صفحات الثقافة

الكتاب الورقي والإلكتروني

                                            أمير تاج السر

 اعتدنا في الأعوام الأخيرة أن نقرأ يوميا أخبارا جديدة تبشر بقرب اختفاء الكتاب الورقي لتحل محله كتب التكنولوجيا الحديثة التي يمكن قراءتها عبر قارئ الكتب المسمى (كيندل)، أو جهاز أبل ماكنتوش الجديد المطور “آيباد”، وأن تلك الكتب ذات الأغلفة الملونة والورق المصقول أو الخشن، التي علمتنا منذ الصغر، ووسعت ثقافتنا لسنوات طويلة، ستصبح مجرد ذكرى في زمن قريب.

وسينطبق ذلك أيضا على الصحف الورقية المعتادة، التي توقف بعضها بالفعل عن النشر ورقيا، واكتفى بنشر مواده على مواقع إلكترونية، يمكن الدخول إليها عن طريق الاشتراك.

هذه الأخبار مقلقة دون شك، سواء لدور النشر التي ازداد عددها في السنوات الأخيرة، وتنافست  بشكل كبير في جاذبية الأغلفة ونوعية الورق والدعاية المكثفة لاستقطاب قارئ محتمل، أو للقارئ  التقليدي صاحب الذائقة المستقرة، الذي تعود لسنوات طويلة إمساك كتاب بيديه وتقليبه والتغزل فيه والاسترخاء به في أي وضع وأي مكان.

ولو حدث واختفى الكتاب الورقي بالفعل، فإما أن يهجر القارئ المطالعة نهائيا، أو يحاول تحديث ذائقته، وجرها إلى القراءة الإلكترونية باقتناء تلك الأجهزة الحديثة، وربما لا يحدث ذلك إلا بعد محاولات مضنية، فيها الكثير من الانزعاج والإحباط.

من ناحيتي، لا أستبعد ذلك أبدا، أي أن تختفي القراءة القراءة الورقية بالفعل. وقد لاحظت أن المواقع التي تنشر الكتب الإلكترونية في ازدياد أيضا، وتوجد دور نشر في أوروبا وأميركا وأيضا في الوطن العربي- وإن كان ذلك على استحياء حتى الآن- تخصص في مواقعها روابط بارزة للكتاب المنشور ورقيا وإلكترونيا في نفس الوقت.

وعلى المتصفح لتلك المواقع أن يختار الطريقة التي سيقرأ بها، ولا بد أنه سيجد أن تحميل الكتاب مباشرة بعد دفع نصف سعر النسخة الورقية، أسهل بكثير من طلبه ورقيا، والانتظار عدة أيام، أو ربما أشهر حتى يحصل عليه.

أيضا لاحظت في موقع أمازون الشهير لبيع الكتب، وحين أستعرض تفاصيل كتاب ما عبارة تقول: اطلب من الناشر أن ينشره إلكترونيا لتقرأه عبر جهاز كيندل، وعند الضغط عليها تصبح طلبا رسميا من قارئ إلكتروني يريد الكتاب إلكترونيا، وتذهب إلى الناشر مباشرة الذي دون شك سوف يستجيب إن كان عدد الطلبات على القراءة الإلكترونية جيدا.

وأثناء مروري في عدد من معارض الكتب، مثل معرض الشارقة ومعرض أبو ظبي ومعرض الدوحة الذي اختتمت أيامه مؤخرا، لاحظت أيضا وجود دور نشر للأطفال والكبار، بعضها لا يوزع سوى أقراص الكتاب الإلكتروني، وبعضها يوزع الكتاب الورقي مصحوبا بقرص للقراءة الإلكترونية، حسب مزاج القارئ.

كذلك يحرص موقع أمازون في كثير من الأحيان على أن يواجه المتصفح له بالنسخ الإلكترونية أولا، مع عروض شيقة لجهازه كيندل، كأنما يسعى المسؤولون فيه إلى التسويق للقراءة الحديثة بالفعل.

أعتقد أن هناك أسبابا كثيرة، ستساهم في انتهاء النشر الورقي أو التقليل منه مستقبلا، منها تكاليف الطباعة الورقية، من ورق وأغلفة تحتاج لمصممين وتكاليف شحن للمشاركة في المعارض التي تقام في أي مكان ومغامرات تسويق كثيرة، مثل الملصقات الدعائية، وحفلات التوقيع، التي ربما تنجح في تسويق الكتاب وربما لا، إضافة إلى حقوق المؤلف التي لا بد من دفعها في النهاية، لدى الناشرين الذين يهتمون بالكاتب ويقدرون حقوقه، خاصة في الغرب.

ولعل أعباء النشر، وتكاليفه التي ذكرتها، إضافة إلى عدم إتاحة الفرصة للكثيرين من المبدعين الجدد، لنشر نتاجهم، حدا بالبعض لمحاولة بدء النشر الإلكتروني، وهي محاولات بالطبع فيها مجازفة للقارئ، لأن تلك السهولة تتيح مرور الرديء من الإبداع جنبا إلى جنب مع الجيد منه، وبالتالي إبعاد جديد للقارئ من سكة القراءة.

هناك شيء آخر لاحظته ربما يؤجل كثيرا من التهام القراءة الإلكترونية للقراءة الورقية، وهو أن القارئ بمجرد أن يحصل على نسخته الإلكترونية، يمكنه بمساعدة متخصصين، أن يتخلص من الحماية التي ترافقها، ونشرها مجانا لمن يريد، في كثير من المواقع التي تنشر الكتب المقرصنة، مثل موقع “فور شير”، الذي تحوي قاعدة بياناته آلاف الكتب في صيغتها المنشورة بها ورقيا، وهو ما لم يكن متاحا في السابق، حيث يصعب تصوير الكتاب وعرضه بطريقة صالحة للقراءة. وفي ذلك مزيد من الخسارات في صناعة النشر.

جربت شخصيا، أن أقرأ الكتب إلكترونيا، حملت عددا من الروايات وكتبا أخرى ذات مواضيع مختلفة، من مواقع التحميل المجاني تلك، وحاولت قراءتها في أوقات متعددة، ولم أستطع إكمال كتاب منها على الإطلاق، كان الأمر مرهقا للنظر بصورة كبيرة، وأيضا فيه غرابة، وبالتالي لا أتمنى أن أجبر في المستقبل على مداومة القراءة هكذا.

ربما يكون الأمر عاديا لأجيال جديدة نشأت في وجود التكنولوجيا وتستخدمها روتينيا في كل ساعة من اليوم، لكنه شيء مرعب لي ولأبناء جيلي الذين تعودوا مصادقة الكتاب، والتغزل في طباعته أولا، قبل الشروع في القراءة، وسيعانون كثيرا إذا اضطروا إلى مصادقة جهاز إلكتروني يوم ما.

من ناحية أخرى، لا أجد خوفا كبيرا على قراء العربية عشاق الورق، من اختفاء الكتاب العربي، فرغم أننا نحصل على التكنولوجيا سريعا، كما يحصل عليها المستخدم الغربي، يحتاج فهمها عندنا والتفاعل معها وقتا طويلا، وبالتالي ربما تصمد كتبنا زمنا، ولا تصبح ذكرى في القريب العاجل. ذلك ما لم ينحسر فعل القراءة نهائيا، في وجود كل وسائل التسلية المتاحة حاليا.

_______________

كاتب وروائي سوداني

الجزيرة نت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى