صفحات الثقافة

“الكتاب العرب” في دمشق: بؤس المثقفين

كتبَة عرب في دمشق الجريحة/ هيثم حسين

“حملت شعري على ظهري فأتعبني/ ماذا من الشعر يبقى حين يرتاح؟”.. اختصر الشاعر الدمشقيّ نزار قبّاني (1923- 1998) الذي قضى في منفاه الاختياريّ، لندن، في خاتمة قصيدته الدمشقية محنة الشاعر، أشار إلى التزامه في معركة الحرّية، رمز إلى واجبه الذي ينهض به، والموقع الذي يختاره لنفسه في معركته الأدبية والحياتية. وربّما تكون الراحة التي أشار إليها هي المحنة الحقيقيّة، هي الوحل الذي يغرق فيه شاعر لا يليق باسمه، يكون مدح السلطان ديدنه، يوقف “إبداعه” في خدمة السلطات التي توجّهه هذه الوجهة أو تلك.

رغم أن “الكتّاب” و”الكتبة” مشتّقان من الجذر نفسه “كتب”، إلّا أنّهما يفترقان في المعاني، ويكادان يعكسان النقائض معنى في عملية الكتابة، فالمفرد “كاتب” والذي يعرف بأنّه شخص يزاول الكتابة كمهنة على سبيل الاحتراف، ويكون جمعه الكُتّاب: الذين يمارسون الكتابات الأدبيّة. وهناك جمع تكسير آخر له “كتَبَة”، وهؤلاء من يتولّون عملاً كتابيًّا إداريًّا مثل حفظ السّجلات والملفّات.

بين الكُتاب الذين يمارسون أعمالاً كتابية إبداعية، والكتبَة الذين يؤدّون مهمّات وظيفيّة تمّ تكليفهم بها من قبل هيئات عليا، بون شاسع لا يمكن حصره والتقاط التقاطعات بين المعنيين، وإن كانا يستخدمان الأدوات والآليات نفسها في العملية الكتابية، إلّا أنّ الغايات تختلف وتكاد تتضادّ فيما بين الطرفين.

ينطلق الكُتّاب الذين اختاروا الكتابة حياة ومصيراً ومستقبلاً من واجب الالتزام، يؤدّون أدوارهم بجرأة بعيداً عن حسابات السياسة وأوامر الساسة المتبدّلة مع الظروف والتوجّهات والمصالح، يكون المبدأ الإنسانيّ والأخلاقيّ بوصولهم إلى أيّ فعل أو موقف يتّخذونه ويدافعون عنه بقلمهم وفكرهم، يكون الالتزام جسرهم إلى حرّيّتهم وقناعاتهم، يتلقّون أوامرهم من إنسانيّتهم وضمائهم بعيداً عن أيّ حسابات متعلّقة بربح آنيّ أو خسارة أو عداوة أو استعداء متربّص بهم من قبل هذا الطاغية أو ذاك.

في حين ينطلق الكتَبَة من قيود الإلزام، ينقلون ما يملى عليهم من أوامر السلطات التي ترعاهم، أو توظّفهم، يعملون لديها موظّفين يطبّقون قراراتها، ولا يملكون زمام أمرهم أو حرّيّتهم شيئاً، يتبعونها في خياراتها وتوجّهاتها، يبقون نزلاء سجون ما تفرضه عليهم، ولا يتجرّؤون على الخروج عن مسار الأوامر التي يتلقّونها، ولا يطالبون بتشغيل فكرهم وقلمهم إلّا لخدمة السياسات والتوجّهات والأوامر المفروضة عليهم، بينما الضمير الذي يجب أن يتحلّى بها الكاتب الحقيقيّ المناصر لقضايا الحرّيّة والعدالة والإنسانيّة، مسألة مغيّبة، لا تسل عنها في واقع التبعيّة والإذعان..

الشرط الأوّل للكتابة والإبداع هو الحرّيّة، ولا يمكن التمتّع لها في ظلّ الطيغان والاستبداد والإجرام والفساد. هنا تتحوّل الحرّيّة إلى خدعة من خدع المستبدّ لإيهام ضحاياه بهوامش للتحرّك، كي يشهروها أقنعة في وجه مَن يشكّك بهم وبولائهم.. الكاتب الحرّ لا يمكن أن يقبل بأن يكون أداة لتلميع طاغية شرّد الملايين من الشعب الذي يفترض أن يكون شعبه، ودمّر كثيراً من المدن التي يفترض أن يكون مسؤولاً عن أمنها وأمانها وسلامتها.

لن يعدم الكتبة العرب الذرائع لإقناع أنفسهم أنّهم يمارسون عملهم المنوط بهم، ولا يحتاجون إلى أن يكلّفوا أنفسهم عناء تبرير موقعهم الذي يصبّ في خدمة الطاغية الذي استعان بقوى محتلّة لضرب شعبه، سيبكون ضمائرهم، ويطنّشون دوي المدافع وضحايا الحصار والتجويع في البلد، سيتبادلون ابتسامات النفاق، وسيقنعون أنفسه بشعارات جوفاء، تتحدّث بتعميم عن واجب نصرة الشعب السوريّ، ووجوب إحلال السلام في البلاد، ومحاربة التنظيمات الإرهابية.. وغير ذلك من الشعارات التي يكرّرها النظام البائس.

يبدو أنّ الاتّحادات المشاركة في اجتماع دمشق، حسمت أمرها الذي يكون نتاج قرار سياسيّ ناجم عن انطباع بدأ ترويجه إعلاميّاً، وتسويقه، على أنّ المسألة السوريّة “خلصت”، ويتمّ إعداد حلول ترقيعية لها، وسيتمّ تعويم النظام وترقيعه لتقديمه من جديد. وقد كانت معارض الكتب في السنوات الماضية، أي بعد الثورة السوريّة، تتحاشى استضافة سوريا كضيف شرف. كانت هناك حيرة مشوبة بترقّب وانتظار أيّ طرف سينتصر في هذه الحرب الملعونة التي شنّها النظّام الطائفيّ بمعاونة حلفائه من المافيات العالميّة على الشعب السوريّ، ليتمّ تقديمه ثقافيّاً على أنّه سوريا الرسميّة.

حيرة المشرفين على المعارض، وتفضيلهم انتظار “الحسم” لتقرير أيّ طرف من المثقّفين تتمّ دعوتهم، والاحتفاء بهم، جزء من تشوّش أكبر يغلّف سياسات الدول وتصوّراتها وتعاطيها مع واقع سوريا وأهلها. بعض الكتبَة من المتلوّنين الذين تربّوا على انتهازيّات ممجوجة في حضن النظام الفاسد، يلوذون بالرماديّة المقرفة المفضوحة والشعارات الخلّبيّة، ولن يجهدوا كثيراً بالعثور على مكان هنا وهناك لأنّهم مرتزقة الثقافة الدائمون، والمنبطحون المتهافتون على الفتات عند أقدام أزلام هذا الطاغية أو ذاك.

تناقلت صحف تابعة للنظام أنّ اتّحاد الكتاب صالح دمشق، وتكون المصالحة هنا بوّابة لمصالحات تالية مأمولة من قبل النظام الذي لا يني يعيد الأسطوانة البائسة نفسها عن دوره في محور “المقاومة والممانعة” ومحاربة الإرهاب وغير ذلك من التضليلات المفضوحة.

 

ربّما لم يكن الاجتماع ليتجاوز وصفه الكلاسيكيّ “الاجتماع الدوري للمكتب الدائم للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب”، والذي ضمّ وفوداً من 15 دولة عربية إضافة إلى اتّحاد كتاب النظام، لولا أنّه رفع سؤال “التنوير..”، وهو سؤال مستفزّ وقناع مزيّف آخر من أقنعة الاستبداد..

ويكون رفع الشعار وإطلاق السؤال من باب زعم استحقاقه والدفاع عنه ضدّ الظلاميّين؛ ويقصد بهم جميع مَن يعارض النظام، مع تشويه للوقائع وخلط للأوراق في مسعى للتعتيم على قضية الحرّية والتنوير، مقابل ثقافة الطائفية العدوانية التي ينتهجها منذ عقود، وتجلّت بطريقة دمويّة وحشيّة في سنوات الحرب.

لم يغب عن حفل التضليل والتكاذب تصريح مفتي النظام أحمد بدر الدين حسون وزعمه الذي يظلّ مثار تنكيت متجدّد لا يؤخذ على محمل الجدّ: “أن اجتماع العرب في دمشق إشارة إلى زوال الغمة وإلى أن سورية ناهضة لا محالة لتقود العرب نحو درب الخلاص واستعادة الكرامة”.

هل سيخطر للاتحادات المشاركة، أو أعضاء منها، السؤال عن مصير العشرات من الكتاب السوريين المهجّرين في الخارج؟ هل سيتجرّأ بعضهم على الهمس لنفسه أو آخرين مشاركين معه في الاجتماعات بأسئلة عن حرّيّة الكتابة والإبداع في ظلّ نظام فتح حدود البلاد للمحتلّين والعصابات الطائفية من هنا وهناك؟ هل سمع هؤلاء بالكاتب محمد رشيد رويلي الذي استشهد تحت التعذيب في معتقلات الأسد؟ هل سمعوا خبر إعدام أجهزة النظام الكاتب ابراهيم خريط وولديه ميدانياً في دير الزور أيضاً؟ هل سمعوا عن فنانين ورسامين وأدباء نحرتهم أجهزة النظام بطرق وحشيّة، أم أنّ هؤلاء يسمعون الأوامر ويطيعونها فقط؟ هل اتّحاد الكتاب أم اتّحادات السمع والطاعة؟

المدن

مثقفون في ضيافة الأسد/ معن البياري

ليست أرطال الكذب المهولة التي جهر بها مثقفون عرب، ظهيرة أمس في قاعة أمية في فندق الشام في دمشق، فضيحةً. ولا تعني انكشاف العار الذي جلّل هؤلاء أنفسهم به، وهم يقولون ما يقولون، وإنما هي تؤكد مجدّدا المؤكّد والمعلوم، وموجزُه أن المثقف، عموما، أقدر من غيره، على إشهار خيانته وترويجها، وتظليلها أيضا بما تحتاجه من تأثيثٍ بدعاوى إنسانية ووطنية وعروبية، باستخدام فلسطين وغيرها.

ولكن، قبل أي كلامٍ في شأن المتحدّث عنهم أعلاه، يجوز للنظام الحاكم في سورية، بالبراميل المتفجرة وغاز السارين واستقدام الأجنبي، أن يزهو بإنجازه الجديد، إتيانه بمثقفين، مشتغلين بالأدب خصوصا، من 15 دولة، يتقدّمهم ذوو مواقع في تشكيلاتٍ أهليةٍ منتخبون لقيادتها، إتيانهم إلى حضرته، إلى حيث ينام ويقعد، على مقربةٍ من الذين يقتلهم، ليس بالرصاص والقذائف وتبادل الأدوار مع الإرهابيين فقط، وإنما أيضا بالتجويع والحصار والتمويت. نجح هذا النظام في استقدام هؤلاء المثقفين إليه، عندما أقرّت اتحادات وروابط كتاب وأدباء عربية، في جمع لها في أبوظبي، قبل أزيد من عام، أن يُستضاف لهم في دمشق جمعٌ لممثلين عن تشكيلاتهم، ثم لم يتيسر هذا الأمر، “لأسبابٍ أمنية”، على ما أذاعوا، فتيسّر شملهم في دبي بديلةً، ثم ها هم يفعلونها، ويتقاطرون إلى النظام الذي يحبّون (باستثناء اتحاد كتّاب المغرب)، وفي أوهامهم أنهم ينصرون سورية وشعبها، ضد إسرائيل وأميركا والرجعيات العربية، فبدأ اجتماع “المكتب الدائم للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب” أمس هناك، مصحوبا بمؤتمر عن “ثقافة التنوير”، ومهرجان شعري، وندوة (طارئة!) عن القدس.

من حصاد كذبٍ كثير، سُمع في جلسة افتتاح هذا كله أمس، قول الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، الشاعر حبيب الصايغ، إن الاجتماع في دمشق “رسالة تضامن مع المثقف والكاتب السوري”. وكان في وسع الرجل أن يخيّط في مسلةٍ أخرى، بدل هذه الفرية، فالمثقف والكاتب السوري كان خارج قاعة أمية في فندق الشام، لا لشيءٍ إلا لأنه إمّا يلزم بيته، صابرا صامدا في داخل بلده، أو أن الاستبداد المقيت دفعه إلى المنفى. كيف لشاعرٍ أن يرتضي لنفسه هذه المنزلة من الكذب الصريح؟ أيُّ مثقفٍ سوريٍّ هذا الذي يرضى أن يتضامن معه مطبّلون للإيراني والروسي، وللنظام الأسدي، وثلاثتهم يحتلون البلد؟ أما الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب الفلسطينيين، مراد السوداني، فقد واصل، في الافتتاح نفسه، استخدام فلسطين في تنظيف النظام الذي يستضيفه. رمانا، وهو في طريقه إلى فندق الشام، نحن الذين لا نجيز له النطق باسم فلسطين، بأننا صمتنا عن اعتداء إسرائيل، قبل أيام، على سورية، في تشاطرٍ، يحاول فيه جرّنا إلى المطرح الإسرائيلي، وكأننا منعنا النظام الجبان أن يصدّ هذا العدوان. قال المذكور أمس إن دمشق “تجمع الأدباء والمثقفين العرب، لتضيء بما يليق بسيرتها وإرثها المجيدين”. .. أخطأت كثيرا، لا تجمع دمشق، في هذه الأيام، إلا مثقفين من صنف الذين تخلوا عن الحس الأخلاقي والإنساني تجاه ضحايا نظام لم يعرف يوما القتال ضد العدو، فيما احترف قتلا غزيرا في السوريين واللبنانيين، وفي الفلسطينيين الذين ينتسب مراد السوداني إليهم.

أما رئيس اتحاد الكتاب العرب في سورية، نضال الصالح، وهو الداعي المُضيف، فيجدر أن يعرف أن الخصومة معه ليست في قوله إن دمشق مهوى أفئدة العرب، فدمشق كانت دائما وستظل أبدا كذلك، وإنما في أن التضامن مع محنتها الراهنة هو في رفض الابتذال الذي يصنعه هؤلاء المجتمعون فيها، عندما يباركون للقاتل شجاعته، بزعم أنه يحارب الإرهاب والإرهابيين. وعندما يقول الصالح، أمام ضيوفه أمس، إن دمشق تدافع عن العرب جميعا ضد إرادات الشر، فإنه يمارس دعايةً من النوع المتهافت، ليس من رجاحة العقل أن يُنفق واحدُنا شيئا من وقته في مجادلتها..

بإيجاز: إياكم، أنتم الذين في حضرة القاتل الآن في دمشق، أن تتوهموا أنكم تنطقون باسم الشعوب العربية ومثقفيها النظيفين. لتكذبوا فيما بينكم كما تشاءون، ثرثروا عن التنوير إياه، كما تريدون. اغتبطوا بفرحة الأسد بكم، هذه هي الثقافة التي تريدون، أما نحن ففي ضفّةِ سوريةٍ أخرى، حرّةٍ، نظيفةٍ من أمثالكم.

العربي الجديد

الإمارات تقود الكتاب العرب إلى حضن النظام السوري

رأي القدس

تداول كتاب ومثقفون عرب وفلسطينيون حكاية رواها أحد المقربين من الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش عن محاولة النظام السوري استغلال خلاف له مع الزعيم الراحل ياسر عرفات خلال زيارة للشاعر إلى دمشق أيام الرئيس السابق حافظ الأسد وانتهاء المحاولة بخروج سريع لدرويش ولقائه بأبو عمار في تونس حيث تصالحا، فدرويش، إلى كونه شاعرا كبيراً فقد كان ناقداً جذرياً للأنظمة العربية ورافضاً لاستغلالها الوظيفي للقضية الفلسطينية.

تداول القصة يجري على خلفية مؤتمر لاتحاد الكتاب والأدباء العرب في دمشق السبت المقبل وهو اجتماع يحمل مفارقات عديدة تبدأ طبعاً من هذا الزواج الفضائحي بين منظمات تمثل (أو يفترض أن تمثل) الكتاب والأدباء العرب، ونظام صار علامة فارقة في التغوّل والتوحّش ضد شعبه وأنموذجا فظيعا في الإبادة وانتهاك حقوق البشر، من دون استثناء الكتاب والمثقفين الذين تعرّض الكثيرون منهم للاغتيال والقمع والسجن.

مثير هنا أن نلاحظ أن هذه المسيرة المعقدة نحو نظام دمشق بدأت مع تولّي الشاعر الإماراتي حبيب الصايغ رئاسة هذا الاتحاد عام 2015 والتي سيختمها، على ما يظهر، بتسليم راية الكتاب والأدباء العرب إلى نظام بشار الأسد، وقد تتضمن الصفقة تسليم رئاسة هذا الاتحاد إلى أحد المحسوبين على النظام السوري.

المفارقة هنا أن الإمارات كانت محسوبة، في الظاهر على الأقل، ضمن «أصدقاء الشعب السوري» وهو عنوان فضفاض نشأ بعد الثورة السورية لمجموعة كبيرة من الدول والأمم المؤيدة لإسقاط النظام وبناء حكم مدني ديمقراطي بديل، لكن حدث تسليم قيادة اتحاد الكتاب والأدباء العرب إلى النظام السوري على الشكل الذي نراه حاليّاً، يظهر تطبيعاً كان موجوداً دائماً وعلى مستوى عال بين الإمارات ونظام الأسد، كما يظهر أن «صداقة» الشعب السوري كانت مطيّة امتطتها أبو ظبي لفترة كانت خلالها موجودة في «غرف» التأثير العسكري والأمني لضبط نشاط وتمويل الفصائل المعارضة للنظام والتجسس عليها.

يكشف هذا الاجتماع الموعود بوضوح هذا التواطؤ بين الإمارات والنظام السوري لكنه يظهر أيضاً مفارقات هائلة بين العنوان الذي تحمله مؤسسة يفترض أن تمثل الكتاب والأدباء العرب وبين المكان والزمان اللذين تجتمع فيهما ليس بعيداً عن مجازر مهولة تحصل على بعد كيلومترات قليلة من الفندق الذي يستضيف المؤتمرين.

يحمل هذا الاجتماع الذي سيضم نحو 60 كاتبا وأديبا وشاعرا من 16 دولة عربية بالتالي تأييدا ضمنيا للمجازر التي يمارسها النظام السوري منذ 7 سنوات دون توقف، كما أنه يحمل مباركة للرئيس العربيّ الوحيد الذي ورث الحكم عن والده وقابل الاحتجاجات ضد فساد ووحشية أقاربه وأعوانه عام 2011 بحصار المدن وتجويعها حتى الموت وقصفها بالبراميل والأسلحة الكيميائية ثم بتسليم بلاده لإيران وروسيا والميليشيات الطائفية وصولاً إلى تلاشي أي معنى أو سيادة لسوريا.

لا يمكن للأيديولوجيات اليسارية والقومية التي كانت «موضة» الكتاب والأدباء العرب خلال القرن الماضي أن تكون القناع الذي يستخدم لتفسير هذا الاختلال الهائل في البوصلة الأخلاقية للمشاركين، ولا يمكن بأي حال تصديق أن يقوم التناغم الحاليّ القائم بين اتحاد كتاب الإمارات واتحاد كتاب العرب (المنظمة التابعة للنظام السوري) إلا على التوحّد الذي صنعته الثورات العربية بين شكلي الطغيان العربيين: التقليديّ الذي تمثله أنظمة السعودية والإمارات إلخ، والعسكريّ الذي تمثّله أنظمة سوريا ومصر والجزائر وليبيا واليمن.

الفضيحة طبعاً هي أن يحصل كل ذلك باسم الكتاب والأدباء العرب، وأن تصبح الإمارات هي قائدة «الممانعة» التي تسلم راية الثقافة العربية لنظام الأسد.

القدس العربي

الكتاب العرب” في دمشق: بؤس المثقف

تستمر حملات استنكار انعقاد مؤتمر “الاتحاد العام للكتّاب العرب”، الذي افتتح اليوم في دمشق، من قبل عدد من المثقفين الذي أدانوا تنظيمه، في وقت تتواصل فيه جرائم النظام السوري ضد شعبه، الذي نزح ما يفوق 10 ملايين منه، سواء داخل سورية، أو إلى بلدان أخرى.

في الوقت نفسه، تداول كتّاب فلسطينيون وعرب ما وصفوه بـ”إعلان براءة وإدانة”، أعلن فيه الموقّعون براءتهم من الاتحاد، وإدانتهم لعقد مؤتمره في العاصمة السورية، كما أدانوا مشاركة وفد من “اتّحاد كتّاب وأدباء فلسطين” الذي لا يمثّلهم حسب ما قالوا.

في حديثه لـ”العربي الجديد”، يقول القاصّ والكاتب الأردني هشام البستاني إن “اتحاد الكتاب العرب والاتحادات المنضوية تحته، مجرّد روابط شكلية غير معنية بالإبداع ودعم المبدعين، وهي مرتبطة بشكل أو بآخر بالسلطة الحاكمة في هذه البلدان، إما تابعة لها أو أبواق دعاية، أو في أحسن الأحوال تمثل إطاراً متواطئاً معها لا يرفع صوته ضد انتهاكات حرية المبدعين والحريات السياسية عامةً”.

يضيف صاحب “الخراب” أن “الاتحاد عبر تاريخه ومنذ أن استلم رئاسته علي عقلة عرسان وإلى اليوم، يعيد إنتاج الحالة نفسها في خدمة الأنظمة، ومنها النظام السوري، في سياق التمحور العام في المنطقة بين محورين؛ سعودي إسرائيلي من جهة وإيراني سوري من جهة أخرى، تذهب ضحيته الشعوب العربية ومصالحها”.

يشير البستاني إلى أن “المثقف يريد أن ينتج نفسه كملحق أو أداة بيد هذه الأنظمة، بدلاً من تفكيك خطابها وبناء خطاب آخر، ويلهث خلف أي جائزة أو شكل من أشكال الاعتراف بغض النظر عن قيمة المؤسسة التي تمنحه، حتى أضحى متسولاً عندها، وهذا جزء من بؤس المشهد الثقافي العربي”.

أما الشاعر السوري علي سفر فيتساءل في حديثه لـ”العربي الجديد”: “أي نوعية من الكتاب هؤلاء الذين يغمضون أعينهم عن جرائم نظام الأسد بحق الشعب السوري عموماً، وبحق المثقفين والكتاب السوريين، الذين بات أغلبهم أسرى المنافي بسبب سياسات القمع والإرهاب وكمّ الأفواه؟”.

ويتابع: “أي انحطاط أخلاقي هذا الذي يجعل من هؤلاء يصادقون على رواية اتحاد كتاب “أزلام” النظام ومخبريه، في أن ما يحدث في سورية هو مؤامرة وإرهاب.. إلخ؟ ألا يعيدنا كل ما يفعله هؤلاء تحت شعارات اتحاد الكتاب العرب، إلى أن الثقافة العربية باتت رهينة توجهات الأنظمة التي ترفض التغيير وتدعم الثورات المضادة؟”.

ويختم: “كيف يتفق أن يكون هناك كاتب عربي يزور مدينتي بينما أنا مطرود منها؟ من سيستضيفك فيها سوى من قام بطردي؟! كيف سترى دمشق دون أهلها؟ هلّا فكرت.. أم أنك فقدت حتى هذه الميزة البشرية؟”.

الكاتب والمخرج السينمائي الفلسطيني نصري حجاج، كتب على صفحته في فيسبوك: “واضح جداً من تفاصيل الواقع النقابي للكتاب الفلسطينيين، ومن المواقف السياسية فيما يخص الصراع مع الاستعمار الإسرائيلي والقدس وواقع السلطة.. وأيضاً في المواقف المخزية من صراع الشعوب العربية مع طغاتها وانحياز النقابة إلى الطغاة قولاً وفعلاً وفكراً، والتعاون مع أنظمة ومؤسسات منخرطة في سفك دماء واعتقال الكتاب والأدباء والشعراء والفنانين الفلسطينيين والعرب، واضح جداً أن هناك أزمة نكبوية على المستويات كافة وخصوصاً على المستوى الأخلاقي”.

ورأى “أن الوضع الهابط والمفكّك أخلاقياً وفكرياً وسياسياً لواقع الاتحاد العام للكتاب الفلسطينيين يخدش تاريخ الكتّاب الفلسطينيين، ويسيء إلى الكتّاب الذين كتبوا بالدم لفلسطين وحريات الشعوب عبر التاريخ الفلسطيني قبل النكبة وبعدها وإلى وقت قريب”.

وختم حجاج “هذه الأزمة الكبرى تتطلب اليوم وقفة جدّية من قبل جميع الفلسطينيين كتاباً وفنانين ومثقفين أحراراً ومؤسسات، لإعادة الإشعاع لدور الكاتب الفلسطيني في دفاعه عن حرية شعبه بوضوح، وخطوات تتقدم ممثليه السياسيين، والشعوب المتطلعة إلى الحرية إزاء الدور الظلامي المتخلّف والقاصر والمنحاز إلى الطغاة لمن يمثّلون نقابياً كتاب فلسطين اليوم”.

العربي الجديد

الزحف المقدّس/ رشا عمران

لا يعيب رئيس اتحاد الكتاب السوريين الحالي أن يعلن، بكل فخر، أن اجتماعاً للمكتب الدائم للاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب سوف يُعقد في دمشق قريباً برعاية الأسد. فالرجل، منذ البدايات الأولى للثورة السورية، حين كانت في أبهى صورة لها، وقف ضدها بصمته عما يحدث، أو بمواربةٍ بالغة الرداءة، حين كان يقول حين يُسأل عن رأيه بما يحدث، ولم يكن وقتها يخطر في باله أنه سوف يصبح رئيساً للاتحاد، أنه “يقف مع الوطن”، وكأن الوطن حالةٌ مفصولةٌ عن الشعب الثائر، وكأن من تظاهر في شوارع سورية، واعتقل وعُذب وقُتل وشُرّد، ليس من هذا الوطن، أو كأن ذلك كله حدث من أجل أوطان الآخرين! هذا التهرّب الرديء من الإجابة على سؤالٍ ملحٍّ وأخلاقي في ذلك الوقت، كان نوعاً من البراغماتية والانتهازية الواضحة، فالوقوف “مع الوطن” سيضمن له صفحة بيضاء، وموقفاً لا يُحسب عليه في حال انتصار الثورة. و”الوقوف مع الوطن” أيضاً يعني الوقوف مع النظام، في حال انتصار النظام، فالوطن تم دمجه، منذ استلم آل الأسد حكم سورية، بالنظام، والمعارضون للنظام هم خونة الوطن. هذا، في كل حال، وضعٌ عربيٌّ بامتياز، لا يمكنك أن تنتقد أي نظام عربي حاكم من دون أن يطلع عليك من يتهمك بكراهية الشعب والبلد الذي تنتقد نظامه وعدائهما.

لا يعيب، إذاً، رئيس اتحاد الكتاب السوريين ما أعلنه، فالرجل حسم خياراته، وتخلى عن إجابته البراغماتية، وأعلن ولاءه الكامل للنظام، واستلم رئاسة واحدةٍ من أكبر مؤسسات النظام الثقافية. والمجتمع الدولي حالياً يتجه نحو إعادة تدوير النظام السوري وتبييض صفحته، متناسياً أو غاضّاً النظر عن كل ما ارتكبه من جرائم بحق الشعب، من قتل أكثر من نصف الشعب السوري وتعذيبه وتشريده، وتدمير أكثر من سبعين في المائة من البلد، وتخريبها بذريعة محاربة الإرهاب. فلمَ لا يفاخر الرجل بهذا (الإنجاز)، ويعلنه بكل فخر، وكأنه يعلن فيه بيان الانتصار، وعودة الأمور إلى ما كانت عليه، قبل أن يتكشف أكثر من نصف الشعب السوري عن (إرهابه وعمالته)! وتعود “سورية الأسد” لتكون “قلب العروبة النابض وقلعتها الصامدة” في وجه المخططات الإمبريالية، ووجه إسرائيل التي استباحت السماء السورية خلال السنوات الأخيرة، وقصفت مواقع سورية عسكرية بالغة الحساسية. وما زال قلب العروبة النابض يحتفظ بحق الرد على إسرائيل حتى هذه اللحظة، بينما يبرّر مؤيدوه من (المثقفين) السوريين والعرب حربه ضد السوريين بأنها الحرب على إسرائيليّي الداخل السوري.

لكن، ماذا بالنسبة لوفود الكتاب والأدباء العرب الذين سيشدّون الرحال إلى دمشق، للمشاركة في اجتماعات الأمانة العامة، والأنشطة المصاحبة. وسيقابلون، كما قيل، رأس النظام السوري، وسيصافحون يده الموغلة في دم شعبه وخراب بلده؟ ماذا بالنسبة لهؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم نخب شعوبهم، فالكاتب هو لسان حال الشعب، والشعوب على مد الزمن تفاخر بكتابها ومبدعيها، باعتبارهم يمثلون ضمائر الشعوب الظاهرة والمضمرة؟ كيف سيكون حالهم وهم يمجّدون سورية الأسد، على عادة وفود الأدباء العرب، بينما في السجون والمعتقلات التي تبعد عن مركز اجتماعهم كيلومترات قليلة فقط، يموت يومياً عشرات من خيرة شباب سورية تحت التعذيب؟ لن نسأل عن موقف هؤلاء من القصف المتواصل للغوطة، والذي سيسمعونه حتماً في أثناء إقامتهم الميمونة في رحاب دمشق، فالنسبة لهم كل من في الغوطة يُصنف تحت بند الإرهاب. لكن سنطلب منهم أن يسألوا، ولو من باب الفضول، عن مصير عبد العزيز الخير ورجاء الناصر ورفاقهما المختفين  من أعضاء هيئة التنسيق الوطنية، والتي تمثل “المعارضة الوطنية” التي كانت أول من طرح اللاءات الثلاث، وهي اللاءات نفسها التي يبرّر فيها مؤيدو النظام السوري من المثقفين العرب وقوفهم ضد الثورة.. هل سيجرؤ أحدهم على فعل ذلك؟ وهل سيجرؤ أحدهم على الإجابة على سؤال قد يطرحه أي سوري: بعد كل ما حصل ويحصل في العالم العربي، كيف يمكنكم التهليل لنظامٍ لا يزال يعتقل مواطنيه، لمجرد مطالبة الجميع بوقف الحرب؟ كيف يمكنكم الذهاب إلى بلدٍ لا يستطيع أكثر من نصف شعبه العودة إليه، وأكثر من سبعين بالمئة من كتابه ومثقفيه خارجه، ويتعرّضون يومياً للتخوين والتشنيع لرأيهم السياسي المعارض؟

هنيئاً لوفود الكتاب والمثقفين العرب “زحفهم المقدس” إلى “سورية الأسد”، وطوبى لمن يحلمون بسورية نقية، وخالية من أي استبدادٍ تُنسب له.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى