صفحات الناس

اللاجئون: أضجرناكم بتكرار القصة نفسها/ نهلة الشهال

 

 

لعلهم هذه المرة 500. لعل أغلبهم صوماليون واريتريون وربما كان بعضهم من السودانيين… أم هم سوريون مجدداً؟ أعلن عن ذلك في 20 نيسان (أبريل) الجاري، والحادث يرجح وقوعه قبل ذلك بيومين. الشيئان الوحيدان المؤكدان هما أنهم غادروا من شواطئ مصر (أم من ليبيا؟ ها قد عدنا إلى الشك! يقال إنهما كانا مركبين، واحدٌ انطلق من طبرق في ليبيا وآخر من الإسكندرية، وأن الغرق وقع حين جرت محاولة إصعاد ركاب الأول إلى الثاني…)، فغرقت سفينتهم في نقطة ما وسط البحر داخل المياه الإقليمية المصرية، تجاه شواطئ ايطاليا، ونجا 41 شخصاً بفضل سفينة فيليبينية كانت تمر من هناك، أنقذتهم ونقلتهم إلى اليونان. هذا أولاً.

المؤكد الثاني أن ذلك هو حرفياً السيناريو الذي وقع قبل سنة بالتمام، في 18- 19 نيسان 2015. حينها كان عدد الغرقى أكثر من 800 (نجا 27 شخصاً تقاطعت شهاداتهم مما أكد الاستــنــتـــاجات، والناجون من جنسيات طالت غامبيا بعد مالي جنوباً وبنغلادش شرقا، والغرق حدث قبالة جزيرة لامبيدوزا الإيطالية والمغادرة كانت من ليبيا…). وقتها اعتبرت الحادثة أكبر الكوارث التي شهدها (دفعة واحدة) البحر المتوسط .

اليوم «مبكر الجزم بالتفاصيل»، تقول الهيئة العليا للاجئين في بيانها. و«التفاصيل» تلك تتعلق بأعدادهم، بكمية الأطفال والرضع بينهم، وبجنسياتهم، أي بكل ما يخص إنسانيتهم. تليها تفاصيل عن المبالغ التي دفعوها ليغرقوا، وهي تتراوح بين ثلاثة وعشرة آلاف دولار للفرد، وتتعلق كذلك بعذاباتهم قبل الوصول إلى المركب الغارق: فهل مروا بليبيا وتمكنوا من الفرار من داعش قبل تعرضهم للخطف (هناك ألفان في الأسبوع الفائت خُطِفوا في ليبيا فعلاً «على يد داعش» وفق الأنباء، واختفت مذّاك آثارهم)، وهل تعرضت لهم عصابات من قطاع الطرق التشادية وسلبتهم كل ما كان بحوزتهم، ثم حملتهم على الاتصال بأهاليهم لدفع فِدى مقابل الإفراج عنهم (حدث قبل أسبوعين!). ولو لم يكونوا كلهم أفارقة، وكان بعضهم من مشرقنا، العربي أو غير العربي (أفغان وأكراد وحتى إيرانيين…) فكيف وصلوا إلى نقاط إبحارهم؟

الربيع هو بداية موسم الهجرات البحرية الذي يستمر حتى مطلع الخريف. هكذا غرق 360 مهاجراً في حادث واحد في تشرين الأول (أكتوبر) 2013، وصف حينها بأنه الأشنع. وهو دفع إلى وضع برنامج «مارِ نوسترم» للإنقاذ، الذي تولته البحرية الإيطالية، وأنقذ 150 ألف لاجئ من البحر. لكن الصراخ علا حول «الغزو»، واتجه الاتحاد الأوروبي لوضع برنامج جديد تحت سلطة «فرونتكس» («الوكالة الأوروبية لمراقبة وحماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي» المنشأ في 2004)، هو «تريتون» وعُيّنت مهمته بوصفها مطاردة المهربين وليس الإنقاذ (على العكس من مارِ نوسترم)، وكان مقتصراً على دوريات بحرية وجوية في المياه الدولية، وواجه انتقادات منظمات حقوق الإنسان العالمية وإداناتها، على اعتبار التعيين الخاطئ للموضوع! وحيث أنه كان محدود الإمكانيات ولم يحل دون التهريب، فقد استبدل ببرنامج «صوفيا» الذي تشترك فيه 24 من 28 دولة من دول الاتحاد، والموضوع في التطبيق منذ حزيران (يونيو) 2015… على أثر أكبر مأساة (الثانية!) وهكذا… وهو عسكري البنية وللمطاردة ايضاً، ويعمل في المياه الدولية، لكنه أنقذ خلال العام المنصرم ومنذ وجوده، حوالى 13 ألف شخص، وفق وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي.

تدفع كل مأساة كبيرة (فالغرق المحدود الأعداد لا يتوقف) الى برنامج جديد! وعلى ذلك وضعت المنظمات غير الحكومية برنامجاً هو «اكواريوس»، يشتمل على عدة قوارب منها عيادات عائمة، وهو للإنقاذ، إلا أن إمكاناته ضعيفة بالطبع، تعتمد على التبرعات والتطوع.

«هناك مليون شخص ينتظرون للهجرة إلى أوروبا»، وفق تحذير تهويلي أطلقه مستشار عسكري لدى الأمم المتحدة، قبيل الإعلان عن هذا الغرق الجديد. وقال إنهم يحتشدون في ليبيا، وأن ذلك يحصل بسبب إغلاق طريق البلقان أمام اللاجئين بفضل الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، وبالتالي فسيختار اللاجئون الطريق عبر المتوسط من جديد، متناسياً أن موجات الهجرة الأخيرة عبر بحر إيجة كانت من سورية القريبة وحدثت بسبب انهيار البلد… الذي بات يقال إن إيجاد حل سياسي فيه وله ضروري لوقف ذلك!، كما تتم تهنئة أنقرة لتطبيقها أخيراً ما اتفق عليه معها (قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي «الناتو» في زيارته لها أن «عدد المهاجرين الذين يعبرون من تركيا إلى أوروبا عبر بحر إيجة انخفض بشكل ملحوظ»)، تماما كما يجري التفكير في كيفية مساندة حكومةٍ ليبيةٍ (أيها؟) لضبط الأوضاع في البلاد، وفق اجتماع وزراء خارجية ودفاع الاتحاد الأوروبي في اليوم نفسه الذي كانت تقع فيه هذه المأساة الجديدة.

المنظمات المعنية بالهجرة، تقدر الاحتشاد بثلث هذا الرقم فتتكلم عن 300 الف، فيما يعلن خفر السواحل الإيطاليون أنهم أنقذوا 1850 مهاجراً خلال الأسبوع المنقضي في ثماني عمليات منفصلة في بحر صقلية الذي يفصل إيطاليا عن السواحل الليبية.

المشهد إذاً عبثي، يعيد استيلاد نفسه، وهو متجدد بلا انقطاع، وبما يتجاوز حتى الشرط الظرفي لكل بلد. وهو ما تحلله الباحثة ساسكيا ساسن في كتابها الأخير «الطرد» (expulsions) الذي يتناول الأمر، بأمثلته/ ظواهره الكثيرة (والتي تبدو كأنها غير مترابطة)، بوصفه سمة أساسية لـ «قسوة وتعقيد النظام العالمي» (وهو العنوان الفرعي للكتاب).

وعلى ذلك كــله، وربـما كعزاء، وفي يوم الغرق الأخير نفسه، أي في 18 الشهر الجاري، أعلن في نيويورك عن الفائزين بالجائــزة العالمــية بوليـــتزر (تأسست في 1917، وتحتفل بهذه المناسبة بيوبــيلها) لفــئة الصورة الفوتوغرافية «آخر الأخبار» (breaking news)، فإذا بها متقاسَمة بين أربعة مصورين يعملون في نــيــويــورك تايمز، التقطوا لحظات مؤثرة للنازحين (منها تلك الـــتي تظهر أباً يصارع التيار الجارف لنهر حاملاً رضيعاً بين يديــه)، وجائزة أخرى لفريق تصوير من رويترز رافق النازحين في رحلتهم الطويلة بدءاً من… سورية.

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى