صفحات العالم

الفيتو الروسي ـ الصيني: كيف ستتصرف أنقرة؟


سمير صالحة

الرئيس السوري بشار الأسد الذي ردد على مسامع القيادات التركية أكثر من مرة أن مشروع التغيير في سوريا ونقل عدوى الربيع العربي إلى بلاده لن يكون نزهة، وأن تركيا أيضا عليها أن تكون جاهزة فهي جزء مما يجري وعليها تحمل المسؤوليات ودفع الثمن، يبدو أنه نجح حتى الساعة في تنفيذ ما يقول.

النظام السوري تمكن، كما هو ظاهر، من قطع الطريق على رهانات وحسابات تركيا بتطويق سريع للأزمة ومحاولة لملمة المسائل كما تريد هي وضمن حساباتها ومصالحها الإقليمية. فهو مقتنع أنه وصل إلى تحقيق الكثير مما أراد من خلال تحويل المأزق الداخلي السوري من أزمة تتعلق بالإصلاح والحريات والمشاركة السياسية إلى معضلة جيوسياسية اسمها سوريا تكاد تقود لإشعال حرب عرقية مذهبية تتجاوز الحدود السورية، بعدما أصبحت مشكلة وجود بالنسبة للكثير من التيارات والقوى السياسية الفاعلة في المنطقة. ونظام الرئيس الأسد نجح أيضا في تحويل الأزمة السورية إلى مواجهة إقليمية دولية تتلاعب بها التجاذبات والتوازنات وتطيح بالكثير من الحسابات والمصالح مع دخول قوي لحلفاء النظام على الخط مثل روسيا وإيران، وهما شريكان جغرافيان وتجاريان رئيسيان لتركيا في الوقت نفسه.

أنقرة حددت موقفها منذ بداية الانفجار في سوريا باعتمادها خارطة طريق حولتها تدريجيا إلى نصائح بوقف العنف ضد المدنيين وإطلاق سراح المعتقلين وضرورة الدخول في حوار حقيقي مع المعارضة تمهد لانتخابات ديمقراطية، ثم عادت ووسعت رقعة المطالب، أمام صمود النظام وتعنته، إلى الدعوة لانتقال سلمي للسلطة، وإعلانها أن الأسد لم يعد قادرا على الإمساك بزمام الأمور، وبدأت تحمله المسؤولية المباشرة عما يجري في المدن السورية بعدما كانت تتحدث دائما عن الدائرة المحيطة بالرئيس السوري التي تحاول التأثير على قراراته وتقيد حرية تحركه وانطلاقه. لكنها اليوم وأمام تسارع الأحداث ودخول أكثر من لاعب وسيناريو على خط اللعبة، تجد نفسها في مواجهة خيارين لا بديل لهما: القفز إلى الأمام والتحرك بطريقة أكثر تصعيدية ولغة أكثر تشددا في التعامل مع الملف السوري حتى لا تتهم بازدواجية المواقف والتردد السياسي الذي عانت منه إبان الثورة الليبية، وتطيح بالتالي بكل ما بنته وأسهمت به عربيا وغربيا، أو خيار الابتعاد عن ملف الأزمة السورية وتراجعها لصالح لاعبين إقليميين ودوليين دخلوا بقوة على خط الأزمة السورية، وهي لن تفعل ذلك لأنها تعرف أنه سيكون أكثر كلفة وأشد إيلاما لها.

تركيا تدرك مثلا أن الخطوة الجديدة التي سيقدم عليها النظام السوري هي محاولة إقحامها في مواجهة عسكرية عبر افتعال مواجهة عسكرية على الحدود التركية السورية الواسعة لتبرير مقولة «المؤامرة» ولإظهار أن هدف المتآمرين هو أبعد من دعم خطط الإصلاح والتغيير والديمقراطية في سوريا. لذلك هي تتجاهل حتى الساعة كافة التحرشات والاستفزازات اليومية ضد قراها الحدودية رغم معرفتها أنها تملك حق الرد، خصوصا أن القوات السورية دخلت إلى مناطق تم التعهد خلال اتفاقية أضنة الأمنية أن تظل منزوعة السلاح وخالية من الوجود العسكري. أنقرة، وكما فهمنا، لن توفر لدمشق مثل هذه الفرصة التاريخية من خلال سيناريو من هذا النوع باستدراجها إلى تصعيد أمني عسكري يبرر للنظام السوري مقولته حول الاستعدادات المتواصلة للتدخل العسكري في سوريا تكون تركيا رأس الحربة فيه، ثم إسقاط نظرية تصفير المشاكل مع دول الجوار عبر تحويلها إلى دبلوماسية تسخين المشاكل مع الجميع، كما يردد الإعلام السوري في إطار حملة دعائية واسعة ضد تركيا.

أنقرة تعرف منذ البداية أن النظام السوري قادر على لعب أوراق كثيرة يملكها ضدها بسبب تشابه الجغرافيا والخرائط السكانية والعرقية والدينية في البلدين، وأنه لن يتوقف عن التحريض العلوي والكردي في تركيا على طريقة «من بعدي الطوفان». فنظام الأسد، الذي يعرف تماما أنه خسر الورقة الكردية في سوريا، يحاول الآن وبكل ثقله ألا تستفيد تركيا من الإعلان عن استعداده للحوار مع المعارضة الكردية في سوريا ولمناقشة قرارات لقاء إربد في شمال العراق التي طرحت أهم المسائل التي تقلق تركيا كرديا: حق تقرير مصير أكراد سوريا بعد الإنجازات الكبيرة على الأرض في شمال العراق، ليكون كل ذلك مقدمة لطرح الحالة الكردية في تركيا.

أنقرة تردد أن الإخفاق الذي كان متوقعا منذ البداية في مجلس الأمن سببه لجوء روسيا والصين لاستخدام حق النقض وليس تفكك وتباعد المواقف الدولية حيال الأزمة السورية، وأن النتيجة التي نحن أمامها اليوم هي ظرفية لن تفسر على أنها أضعفت القوى المعارضة للنظام، بل على العكس أعطتها الفرصة الثمينة التي تريدها لإظهار أن الذين منعوا صدور مثل هذا القرار هم الذين سيتحملون أيضا مسؤولية سقوط المزيد من القتلى والجرحى والتدمير ومنح النظام السوري المزيد من الوقت والفرص للمضي في لغة القوة والعنف. حكومة أردوغان تعرف أيضا أن خيار القطيعة الباكر مع النظام قد يكون حرمها فرص التوسط والوقوف على مسافة واحدة من فرقاء النزاع في سوريا، وأن روسيا ستحاول ملء هذا الفراغ ولعب هذا الدور في المرحلة المقبلة، وأن المعارضة التركية ستلجأ لاستخدام هذه الأوراق ضدها لكنها على قناعة تامة أن مسار الأمور لن يستمر على هذا النحو رغم إدراكها لقدرة النظام السوري على المناورة وتوجيه الرسائل وتطويل عمر الأزمة.

أنقرة ستدرس بدقة مشروع الرئيس الفرنسي «أصدقاء الشعب السوري» رغم كل التصعيد السياسي والدبلوماسي الذي تسبب به ساركوزي الذي يحاول أن يلعب الورقة الأرمنية انتخابيا. فهي تعرف أن ما يقوله ساركوزي يلتقي مع الكثير مما قالته حيال مسار الأزمة السورية، وداود أوغلو لن يتردد في التوجه إلى باريس للمشاركة في الاجتماعات التحضيرية لهذه القمة، فالالتزامات الأخلاقية والشعارات التي رددها طيلة عقد كامل تمنعه من قول العكس.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى