صفحات العالم

الفضائيات والمبالغة في التغطية السورية


لم يكن مستغربا ان يتهم التقرير الاولي لبعثة المراقبين العرب الى سورية السلطات السورية بمواصلة اعمال القتل والاستمرار في اعتماد الحلول الامنية الدموية على امل السيطرة على الاوضاع، وانهاء الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالتغيير الديمقراطي، ولكن كان لافتا ان هذا التقرير تضمن للمرة الاولى بندا يطالب بوقف اعمال العنف من الجانبين، فيما يشكل اعترافا صريحا بوجود جماعات تقوم باعمال عسكرية ضد النظام وقواته الامنية والعسكرية.

لا شك ان ادانة العنف المستخدم من قبل الطرفين تشكل انتصارا ولو صغيرا بالنسبة للنظام الذي ظل يردد طوال الاشهر الماضية مقولة تؤكد وجود جماعات مسلحة تندس بين المتظاهرين وتطلق النار على قوات الامن، ولعل هذا الانتصار هو الذي دفع جماعات المعارضة السورية لتكثيف انتقاداتها ضد الجامعة العربية وفريق المراقبين المنبثق عنها واتهام الطرفين بالعمل لاطالة عمر النظام، واعطائه غطاء عربيا لمواصلة اعمال القتل.

ويظل الاعتراف من قبل وفد المراقبين بوجود جماعات مسلحة انتصارا صغيرا فعلا مقارنة بالانجاز الاكبر الذي صب في خدمة النظام السوري وآلته الاعلامية، الا وهو اتهام الفضائيات العربية بالمبالغة في تغطية احداث القتل والعنف في سورية، من حيث تضخيم الوقائع واحجام الاحتجاجات الشعبية، الامر الذي اعاد الى الاذهان روايات شهود العيان التي تعرضت كثيرا للتشكيك بها من المراقبين المحايدين، ومن بعض وسائط الاعلام السورية.

الفضائيات، او معظمها على وجه التحديد، لم تتعاط بحرية ومهنية وموضوعية مع الشأنين الليبي والسوري مثلما تعاطت مع الشأنين المصري والتونسي، الامر الذي الحق بها ضررا كبيرا في نظر العديد من المشاهدين، خاصة اولئك الذين ينتمون الى الطبقات المثقفة والمتعلمة، ويبحثون عن تغطية تغلب عليها الموضوعية واحترام عقل المشاهد.

صحيح ان المحطات الارضية والفضائية التابعة للسلطات السورية كانت مضللة في معظم تغطياتها لوقائع الانتفاضة واعمال القتل، خارجة عن كل حدود المهنية والتهذيب في تعاطيها مع خصوم النظام، وهذا ليس غريبا عليها، فهي تنطق باسم نظام شمولي لا يعرف الديمقراطية، ولا يحترم الحريات والحقوق الانسانية، ولكن ما هو غريب ان تنحدر بعض الفضائيات العربية التي تدعي المهنية وتقول انها تتمسك بالموضوعية الى اساليب المبالغة والتضخيم لاوضاع لا تحتاج الى ذلك، لان اعمال القتل التي يرتكبها النظام وقواته واضحة للعيان ولا تحتاج الى تضخيم اساسا.

ارسال مراقبين عرب لتقصي الحقائق في سورية خطوة على درجة كبيرة من الاهمية حتى لو شاب اعمال هؤلاء بعض الاخطاء، وهي على اي حال اخطاء مبررة، فالميزانية المرصودة لتغطية مهمة هؤلاء لم تزد عن مليون دولار، وجرى رفعها الى ثلاثة ملايين دولار، وفوق كل هذا وذاك جرى ارسال المراقبين واختيارهم قبل ذلك، بطريقة عشوائية، ودون وجود خطة مدروسة تحدد معايير الاختيار وتحدد اطر المهمة بشكل واضح، وكذلك مدة هذه المهمة، فهل هي لايام ام لاسابيع ام لاشهر، وما هي آليات عملها وتوصيف طبيعة عملها.

الازمة السورية ازمة معقدة، ومن الواضح انها ليست سهلة الحل، بسبب تعقيداتها الداخلية والاقليمية، وضعف المعارضة في مواجهة نظام يستخدم العصا الغليظة دون رحمة او شفقة، ولعل لجنة الجامعة العربية المكلفة بمتابعة هذه الازمة ادركت هذه المسألة جيدا وبدأت تتراجع عن بعض طروحاتها وابرزها التلويح بسيف التدويل واللجوء الى مجلس الامن الدولي، وتجلى ذلك بوضوح من خلال معارضة بيانها الختامي صراحة للتدويل في الوقت الراهن على الاقل.

الحل في سورية يجب ان يكون عربيا شريطة ان يتجاوب النظام مع الجامعة العربية ولجنتها ومراقبيها ومبادرتها التي تطالبه بحقن الدماء ووقف اعمال القتل والافراج عن المعتقلين والجلوس الى طاولة الحوار مع معارضيه لايجاد مخرج سياسي للازمة وبدون ذلك ستنزلق البلاد الى اتون حرب طائفية اهلية مدمرة ان لم تكن قد انزلقت فعلا.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى