صفحات مميزةوائل السواح

القاعدة أفضل حلفاء النظام السوري: وائل السواح

وائل السوّاح

 لا يحتاج النظام السوري إلى حليف أفضل من القاعدة وجبهة النصرة، فهما لعبا دوراً أساسياً في مساعدته على تصوير انتفاضية السوريين من أجل الحرية والكرامة والمساواة على أنه صراع  دائر من أجل غايات دينية وطائفية. وكلما نسي البعض ذلك قامت جبهة النصرة ومن ورائها القاعدة بتذكيرنا بأنهما لا يعملان على إسقاط النظام من أجل حرية السوريين وبناء دولة المواطنة والقانون، وإنما من أجل بناء دولة إسلامية في سوريا.

منذ أول يوم للثورة السورية، بدأ النظام حملة منظمة مفادها أن انتفاضة السوريين تمرد يقوم به سلفيون أصوليون يريدون محاربة النظام “العلماني” من أجل بناء إمارة إسلامية. وهو ما صرحت به السيدة بثينة شعبان بعد ساعات ربما من خروج السوريين إلى الشارع احتجاجاً على قمع أجهزة النظام الاستخباراتية لأطفال مدينة درعا. وبعد أيام طلب النظام من الشيخ الراحل محمد سعيد رمضان البوطي الظهور على شاشة التلفزيون ليقول للسوريين إن الرئيس الأسد “استجاب” لطلبات المحتجين، فأمر بإعادة  المنقبات إلى وظائفهن، وسمح بتأسيس معهد ديني وقناة فضائية دينية. لم يكن أي من المحتجين يومها قد رفع أية مطالب من هذا النوع، فالمحتجون في درعا كانوا يريدون العدالة من قاتل اسمه عاطف نجيب قلع أظفار أطفال في الصفوف الابتدائية وأهان آباءهم، أما المحتجون في مدينة دمشق فكانوا يطالبون بالحرية والكرامة، ويهتفون “الشعب السوري ما بينذل!”.

ولم يأل النظام الحاكم في دمشق جهداً منذئذ في أن يوجه الإعلام والموالين وجمهور الوسطيين في هذا الاتجاه. وقد صمد السوريون ستة أشهر، وهم يواجهون الرصاص بصدور عارية ويهتفون “واحد، واحد، واحد: الشعب السوري واحد.” ولكن إصرار النظام على تصوير الانتفاضة كحركة تمرد سلفية وتوتير الأوضاع الطائفية، خاصة بعد مجزرة الحولة وما تلاها من مجازر مشابهة، حدا ببعض السوريين إلى الانزلاق نحو الخطاب الطائفي، وتبني خطاب تقسيمي استخدمت فيه للمرة الأولى تعابير عنفية غريبة عن المجتمع السوري، وأعيدت إحياء تعابير قديمة كان يقصد منها التحقير، من مثل “النصيرية” كتسمية للعلويين السوريين، ودخلت مصطلحات مثل “العفس” والدعس” والفطيسة” قاموس بعض السوريين على صفحات التواصل الاجتماعي.

بالمقابل، جاء تنظيم جبهة النصرة وبعض الفصائل الإسلامية المتطرفة ليدعم خطة النظام ويعزز قناعة شريحة من السوريين بأن ادعاء النظام ربما كان في نهاية المطاف صحيحاً. وعززت هذه التنظيمات مخاوف بعض السوريين عندما قررت في بيان  مشترك في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي “تأسيس دولة إسلامية في سوريا”، ووجهت “تهمة الخيانة” للائتلاف الوطني السوري، الذي كان تم الإعلان عنه قبل ذل التاريخ بفترة. ودخل المال الإقليمي والحسابات الضيقة على الخط بدون حساب لدعم هذه التنظيمات المتطرفة على حساب الاعتدال السوري المعروف.

استغل النظام تصريحات التنظيمات الإسلامية المتطرفة في تأليب الموالين له وإخافتهم داخلياً، وتصوير نفسه مقاتلاً شرساً ضد الإرهاب والتطرف دولياً. ووجه عدداً من الرسائل إلى مجلس الأمن والهيئة العامة للأمم المتحدة، وبخت فيها بعض الدول لمنعها “إدانة مجلس الأمن للعديد من الجرائم الإرهابية،” ونبهت من “خطورة تغاضي المجتمع الدولي عن جرائم الإرهاب التكفيري المرتبط بالقاعدة”.

أخيراً جاءت القشة القاصمة، بإعلان جبهة النصرة ولاءها لشيخ الإرهاب الدولي أيمن الظواهري إعلان تنظيم القاعدة في العراق أن النصرة هي فرع له في سوريا، وأن الهدف النهائي للتنظيمين هو إقامة الدولة الإسلامية، فقدم التنظيمان خدمة إضافية مجانية للنظام السوري ومساعدة له في لعب لعبته.

بيد أن جبهة النصرة ليست وحدها من يريد إقامة دولة إسلامية في سوريا. ثمة تنظيمات جهادية، دينية وطائفية أخرى موالية للإخوان المسلمين أو لهذه الحكومة العربية أو تلك، مثل “جبهة تحرير سوريا” و”لواء الإسلام” استفادت من “غلطة” النصرة لتعلن تميزها عنها دون أن تتبرأ من مضمون خطابها، وهو إقامة الدولة الإسلامية.

لا يزال الصراع الرئيسي بين جموع السوريين من جهة والنظام القمعي الحاكم في دمشق. ولكن إغفال العين عن أن بعض القوى الأساسية في سوريا تريد أخذ البلاد إلى مكان آخر لن يسهم في حل المشكلة بل سيزيد الأمور سوءاً.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى