مراجعات كتب

“الفلاسفة والحب”: رجال خائبون في مأدبة الحواس/ عمّار أحمد الشقيري

 

 

إن تتبّعنا ودقّقنا السير الذاتية للفلاسفة، سنجد أن معظمهم خبِرَ في حياته حبّاً على الأقل. لكن، من جهةٍ أخرى، لا نجد أنّ الحب شكّل هاجساً في مقولاتهم حتّى حين، رغم أنّه واحد من العناصر البارزة في الحياة الإنسانية.

حول هذه النقطة، يقول الفيلسوف الألمانيّ شوبنهاور: “لا بدَّ أن تظهر علينا علامات الدهشة لأن موضوعاً يحتلّ دوراً بهذه الأهميّة في الحياة الإنسانيّة، لم ينظر إليه الفلاسفة بعين الاعتبار”. هكذا، تقصّت الباحثتان والصحافيتان الفرنسيتان، ماري لومنييه وأود لانسولان، هذه الثنائية، في كتابهما “الفلاسفة والحب” الصادرة ترجمته حديثاً عن “دار التنوير”.

يُفتتح العمل بـ “المأدبة” لأفلاطون؛ الكتاب الذي ظلّ لقرون لاحقة يرسم معالم الرؤية الغربيّة للحب، ومرجعاً لأيّ تفكّر أو تأمل دينيّ للرغبة، بحسب لاكان.

ذهبت الباحثتان إلى رصد الحكايات الساخرة التي أوردها أفلاطون حول سقراط وزوجتيه، ونظرة عدوّه أرسطوفان إلى الرغبة، وكيف سعى الأخير إلى المشاركة بالتعريف اللاجنسيّ لعلاقات الحب الأفلاطونيّ.

يتناول العمل بعد ذلك ما لم يُذكر عن الحب عند أبيقور، مروراً بسرديات الحبّ المشؤوم عند تلميذه الشاعر لوكريس، وصولاً إلى ميشيل دي مونتاني الذي اعترف أن “ما من رغبة أخرى تدير رأسه كما تفعل الرغبة الجنسية”، وسخريته من الحبّ الأفلاطونيّ؛ إذ يخالف الأبيقوريين في نظرته إلى المثقفات اللائي يتحدّثن عن الروحانية في الحب: “أيقبلن بمبادلة جمال سيقانهنّ بعقل سقراط”؟.

عند جان جاك روسو، تبرز المقارنات بين الفكر والحياة الشخصية التي تحاشتها المؤلّفتان منذ بداية العمل، في مطابقة أفكاره بأفكار أخلاقيّي القرن السابع عشر، وآرائه في سلبيّات الممارسة الجنسية من دون عاطفة، خلافاً لما كشفته اعترافات خادمته تيريز لافاسو التي قالت إنّه “يملي على البشرية أخلاقاً لا يقوم هو نفسه بتطبيق شيء منها”.

وبعكس روسو، كان “عفيف الفلسفة وشريفها”، إيمانويل كانط، يصوغ حياته بلا نساء وعلاقات شرعية أو غير شرعية، لتتطابق أفكاره مع حياته في مفهوم الجنس؛ حيث من خلاله “يهبط الإنسان لما هو أدنى من مرتبة الحيوانات”، وتستند المؤلّفتان في ذلك إلى بيبلوغرافيا قصيرة عن كانط كتبها شاب يدعى بوروسكي.

“إذا أردنا تلخيص الفكر المتّقد لشوبنهاور حول الحب، لوجدناه عبارة عن سلسلة من الشقلبات الساخرة التي يؤديها اثنان من الحمقى”؛ إذ إنه “لم يُخلِص إلّا للعزوبية والجيش الألماني”.

هذا اختصار فصل “مايسترو التشاؤم: شوبنهاور”، الذي لخّص فكره عن الحب بنصيحة ألقاها على أستاذ فلسفة يدعى بول أرموند شالومل لاكور: “اجعل الحب وسيلة لتمرير الوقت، إذ إن تناسل النوع صناعة لا تهدف إلّا إلى استمرارية الإنتاج”.

للوهلة الأولى، تبدو حكاية سورين كيركيغارد غرائبيّة؛ إذ تركَ حبيبته ريجينا ابنة مستشار الدولة أولسن، ذات الأربعة عشر عاماً، بعد أن أمضى ثلاث سنوات يتقرّب منها، وانتهت بخطبتها له. دوّن كيركيغارد في مذكراته في اليوم التالي للخطوبة: “أعرف أنني ارتكبت خطأً”.

بعد أحد عشر شهراً فقط، أعاد الفيلسوف الدنماركي إليها خاتم الخطوبة، فبعث له أخوه الأكبر: “ها قد خسرت”؛ فردّ بعد سنوات طويلة: “ومع هذا فإني إن كنت قد أصبحت شيئاً؛ فتلك الخطوة هي ما أهلّني إلى ذلك”.

في مدينة سان بطرسبرغ، عاشت فتاة في الثامنة عشرة من عمرها تُدعى لو. كانت تغوي قسّاً اسمه جيلو أثناء تعليمها الفلسفة واللاهوت. وبعد انتقالها إلى جنوة، أوقعت بالناقد بول ري. في تلك الأيام، وبعد ترحال طويل للبحث عن أماكن أكثر مواءمة لصحته العليلة، تلقّى فريديرك نيتشه دعوة لزيارة جنوة.

هناك، التقى بـ لو، فكتب: “أنا متعطش إلى هذا النوع من البشر، بإمكاني مواجهة زواج من سنتين”، إلّا أنّ خطّته لم تنجح. بعدها، تزوّجت من المستشرق فريدرك كارل أندرياس، لتترك الألمانيّ الأكثر وحدة، أو كما قال عنه ستيفان تسفايغ “لقد كانت تراجيديا نيتشة صحراء من الوحدة”.

يرتكز الفصل الذي يليه على خطابات هايدغر المنشورة عام 2007، والتي تكشف أن صاحب “الكينونة والزمان” خاض في علاقات مع العشرات من طالباته، إضافة إلى حنّة أرندت؛ إلا أن الثابت الوحيد كان زوجته ألفريد.

في عام 2005، نُشرت مراسلات هايدغر وزوجته ألفريد التي يملك حقوقها الابن الثاني لصاحب “دروب موصدة”، الذي هو في الحقيقة ابن طبيب صديق لوالدته منذ الطفولة يدعى فريدل كايسر. لم يؤثر ذلك على عاطفة هايدغر تجاه الطفل حينها. كانا متفهمين للأساس الوحيد المتفق عليه بينهما؛ الحفاظ على الزواج.

تحيل المؤلّفتان إلى ما جرى في العلاقة بين جان بول سارتر وسيمون دو بوفوار إلى فلسفة الفرنسي شارل فورييه (1772-1837) الذي اقترح “عصياناً تاماً للجنس البشري ضدّ كل التشريعات التي تتطلّب منه هذا الإخلاص العاطفيّ السرمديّ والذي يفرض الزواج قانونه”؛ حيث قام الاتفاق بينهما على حرية العلاقات.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى