سلام الكواكبيصفحات سورية

المأساة السورية والانتخابات الأميركية

سلام الكواكبي

يعتقد البعض من المراقبين السياسيين أن الانتخابات الرئاسية القريبة في الولايات المتحدة الأميركية ستحمل في حقائبها حلولا إعجازية للمسألة السورية و”ستخرج الزير من البير” وتجد حلا لمأساة شعب ووطن مستباحين.

يستند “حسن الظن” هذا بمأساة تحليلية ملازمة للثقافة السياسية العربية والتي ما فتئت تمنح الدور الأميركي والثقل الأميركي والنفوذ الأميركي أحجاما تتجاوز الواقع. وتتقاطع هذه الرؤى مع ما ملأ الأدبيات السلطوية العربية منذ عقود حول المؤامرة الإمبريالية المتضخمة في عقول محللينا وكأنها سرطان لا شفاء منه. وقد ساعدت هذه “المؤامرة” جمعا من السلطات المستبدة على ترسيخ قمعها للحريات في البلاد التي استولت عليها بعيدا عن أي شرعية.

بالتأكيد، هذا ليس انتقاصا من الدور السياسي، الاقتصادي، الاستخباري أو العسكري الذي يمكن أن يُنسب لأميركا كقوة عظمى تصورت أنها قد ارتاحت من النجمة الحمراء السوفياتية وأزاحتها من ساحة صراع الأقطاب، لتجد نفسها أمام الدب الروسي المكتنز فسادا وطموحا. ولا يمكن أن يخفف من أهمية تاريخ غني بالتجارب الانقلابية ودعم الديكتاتوريات العسكرية في أميركا اللاتينية مثلا أو في الشرق الأوسط تحديدا. ولا يُعقل بأن يحجب عنا مدى التأثير الاقتصادي المهم في ضخ الأموال والأسلحة إلى دولة إسرائيل التي تحتل أراضي عربية وتمارس العسف والموت تجاه أهلها. لسنا بمغفلين، ونعرف كل هذا. ولكن هذه الذخيرة من المعارف الموثقة لا يمكن أن تكفي لكي تحجب عنا الحقيقة.

فالدولة الأميركية، أوبامية كانت أو رومنية، تعبر مرحلة اقتصادية صعبة وتواجه تحديات عدة حولت مسألة النفوذ من الفلسفة العسكرية إلى الفلسفة الاقتصادية. إضافة، فهي تحمل ملفات داخلية عديدة ومعقدة تبعدها عن شؤون الآخرين. و”الشارع” الأميركي يعتبر بأن قضايا العالم تأتي في مراتب متدنية من اهتماماته اليومية.

في المقابل، وبمقدار اهتمام البعض من العرب بالحصول على تأشيرة سفر إلى “أرض الأحلام” هذه والانتقال إلى مرحلة البطاقة الخضراء والجنسية، بقدر ما ترتفع نسب البغضاء والتحدي ورمي الموبقات على سياسات هذا البلد.

إن تعليق الآمال على نتائج حاسمة تحملها الانتخابات القريبة لسوريا وشعبها هو جزء من الأوهام السياسية والأخلاقية والإنسانية. وهو مؤشر إلى جهل بالتركيبة السياسية والمؤسسية في هذا البلد الذي يعتبره الواهمون والحالمون وكأنه الساحر الذي يخرج لعلاء الدين لينفذ له ما يشاء وكما يشاء.

للمرة الألف ربما، أكرر بأنه ليس للسوريين سوى أنفسهم، وبأن كل العوامل الخارجية والقوى “الامبريالية والرجعية والاستعمارية والفضائية”، مهما كانت قوية ومؤثرة، غير قادرة على تغيير إرادتهم إن هم اجتمعوا عليها. وبأن حل مأساتهم الإنسانية والسياسية سيكون نتاج وعي مجتمعي وتضافر بين القوى الساعية إلى التغيير والخلاص والسير بالبلاد نحو حياة كريمة وحرة.

لا معارضة في سوريا، فالمعارضة تنشأ في إطار سياسي يتحمل نشاط طرفين على الأقل. في سوريا هناك شعب وهناك ظلم.

استاذ جامعي في باريس

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى