صفحات سورية

الكردستاني بين الداخل الكردي والخارج الإقليمي

 

دارا عبدالله

الوصولُ إلى السلطة بالتضحيات يولِّد إذا استُغلّ، أسوأ أنواع الدكتاتوريات. و أيّ خطرٍ خارجي يهدِّد جماعةً أهليَّة معيَّنة، سيولِّد ديكتاتوريات تتسلَّط على تلك الجماعة، تأخذ شرعيَّتها من استمرار هذا الخطر. هذه الحقيقةُ المُثبتة عبر حركة التاريخ تفسّرُ جزئيَّاً شرعيَّة أحزاب شموليَّةٍ سواءً كانت  دينيَّة إسلاميَّة، أم يساريَّة ماركسيَّة، كحركة حماس وحزب الله وحزب العمال الكردستانيPKK  (وربما “الجيش الحر” لاحقاً!).

المفاعيلُ السياسيَّة الناتجة عن معركة رأس العين ستكون غير محمودة ليس فقط على المتَّحد الوطني السوري العام، بل على المجتمع الأهلي الكردي نفسه. من هنا سأجازفُ بالقول إنَّ انتصارَ حزب العمال الكردستاني في رأس العين أخطرُ من هزيمته لسببين أساسيَّين:

أوَّلا: اكتساب “شرعيَّة الدم”، لأنَّ “الأرضَ حُرِّرَت بدماء الشهداء”. هذه “الشرعيَّة” ستكون قوَّة ضاغطةً على كلّ التنظيمات السياسية الكرديَّة الأخرى منزوعة السلاح والتي تختلف رؤيتها السياسيَّة عن رؤية الحزب، وهذا ما سيؤدّي إلى هيمنة حزب العمال الكردستاني على كامل المجتمع الأهلي الكردي وتطبيقه مشروعهِ الحزبي الخاص.

ثانياً: زيادةُ الانفصال النفسي للأكراد عن المجتمع السوري العام، وفقدان الثقة بعموم المجتمع السوري من جهة  وبالسياسة وأساليبُ الحوار لتحصيل الحقوق من جهة أخرى، وبالتالي ارتفاع حرارة تحسسّ الهويَّة الذاتيَّة الكرديَّة، وصعوبة إندماج المناطق ذات الغالبيَّة الكرديَّة في أيَّةِ حكومةٍ مركزيَّة مستقبليَّة مقبلة.

مهمُّ الذكر بأنَّ حزب العمال الكردستاني لم يطبَّق على المجتمع الكردي السوري من فوق، على نحو ما استُحْضِر حزب الله نتيجة تمازجِ ظروفٍ إقليميَّة ودوليَّة ومخابراتيَّة وطُبّق من فوق على الطائفة الشيعيَّة، بل هو حزبٌ مرتبطٌ ارتباطاً مشيميَّاً بالقاع الأهلي الكردي. وليس الحزب عصابةً معزولةً تعيش على ضفاف المجتمع الكردي كما  في تحليلات كثيرٍ من النقاد، بل تولَّد في لحظة تاريخية مفصليَّة متبنّياً الشعارات التحرريَّة التي تداعب الوعي  القومي الكردي الملتهب آنذاك. لذلك فإنَّ أيَّ تفكيكٍ مسلَّح لحزب العمال الكردستاني هو مساس بقاع المجتمع الأهلي الكردي وبحدود السلم الوطني وتوازناته، خصوصاً إذا كان “المخلّص” مدعوماً من طرف له عداءٌ تاريخي مزمنٌ مع الأكراد كتركيا، ومصطبغاً بلون عرقي ومحلي خاصّ، وأقصد عرب الجزيرة.

مسألة حزب العمال الكردستاني هي مسألة دقيقة جداً وحسَّاسة، إغفالُ المعادلات الإقليميَّة والاعتمادُ على نظرةٍ قطريَّة محليَّة غيرُ كافٍ لدراسة تحليليَّة مقاربة لسلوك الحزب السياسي والعسكري. إحدى إشكالات الحزب اقتصاديَّة المنشأ، لأنَّ الكتلة الأساسية (والكلام غير إطلاقي هنا) لجماهير حزب العمال الكردستاني هم من”البروليتاريا”، أي الأيدي العاملة ركيكة التعليم، والطبقة المسحوقة اقتصادياً (ازدادت سماكة هذه الطبقة بعد اللبرلة الاقتصادية المجنونة)، وهذه الكتلة هي مادة خام رائقة لأي حزبٍ توتاليتاري شعبوي مثل حزب العمال الكردستاني. لذلك فإنَّ توسيع مساحة الطبقة الوسطي سيساهم ولو جزئياً في تقليل الخزان البشري الأساسي للحزب.

وأخيراً فإنَّ دخول المقاتلين المسلحين إلى المناطق التي يسيطر عليها حزب الكردستاني لن يزيد سوى شرعيَّة الحزب في هذه المناطق، لأنَّ الصراع المسلَّح بين حزب العمال والجيش الحر سيتراكب إلى صراع عرقي عربي- كردي. حزب العمال الكردستاني لن يسقط إلا بتبدل بنيوي عميق في الوعي القومي الكردي نفسه، بعبارة أدق” انتفاضة شعبيَّة كردية داخل البيت الكردي نفسه”.

موقع المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى