صفحات العالم

المؤشر الإسرائيلي

 


ساطع نور الدين

تغير موقف إسرائيل من الأزمة السورية. حتى الاسبوع الماضي، كان المسؤولون الاسرائيليون يتمنون صمود الرئيس بشار الاسد. صاروا يتوقعون سقوطه في أقل من عام. وبات بعضهم يتحدث بلغة جازمة عن التغيير الوشيك في دمشق. والارجح انهم بدأوا بإعداد العدة لمجيء وجه جديد الى حكم سوريا.

لا يمثل هذا التحول في الموقف الاسرائيلي دليل نبوغ سياسي مبكر. فقد كانت اسرائيل ولا تزال في حالة صدمة إزاء الثورات الشعبية العربية. لم تصدق حتى الآن ان الجمهور العربي الذي تصفه الادبيات السياسية الاسرائيلية بالتخلف والجهل والخنوع يمكن أن يتحدى خوفه ويتمرد على طغاته ويقدم نموذجا فريدا في توقه الى الحرية والديموقراطية. وظلت اسرائيل حتى اللحظة الاخيرة، بعكس بقية دول العالم، تتوقع فشل الثورتين التونسية والمصرية، وبقاء الرئيسين زين العابدين بن علي وحسني مبارك في منصبيهما. ولعلها لا تزال تتمنى بقاء العقيد معمر القذافي في السلطة، وتستبعد سقوط الرئيس اليمني الجريح علي عبد الله صالح.

والاكتشاف المثير الذي توصل اليه رئيس الاركان الاسرائيلي الجنرال بيني غينتس عندما صرح الاسبوع الماضي بأن ثمة لاعبا جديدا في الشرق الاوسط هو الشارع العربي، بدا كأنه مراجعة مثيرة لموقف إسرائيل التقليدي الذي يحتوي على قدر كبير من الاحتقار لكل ما هو عربي، واستجابة للنصيحة الاميركية التي قدمها الرئيس باراك أوباما في خطابه الشهير أمام منظمة ايباك اليهودية الاميركية الشهر الماضي عندما أبلغ الاسرائيلين انه لم يعد بإمكانهم الحصول على السلام بواسطة توقيع زعيمين عربيين أو أكثر.

في الخطاب السياسي الاسرائيلي المتداول على مستوى السلطة والصحافة، وعي جديد لتلك الحقيقة العربية الجديدة التي لم يألفها الاسرائيليون وتناقض كل ما تربوا عليه. وهو ما ينسحب الآن على متابعتهم للازمة السورية، ويعبر عن رغبتهم في تعويض فاتهم من قراءات حمقاء للثورات العربية، تنم عن حقد دفين اكثر مما تعبر عن شعور بالمفاجأة إزاء ما يجري حولهم.. لكنها ايضا تفرض عليهم البحث عن أشكال جديدة للتعامل مع سوريا، تشبه تلك التي فرضتها عليهم الثورة المصرية، وما أسفرت عنه، سواء على مستوى العلاقات الثنائية، أو المصالحة الفلسطينية أو فتح الحدود مع قطاع غزة.

ما حصل في الجولان ليس سوى نموذج بسيط، ومؤقت، يستدعي إرسال المزيد من القوات الاسرائيلية الى الجبهة السورية، وربما أدى في مرحلة لاحقة الى اختراق الشريط الشائك.. من دون ان يساهم ذلك في صرف الانظار عن المذابح التي ترتكب في داخل سوريا. ولعل الاسرائيليين سعداء بأن أخبار المذبحة المروعة التي نفذوها في الجولان الاحد الماضي لم تثر اهتمام أحد، ولم تستدرج الإدانات العربية والدولية، بل حتى الفلسطينية، بدليل ما شهده مخيم اليرموك في دمشق، من احتجاجات شعبية امس الاول على هدر الدم الفلسطيني في معركة سورية داخلية.

الموقف الاسرائيلي من سوريا مؤشر مهم، لكنه ليس حاسما. لم يعد لأي توتر حدودي أو حتى لأي حرب على جبهة الجولان دور في تعديل مسار الازمة السورية.

السفير

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى