صفحات الثقافةعبد الوهاب عزاوي

القعر/ عبد الوهاب عزاوي

 

 

في تلك الحرب

فقدت إصبعين

“إشارةَ نصر

معلقةً

على الحافة”

الذبابةُ تتجول

بدهشة

على الدم الناشف

وأثرُ التبغ ينحلّ في الهواء.

 

السبابة محنية كزنادٍ عاطل

وأصوات القذائف

تشتّت الريح

أجل

كان وجهُك أجملَ

من أحلم به

وأنا

أهوي

بين الأسماك

الجافلة .

¶ ¶ ¶

للقعر قوانين أخرى. الغرقى تأتيهم نوبات شجن، والذكريات تطفو خفيفةً، تختلط، تتمازج، وقد تعلق على الطحالب، فتتغير أسماء الأشخاص فيها، وجوهُم ونبرةُ أصواتهم، تتغير الأماكن والأعمار والمصائر.

هنا عالمٌ آخر، بداية أخرى، هنا للأبدية حراشف وعيون صامتة. في الأسفل لا طاقة لنا على الكلام، نواسي بعضنا بالأكفّ ونفرك الذكريات الحديثة ليخف صليلها، هنا سوادٌ وترابٌ ووجوهٌ منتفخة. كان الأمر مرعباً في البداية لكننا اعتدنا عليه تدريجياً، هنا بعد وقت ما نشبه بعضنا، كلنا جميلون كورود برية. الأسماك وحدها سعيدة. تقتات على الذكريات ذاتها، وبعد زمنٍ تشبهنا أيضاً.

هنا تنمو العظام وتتلون، تنبت طحالب على الوجه، وتغمق العيون، القادمون الجدد يصرخون بصمت، عيونهم تضيء الليل الشاسع، شموسٌ صغيرة واهنة، ونحن القدامى نبتسم بأسناننا الصفر وبقايا الأكفّ، نعانق فزعَهم، وندرّبهم على الانتظار في هذه الجحيم الباردة.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى