صفحات سوريةهوشنك أوسي

الكرد والمعارضة السورية: حب من طرف واحد!/ هوشنك أوسي()

 

 

لا خلاف على أن تركيز اهتمام التحالف الدولي على مدينة «كوباني» الكرديّة السوريّة أكثر من المدن السوريّة الأخرى، أثار حفيظة وحساسيّة المعارضة السوريّة، بشكل عام، وذات التوجّه العروبي – الإسلامي – السنّي على وجه الخصوص، لجهة الشعور بالغبن والمظلوميّة، وأن العالم ترك بقية المدن السوريّة تواجه وحشيّة نظام الأسد. هذه الحساسيّة، يمكن تفهّمها والتضامن معها، وإيجاد المبررات والمسوّغات لها. بالرغم أن العالم، وعلى مدى الثلاثة أعوام والنصف الماضيّة، ركّز على كل المدن السوريّة، وعقد عشرات المؤتمرات، ومنح مئات الملايين من الدولارات للمعارضة السياسيّة والعسكريّة السوريتين، وعقد جلسات في مجلس الأمن والجمعيّة العموميّة للأمم المتحدة، وجرت اجتماعات الجامعة العربيّة، وعليه، لا يتحمّل الكرد السوريون مسؤوليّة عدم الاهتمام بالمدن السوريّة الأخرى، بما يوازي الاهتمام بكوباني، كما حاول الكثير من المعارضين والمثقفين العرب السوريين، تلميحاً او تصريحاً، تحميل الكرد مسؤوليّة ذلك.

لكن، ما لا يمكن فهمه وتبريره، أو حتّى تفسيره، هو أن الكثير من المثقفين والكتّاب العرب السوريين المعارضين لنظام الأسد، الذين لطالما رددوا أحد أجمل شعارات الثورة السوريّة «… الشعب السوري واحد»، هم أنفسهم طعنوا في هذا الشعار، حين انزلقوا نحو الطائفيّة، وصاروا يهاجمون العلويين والدروز والمسيحيين، وانزلقوا نحو الشوفينيّة والعنصريّة، حين استهدفوا الكرد، على أنهم مشتبه بهم! ولديهم نوايا ومشاريع انفصاليّة! ومناهضين للإسلام والعروبة!

وما لا يمكن تفسيره وفهمه وهضمه أيضاً، أن بعض المثقفين والمعارضين لنظام الأسد، حين كانوا موالين للنظام وجزءاً أصيلاً منه، قبل الثورة السوريّة، لطالما اتهموا الكرد السوريين ونخبهم السياسيّة والثقافيّة على أنهم «لا وطنيين، ومعادين للنظام والدولة والوطن، وانفصاليين، وعملاء لأميركا وإسرائيل»…! وحين صار هؤلاء في المعارضة، غيّروا من طبيعة اتهامهم للكرد، فباتوا انفصاليين، وموالين لنظام الأسد!!؟. وعليه، في الحالتين، بقيت تهمة «النوايا الانفصاليّة» تصدر من هؤلاء المعارضين بحقّ كرد سوريا.

منذ تشكّل الكيان السوري، بيد الاستعمار الفرنسي – البريطاني للشرق الأوسط، والكرد السوريون يحاولون أن يقنعوا الشريك العربي (الأغلبيّة) بأنهم ليسوا انفصاليين، ويريدون العيش معه في وطن واحد. وحين طرح الفرنسيون تشكيل دوليّات خاصّة على مكوّنات الشعب السوري، رفضها الكرد، وقبل بها الشريك العربي، فتشكّلت دولة حلب (1920-1925)، دولة دمشق (1923-1925) دولة جبل الدروز (1921-1936) دولة العلويين (1925-1936)، وكان لكل دويلة رئيس وعلم خاص بها. وحين أراد الفرنسيون دمج هذه الدويلات، أيضاً وافق أصحابها على ذلك! وإذا لم تكن «وحدة الدويلات السوريّة» رغبة ومشيئة فرنسيّة، لما سعى السوريون إلى التوحّد، ولبقيت تلك الدويلات باقية وقائمة حتى الآن.

بعد جلاء الفرنسيين عن سوريا، سعى الكرد إلى إقناع الشريك العربي بأنهم يريدون العيش معاً تحت سقف هذا الوطن، بينما كان يفترض أن يحصل العكس! وبعد مجيء حزب البعث للحكم سنة 1963، وتطبيقه للمشاريع العنصريّة في المناطق الكرديّة، واستمراره في تجريد نحو 120 ألف كردي من الجنسيّة، وتطبيق مشروع الحزام العربي في مناطقهم، ومصادرة أراضي الكرد ومنحها للعرب المستقدمين من محافظتي الرقة ودير الزور، ومحاولة إحداث تغيير ديموغرافي في المناطق الكرديّة، وتعرب أسماء المدن والقرى فيها، ومنع استخدام اللغة والثقافة الكرديّة، وحظرها.. وحرق سينما عامودا مطلع الستينات (راح فيه ما يزيد عن 250 طفلاً كردياً)، وحرق سجن الحسكة سنة 1993 (سقط فيه نحو 50 سجيناً غالبيّتهم من الكرد) وقتل ما يزيد عن 30 شخصاً في انتفاضة قامشلو سنة 2004، وقتل ثلاثة شبان ليلة عيد النوروز في قامشلو سنة 2008. كل ذلك، لم يدفع الكرد نحو التطرّف وتشكيل فصائل مسلّحة، تهدف إلى الانفصال عن سوريا. وخلال هذه المعاناة الماراثونيّة، حاولت النخب الكرديّة السوريّة، إقناع النظام السوري ومعارضته بأن الكرد وطنيون وليسوا انفصاليين! لكنهم فشلوا في ذلك. وسبب الفشل، ليس ان النخب الكرديّة، كانت تفتقد لغة الإقناع، وليس ان الاتهامات الموجّهة إليهم بالانفصال والنوايا والمشاريع الانفصاليّة، تستند على معطى أو وقائع من تاريخ سوريا الحديث، أو على وثائق صادرة من أحزاب كرديّة سوريّة، بل لأن الذهنيّة البعثيّة العروبيّة، سممت الوعي السياسي والثقافي العربي، بشكل ربما يلزمها عقود حتى يتطهّر هذا الوعي من هذا التسمم!

قبل ما يزيد عن ست سنوات، وتحديداً في 13/10/2008، نشرت صحيفة «الحياة» مقالاً لي بعنوان: «الكردي خائناً أو مشتبه به إلى الأبد»، ذكرت فيه: «في سوريا. ما يسمَّى بـ»المعارضة»، تستميت في حصر الحقوق الكرديَّة في سوريا، بالمواطنة، ولا تخفي مخاوفها ونواياها القلقة، إن لم نقل «السيّئة» من أكراد سوريا والعراق!. والمسافة التي تفصل معشر المعارضين العرب السوريين عن الشعب الكردي في سوريا، لا تختلف كثيراً عن المسافة التي تفصل النظام السوري عن كرد سوريا! وليس تجنِّياً القول: صحيح إن وعي المجتمعات العربيَّة، ينطوي على شحنة معارضة لنظمها، بخاصَّة، في ما يتعلَّق بمساعي السلام والتطبيع مع إسرائيل، لكن هذا الوعي، منسجم مع الأكاذيب والتلفيقات والتشويهات التي يثيرها النظام الرسمي العربي حيال الشعب الكردي».

وعليه، رغم مرور كل هذه السنوات، وما شهدتها من متغيّرات وتحوّلات وثورات، وإذا تتبعنا حالة التشنّج والعصبيّة القوميّة التي تستبطن الخطاب السياسي والثقافي العربي السوري المعارض، بخصوص الكرد السوريين، سنجد أن هذه الحالة، ليست طارئة أو عارضة، خلقتها أزمة مدينة كوباني والموقف الدولي منها، بل ثمّة مرضاً مزمناً، وفوبيا مزمنة، تجاه الكرد، فشل الآخرون في معالجتها وتبديد هواجسها. وبالتالي، حين يتحدّث المعارض السوري، غزيراً ومديداً عن الوطنيّة والانتماء الوطني، المتجاوز للهويّات القوميّة والدينيّة، ويشتبه بالكرد على أنهم خلاف ذلك، فأن هذا المعارض يعبّر عن النزوع «الانفصالي» الموجود في أعماق وعيه، ولا وعيه. هذا «الانفصالي الدفين»، يستند على معطى وتراكم تاريخي، قومي، ديني، طائفي، ومناطقي. بدليل أنه حين طرح التقسيم على سوريا، ورغم القواسم المشتركة بين دمشق وحلب، لجهة الأغلبيّة السنيّة، إلاّ أن نخب كلتا المدينتين، أرادت أن يكون لها دويلتها الخاصّة بها. ولولا إعادة الفرنسيين تشكيل سوريا، ودمج هذه الدويلات، لكان هنالك الآن حديث آخر عن سوريا، ووحدة أراضيها، التي كان وما زال المعارض العربي السوري، والنظام الأسدي، على حدّ سواء، يتباكى عليها مديداً.

خلاصة القول: علاقة الكردي السوري بالمعارضة السوريّة، ومحاولاته المديدة والمريرة لإقناع شريكه في التاريخ والوطن، أنه ليس انفصالياً، ويريد العيش في وطن مشترك، بتقديري أنها أشبه بعلاقة حب من طرف واحد. وبما أن المقتبس من المقال السالف الذكر، ما زال ينسحب على واقع العلاقة الكردية بالمعارضة العربيّة في سوريا، لا مناص من إعادة طرح التساؤل ذاته الذي طرحته قبل ستة أعوام في ذلك المقال: «… السؤال الكرديُّ الذي سيبقى يقرع وعي وضمائر شعوب الشرق الأوسط، هو: إلى متى سيبقى الكرديُّ، لدى هذه الشعوب، خائناً أو مشروع خائن؟«.

() كاتب كردي سوري

المستقبل

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى