صفحات الناس

القصير: ماذا يحدث الآن؟

عامر أبو حامد

من صفحة “تجمع نبض للشباب المدني السوري”

 ماذا يحدثُ الآن في منطقة القصير؟ لم يكن هذا السؤال يومياً واعتيادياً يُطرح في مواقع التواصل الاجتماعي، بين سوريين ولبنانيين، على مدى اليومين الماضيين. فالإجابة من الصعوبة بمكان أن تُحكى بدقة، وسيكون التهكم هو السبيل الوحيد للمواربة على سيل الأخبار والإشاعات المتدفقة من منطقة القصير السورية، هناك حيث ابتدأت عملية عسكرية واسعة لاقتحام المدينة من قبل قوات النظام يصاحبها، على ما أُشيع، مُقاتلون من حزب الله اللبناني.

 إذاً “دقّت ساعة القصير”، على ما أنبأتنا نشرة أخبار “الجديد” مساء الأحد، المُقاتلون تلقّوا الإشارة من “السيد” لبدء الهجوم. والعلم السوري يرفرف فوق بلدية القصير مُبشراً بنصر لم يُحسم بعد، إثر فرار مقاتلي الجنسيات المتعددة إلى البساتين. بينما أعلن مراسل “التلفزيون السوري” في القصير، معين ضرغام، النصر من مكانه، بالطبع على طريقة الإعلام الرسمي الذي ينفي حدوث معركة من الأساس، بل هو “استمرار لعمليات الجيش السوري بملاحقة فلول الإرهابيين”.على الجانب الآخر، اشتغل الإعلام المضاد على تكذيب خبر اقتحام المدينة، فغطّت قناة “العربية” مطولاً أحداث القصير، مبرزة أهميتها الاسترتيجية، واستضافت الناشط هادي العبدالله والمتحدث باسم الجيش الحر لؤي المقداد، والمعارض عبد الرزاق عيد، الذين نفوا نفياً قاطعاً أن تكون المدينة سقطت في أيدي مُقاتلين النظام وحزب الله.

 ولم يختلف اليوم الثاني لمعركة القصير كثيراً عن سابقه في تضارب الأنباء. بل عرضت قناة “الميادين” سيارة إسرائيلية مُصفحة سيطر عليها الجش السوري في القصير. وفي تغطية خاصة صرّح أحد قادة الجيش السوري للمحطة بأن السيارة تحوي معدّات اتصال وأجهزة تقنية. بينما ذهبت “الجزيرة” إلى بث تقارير عن مجازر جماعية يرتكبها حزب الله في القصير في حق الأطفال والنساء، إضافة إلى إنجازات للجيش الحر ميدانياً، وبثت خبراً عن “مقتل ثلاثين من مقاتلي حزب الله، وعشرين من أفراد وقوات الشبيحة الموالية للرئيس بشار الأسد”.

  إلّا أن الجدل الأكثف استعر في وسائل التواصل الاجتماعي، حيثُ اتُّهمت قناة “الميادين” بالتضليل والفضائحية، وتناقل الناشطون ترجمةً للكتابة الإسرائيلية على السيارة، تظهر أنها تابعة لمصلحة السجون الإسرائيلية وهي موجودة منذ أيام الاحتلال الإسرائيلي للجنوب اللبناني. الخبر “المياديني” دفع نشطاء فايسبوك، اللبنانيين والسوريين، إلى التهكم والسخرية من فكرة وجود مصفحة اسرائيلية في القصير. علقت إحدى السوريات على صفحتها: “شالوم خبيبي، مانشماع؟ إلى من يهمه الأمر: هذه الآلية العسكرية مساهمة بسيطةٌ منا في دعم عمل المعارضة المرتزقة عرفاناً وتقديراً منا لعمالتها السافرة – مخصصة للاستخدام ضد القوى الوطنية الباسلة وما في حكمها. التوقيع: الكيان الغاشم”.

 وذهب شاب لبناني إلى رسم سبع سيناريوهات تهكمية لوجود المصفحة في القصير، اختتمها بالقول: “أخي المواطن الغيور، اختر ما يسمح لك عقلك باختياره، أو أضف خيارات جديدة للمشاركة في مسابقة “الميادين” الأسبوعية: أنت ممانع يعني عدوك أكيد صهيوني. وشكراً”.

 وفي وقت سابق دعا عدد من الناشطين في فايسبوك إلى اعتصام في ساحة الشهداء في بيروت، غداً الثلاثاء، تحت عنوان “اعتصام ضد مشاركة حزب الله في قتل السوريين”، ولاقت الدعوة إقبالاً واسعاً، رغم “مخاطر” تنفيذ هكذا تحرّك في حين تنتشر في فايسبوك صور قتلى حزب الله في القصير ومواعيد تشييعهم. هكذا علق أحدهم على الحدث: “رفضاً لمشاركة حزب الله في قتال من آوى أهل الجنوب في القصير خلال حرب تموز 2006”.

 وتحت هاشتاغ #القصير في تويتر، كانت معركةٌ أخرى بين موالين لحزب الله والنظام السوري ومعارضين لهما. تناقل الأخبار أصبح وسيلةً للتضليل وإحباط النفوس في المعركة غير معروفة النتائج. يكتب @syrian_eyes: “المنطقة الشرقية في مدينة #القصير أصبحت بالكامل تحت سيطرة الجيش العربي السوري”.

يرد @صقر قريش: “#القصير مقبرة لجنود حزب الله، الأرقام تجاوزت الـ ١٢٠ قتيلاً من الحزب، بينهم صهر حسن نصر الله”.

ولم يخل تويتر من مهاترات طائفية بسبب حساسية الحرب في القصير، التي بات يسميها البعض “تخوم الصراع السني الشيعي”. هكذا برزت تغريدات تطالب داعية الإسلام الشهال في طرابلس “بدعوة السنة لنصرة أخوانهم في القصير في مواجهة الغزو الشيعي”. وطالب آخرون إيران بالتدخل إلى جانب حزب الله في القصيرن بعد اكتشاف المصفحة الإسرائيلية المزعومة.

 يقولون عنها “الحرب الأخيرة”، “معركة الحسم”، وتتعدد التسميات والأخبار المتضادة عن القصير. لكن أحداً لا يسأل: ماذا الذي يحدث فعلاً الآن؟ كأن كل متابع يتابع من زاويته، إعلامياً كان أو ناشطاً أو مواطناً عادياً. وفي الحقيقة ما يحصل هو فصلٌ جديد من فصول المأساة السورية. سماء القصير البارحة كانت تضاء بما أنزل في حرب فيتنام. إنها الأجندات السياسية والغرائزية من جديد، تشوش على الحدث، على الخبر الصرف، وتدخلنا في متاهة حسابات تُسقط منها المأساة اليومية على الأرض السورية.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى