صفحات سوريةفاروق حجّي مصطفى

الفيديرالية ليست خيار أكراد سورية


فاروق حجي مصطفى *

لا أحد يستطيع التكهن بمستقبل الأكراد في سورية، ذلك لأن للقضية الكردية (بحكم الجغرافيا والتاريخ) أبعاداً تمتد إلى خارج الحدود، وهو ما يشكل تحدياً للقوى الكُردية بسبب معارضة أكثر من دولة لتطلعاتها ورفض إعطاء حقوق للأكراد. وتركيا التي تقدم نفسها راعية لبعض الاتجاهات في المعارضة السورية، لن تبقى مكتوفة الأيدي عندما تتبلور الحقوق الكُردية في ذهنية المعارضة، وبالتالي هي ترفض رفضاً قاطعاً حقوق الاكراد، علما انها تعارض حتى انخراط المعارضة الكردية في أوساط المعارضة العربية السورية.

المعارضة العربية أصدرت عدداً من الوثائق بخصوص الاكراد، وهي أوراق كان يمكن الاعتماد عليها، لو ان المعارضة كانت جدية في رؤيتها، وهي بالحق متطورة على كل ما طُرح في خصوص القضية الكردية، إلا انه سرعان ما تملص أطراف في المعارضة منها، والمقصود هنا: وثيقة المجلس الوطني السوري في خصوص القضية الكُردية، وكذلك ورقة حازم نهار الى مؤتمر المنبر الديموقراطي ومن قبلها وثيقة هيئة التنسيق في باريس، وفي ما بعد، نفى حسن عبدالعظيم (المنسق العام لهيئة التنسيق) أن تكون للأكراد خصوصية قومية، وتالياً ليس لهذه القومية حقوق مناسبة لمقامها.

واستطراداً، فإن كل هذه الأوراق (وثائق المعارضة في خصوص الاكراد) مهمة ولا بد من الاعتماد عليها لتبديد هواجس الاكراد ومخاوفهم. بيد ان صانعي قرار المعارضة المتباهين باعترافهم بالقضية الكُردية تجاه الغرب، يتملصون من مواقفهم في مقابلاتهم الصحافية، الأمر الذي يرسخ في ذهن الكُردي العادي حقيقة ان المعارضة ما زالت تتعامل مع المسألة الكُردية بروحية الماضي المفعمة بحساسية من الأكراد كمكون قومي.

والحق ليس سبب تباعد المعارضتين الكُردية والعربية، بل هو أن الأكراد طرحوا «حق تقرير المصير»، أو « الفيديرالية» لأن حق تقرير المصير مسألة محسومة، فهي حق مشروع حتى بالنسبة الى الأفراد، فكيف بالنسبة الى الشعوب؟ مضافاً إلى هذا ان طرح الاكراد الفيديرالية، لم يتبنه أيٌّ من الأحزاب الكُردية إنما جزء بسيط منهم طرح هذا الشعار وبدا انه استنساخ لتجربة اكراد العراق. لكن سبب طرح الفيديرالية يمثل السقف الأعلى للمـــطالب الـــكُردية، وهـــو جزء مما لا يمكن ضبطه في الشعارات، لكن الممارسة امر آخر والقوى الكردية ليست في وارد الفيديرالية الآن.

المجلس الوطني الكُردي تبنى شعار «اللامركزية السياسية « في الحكم، وهذا في رأيه يُعفي سورية من مركزية شديدة الوطأة ويمكن عبره أن يحصل الكرد على جزء من حقوقهم. لكن، وما ان سمعت القوى الكُردية ان المعارضة العربية ممتعضة من «اللامركزية السياسية» حتى جمد المجلس الوطني الكُردي هذا المطلب، وفي الاجتماع الأخير تبنى برنامجاً سياسياً مرحلياً، وهو برنامج أشاد به الكثير من المعارضين السوريين في الوقت الذي لم يصدر أي طرف من المعارضة أي بيان رسمي يحدد موقفه من البرنامج السياسي الكردي المرحلي.

الأكراد صاروا يدركون ان رفع شعار الفيديرالية أو الشعارات الأخرى لا يكفي للحصول على حقوقهم، وهم يتمعنون في توزعهم السكاني والجغرافي، وكذلك مقاربتهم للحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، والصيغ المناسبة لوجودهم في سورية. والذين طرحوا الفيديرالية وغيرها لم يجروا دراسة عميقة ووافية حول مدى مطابقتها حقوق الاكراد لجهة التكامل الاقتصادي ومدى تحقيقها طمأنينة في نفوسهم، في الوقت الذي اعتادوا على التعايش في أكثر من مدينة سورية.

وكذلك كيف سيكون مستقبل الاكراد في ظل وجود معوقات اقتصادية أو اجتماعية أو نفسية لتطبيق الفيديرالية. كل هذا يشير إلى صعوبة الطرح الفيدرالي، مضافاً إليه التداخل السكاني وغياب التناسق الجغرافي، وهذا عامل مهم في القانون الدستوري لبناء الدول، علاوة على ذلك كيف سيكون حال الأقليات في داخل المنطقة الكُردية؟

* كاتب كردي سوري.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى