صفحات العالم

اللاجئون الفلسطينيون في سورية


رأي القدس

الفلسطينيون ليسوا افضل حالاً، او مرتبة، من نظرائهم العرب، بل ان حالة التفرد التي كانت تميزهم في الماضي، وتجلب لهم بعض التعاطف، بدأت تتبخر، فالكثير من ابناء الشعوب العربية باتوا لاجئين، يعيشون في ظروف مأساوية بسبب المواجهات الدموية التي تندلع حالياً في اكثر من دولة عربية، بين قطاعات عريضة من الشعوب التي تطالب بالكرامة والعدالة والمساواة والحرية وبين انظمة تريد حرمانها منها، وابقاء الاوضاع على حالها.

فعندما تعرض العراق لغزو واحتلال امريكيين كان الفلسطينيون من ابرز الضحايا، ولحق بهم ما لحق باشقائهم العراقيين من معاناة تحت الاحتلال، ولكن هذه المعاناة تفاقمت، وبلغت ذروتها بسبب اقدام ميليشيات طائفية على مهاجمة مخيماتهم وقتل اعداد كبيرة منهم تحت ذريعة مساندة نظام الرئيس العراقي صدام حسين، وانتهى الامر بنسبة كبيرة منهم لاجئين في اماكن متفرقة من العالم بعضها في ايسلندا والبعض الآخر في البرازيل علاوة على بعض الدول العربية مثل سورية والاردن.

الشيء نفسه يقال ايضاً عن الفلسطينيين في الكويت، فبعد اخراج القوات العراقية منها بعد حرب عام 1991، مارست ميليشيات كويتية اعمال انتقام شرسة ضد هؤلاء، من اغتصاب وقتل وتعذيب واكملت الحكومة العائدة من المنفى مثلث المعاناة هذا بطرد حوالى 300 الف شخص من هؤلاء الى الاردن تحت الذريعة نفسها اي مساندة النظام العراقي، رغم ان مجموعة من الفلسطينيين انخرطت في صفوف المقاومة الكويتية ضد الاحتلال العراقي.

سورية فتحت قلبها وصدرها دائماً للفلسطينيين وعاملتهم على الدرجة نفسها مع اشقائهم السوريين في الوظائف والسكن، وجندتهم في الجيش السوري، وحصل بعضهم على اعلى المناصب والرتب المدنية والعسكرية، والاهم من ذلك انها احتضنت المقاومة وخاضت حروبا شرسة ضد اسرائيل، وقدمت آلاف الشهداء.

بالامس اعلنت وكالة الاونروا لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ان اكثر من خمسة آلاف لاجئ فلسطيني فروا من مخيم الرمل في مدينة اللاذقية الساحلية بسبب القصف الذي استهدف مناطق عديدة من المدينة بما فيها مخيمهم.

السؤال هو حول المصير المجهول الذي يواجه هؤلاء، فالى اين سيذهبون هذه المرة، ولماذا يتم الزج بهم في هذا الصراع المتفاقم بين السلطة والمعارضين لها، والمنتفضين ضدها في اجزاء كبيرة من سورية؟

لا نستطيع ان نتهم السلطات السورية باستهدافهم بالقصف دون غيرهم، لان الدبابات السورية قصفت معظم المدن والارياف السورية لاخماد حركة الاحتجاجات التي اندلعت فيها وتطالب باطاحة النظام، كما انها في مدينة اللاذقية نفسها القت بحممها من البر والبحر على احياء مدنية، حيث تشير التقديرات الى سقوط حوالى 30 قتيلا في الايام الثلاثة الماضية.

الفلسطينيون في معظمهم تمسكوا بادب الضيافة في سورية، وكان لافتاً ان قادة فصائل المقاومة الفلسطينية المتواجدين في دمشق امتنعوا طوال الاشهر الخمسة الماضية عن الادلاء باي تصريحات استفزازية سواء للمعارضة او للنظام، بتأييد جانب ضد آخر والتزموا بالحياد المطلق، ولكن يبدو ان السلطات السورية تريد منهم ما هو اكثر من ذلك وهو الوقوف في خندقها وهي تطلق العنان للحلول الامنية الدموية لانهاء الانتفاضة بالقوة.

الدكتورة بثينة شعبان اتهمت بعض العناصر الفلسطينية المقيمة في مخيم الرمل بانها كانت متورطة في بعض المظاهرات الاحتجاجية التي اجتاحت المدينة قبل اربعة اشهر، وكأن لسان حالها يقول ان هؤلاء هم مصدر المشاكل، وان الشعب السوري بريء من اي اعمال عنف او احتجاج.

نأمل ان يكون مصير اللاجئين الفلسطينيين في سورية افضل حالاً من مصير زملائهم في العراق، اي ان لا ينتهي بهم الامر في ايسلندا او سيبيريا في هذا الزمن العربي الصعب الذي انقلبت فيه الكثير من المعايير واصبحت آلة القتل الجهنمية لا تفرق بين لاجئ او مواطن، مقيم او عابر سبيل، فجميع الضحايا متساوون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى