سمير سعيفانصفحات سورية

المبادرة الأخيرة لتوحيد المعارضة السورية


سمير سعيفان

لم تكن تصريحات كلينتون الأخيرة هي من شطب دور المجلس الوطني، بل المجلس نفسه قد قام بانتحار ذاتي على مدى عام بإصراره على تغليب الأنانيات الذاتية والمصالح الحزبية على مصالح الثورة ورفض أية مساع لتوحيد صفوف المعارضة السورية. وبالتالي فقد سأم الجميع هذه العقلية وكان لا بد أن يأتي يوم ليقول الجميع للمجلس كفى وأن ينهضوا لمبادرة جديدة.

ليست المبادرة الأخيرة التي أطلقتها ‘هيئة المبادرة الوطنية السورية’ والتي تعرف بمبادرة رياض سيف، بالمبادرة المثالية، كما أنها تواجه تحديات كبيرة جداً، وعلى ‘المجلس الانتقالي المؤقت’ وهي التسمية التي نقترحها له، أن ينجح فيها، وكي ينجح عليه أن يعمل بطريقة مختلفة مستفيداً من دروس الماضي، وإن لم ينجح فسيكون مصيره مصير المجلس الوطني. والشعب السوري هو الخاسر والنظام هو الرابح.

هب الكثيرون لتوجيه النقد للمبادرة والقائمين عليها، بل توجيه التهم بل والتخوين، وهو المرض السوري المزمن، فاتهموا المبادرة بأنها مؤامرة على المجلس الوطني بسبب ‘مواقفه المبدئية’، وأنها جاءت بإملاءات أمريكية وأن غايتها إبرام صفقة مع النظام وغيرها.

المبادرة نفسها جاءت متأخرة، ولكن تم تجهيزها ببعض الاستعجال وربما لم تدرس ولم تنظم على نحو كاف، ولكن الزمن ضيق وضاغط. وإذا كان هذا مبرر الآن فيجب أن يتغير هذا في المستقبل القريب حين تصبح المبادرة واقعاً ويبدأ ‘المجلس الانتقالي المؤقت’ بالعمل.

العقدة أمام هذه المبادرة هي عقدة موقف المجلس الوطني الحالي، والبقاء على موقفه الرافض للانضمام للمبادرة، بما يهدد بخلق جسمين للمعارضة، سيكون لها بعض الأثر السلبي لبعض الوقت. وبالطبع فالأمل أن يوافق المجلس على الدخول. وقد توجهت المبادرة للمجلس وأعطته نحو ثلث المقاعد، وهذه نسبة كبيرة، ولكن المكتب التنفيذي لم يصوت لصالح الانضمام، وستعود المبادرة للتوجه نحو القيادة الجديدة للمجلس التي سيتم انتخابها هذين اليومين وتدعوه للانضمام للمبادرة، ولا يعرف الآن كيف سيكون الرد، رغم أن موقف من سيخسرون مواقعهم الشخصية سيكون بالرفض انطلاقاً من تغليب المصالح الشخصية على مصالح الثورة، والموقف الأهم في المجمل هو موقف الإخوان المسلمين المسيطرين على المجلس. فالأخوان لم يعلنوا عن موقف واضح، بل إن ما نشره البيانوني حول المبادرة بعد حضوره لقاء الأردن لم يكن سلبياً. ويتوقع أن يتعرض الأخوان المسلمون لضغوط عربية ودولية للانضمام للمبادرة، بينما يبدو موقف تركيا مستمر بتشجيع المجلس على الاستمرار في موقفه. والتقدير أن الأخوان يدرسون موقفهم الآن وإن اقتنعوا أن مياه الدعم العربي والدولي للمجلس الوطني ستنقطع عنه وسيموت سريرياً، فقد يغيروا موقفهم وينضموا للمجلس ‘حتى لا يخرجوا من المولد بلا حمص’، وهذا أمل الجميع، فموقفهم سيحدد موقف المجلس. فإن تم هذا فسيكون ‘المجلس الانتقالي المؤقت’ مثاليا تقريباً. بالطبع إن لم يوافق المجلس كمجلس فستوجه الدعوات لمكونات المجلس للانضمام للمبادرة ويتوقع أن يستجيب جزء كبير منها لهذه الدعوة.

المخاوف ليست في أن المجلس الجديد سيبرم صفقة مع النظام كما يزعم البعض، وليس لهم أن يزاودوا على الرموز الأساسية لهذه المبادرة، وأولهم رياض سيف، كما أن المجلس الجديد سيتبنى الوثيقتين اللتين أقرهما مؤتمر المعارضة في القاهرة في 2 و3 تموز 2012.

أمام المجلس الجديد تحديات كثيرة، أولها شمولية التمثيل. أعتقد أن 50 شخصية هي حوض صغير وغير كاف لتحقيق تمثيل حقيقي للثورة ولمكونات الشعب السوري. ولكن يمكن أن يكون هذا المجلس بمثابة ‘قيادة سياسية مؤقتة’ يتم توسيعها لتدارك ما فات. ونعتقد أن ثمة ضرورة لتكوين ‘جميعة وطنية مؤقتة’ تضم نحو 250 ممثل تكون بمثابة حوض واسع يتسع لممثلين لمكونات الثوار على الأرض أولاً وللجيش الحر وللمكونات السياسية في الداخل والخارج ولمكونات الشعب السوري. وأن تكون قبل نهاية شهر تشرين الثاني الجاري.

التحدي الأهم هو انتزاع اعتراف الثوار على الأرض في الداخل ‘بالمجلس الانتقالي المؤقت’، وقد تم هذا حتى الآن بنسب مرضية ولكن يحتاج للمتابعة، وأيضاً تحقيق اعتراف وتضامن من مختلف فئات الشعب السوري بدون استثناء وهذا يحتاج لتوجيه رسائل تطمين لم توجه حتى الآن، وكذلك مكافحة مظاهر التطرف والانتقام التي بدأت تطل برأسها مسيئة للثورة وصورتها وأهدافها، ثم انتزاع الاعتراف العربي والدولي بأن هذا المجلس هو ‘الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري’ بما ينجم عن ذلك من قضايا سياسية وحقوقية ومالية كثيرة. وهذا يتطلب أداء مختلفا مميزا على كافة الجبهات. التحدي الآخر هو تنظم عمل المجلس الانتقالي المؤقت، وتكوين مكتب تنفيذي، وتحديد واضح لمهامه. وفي حديث مع رياض سيف طرح فكرة أن يكون هذا المجلس بمثابة قيادة سياسية بعيدا عن القضايا التنفيذية وعن الغوص في المسائل المادية، بما يحمي الجميع من أية شبهات ويجعلهم يتفرغون لمهامهم وأن يتركوا التنفيذ لحكومة تكنوقراط انتقالية وللإدارة المحلية التي تتولى إدارة المناطق المحررة.

التحدي الأصعب هو الحصول على دعم سياسي ودعم إغاثي أكبر بكثير، وبما يلبي كافة الاحتياجات الإغاثية المدنية والعسكرية، وبما ينعكس إيجاباً على أداء الثورة وقوتها وبما يعجل في إسقاط النظام. ثم الأهم توحيد الدعم الإغاثي المقدم للثورة السورية في قناة واحدة تمنع ربط الداخل بتأثيرات مباشرة بالجهات المانحة.

التحدي الآخر هو تشكيل حكومة مؤقتة وتحديد أسس تشكيلها، وتحديد مهامها بشكل واضح وتنظيمها على نحو يضمن فعالية أدائها، ثم تنظيم إدارة المناطق المحررة من سيطرة النظام. وهذه مهام كبيرة من حيث التنظيم وتحتاج لخبرات إدارية كبيرة، كما تحتاج لموارد مالية كبيرة.

التحدي الآخر هو تحد تقني، أي مدى تنظيم العمل في المجلس الجديد ذاته، فمدى تنظيم عمله سيقرر مدى نجاحه في تنفيذ مهامه. فيجب أن يكون له (مكتب تنفيذي) من أعضاء متنفرغين يقيمون في ذات المدينة بل وذات البناية، وأن يكون له مكاتب متخصصة بفرق عمل متخصصة تعمل وفق أعلى مستويات العمل المهني التخصصي بما يسد كافة نقاط ضعف أداء الثورة مثل: المكتب السياسي والمكتب الاعلامي ومكتب الادارة المحلية ومكتب الاغاثة ومكتب التنسيق العسكري وغيرها. وأن يكون لكل مكتب برنامجه المتكامل وفريق عمله المتخصص المكون من بعض المتفرغين مع بعض المتعاونين المتطوعين بجزء من أوقاتهم.

سيكون لنجاح هذه المبادرة، أفضل الاثر على الثورة السورية، ويقرب أجل النظام وبدء انتقال سورية من نظام الاستبداد إلى نظام ديمقراطي مدني تعددي محققاً الأهداف الأساسية التي انطلقت الثورة السورية من أجلها. كما سيكون لفشلها الأثر المعاكس، وعلى الجميع أن يختار العمل لفشلها أم لنجاحها.

‘ كاتب سوري

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى