صفحات سورية

اللهم اكف الثورة السورية شر أصدقائها


تصرّ ‘الفيفا’ على أن يراقب مباراة كرة القدم، ستة حكام. وتعلمون بالطبع أن هذه اللعبة، تضم اثنين وعشرين لاعباً فقط، بمعنى أن كل مراقب من الحكام الستة يتابع بعينيه وبآلات التصوير المنصوبة على أطراف الملعب أقل من أربعة أشخاص. قارنوا الآن بين ما تفعله ‘الفيفا’ وبين ما يفعله مجلس الأمن من الاستهانة بالدم السوري، حيث يرسل إلى دمشق ستة من المراقبين لمتابعة أضخم وأعظم ثورة عرفها تاريخ الإنسانية. فهل يقبل عاقل هذا التصرف؟. ويعلن المجلس بلا حياء أنه ينوي زيادة العدد إلى خمسين ومائتي مراقب، كي يسجلوا أحداث سبعمائة مظاهرة في يوم الجمعة فقط، وكي يسجلوا قصف النظام لأكثر من مائة نقطة في الأراضي السورية.

تتقن الحكومة السورية فن المراوغة والكذب كما تجيد فنون البيع والشراء والإغراء. وقد قالها وليد المعلم ‘على المراقبين أن يتعلموا فن السباحة إذا أرادوا ألا يغرقوا في التفاصيل’ التي ستمليها الحكومة السورية عليهم.

بثينة شعبان ووليد المعلم يؤكدان أن النظام السوري لن يقبل المراقبين بالجملة، ولكنه سيختار جنسياتهم ويريدهم من دول محايدة. ويقصد بالدول المحايدة روسيا والصين وربما يقصد مراقبين من حزب الله وميليشيات مقتدى الصدر.

المشكلة ليست في النظام السوري فهو نظام يدافع عن بقائه الذي أصبح مهدداً، وهو يتمسك بأية تفاصيل قد تزيد في عمره ولو قليلاً. ولكن المشكلة في مجلس الأمن، بطرفيه، المؤيد أو المعادي للثورة السورية.

روسيا أعلنت اليوم، أن هناك جماعات إرهابية مسلحة تأتي من خارج البلاد لتقويض خطة عنان وإفشالها. الغريب أن روسيا لم تخبرنا كيف عرفت ذلك وهي التي تساهم مع النظام السوري بمنع حركة المراقبين في سورية، وتريد أن تحرمهم من الطائرات العمودية. ويتبادر إلى الذهن سؤال هام لماذا لا تدعم روسيا فعلياً مهمة المراقبين، وهم بلا شك سيخبرون العالم بجنسيات هؤلاء المسلحين الذين جاءوا إلى البلاد ليساهموا في قتل السوريين؟ لعل روسيا تخاف أن يكشف المراقبون أن هؤلاء القتلة هم روس وإيرانيون.

لا يحزنني موقف روسيا كثيراً، فهي أيضا تدافع بكل شراسة عن حكومة مستباحة من قبل المخابرات الروسية، وعن قواعد عسكرية لا مثيل لها في طرطوس، كما أنها تدافع بلا شك عن تجارة السلاح والبغاء مع حكومة الأسد.

المحزن أولئك الذين يدّعون أنهم أصدقاء سورية ويسيئون في الوقت نفسه، إلى الشعب السوري وثورته بالمقدار نفسه الذي تفعله روسيا وإيران. وقد لاحظنا ذلك منذ بداية هذه الثورة المباركة وبشكل واضح. ولكي لا نضطر للعودة إلى عام مضى فلننظر إلى تصريحات أصدقاء سورية هذه الأيام. فكوفي عنان المبعوث الأممي العربي وكذلك آلان جوبيه يقولان: إن وقف إطلاق النار في سورية هش. وهذا يعني أن هناك بالفعل وقف لإطلاق النار ولكنه لا يزال هشاً، والحقيقة أن هذا كذب بواح يعيب صاحبه ويفضح مواقفه وعجزه. فهلا يخبرنا عنان وصاحبه كيف تسقط الصواريخ على إدلب ومن يطلق القذائف على الخالدية التي تتعرض لثلاث قذائف في الدقيقة الواحدة.

جوبيه يقول أيضاً: إذا لم تنجح خطة عنان فسنلجأ إلى إجراءات أخرى، وتؤيده وزير الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون. أ يعقل أن الوزيرين لا يعلمان أن خطة عنان قد فشلت. أ لا تقضي خطة عنان بأن يتوقف إطلاق النار قبل إرسال المراقبين إلى دمشق وأن يسحب الأسد دبابته وشبيحته من الشوارع وأن يتوقف الاعتقال. أ لا يرى الوزيران، محاولة حرق ‘درعا البلد’ بمن فيها، أ لم يسمعا بقصف ‘اللجاة’ في درعا، ومحاولة تدمير قرية الحراك على رؤوس أهلها؟. لعل الوزيرين أيضا لما يلحظا الاعتقالات التعسفية في عربين والمعضمية ودوما بل لنقل في مناطق سورية كافة.

القول إن خطة عنان تحت المجهر وسنرى نجاحها من عدمه في الأيام القادمة، هو دليل غباء أو محاولة استغباء للشعب السوري الثائر، ومحاولة لصرف نظر هذا الشعب عما يحاك له من مؤامرات اشترك فيها الصديق قبل العدو.

نبيل العربي، وهو حالة خاصة في التعامل مع ثورة الشعب السوري، قال إن من حق الحكومة السورية أن تعترض على بعض المراقبين وجنسياتهم، لأن قرار مجلس الأمن صدر تحت الفصل السادس وهو بالتالي غير ملزم، وقارن ذلك بالرئيس جمال عبد الناصر عندما اعترض على جنسيات بعض المراقبين الذين أرسلتهم الأمم المتحدة إلى سيناء بعد العدوان الثلاثي.

الأمين العام للأمم المتحدة، يصرح بأن سورية لم تلتزم التزاماً كاملاً بخطة عنان. بلغة أخرى فإن بشاراً قد التزم بالكثير وما بقي إلا القليل.

يظهر اليوم أن إرسال المراقبين إلى سورية ما هو إلا استمرار في الالتفاف على ثورة الشعب السوري خدمة للكيان الصهيوني ورغبة في تدمير سورية. فأصدقاء سورية كما أعدائها يعلمون أن مراقبي مجلس الأمن فشلوا في رواندا وبوروندي والصومال،والبوسنة وغيرها. وهم يعلمون أن باستطاعتهم استصدار قرار ملزم من الجمعية العامة للأمم المتحدة وهو القرار ‘ الاتحاد من أجل السلم’، الصادر عام 1950، والذي يجيز استخدام القوة العسكرية في حالة كالحالة السورية. فلماذا إذاً يلجؤون إلى إنشاء مجموعة أصدقاء سورية، ويقولون بالعودة إلى مجلس الأمن في حال فشل خطة عنان، وهم يعلمون كما نعلم أنهم شكلوا مجموعتهم بسبب الفيتو الروسي، فكيف نعود إلى المجلس إذاً؟. عندما يفرض العالم كله على الشعب السوري، فكرة أن بشار الأسد في طريقه إلى وقف العنف وفي طريقه إلى الالتزام بخطة عنان، فلا يحضرني إلا حكمة منسوبة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذ يقول: اللهم اكفني شر أصدقائي أما أعدائي فأنا كفيل بهم.

د. عوض السليمان ــ فرنسا

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى