظم بالنسبة إلى سوريا،

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى