صفحات الناس

اللاجئون السويون –مقالات متنوعة-

 

الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا/ خيري حمدان

تعاني دول المنظومة الأوروبية على مدار الساعة من تبعات الهجرة غير الشرعية فوق أراضيها، بعد ارتفاع وتائر الهجرة، نتيجة الأزمة المتفاقمة في دول الشرق الأوسط، ومع أنّ كلّ دولة أوروبية تقرّر، بشكل مستقلّ، تجريم الهجرة غير الشرعية، إلا أنّ المحكمة الأوروبية، ووفقًا للقرار رقم (115/2008)، تقدّم الأولوية لإعادة مواطني دول العالم الثالث إلى أوطانهم، والمضيّ في الإجراءات المعنية من دون اللجوء لقانون عقوبات، وإجراءات تجريم هجرتهم، ما يترتب عليه سجن اللاجئين وتغريمهم، الأمر الذي يتناقض مع الواقع، ويرفع من شدّة التوتّر، من دون إيجاد حلول منطقية للأزمة.

يرى حقوقيون وجوب التفريق بين اللاجئ غير الشرعي والباحث عن المأوى في نظام العدل الأوروبي. بهذا، لا يمكن اعتبار المواطن الأجنبي الذي تقدّم للحصول على حماية ومأوى لاجئًا غير شرعي، خلافًا للمواطنين الأجانب الذين يعبرون حدود المنظومة الأوروبية، من دون تصاريح أو تأشيرات دخول، ومن دون التقدّم بطلب حماية، أو حال رفض مثل هذه الطلبات لعدم استحقاقها المتطلبات القانونية. بهذا، يعتبر المعنيون لاجئين غير شرعيين.

“ستستمرّ معاناة آلاف اللاجئين، حتى تضع الحروب أوزارها، وتبدأ عملية بناء المجتمعات في الدول المنهكة من القتال والقلاقل”

ويُذكر أنّ بعض دول المنظومة الأوروبية تجرّم دخول أراضيها من دون تصاريح مسبقة، كألمانيا وإيطاليا التي تعاني كثيرًا من أزمة اللجوء غير الشرعي، لإنّ شواطئها مطلّة على البحر الأبيض المتوسط، وكذا اليونان التي تعاني الأمرّين في الوقت الراهن، ومهدّدة بإفلاس رسمي، وبلغاريا غير القادرة على تقديم الحدّ الأدنى لمعيشة آلاف من اللاجئين وإقامتهم فوق أراضيها. ويفرّق القانون الأوروبي بين الهجرة، وتشمل كل المواطنين الموجودين فوق الأراضي الأوروبية من دون وثائق قانونية، وتنطبق عليهم القوانين ذات الصلة، وتشمل إعادتهم إلى مواطنهم الأصلية، وعادةً، لا تعاني هذه الدول من قلاقل، كالجزائر وباكستان وغيرها، ومن جهة أخرى أصناف اللجوء الأخرى.

لا تأخذ إجراءات إعادة المهاجرين سمة إجرامية، بل تعتبر إجراءات إدارية بحتة، تضمن لهم حرية الوجود في مراكز إقامة، حتى تأمين عمليات السفر وعودتهم إلى مواطنهم الأصلية. أمّا بشأن وضع نظام لجوء أوروبي موحّد واعتماده، فهو أمرٌ ممكن. لكن، يصعب تحقيقه قبل انتهاء الصراع المسلّح والحروب الأهلية في مناطق النزاع المصدّرة للجوء، بصورة متواصلة، وحال خفض الفروقات الاجتماعية والاقتصادية بين دول المنظومة الأوروبية، وهذا يحتاج إلى مزيد من الوقت، لأنّ الدول الأوروبية المجاورة لشمال أفريقيا والشرق الأوسط أفقر من الدول الأوروبية الغربية القادرة على تحمّل عبء اللجوء بصورة أفضل من دول أوروبا الشرقية والوسطى.

هنغاريا ترفض القوانين الأوروبية

على الرغم من أنّ هنغاريا ليست ضمن دول التماس مع المناطق الساخنة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، إلا أنّها تعاني من وجود أعداد كبيرة من اللاجئين القادمين من دول أوروبا الشرقية، وحسب تصريحات رئيس الوزراء الهنغاري، فكتور أوربان، فإنّ بلاده تحتاج إلى سنّ قوانين مستقلّة، بمعزل عن القانون الأوروبي، لوقف تدفق اللاجئين فوق أراضيها. وهو يرى أنّ المنظومة الأوروبية تتعامل بليبرالية فائضة مع اللاجئين غير الشرعيين، واشتكى أوربان من ارتفاع حصّة هنغاريا لاستيعاب اللاجئين حيث تتبوّأ هنغاريا المرتبة الثانية بعد السويد بشأن استقبال اللاجئين مقارنة بتعداد السكان، أضاف أنّ معظم اللاجئين إلى هنغاريا يرغبون بالمضي إلى ألمانيا والدول الأوروبية الغنية، لكنّ هذه الدول ستحول دون استمرار تدفق اللاجئين وسيضطر اللاجئون للبقاء في هنغاريا، لذا فإنّ بودابست مضطرة لسنّ قوانين قد تغضب بروكسل لوقف تدفّق اللاجئين.

طالب حزب السلطة الهنغاري (فيدس) في شهر فبراير/شباط الماضي بإغلاق الحدود مع الدول الأوروبية، لمنع الهجرة الاقتصادية لمواطني دول العالم الثالث، لأنّ ما استوعبته هنغاريا في الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي يفوق تعداد ما استوعبته خلال العام الماضي 2014 بأكمله، ولن تتيح ألمانيا والنمسا المجال لدخول لاجئين من هنغاريا إلى أراضيهما، ما يعني بقاءهم فوق الأراضي الهنغارية. وأجرت الحكومة الهنغارية استفتاءً، وأرسلت ثمانية ملايين رسالة إلى مواطنيها، للوقوف على الإجراءات العملية لمنع موجات اللجوء. لكن، وحال اعتماد نتائج الاستفتاء، ستتضارب القوانين الجديدة مع القوانين الأوروبية. ويشمل الاستفتاء 12 سؤالاً، أهمها “هل توافقون على احتجاز اللاجئين في معسكرات خاصّة، وإبعادهم عن البلاد؟ هل ترون ضرورة إجبارهم على العمل، لتغطية جزء من نفقات معيشتهم وإقامتهم لصالح الدولة والمؤسسات المعنية؟ هل توافقون على أن يهدّد اللاجئون طريقة حياتكم وأعمالكم؟ هل توافقون على توظيف مقدّرات موازنة الدولة لصالح العائلات الهنغارية والأجنّة التي لم تلد بعد؟ هل ترون أنّ قوانين اللجوء الأوروبية غير المنظمة ستؤدّي إلى انتشار الإرهاب؟”. هذه اللهجة المستخدمة من حزب السلطة موجّهة لتلقّي الدعم من الأحزاب اليمينية المتطرفة في هنغاريا، وأهمها حزب (يوبيك).

“تمكّنت الأجهزة الإيطالية الأمنية وحرس الحدود من إنقاذ حياة 3700 لاجئ، في مطلع شهر مايو/أيار الماضي، كانوا على وشك الغرق بالقرب من الشواطئ الإيطالية”

كذلك بدأت هنغاريا بناء حاجز تقني على حدود صربيا، الدولة الأوروبية غير العضو في المنظومة الأوروبية، ويمتدّ الحاجز المثير للجدل على طول 175 كلم، أسوة بالحاجز الذي رفعته اليونان وبلغاريا على الحدود التركية.

النمسا تقترح نظام الكوتا

تطالب النمسا بنظام كوتا، لتوزيع اللاجئين وفقًا لمعايير معيّنة، أهمّها النسبة السكانية لكلّ دولة أوروبية، لتحمّل أعباء اللجوء المتواصل على الشواطئ الجنوبية للاتحاد بشكل يوميّ. وأضاف المستشار النمساوي، فيرنير فايمان، أنّه من العبث والظلم أن تتحمّل الدول المطلة على الأقاليم الساخنة عبء دخول أراضيها لآلاف اللاجئين، من دون تحمّل باقي دول الاتحاد جزءًا من المسؤولية، ولا بدّ من إجراء تعديلات على اتفاقية دبلن الثانية التي تلزم الدول الحاضنة بعدم السماح بتوجّه اللاجئين إلى الدول الأوروبية الأخرى، وإجبارها على إعادتهم إلى أراضيها ثانية، والدول المعنية هي مالطا وإيطاليا واليونان المطلة على البحر المتوسط، وبلغاريا ذات الحدود البرية المشتركة مع تركيا. وأضاف المستشار أنّ النمسا تلقت 10200 طلب لجوء في الأشهر الأولى من العام الحالي من مواطنين أفغان وسوريين ومن جمهورية كوسوفو.

وطرح المستشار إمكانية بناء مراكز لجوء جديدة لاستقبال اللاجئين تحت رعاية المفوضية العليا للأمم المتحدة، والعمل على توزيعهم بصورة عادلة بين دول المنظومة الأوروبية فيما بعد، وأوضح كذلك أنّ دول شمال أفريقيا لا ترحّب بهذه المبادرة، ولا ترغب ببناء مراكز لجوء مؤقتة فوق أراضيها.

وقد تمكّنت الأجهزة الإيطالية الأمنية وحرس الحدود من إنقاذ حياة 3700 لاجئ، في مطلع شهر مايو/أيار الماضي، كانوا على وشك الغرق بالقرب من الشواطئ الإيطالية، واستغلّ مهرّبو البشر الأجواء الصافية لنقل الراغبين بالوصول إلى الشواطئ الإيطالية، وبأعداد كبيرة لا تقدر على تحمّلها المراكب والقوارب المخصصة لهذه الغاية. وتفيد البيانات بأنّ المهرّبين يحصلون على أرباح مالية كبيرة، تقدّر قيمتها بقرابة 80 ألف يورو لكلّ قارب، وتتوقع وزارة الداخلية الإيطالية عبور قرابة 200 ألف لاجئ، صيف العام الحالي، لتوقّع تحسّن الأحوال الجوية لمعظم أشهر الصيف، ما يزيد بمعدّل 30 ألف لاجئ مقارنة بالعام الماضي 2014. وشاركت في عمليات الإنقاذ قوارب ودوريات بحرية إيطالية وفرنسية.

خطّة أوروبية

تبنّى قادة الدول الأوروبية خطة عامّة في العام الماضي لمواجهة خطر استمرار تدفق اللاجئين إلى البلاد، أهمّها رفع المقدرات المالية لإنقاذ اللاجئين في مياه البحر الأبيض المتوسط، ومصادرة قوارب المهربين الذين يخاطرون بحياة اللاجئين القادمين من دول العالم الثالث. وسيتم توزيع اللاجئين على كل دول المنظومة الأوروبية، أخذًا بالاعتبار نسبة الدول الأوروبية ومعدل الدخل القومي للأفراد. وترفض بعض الدول الحاضنة، مثل بلغاريا وإيطاليا ومالطا، استقبال لاجئين جدد من دول أوروبية أخرى، لأنّ حدودها معرّضة للانتهاك طوال الوقت من الباحثين عن حياة أفضل، وكذا الهاربين من ويلات الحرب. لذا، فإنّ قادةً أوروبيين أخذوا بالاعتبار إمكانية استقبال دول أوروبية للاجئين بصورة تطوعية وغير إلزامية. وترى الخطة الأوروبية أنّ هناك ضرورة لبناء مراكز خاصة لاستقبال اللاجئين في إيطاليا واليونان المطلتين على مياه البحر المتوسط، ثمّ العمل على توزيعهم في باقي دول المنظومة، من دون تحديد الآلية الممكنة لتحقيق هذه الغاية.

وقد عبّر الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، عن قلقه بشأن الأوضاع الأمنية في ليبيا، وعدم استقرار الدولة الأفريقية، مضيفًا أنّ استقرار الأوضاع في ليبيا سيساعد المنظومة الأوروبية كثيرًا في مجال الحدّ من اللاجئين القادمين من ليبيا، وعلى المجتمع الدولي الأخذ بالاعتبار هذا الأمر. وأعلن رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، عن استعداد بلاده المشاركة بطائرات عمودية وقوارب حديثة للمشاركة في عمليات الإنقاذ وحماية شواطئ البحر المتوسط. وقد أعلنت هيئة الأمم المتحدة عن عدم رضاها عن الخطة الأوروبية، وطالبت بإيجاد وسائل وقنوات لهجرة آمنة تجاه دول المنظومة الأوروبية.

وطالب رئيس الوزراء الإيطالي، ماتيو رينتسي، بتأسيس معسكرات لجوء في السودان والنيجر، للسيطرة على الهجرة عبر شواطئ المتوسط، وقال إنّ بلاده هي الدولة الأوروبية المستهدفة من اللاجئين بشكل رئيسيّ. ودعا مجددًا إلى اعتماد خطة أوروبية شاملة للحدّ من موجات تدفق اللاجئين القادمين من ليبيا، الأمر الذي تحوّل تجارة رابحة تدرّ أموالاً كثيرة على مهرّبي البشر. وأضاف رينتسي إن إيطاليا تنقذ يوميًا مئات اللاجئين على متن القوارب غير الآمنة، ونظم حرس الحدود الإيطالي مهام خاصة لاستقبال القوارب المندفعة نحو شواطئها، للحيلولة دون حدوث مزيد من المآسي وغرق اللاجئين، لكن هذا النمط من المهمات أوقف لأسباب مالية، وبسبب انتقادات وجهتها بريطانيا وألمانيا، واتهام إيطاليا بتسهيل الهجرة غير الشرعية إلى القارة الأوروبية. وأوضح رئيس الوزراء الإيطالي أنّ الخطوة الإنسانية التي تقوم بها بلاده بشكل منفصل غير كافية، وحثّ أوروبا على تحمّل مسؤوليتها بهذا الشأن.

عدا عن بناء معسكرات لجوء في أفريقيا، اقترح رينتسي كذلك رفع حجم الدوريات البحرية لرقابة جنوب ليبيا وحركة الملاحة في مياه البحر المتوسط، الأمر الذي أوصى به كذلك عدة وزراء خارجية لدول المنظومة الأوروبية.

مراكز اللجوء في بلغاريا ومقدونيا

أعلن رئيس وكالة اللجوء الرسمية البلغارية التابعة للمجلس الوزاري، نيكولا كازاكوف، عن انتهاء الأماكن الشاغرة في مراكز اللجوء في البلاد خلال شهر مايو/أيار الماضي، وحذّر من ارتفاع معدّلات اللجوء غير الشرعية عبر الحدود البلغارية التركية، خلال صيف العام الحالي، بعد انهيار وتضرّر الحاجز الفني على الحدود التركية في فصل الشتاء، وتسهيل حركة مرور اللاجئين عبر الجبال والتلال على الحدود المشتركة. عدا ذلك، لا تمتلك الحكومة البلغارية ما يكفي لسدّ حاجة اللاجئين، على الرغم من المساعدات الأوروبية، ويسعى غالبية اللاجئين الموجودين فوق الأراضي البلغارية، حال حصولهم على وثائق لجوء، إلى التوجّه مباشرة إلى دول أوروبا الغربية، وخصوصاً ألمانيا والنمسا والسويد.

أوضاع اللاجئين في مقدونيا أسوأ بكثير منه في بلغاريا، وقد لقي 14 لاجئًا من الصومال وأفغانستان حتفهم نتيجة حادث اصطدام قطار بالقرب من مدينة “فيليس” في مقدونيا في شهر أبريل/نيسان الماضي، وهم جزء من مجموعة يقدّر عددها بأربعين شخصًا، كانوا يسيرون على سكّة الحديد، حين دهمهم قطار متوجّه إلى بلغراد. وتنقل السلطات المقدونية اللاجئين بحافلات كبيرة، من مكان إلى آخر، حال قدوم مفتشين دوليين، لعدم التحقيق معهم ومعرفة مدى سوء أوضاعهم المعيشية في مراكز اللجوء. ويفقد آلاف اللاجئين حياتهم في أثناء رحلة الهروب من جحيم الحروب إلى أوروبا، مخاطرين بعبور مناطق جبلية شديدة البرودة، لا يقوى على عبورها سوى القليل وخوض غمار البحر. ويموت في هذه الرحلات الأطفال والنساء وكبار السنّ.

ستستمرّ معاناة آلاف اللاجئين، حتى تضع الحروب أوزارها، وتبدأ عملية بناء المجتمعات في الدول المنهكة من القتال والقلاقل، وكذا في دول عديدة في الشرق الأوسط وأماكن الصراع في العالم الثالث.

العربي الجديد

 

 

 

500 ألف لاجئ في لبنان بعمر المدرسة جيل سوري جديد بلا تعليم ولا هوية!/ ابراهيم حيدر

لم يستطع لبنان استيعاب أكثر من 100 ألف تلميذ سوري في المدارس الرسمية. وبقي أكثر من 400 ألف لاجئ في عمر المدرسة، خارجها، بسبب شحّ التمويل وضعف الإمكانات، لينشأ جيل سوري جديد بلا تعليم ولا هوية.

يروي أحد المتابعين لملف اللجوء السوري، أن لا رقابة للدولة اللبنانية على أكثر من 1700 مخيم عشوائي للاجئين السوريين، منتشرة في مختلف المناطق اللبنانية، ولا احد يعرف ماذا يجري في داخل هذه المخيمات، رغم متابعة مفوضية اللاجئين والجهات المانحة لأوضاعهم، وتفقدهم من جمعيات دولية وعربية ومحلية. وهو ما أكده أخيراً وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس، عندما قال في مؤتمر عن اللاجئين: “إننا تجاهلنا الأمر طوال 3 أعوام حتى أصبح الورم مهدداً للحياة، وتغاضينا حتى دخل الطوفان إلى البيوت، وما زلنا حتى الآن نتناقش عن جنس الملائكة وجنس الخيم، في حين أن لبنان امتلأ بالمخيمات العشوائية التي أصبح عددها 1700 مخيم لا رقابة للدولة عليها أمنياً وصحياً واجتماعياً وتربوياً”. وسأل: “إلى متى يستطيع هذا الظهر الذي أصابته الهشاشة تحمل هذا العبء؟ نحن لسنا مستودعاً لمهجري الحروب”.

وليست المشكلة وفق المعني بملف اللاجئين، في متابعتهم صحياً واجتماعياً، انما تكمن في نشوء جيل سوري جديد بلا تعليم ولا هوية. يتحدث بناء لإحصاءات، كانت أكدتها وزارة التربية أخيراً عن وجود 500 ألف لاجئ سوري في عمر المدرسة، أي ان نحو نصف اللاجئين السوريين أو أكثر هم من الأولاد. أما اللافت فهو تأكيده أن عدد المواليد الجدد في مخيمات اللجوء العشوائية وفي المناطق التي يتوزعون فيها، أي القرى والبلدات والمدن الكبرى والضواحي، قد تخطى المئة ألف ولادة خلال الأعوام الثلاثة الماضية، ويفضل التحدث عن عشرات الألوف، باعتبار أنه لا يمكن اجراء إحصاء دقيق لعددهم، وأن غالبيتهم لا يسجل في الدوائر السورية، وبالتالي ليس لديهم هوية، باستثناء البعض الذي يبادر الى التسجيل في مفوضية اللاجئين. ويرى بناء على متابعاته وجولاته على المخيمات وأماكن اللاجئين، أن لا حل لهذه المشكلة التي بدأت أخطارها تنعكس على النسيج الاجتماعي اللبناني، بالرغم من أن الحكومة قررت أخيراً تقييد حركة الداخلين والخارجين عبر المعابر ومنع دخول اللاجئين.

والحديث عن 500 ألف لاجئ في عمر المدرسة ليس مفتعلاً، فقد أصبح ملفهم في عهدة مفوضية اللاجئين، بعدما تمكن لبنان عبر وزارة التربية من استيعاب 100 ألف ولد سوري في المدارس الرسمية، عبر دوام بعد الظهر، بالإضافة الى استيعابهم في مدارس جديدة، فيبقى 400 ألف خارج المدرسة، لا يمكن استيعابهم بسبب شح التمويل من الدول المانحة الى ضعف الامكانات المتاحة، علماً أن عدد الأولاد اللاجئين في عمر المدرسة هم أكثر بضعفين من عدد التلامذة اللبنانيين في المدارس الرسمية، وهم منتشرون في المخيمات، وفي بعض الشوارع، بالإضافة الى قسم من السوريين يعملون في لبنان ويتجاوز عددهم الـ400 ألف وفق احصاءات غير رسمية، يضافون الى أكثر من مليون و200 ألف لاجئ، وهم يعانون ايضاً من عدم القدرة على تعليم أولادهم. ولذا تتلقفهم جمعيات مرخصة لها، مدعومة من جهات مختلفة محلية وعربية ودولية، وأخرى وهمية دخلت على خط اللاجئين ونالت مساعدات من الجهات المانحة، وثالثة دينية تستقطب أهالي اللاجئين، تحت عنوان الدعم الاجتماعي لتخفيف المعاناة، وتتابع بعضهم عبر نشاطات وجلسات، من دون أن تساعدهم في دخول المدارس، فيتحول الجيل السوري الجديد في لبنان الى جيل مشرد لا ينتمي الى دولة ولا هوية له، وبلا تعليم، حيث تشير المعلومات الى ان نصف الاولاد السوريين الذين تستوعبهم المدارس الرسمية يتسربون منها ولا يتابعون تعليمهم بسبب صعوبات تعلمية وأخرى مادية، وثالثة ترتبط بأوضاع اجتماعية مختلفة.

ويلفت مطلعون على ملف اللجوء السوري، الى ان المشكلة ليست في لبنان وحسب، بالرغم من أنها الأكثر سخونة، اذ يستضيف لبنان العدد الأكبر من اللاجئين في المنطقة مقارنة بالأردن وتركيا، لكن مشكلة تعليم الأولاد تبقى مشتركة بين الدول الثلاث المضيفة. واذا أضيفت مشكلة اللجوء في الداخل السوري، فهذا يعني إن قسماً كبيراً من الشعب السوري بات لاجئاً، والقسم الآخر يعيش تحت نظام “داعش” الإرهابي، وجزء تحت سيطرة “النصرة”، أما الذين يعيشون تحت سيطرة النظام فإن التجنيد يأخذ الشباب للقتال حتى قبل دخولهم الجامعات، ما يعني أن الشعب السوري كله يعاني البطش والقتل والارهاب، وتحول مجتمعاً عنفياً، مع تراجع التعليم حتى في المناطق التي يسيطر عليها النظام.

هناك جيل سوري جديد أو حتى أجيال، لم تعد تعرف سوريا، لا القديمة ولا الراهنة التي يدمرها طرفا القتال. حتى إن جيلاً من السوريين لا يعرف سوريا الاستقلال وتاريخها، فكيف بالتفكك الذي اصابها اليوم، والتقاسم الذي نشهده على مستقبلها؟ لكن المحزن ما ينقله المتابع لملف اللاجئين عند زيارته أحد المخيمات، حين استمع الى حديث بين أولاد لاجئين ووالدتهم، يختصر كل معاناتهم، فسأل الولد أمه: أين تقع سوريا؟

النهار

 

 

 

 

نازحون ومهجّرون.. مرحلة الخزي الدولي/ عبد الوهاب بدرخان

في الشرق الأوسط وأفريقيا، على الأرض وفي عرض البحر المتوسط، على الحدود وما وراءها، أناس هائمون على وجوههم، ينشدون الأمان والخلاص، يهربون من موت لا يريدونه إلى موت لا يهابونه طالما أنهم ارتضوا ركوب المخاطر، إما على سفينة متهالكة أو سيراً على الأقدام نحو مصير مجهول دهمهم وهم في هدأة المناطق النائية المنسية. ستون مليون إنسان أصبحوا اليوم تحت رحمة الأقدار، نازحون ومهجّرون بفعل حروب أهلية، أو فارّون من فقر وعوز وجوع تطاردهم منذ كانوا ومنذ اجتاحهم يأس من أمكنة ولدوا فيها ولم يجدوا فيها ما يعينهم على شيء من العيش الكريم.

ستون مليوناً.. وتظن مفوضية الأمم المتحدة للاجئين أن الرقم مذهل إلى حدّ يكفي لإشعار الحكومات بالعار الأخلاقي، ولتحريكها لمواجهة هذه المشكلة. غير أن الاستجابة ظلّت «مخزية»، وفقاً لتقويم «منظمة العفو الدولية»، ذالك أن الدول القادرة تختبئ خلف أزماتها المالية والاقتصادية التي لا تنفكّ تقضم من رفاهية ورعوية أمكن اكتسابهما في أزمنة الوفرة. خلال عام واحد أحصت مفوضية اللاجئين في الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا خمسة عشر نزاعاً أدّت إلى اقتلاع مزيد من السكان من مواطنهم وبيوتهم في سوريا والعراق واليمن وليبيا وغزّة وجنوب السودان ومالي وشمال نيجيريا وغيرها، بالإضافة إلى أوكرانيا. وما فاقم المأساوية أن معظم «بلدان الاستقبال» ليس قادراً اقتصادياً على إيواء لاجئين أصبحوا يشكّلون نحو ربع عدد السكان، كما في حالتي لبنان والأردن، ولم تكفِ المساعدات الدولية للتغلب على مختلف المشاكل، خصوصاً أن المساهمات في تراجع مستمر، إذ لم يسبق أن واجه المجتمع الدولي معضلة مماثلة تتطلّب منه إعالة كاملة لشعوب كاملة.

خلال الأسابيع الماضية احتلّت قضيتا النزوح القسري والهجرة غير الشرعية واجهة الاهتمام في مؤتمرات قمة أو في سياق حملات انتخابية في بلدان أوروبية، سواء بسبب استئناف تدفق المهاجرين من جنوب المتوسط إلى شماله، أو بسبب استمرار الحروب وتصاعد حدّتها. ومن الواضح أن السمة المشتركة هي العجز عن معالجة الأسباب، معطوفاً على عجز عن التعامل مع الضحايا. بلغ الأمر في هنجاريا أن تفكّر الحكومة في بناء جدار عازل على الحدود مع صربيا لمنع تسرّب المهاجرين، بينما تمترست ألمانيا وراء قرار بمواصلة إقفال الحدود، أما إيطاليا وفرنسا فدخلتا «حرباً كلامية» بشأن توزيع الوافدين من البحر وفقاً لحصص محددة، فيما دعت بريطانيا إلى «كسر العلاقة بين ركوب المهاجرين الزوارق وبين وصولهم إلى أوروبا»، ما يعني إعادتهم إلى شمال أفريقيا أو إلى أماكن أخرى.. ونشب نقاش آخر حول حصص قبول السوريين على مدى السنوات المقبلة، ما يشي بأن الحكومات الأوروبية لا تتوقع حلا قريباً للصراع.

وكانت قمة الاتحاد الأفريقي في جوهانسبرج مناسبة لمناقشة ظاهرة أدّت إلى تشرّد أو هلاك مواطنين ينتمون إلى ثماني من دول الاتحاد. لم يبدِ الرؤساء والقادة حماساً ملموساً لقضية تمتحن مسؤوليتهم، فهم بالكاد منشغلون بعشرات الملايين الذين هُجّروا ولا يزالون في القارة السوداء ولا يشعرون بواجب الانشغال بعشرات الآلاف الذين غادروا. فالمعالجة هنا داخلية عموماً، وتتعلّق بترشيد الإدارة وإنهاض الاقتصاد ومكافحة الفساد. ورغم النيات الطيبة المبدئية، لا يُسجّل سوى تحسن ضئيل وغير مؤثّر في النفع العام.

لكن الظواهر الأكثر ترويعاً هي تلك التي يتداخل فيها الإرهاب الموصوف بجرائم الحروب، وهذا ما يتكرر على نحو شبه يومي في سوريا والعراق واليمن وليبيا، فحيث تتوفر مساعدات غذائية وطبّية يمنع النظام السوري مرورها، لأنها تضعف حصار الموت والتجويع الذي يفرضه على المناطق المحيطة بدمشق، حيث يعيش مَن يفترض أنهم مواطنوه. وحين تُقفل حكومة بغداد المداخل والطرق أمام نازحين هاربين من إرهاب «داعش» في الأنبار فإنها بذلك تقول لمواطنيها إنهم غير مرغوب فيهم لأنهم يغيرون المعادلة المذهبية لسكان العاصمة، لذلك يمكنهم أن يبقوا في العراء أو يعودوا للتعايش مع «داعش» أو حتى الانضواء في صفوفه! أما في شمال سوريا فاستغل الأكراد أخيراً «الحرب على داعش» لتهجير سكان تل أبيض، تمهيداً لضمّها إلى «إقليم كردي» موعود. وفي تونس تشهد أعداد الليبيين الهاربين على هول حربهم الداخلية، كما يشهد تزايد اليمنيين في دول الجوار الخليجي.. لكن النازحين والمهجّرين ليسوا المشكلة بل نتيجة لها، وإذ يكثر الكلام عنهم فإنه يقلّ عندما يتطلّب الأمر بحثاً عن حلول للصراعات.

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى