صفحات سوريةعمر قدور

القذافي الصغير/ عمر قدور

 

 

 

كان في وسع صحافي الـBBC جيريمي بوين، في مقابلته مع بشار الأسد قبل أسبوع، ألا يصرّ على تسمية “براميل متفجرة” وأن يجنّب المشاهدين التلاعب اللفظي للأسد الذي أصرّ على أن قواته تستخدم الرصاص والصواريخ والقنابل. وسيكون معيباً حقاً إذا كان الصحفي العتيد لم يكلّف خاطره البحث عن حقيقة البراميل المتفجرة، التي تُصنّف كقنابل في العلوم العسكرية، وتُشتهر روسيا ببراءة اختراعها وفي عدد ما استخدمته منها في الحرب العالمية الثانية ومن ثم أفغانستان والشيشان، لكنها أيضاً بسبب عشوائيتها تُصنّف بين الأسلحة المحرّمة دولياً. ذلك ما كان يترتّب على الصحافي قوله، بدل إصراره على كلمة “برميل” في حضور شخص معروف بهوسه بالفذلكات اللغوية الصغيرة، وبدأبه على استخدامها دائماً للتهرّب من أي فحوى للحوار.

وقد لا يكون مطلوباً من بوين مجادلة بشار الأسد في أن رقم مليون متظاهر من أصل أربعة وعشرين مليون سوري هي نسبة يُعتدّ بها على عكس ما يقوله الثاني موحياً بحصوله على تأييد غالبية السوريين، فالأهم حقاً هو تكرار الأسد تأكيده على البقاء في منصبه والصمود طيلة الأعوام الأربعة الأخيرة، على رغم المؤامرة العالمية والإقليمية عليه، بسبب ذلك التأييد الشعبي، ومن دون أن يذكّره الصحافي بالحجم الهائل من الدعم العسكري والبشري الذي تلقاه من روسيا ومن الحلف الإيراني. إن غياب أدنى إشارة إلى تدخّل ميليشيات حزب الله ونظيراتها العراقية، بقيادة الحرس الثوري الإيراني، عن أسئلة الصحافي أمر لا يمكن رده إلى السهو أو النسيان، بخاصة مع التطورات الأخيرة في جنوب سوريا، بدءاً من عملية القنيطرة إلى الحملة التي يقودها قاسم سليماني شخصياً على ثوار حوران. وإذا افترضنا تسجيل الحوار قبل التطورات الأخيرة فهذا لا يعفي الصحافي البريطاني من إثارة الفكرة رداً على تبجح الأسد بصموده، إذ هناك سوابق احتفى بها حزب الله بوصفها معركته وانتصاراً خاصاً به، أهمها القصير ويبرود.

ولعلّ الصمت الدولي التام عن تدخل إيران في سوريا، بل وصول هذا التدخل إلى مرتبة الاحتلال، هو ما يفسّر غياب أي سؤال من هذا القبيل عن أسئلة الصحافي. الغرب، الذي تزعّم إدانة المقاتلين الأجانب من تنظيم القاعدة، لم يكترث لمرة واحدة بمشاركة الميليشيات الشيعية في الحرب على السوريين، ولم يصنّفها كمنظمات إرهابية ينبغي محاصرتها مادياً وعسكرياً بقرار أممي أسوة بمثيلاتها من التطرف السني. الغرب، الذي يعلم تماماً أن بقاء الأسد مرهون بدعم الميليشيات الشيعية، تجاهل الأمر كلياً في أقوى إشارة على موافقته على دورها.

على صعيد متصل، كلما ازداد وانكشف الاحتلال الإيراني أطلّ الأسد لينسب إلى نفسه وشبيحته أمر بقائه حتى الآن. وفي حين كان في بداية الثورة يعمد إلى المواربة بغية التنصّل من مسؤوليته عن دماء السوريين فإنه صار يلحّ على مسؤوليته ليوحي بأنه مركز القرار. كأن الأسد يريد القول بأنه لا يزال الحاكم الفعلي لما تسيطر عليه قواته، وأن قاسم سليماني مجرّد حليف لا أكثر، بينما يعلم غالبية السوريين أن المعارك التي جرت منذ حوالى سنتين ونصف كانت جميعاً بإشراف الحرس الثوري الإيراني، وبعضها بإشراف شخصي من سليماني، وليس سراً أن بعض الهدن المحلية التي أبرمت لم تكن لتنجز لولا وجود وتدخل مباشر من ممثلي الحرس الثوري في المفاوضات.

على جبهة حوران يُبرز النظام وجود قادته الأمنيين الكبار، بخلاف ما يفعله عادة، فقط ليقول إنهم حاضرون إلى جوار قاسم سليماني، مع أن حضورهم يقتصر على الأرجح على التقاط الصور التذكارية، إذ من المعلوم أن قيادة المعارك محصورة بين الحرس الثوري وميليشيات حزب الله. صفحة قائد المخابرات الجوية جميل حسن على الفايسبوك تبرّر وجود سليماني على الجبهة بمعاهدة الدفاع المشترك المعقودة بين النظام وحلفائه، لكنها لا توضح ما إذا كانت مشاركة حزب الله تعود إلى اتفاقية مماثلة أم أنه ينضوي ضمن الاتفاقية مع إيران أيضاً. لندع جانباً تلك التكهنات عن الرسائل الإقليمية التي يريد الإيرانيون بثها من خلال إظهار حضورهم في الجبهة، فالأهم أنهم قرّروا أخيراً إماطة اللثام عن واقع مشاركتهم في الحرب السورية، وقرّروا كشف حقيقة النظام المتهالك على الملأ. بالأحرى، بعد انتصارهم في اليمن، لم يعد هناك ما يردعهم عن كشف احتلالهم سوريا، والقول بأن النظام فيها لا يعلو مرتبةً عن الحوثيين، إن لم يكن في مرتبة أدنى لأسباب مذهبية.

النكتة الاستباقية التي أطلقها إعلام حزب الله هي تشبيه ثوار حوران بجيش لحد، وربما تكون هذه الخدمة اللفظية الوحيدة التي يقدمها الآن لنفسه وللنظام، إذ لا تخفى الجهات التي تقوم بدور جيش لحد الإيراني في المنطقة، والنظام ليس في مقدمها. محطة الـBBC أيضاً تظهر كأنها أطلقت نكتة مشابهة باستضافة محللين يثبتون انفصال الأسد عن الواقع، وهو تعبير دبلوماسي كما نعلم، إذ لا فائدة يتوخاها السوريون من اختزال من قام بتدمير سوريا إلى مجرد “قذافي صغير”. أقله لأن هذا الاختزال ينافي الواقع، فالجرائم المرتكبة أكبر مما فعله الأسد الأب وأخيه وصدام حسين والقذافي مجتمعين. ربما هذه القدرة تؤهل أصحابها ليكونوا جنوداً تحت أمرة الولي الفقيه.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى