صفحات سورية

القضية السورية بين التجميد والتحريك/ د. رياض نعسان أغا

 

 

 

يبدو أن المبادرة الرسمية الوحيدة المطروحة على السوريين الآن هي مبادرة «دي ميستورا» المبعوث الأممي، وهي دعوة لتجميد الوضع الراهن بوقف القتال والتمهيد للمفاوضات في مرحلة لاحقة. وتبدو أن المبادرة على ضعفها وصغر حجمها الميداني تلبي من حيث المبدأ مطلب كثير من المشردين والنازحين والهاربين من جحيم القتل، وهي كما فهمت بداية تبدأ خطوتها الأولى في حلب لتعم كل المناطق الساخنة لاحقاً وتأسيساً على نتائجها في حلب. لكن هذه المبادرة أقل شأناً من سوية الجهة الراعية، وهي الأمم المتحدة التي يفترض أنها الأقدر على إيجاد حل شامل ونهائي، وهي تكشف العجز الدولي على القيام بدور حاسم، وغياب الإرادة الدولية بإنهاء مأساة الشعب السوري، وهذا لا يقلل من احترامنا للجهد الذي سيبذله الموفد الأممي ولاجتهاده الشخصي لتقديم ما يراه ممكن التنفيذ في ظل الاضطراب في الموقف الدولي والغموض في مواقف دول كثيرة كانت ضمن مجموعة أصدقاء سوريا، لكنها فقدت حماستها لتقديم حلول، أو أنها وجدت التداعيات التي آلت إليها القضية السورية تتطلب تقويماً جديداً لموقفها.

ويبدو مؤسفاً على الصعيد اللغوي أن تسمى المبادرة تجميداً، وهذا ما قلته للسفير رمزي عزالدين نائب المبعوث الدولي، الذي أبدى استعداداً لتغيير كلمة التجميد إذا تم إيجاد تعبير يتجنب فهم دلالة إبقاء الحال على ماهو عليه، والمبادرة كما أراها هي تحريك باتجاه الحل وليست مجرد تجميد مؤقت للقتال فقط، لكن أخطر ما فيها، هو كون سلبياتها أكثر من إيجابياتها، فهي أولاً تجزئ الحلول، وقد خشي بعض المحللين أن تكون بداية تقسيم سوريا، لولا أن السفير أكد أن التقسيم مرفوض وغير مطروح على الإطلاق، كما أن من السلبيات عدم وضوح رؤية ما بعد (التجميد)، ولا بد أن الشعب السوري سيقبل أو سيرفض بناءً على الرؤية النهائية للحل، وقد تم تأكيد كون المبادرة تنطلق من مبادئ وثيقة جنيف، التي صارت مرجعية معتمدة، حتى وإنْ لم تحقق نجاحاً على صعيد عملي، فإصرار النظام على اعتبار محاربة الإرهاب أولوية لا يلغي كون الوثيقة قد حددت خريطة طريق تم التوافق الدولي حولها. وثمة خطر يكمن في التفاصيل التي يستطيع المفاوضون أن يدفنوا المبادرة في أحشائها، وهذا ما قد يهدد بفشلها في أول جولة مفاوضات حولها.

ومن وجهة نظري، أجد من المناسب أن يكون الموقف الوطني إيجابياً نحو أي مبادرة تسعى لإيقاف العنف والقتل والتدمير، لا سيما إيقاف براميل الموت التي تقتل المدنيين بشكل عشوائي، كما أن المبادرات على ضعفها، وربما عدم فاعليتها العملية تستعيد الاهتمام الدولي الذي دخل في ثلاجة التجميد أيضاً، وهذه الاستعادة تحث القادة الدوليين على مراجعة مواقفهم، لا سيما أن حجم كارثة السوريين يتضاعف يوماً إثر يوم، بعد أن صارت الأرض السورية ساحة حرب مديدة بين قوى الإرهاب العالمي، وقوى التحالف الدولي، وضاعت قضية السوريين في بحر الدم الذي يغرق الجميع.

يبدو أن القوى الفاعلة والقادرة على الحسم في الميدان الدولي، لا تملك اليوم أي مشروع أو خطة عمل لحل القضية السورية، فقد تُرك السوريون لمواجهة قدرهم وحدهم عدا قليل من المساعدات التي لم تعد تسد رمقاً، وهذا ما تؤكده مبادرة التجميد التي تأتي على استحياء وضعف وتنتظر دعم القوى الإقليمية لتحقيق تقدم عبر خطوات وئيدة ونحو حلول جزئية غير قادرة على حماية شروطها، حيث يستدعي قرار التجميد وجود قوى قادرة على منع الاختراق، وقوى قادرة على معاقبة من يخرج عن الاتفاق، وهذا أمر سيغرق المبادرة في التفاصيل أو سيجعها بلا مخالب.

ومن سلبيات المبادرة التي تتطلب إيجاد مخرج ميداني، أنها تفصل بين النظام وبين المعارضة فقط، ولكنها غير معنية بالحرب الكبرى بين «داعش» والتحالف الدولي، وساحة هذه الحرب هي الساحة المجمدة ذاتها. إنني أرجو لمهمة الموفد الدولي أن تحقق ولو خطوة على طريق الحل السياسي بما تؤكده وثيقة جنيف، لكنني أجد غياب الإرادة الدولية في الحسم يهدد بجعل المبادرة غطاء للجمود الحقيقي في المساعي السياسية باتجاه إنهاء معاناة الشعب السوري، التي هي أخطر قضايا العصر، وأشد قضايا الظلم الإنساني قسوة عبر التاريخ.

الاتحاد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى