صفحات سوريةغازي دحمان

القمّة الخليجية الأميركية والآفاق المحتملة/ غازي دحمان

 

تحتاج قراءة قمة قادة دول الخليج مع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، منتصف الشهر المقبل، إلى نمط من الخيال السياسي، يتجاوز الآليات المعرفية التقليدية في تحليل العلاقة بين أميركا والمنطقة، وتستدعي هذه القراءة استدخال عناصر المتغيرات الحاصلة في النسق الدولي، والتقديرات الخاصة بأطرافه، ودمج ذلك مع رؤاهم وتصوراتهم لمكانتهم وأدوارهم، وحتى إمكاناتهم. ووفق ذلك، لنا أن نتصور أن اللقاء سيكون مؤسّساً ليس لشكل جديد من العلاقة بين الطرفين، بل وحتى لنظام إقليمي مختلف من حيث الهيكلية والأداء والوظيفة.

ويبدو لقاء القمة هذا وكأنه يأتي في نهاية سياق جهد أميركي طويل ومكلف، لإعادة ترتيب المنطقة، كانت آخر منتجاته احتواء إيران النووية، وضبط وتحديد اندفاعتها، بما يعني ترسيم حدود القوة التي من الممكن أن تصل إليها، من هنا إلى ما يزيد عن عقد، وتذهب تقديرات إلى أنه في حال اكتمال الاتفاق، فإن هناك خطّة أميركية – غربية موازية، ستعمل على تحويل إيران، عبر آليات ناعمة، إلى بلد أكثر تكيّفاً وانضباطاً في البيئة الدولية.

في السياق نفسه، كانت الإدارة الأميركية، وإن بمنهجية مختلفة، تعمل في الهند التي زارها أوباما مرتين في فترة حكمه، ما يشير إلى أهميتها في التقديرات الأميركية، ومحاولة إدماجها ضمن أطر مجالها الاستراتيجي، وينطبق الأمر نفسه، بدرجة كبيرة، على باكستان التي تنخرط مع أميركا في شبكة من العلاقات الأمنية والعسكرية، ما يجعل من منطقة غرب آسيا وشرقها تشكل سلسلة من الحلقات، ضمن إطار المشهد الجيوسياسي الأميركي، وضبط التفاعلات في منطقة المحيط الهندي، في الطريق إلى الإطباق على منطقة الهادي، ومحاصرة الصين وضبطها، بوصفها القوة التي تشكل بديلاً منافساً في السنوات الخمسين المقبلة.

تبقى الحلقة العربية أكثر الحلقات فوضوية وقابلية للاختراق، سواء من التنظيمات المعادية لأميركا، والمتمثلة بالإسلام الأصولي التي شكلت، في العقدين الأخيرين، العدو رقم واحد والتهديد الأكثر خطورة، أو من روسيا والصين اللتين ما زالتا تجدان فرص وهوامش مناورة للمشاغبة على النظام الدولي، عبر النافذة السورية، حيث تتخذ مواقفهما خليطاً متنافراً من الأبعاد الأيديولوجية والاستراتيجية بغلاف عنيف، ولا أخلاقي.

على ذلك، سيكون اللقاء بداية تشكيل للمنطقة العربية، في إطار المنظومة الجيو استراتيجية الأميركية المعاد تعريفها، والمحددة وظائفها وأهدافها، ما يعني أن واشنطن ما زالت تعتبر النظام العربي جزءاً من بنيانها الجيو استراتيجي في العالم، بعكس ما درجت التحليلات، في فترة سابقة، عن تراجع الأهمية الاستراتيجية للمنطقة، في الرؤى والتقديرات الأميركية، وكان أوباما قد أفصح عن رؤيته لهذا التشكّل الجديد وآلياته وشروط تحققه، في لقائه بالصحافي، توماس فريدمان، حيث ركز على مسألتين مهمتين:

المسألة الأولى: تتعلق بإحداث تغييرات داخلية، ذات علاقة بقضايا السلطة والديمقراطية، والواضح أن أوباما يعتبر هذه المسألة حيوية، وتتعدى حساسية بعض الأنظمة والسلطات تجاهها، على اعتبار أنها تشكّل مصادر خطر حقيقية، ليس على دول الخليج وحدها، وإنما على الأمن العالمي، ولا شك أن هذه الرؤية طرحتها واشنطن في عهد إدارة جورج بوش الثاني، بعد احتلالها العراق، وتحديداً سنة 2004، تحت مسمى مبادرة “الشرق الأوسط الموسع لتشجيع الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية”، وقد حاولت تمريرها في ذلك الوقت على شكل برنامج تقني، ينطوي على عناصر محدّدة، مثل تمكين المرأة وتسهيل عمل المنظمات الحقوقية وحرية الصحافة، وإدماج هذه التغيرات ضمن بنية قانونية دستورية، ما فهم منه أنه محاولة لصناعة مجال لمجتمع مدني، وفق التصنيف الغربي، على اعتبار أن هذا الأمر سيكون كفيلاً بامتصاص التوترات الاجتماعية، وتغيير ديناميكية الصراعات، وخصوصاً في البلدان ذات النسيج الاجتماعي، المركب إثنياً وطائفياً، غير أن الرؤية الأميركية، في ذلك الحين، كانت تتساوق مع منطق العولمة، وكيفية دمج المجتمعات في أطرها، ما أحدث لبساً في أبعادها السياسية.

“تذهب تقديرات إلى أنه في حال اكتمال الاتفاق، فإن هناك خطّة أميركية – غربية موازية، ستعمل على تحويل إيران، عبر آليات ناعمة، إلى بلد أكثر تكيّفاً وانضباطاً في البيئة الدولية”

المسألة الثانية: هي عملية فك الارتباط الأمني بين أميركا والمنطقة العربية، بالشكل الذي ترسخ في العقود الأخيرة، وتحديداً منذ مبدأ كارتر 1980، والذي نصّ على أن أميركا “سوف تعتبر أي محاولة من أي قوة خارجية للسيطرة على منطقة الخليج اعتداء على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأميركية، وسيتم صد مثل هذا الاعتداء بأي وسيلة ضرورية، بما في ذلك القوة العسكرية”. استدعى هذا التغيير انتفاء الظروف بزوال التهديد السوفييتي، أو عدم مواءمة مثل هذا النمط مع أميركا التي باتت تسعى إلى التخفف من الالتزامات المكلفة، وبدل ذلك، التشجيع على نظام أمني عربي، يكون على تنسيق وتعاون مع أميركا، يقوم بالوظائف الضرورية، ويساهم في صناعة حالة من الاستقرار وتوازن القوى، تسمح لأميركا بمرونة أكثر في علاقاتها الإقليمية، ولا تضطر للاصطفاف مع طرف ضد آخر، كما لا تضطر إلى حل المشكلات الأمنية في المنطقة بشكل مباشر، وكان أوباما صريحاً، في هذا المجال، عندما قال، إن على العرب حل مشكلة سورية ومواجهة نظام الأسد، وأردف، بعد أيام، أن في وسع العرب المساهمة في حل الأزمة في ليبيا، وهو أمر يتعدى الطلب إلى إعطاء شرعية للتحرك ضمن الإقليم. ولتعزيز هذا التوجه، أيدت الإدارة الأميركية “عاصفة الحزم” على أكثر من مستوى.

هل العرب أمام فرصة، أم أنهم في مواجهة مخاطر انكشاف أمني عميق، جراء هذه التغيرات في البيئة الأمنية العالمية؟ يتوقف الأمر، بدرجة كبيرة، على شكل استجابة العرب للتحديات المطروحة عليهم في هذه المرحلة، ولا شك أن الأمر يستلزم منهم صياغة رؤية واضحة لدورهم ومستقبل إقليمهم، ليس فقط لطرحه أمام أوباما في اللقاء المقبل، وإنما صيغة عمل مستقبلية، طالما انتظرتها الشعوب العربية.

العربي الجديد

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى