صفحات سوريةفايز ساره

المبادرة العربية.. هل هي حل للأزمة السورية؟


فايز سارة

أخيرا وفي ظاهر الأمور، أثمرت واحدة من المبادرات المطروحة في الدخول على خط الأزمة السورية والمستمرة تداعياتها منذ أواسط مارس (آذار) الماضي، حيث وافقت السلطات السورية على المبادرة التي أطلقها مجلس الجامعة العربية قبل أسبوعين، وجاءت الموافقة دون أي تحفظات سورية بعد سلسلة من المشاورات بدأت في دمشق، واستمرت في الدوحة، قبل إعلان الموافقة في القاهرة.

وتحتوي المبادرة على مجموعة خطوات إجرائية تؤشر للجوهري فيها، وأبرز الخطوات وأولها وقف كافة أعمال العنف من أي مصدر كان لحماية السوريين، والثانية تتمثل في سحب القوى العسكرية والأمنية وإزالة المظاهر المتصلة بها من الأماكن السكنية في المدن والقرى، وثالث الخطوات، تتضمن إطلاق سراح المعتقلين على خلفية الأحداث الأخيرة. والقيمة الحقيقية المباشرة لهذه الخطوات أنها تضع حدا لمعاناة وآلام السوريين المستمرة منذ نحو ثمانية أشهر نتيجة تفاعلات وتداعيات الحل الأمني الذي تابعته السلطات السورية، وأوقعت خلاله خسائر بشرية ومادية كبيرة بالسوريين كان بينها سقوط أربعة آلاف من الشهداء وعشرات الآلاف من الجرحى والمعتقلين والمطلوبين إضافة إلى خسائر مادية ألقت أعباءها على حياة السوريين، والتي تعاني من صعوبات كثيرة أساسا.

وتترافق مع ما سبق من خطوات، خطوة إضافية، تتمثل في السماح لمؤسسات العمل العربي المشترك ولأجهزة الإعلام العربية والدولية بمباشرة أعمالها في كل الأراضي السورية من دون قيود، وهذه الخطوة من شأنها توفير رصد حي ومباشر لكل الأحداث والتطورات التي تجري في سوريا، وتقديم صورة عما يحصل للرأي العام ومنظماته المختلفة، الأمر الذي يمكن القول معه إن ذلك يمثل رقابة جدية على ما يجري في سوريا من أحداث، وسوف يكشف القوى الفاعلة ودورها في الأحداث من ناحية أخرى.

وكما هو واضح في المحتوى السابق للمبادرة العربية، فإنها في الجانب الأهم، توقف متابعة السياسات والإجراءات التي كانت تتم في سياق الحل الأمني العسكري، وبفعل الرقابة التي يوفرها الإعلام وحضور مؤسسات العمل العربي المشترك، فإنه سيتم منع تكرار ما حدث من ارتكابات وجرائم بعيدا عن الإعلام وتغطياته مجريات الحدث السوري.

والمبادرة العربية بمحتوياتها الإجرائية السابقة، تمثل تطورا مهما في موقف الجامعة العربية من الأحداث السورية، وتعكس إصرار الجامعة على دور في الأزمة ومعالجتها رغم الفشل الذي أصاب جهودا سابقة للجامعة نتيجة رفض السلطات السورية لمبادرة سابقة، وهو دور لا يقتصر على الإجراءات السابقة بل يتعداه إلى فتح الباب أمام معالجة سياسية للأزمة، طبقا لإشارة المبادرة حول الاتصالات التي ستقوم بها لجنة الجامعة مع السلطات السورية وأطراف المعارضة من أجل عقد لقاءات تحت رعاية الجامعة العربية بمقرها في القاهرة بغية الإعداد لانعقاد مؤتمر حوار وطني سوري، والذي سيتولى كما هو مفترض معالجة جوانب الأزمة في سوريا.

ومعالجة الأزمة انطلاقا من مؤتمر الحوار وما يمكن أن يقدمه من علاجات للأزمة أمر يتجاوز محتويات المبادرة العربية، إلى ما يمكن أن تقوم به السلطات السورية التي أعلنت موافقتها على المبادرة دون تحفظات في التفاعل مع المبادرة في نصوصها وروحها، حيث يفترض ليس فقط إنجاز الخطوات التي تضمنتها المبادرة العربية، ووقف مسار الدم والقمع الجاري، بل تجاوزها ووضع البلاد على قاعدة معالجة الأزمة عبر خطوات أخرى، تكون مقدمتها تنفيذ الإجراءات بروح إيجابية، وإحداث تغييرات جوهرية في البيئة السياسية والأمنية السورية.

إن الأهم في التغييرات المطلوبة للبيئة السياسية والأمنية، يتمثل في تغييرات تصيب الخطاب السياسي والإعلامي الذي تابعته السلطات السورية وإعلامها في المرحلة الماضية من تحريض وتعبئة ضد المتظاهرين والمحتجين وحواضنهم الاجتماعية، وضد المعارضة السياسية وشخصياتها، ووقف الاتهامات بالعمالة والارتباط بالخارج والضلوع في مؤامرات واستخدام السلاح وغيرها والتوجه إلى خطاب مصالحة وتوافق، يتزامن مع إطلاق سراح المعتقلين والسجناء السياسيين من كل الاتجاهات، ووقف المتابعات الأمنية أو الحد منها على الأقل في المرحلة الراهنة.

وباستثناء التغييرات المطلوبة في البيئة السياسية والأمنية، فإنه ينبغي تطبيق الإجراءات التي طلبتها المبادرة العربية بروح إيجابية من جانب السلطات السورية على طريق إثبات حسن نواياها ليس للجامعة العربية التي وضعت آليات لمراقبة التنفيذ السوري وتقييمه، بل للسوريين أيضا الذين أصيبوا بخسائر بشرية ومادية وسياسية كبيرة، وهو أمر يتطلب، أن تتعامل السلطات السورية مع هذه الخطوات الإجرائية بمستوى عال من المسؤولية، ليس من باب تنفيذ تلك الإجراءات باعتبارها أمورا مطلوبة بموجب المبادرة العربية فقط، بل باعتبارها إجراءات تخص مواطنين سوريين، لحق بهم الحيف والأذى بفعل سياسة حكومتهم وإجراءات أجهزتها، مما يتطلب التعويض المادي عن كل الأذيات البشرية والمادية، التي أصابت الضحايا ومحيطهم الاجتماعي ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم التي ارتكبت.

إن معالجة الوضع السوري بموجب مبادرة الجامعة تتطلب بالفعل وجود إرادة جدية من جانب السلطات السورية وقدرة عالية من المسؤولية، ومن دون ذلك لا يمكن بالفعل الخروج من واقع الحل الأمني، والذهاب إلى الحل السياسي للأزمة في سوريا وهو ما يمكن أن تتابعه جهود الجامعة في إطار الحوار بين السلطة ومعارضيها تحت رعاية الجامعة العربية، وهي فرصة لن تتكرر لأن الباب صار مفتوحا باتجاهات أخرى في مسارات علاج الأزمة السورية.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى