صفحات العالم

الكل خذل سورية

 

جهاد الخازن

حركة احتجاج سلمية وتظاهرات في سورية تحولت بعد سنتين إلى ثورة مسلحة وحرب أهلية مدمرة، والنظام يتحمل المسؤولية عن المجازر اليومية قبل أي طرف آخر، غير أن كل طرف مسؤول معه، المعارضة الوطنية والإرهاب، الدول العربية التي أيّدت المعارضة، وتلك التي عزلت نفسها عن الشعب السوري ورفضت أن ترى المأساة، الدول الغربية التي انتصرت للمعارضة، وروسيا والصين وإيران التي دافعت عن «آلة القتل» وأعطتها السلاح.

سنتان منذ بدء الثورة في سورية فماذا أنجز النظام والذين عارضوه أو انتصروا له؟ الآن يُقتل الطلاب في الجامعة، أي يُقتل المستقبل بعد أن دُمِّر الماضي في دمشق وحلب وحمص وكل أرض سورية.

النظام يضحي بالشعب ليبقى في الحكم على جثث الناس، والخارج الذي يؤيد الحكم أو يعارضه يضحي بالشعب إما ليخدم أهدافه، أو لينكر دوره في المسؤولية المشتركة عن خذلان الشعب السوري.

لا أملك أن أؤيد أو أن أعارض، فكل سلاحي قلم، ثم أعترف بدوري في الفشل الجماعي والتقصير في مساعدة شعب سورية، فأنا لم أتصور أبداً أن تتحول التظاهرات السلمية إلى حرب أهلية مدمرة، وقررت في الأسابيع الأولى أن النظام سيجد حلاً للخروج من الأزمة، وانتهيت الآن وشعوري أن النظام حاول من البداية أن «يكسر رأس» الناس، وفشل شهراً بعد شهر، وزاد الوضع سوءاً والنظام ماضٍ في تكسير الرؤوس، وهو جهد انضمت إليه المعارضة والدول العربية والأجنبية المؤيدة للنظام والرافضة له، فكأن المطلوب هو القتل من أجل القتل.

هكذا كان ووصلنا اليوم إلى الحديث عن الأسلحة الكيماوية وهل استعملت أو لم تُستعمل، وقرأت الشيء ونقيضه. جريدة «الديلي تلغراف» اليمينية التي لم تؤيد النظام السوري يوماً ذهب مراسلها أليكس تومسون إلى خان العسل وكتب مقال شاهد عيان رجّح أن تكون المعارضة المتطرفة المستَوردَة استعملت السلاح الكيماوي لتحميل النظام المسؤولية، وكذلك فعل موقع ليكودي أميركي من دون أي بحث، ربما لأن هذا يوافق أهواءه. هل استُعمِل سلاح كيماوي في خان العسل قرب حلب، أو في العتيبة قرب دمشق؟ لا أعتقد أنه استعمِل، وأصدق فقط ما تقول الأمم المتحدة عن الموضوع.

مع ذلك فقد قرأت تصريحاً للنائب مايك روجرز، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي، خلاصته أن النظام السوري تجاوز الخطوط الحمر، واستعمل السلاح الكيماوي، وأن على الولايات المتحدة «تأمين» سلامة الأسلحة الكيماوية، بمعنى مصادرتها فهذا يحمي إسرائيل. ولم يخلُ كلام النائب الجمهوري الذي يؤيد الاحتلال الإسرائيلي من عبارة قريبة من الحقيقة فهو قال: لا أستطيع أن آمل بنتيجة طيبة في سورية. هذا لن يحدث، إلا أنه في النهاية ألغى صدقيته فهو أصدر حكماً مسبقاً على ما حدث في سورية على أساس رغباته وتحامله.

لو كانت الرغبات توصل إلى نتيجة لرغبت في قيام حكم ديموقراطي في سورية كتلك السنوات الثلاث أو الأربع في خمسينات القرن الماضي.

أتجاوز ما أكره وما أحب وأقول إن الوضع السوري على حافة اليأس، فالقتال على الأرض بين كرّ وفرّ، ولا حسم قريباً، وإنما نتيجة واحدة أكيدة هي قتل مزيد من السوريين الأبرياء. أما الحل السياسي فيبقى مجرد كلام لأن الأطراف الخارجية المتنازعة على سورية لم تغير شيئاً من مواقف مجموع نتائجها هو فصول جديدة في المأساة المستمرة.

الوضع على الأرض لن يتغير حتى تتغير الحلول السياسية المطروحة، وهذه ستبقى عبثية حتى يتغير الوضع على الأرض.

ثم هناك تجارب سابقة في الوضع على الأرض والحلول الدولية، فعندنا مَثل أفغانستان والعراق حيث القتل اليومي مستمر، والتدخل الخارجي أدى إلى خلق أوضاع أسوأ من تلك التي استعملت عذراً للتدخل.

كل الطرق مسدود، وكل الأبواب مغلق، وكلنا أخطأ بحق سورية وشعبها.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى