راشد عيسىصفحات الثقافة

«المؤسسة العامة للسينما» تفصل ثلاثة سينمائيين سوريين.. ثمن الحرية


هل تغيّبوا فعلاً عن الدوام أم أنهم بقوا داخل المشهد؟

راشد عيسى

أكد سينمائيون سوريون أن «المؤسّسة العامة للسينما» قامت بفصل ثلاثة من سينمائييها بحجة «تغيّبهم عن الدوام لأكثر من خمسة عشر يوماً»، مع العلم بأن هناك مرسوماً خاصاً بالفنانين لا يُطالبهم بدوام يومي، بل بحجم عمل لا يطالبون به إلاّ في حال تكليفهم بعمل. السينمائيون المعنيون بالقرار هم المخرجون أسامة محمد («نجوم النهار» و«صندوق الدنيا»)، ونضال الدبس («تحت السقف» و«حجر أسود»)، ونضال حسن («البشرة المالحة» و«جبال الصوان»).

وتعليقاً على هذا القرار، كتب أسامة محمد: «كان التضامن، لزمن مديد، واحداً من الثوابت الأخلاقية للسينمائيين السوريين، سواء مع مجتمعهم الكبير، أو مجتمع السينما الابن .كانت أسماؤنا على الدوام في طليعة الأدبيات المتضامنة مع المعتقلين السياسيين على مرّ العقود. كذلك كان ضميرنا السينمائي ولا يزال يجابه قانون الطوارئ طوال سنيّه الفائتة والآتية». أضاف محمد: «حدثت ذات يوم من العام 2011 نكسة مؤلمة، عندما قتل الرصاص الأمني اخوتنا المتظاهرين السلميين. فتضامناً مع ضميرنا الوطني والسينمائي والمواطني، أعلنّا انحيازنا للثورة». غير أن محمد لم يفته أن يتناول حادثة الفصل بطرافة حين قال: «حرّج عليّ بابا ما أروحش سينما، وأنا أقابلك فين؟ آه؟». أما نضال حسن فكتب: «غيابي عن الدوام الرسمي أمر أكيد. لكن الأكثر تأكيداً هو أني لم أكن غائباً عن السينما. واليقين من بعد التأكيد هو أني قطعاً لم أكن من قبل بهذا القرب منها». أضاف: «عاشت السينما التي تجري في مكان آخر، خارج مؤسّسة السينما».

من الواضح أن حكاية التغيّب عن الدوام حجّة إدارية واهية. فمن المعيب أن يُحاسَب مبدع من وزن أسامة محمد على تغيّب، وليست الحكاية سوى تصيّد بسبب مواقف السينمائيين مما تشهده بلادهم. فالسينمائيون الثلاثة كانوا من أبرز موجِّهي «نداء السينمائيين»، الذي كان بمثابة رسالة إلى سينمائيي العالم للتضامن مع قضية الشعب السوري. وقد استفزّ النداء من أسموا أنفسهم بـ«سينمائيي الداخل» (من بينهم سمير ذكرى وريمون بطرس وغسان شميط)، فأصدروا بياناً أشاروا فيه إلى أن إسرائيليين وقّعوا على «نداء السينمائيين». بالإضافة إلى المتابعة الدؤوبة من أسامة محمد لمجريات المظاهرات والتعليق على كثير من فعالياتها، فإن نضال حسن اعتُقل مرّتين أثناء الأحداث، ما يؤكّد أن الحكاية ليست «حكاية رمانة».

ليس هذا كل شيء بخصوص السينمائيين السوريين. فقد استشهد باسل شحادة في حمص، هو الذي عاد من خارج البلاد خصيصاً للمساهمة في مجريات الثورة. كما استشهد كثيرٌ من المصوّرين الميدانيين، الذين سمّاهم سينمائي مخضرم بالسينمائيين الجدد. واعتقل السينمائي شادي أبو فخر أكثر من مرّة.

ليس بالإمكان القول بعد الآن إن المثقفين السوريين بقوا خارج المشهد، الذي يُعيد اليوم تشكيل هوية السوريين، ويأخذهم إلى دروب الحرية، ما دام التشكيليّون والأدباء والشعراء يصرّون كل يوم على قول كلمتهم، ويُعيدون. وما دام السينمائيون السوريون، مخضرمين ومستجدين وهواة، يقولون كلمتهم، بوسائل سينمائية أو سواها. وما داموا أيضاً يدفعون الضريبة باهظة أحياناً بسبب ذلك القول.

راشد عيسى

(دمشق)

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى