إياد الجعفريصفحات المستقبل

الكرد وإنقلاب إدلب/ إياد الجعفري

 

 

لا مزيد من الأسلحة للأكراد في سوريا، ومنبج والرقة لن تكونا قريباً، جزءاً من الكيان الكردي الذاتي. تلك عروض واشنطن المبدئية للأتراك، بغية لجم انزياحهم المضطرد نحو روسيا، وتلافياً لتداعيات مرتقبة جراء الضربة الاستخباراتية النوعية التي وجهها الأتراك لـ “قسد”. بالتزامن مع التلويح باستهداف عسكري لـ “عفرين”، والتعاون مع الأسد ضد الأكراد.

التطورات السابقة، رافقها تطور نوعي في إدلب، تمثل بانقلاب ضد قادة القاعدة التقليديين في أوساط هيئة تحرير الشام، لم تتضح تداعياته النهائية بعد. لكنه مؤشر على فرز حاسم، ونهائي، ربما، بين المتشددين المتمسكين بنهج القاعدة في أوساط الهيئة، وبين أولئك الميالين للانخراط في السياسة المحلية والإقليمية، بواقعية تتناسب مع الوضع السوري، دون أي أجندات عابرة للحدود.

الانقلاب ضد قادة القاعدة المتمسكين بنهجها داخل الهيئة، كان انقلاباً استباقياً، لانقلاب أُعد على عجل، في أوساط التيار المتشدد، للانشقاق عن هيئة تحرير الشام، وإعلان فرع جديد لتنظيم القاعدة. لكن قادة الهيئة استبقوا ذلك، بخطوة، يُعتقد أنها أطاحت تماماً بإمكانية إنشاء فرع جديد للقاعدة في إدلب وريف حماة الشمالي.

النتائج الأولية لذلك الانقلاب، تمثلت في فرار الكثيرين من المتمسكين بنهج القاعدة، من مناطق سيطرة الهيئة، إلى مناطق سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية”، المتاخمة، في ريف حماة الشمالي الشرقي. ويبدو، مبدئياً، أن ذلك الفرار تلقى تسهيلات من مقاتلي الهيئة، أنفسهم، مما يعني أن هناك قراراً من قادة الهيئة، يتيح إتمام عملية الفرز، والتخلص من القوى والخلايا المتمسكة بنهج القاعدة، داخل مناطق سيطرة الهيئة.

ذلك الفرز، سيفيد قدرة الهيئة في ضبط مناطق سيطرتها، ومنع نشوء أي تنظيم “قاعدي” مناوئ لها، داخلها. لكنه في الوقت نفسه، أفاد تنظيم “الدولة الإسلامية” عبر ضخ دماء جديدة وأسلحة، في شرايينه المتهالكة. ومن دون شك، سيقوم التنظيم بدوره الوظيفي المرتقب، وهو النيل من التوجهات المعتدلة في مناطق المعارضة. وستكون وجهة معاركه الرئيسية في الفترة القادمة، هي مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام.

لكن، رغم ذلك التهديد المرتقب لمناطق سيطرة الهيئة في الشمال السوري. إلا أن عملية الفرز الأخيرة، تمثل ورقة مفيدة للأتراك. قد يكونون أحد من عمل على صياغتها بالأصل. فها هم تمكنوا، أمام شركائهم من الروس والإيرانيين، وكذلك، أمام الأمريكي، من تحويل إدلب، من موطئ قدم للقاعدة، إلى طارد لها، وإلى سدٍ منيعٍ لمواجهة متشددي القاعدة وتنظيم الدولة.

هو نجاح جديد للأتراك، الذين نجحوا بامتياز في نسج علاقات تعاون، يُعتقد أنها ستصبح وطيدة أكثر، في المستقبل، مع قيادة هيئة تحرير الشام، التي أصبحت بدورها أكثر واقعية وميلاً لتقبل حقائق السياسة الإقليمية. بكلمات موجزة، تحولت هيئة تحرير الشام، ومناطق سيطرتها في إدلب وريف حماة الشمالي، من عبء مرتقب على الأتراك، إلى جناح يدعم سياساتهم في الداخل السوري.

وهي نقطة إيجابية، من دون شك. ففي نهاية المطاف، ووسط تضارب مصالح القوى الإقليمية والدولية المتصارعة في سوريا، يبدو الأتراك، الأقرب الى همّ الشارع السوري في الشمال، رغم الانتقادات الموجهة لتقاربهم مع الروس والإيرانيين.

التحول النوعي في إدلب، الذي سيخدم الأتراك، تزامن مع نجاح استخباراتي نوعي، حققه الأتراك أيضاً، تمثل في تأمين انشقاق، العميد طلال سلو، المتحدث باسم ميليشيا “قوات سوريا الديمقراطية – قسد”. ذلك الانشقاق بدت ثماره الاستخباراتية جلية في خريطة نشرتها وكالة الأناضول التركية، تكشف مواقع تخزين السلاح في مناطق سيطرة “قسد”. وهي رسالة تركية للأكراد والأمريكيين، بأننا حققنا اختراقاً استخباراتياً نوعياً، قد يتيح القدرة على توجيه ضربة عسكرية نوعية لبعض مناطق سيطرة الميليشيا الكردية.

وكان التلويح التركي باستهداف عفرين، رسالة سابقة. وصلت سريعاً للأكراد، وحلفائهم الأمريكيين، الذين يريدون امتصاص النجاحات التركية، قبل أن تتطور إلى تحولات نوعية على الأرض.

فكانت المبادرة الأمريكية نحو تركيا، التي أعلنت واشنطن بموجبها، أنها تدرس وقف تسليح “قسد” بأسلحة ثقيلة. وهو ما يعني، أن تمدد “قسد” وصل إلى حده الأقصى. وأن واشنطن ليست بوارد دعم الأكراد للتمدد نحو المتوسط، كما كانت تخشى تركيا.

وأكثر من ذلك، تضمنت الانتخابات المحلية التي أجراها الكيان الكردي الذاتي، في شمال شرق سوريا، رسالة مزدوجة. الأولى، مفادها أن الأكراد ماضون قدماً نحو تعزيز مشروعهم للحكم الذاتي. فيما الثانية، تسترضي الأتراك، إذ لم تشمل تلك الانتخابات منبج والرقة، في إجراء مفاده، أن تلك المناطق قد لا تكون جزءاً من الكيان الكردي الذاتي، مستقبلاً.

لكن، إعلان واشنطن دراسة وقف تسليح “قسد”، لا يعني مطلقاً، كما فسره البعض، تخلياً أمريكياً عن الأكراد. فالتصريحات الرسمية الأمريكية، جليّة. ومفادها، أن “قسد” في المدى المستقبلي المنظور، بحاجة لتوطيد سيطرتها على المناطق التي استولت عليها. وهي ليست بوارد مزيد من التوسع، مع النهاية المرتقبة للمعارك مع تنظيم “الدولة الإسلامية”، في الريف الشمالي الشرقي من دير الزور. وبالتالي فإن “قسد” ليست بحاجة للمزيد من الأسلحة الثقيلة. لكن المسؤولين الأمريكيين ألمحوا إلى حاجة “قسد” لأسلحة ومعدات تخدم الأمن الداخلي لمناطق سيطرتهم.

أي، أن أمريكا ستدعم سيطرة الأكراد على المناطق التي استولوا عليها. وقد يكون للرقة ومنبج، أوضاع خاصة، مستقبلية، قابلة للتفاوض، مع الأتراك، أو مع نظام الأسد وحليفه الروسي.

تلك كانت محاولة أمريكية لاسترضاء الأتراك. فأنقرة ذهبت بعيداً في التنسيق مع الروس. ولوحت بجدية، في أنها قد تذهب إلى النهاية، عبر التفاهم مع نظام الأسد، بغية محاربة المشروع الكردي. وهي خطوة لو تمت، فهي تعني أن أعباء كبيرة ستكون ملقاة على عاتق الأمريكيين، لحماية مناطق سيطرة حلفائهم الأكراد. أعباء تتناقض كليةً مع الاستراتيجية الأمريكية، شبه المستقرة في سوريا، منذ سنوات، وهي التدخل بأقل تكلفة ممكنة، وعدم الانجرار إلى المستنقع السوري، بصورة تورطٍ شامل.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى