صفحات سورية

المتحول الكردي في الانتفاضة السورية

 


صلاح بدرالدين

تزامن نضوج واستكمال الشروط والعوامل الداخلية الوطنية الخاصة مع لحظة تسارع قوة دفع ربيع الثورات الشعبية الظافرة على أنظمة الاستبداد منذ بداية العام ليجتمعا سوية في احداث تغييرات جذرية عميقة في طبيعة المشروع الوطني على المستوى السوري والارتقاء به من المطالبات الاصلاحية طوال أربعة عقود من دون جدوى الى الانتقال نحو التمسك بهدف التغيير الجذري كنتيجة واقعية وطبيعية للفشل المدوي لنظام الاستبداد وانحسار دور الأحزاب التقليدية الحاكمة المحمية من أجهزة القمع المبنية على مقاسه وكذلك المحكومة الموالية منها أو المعارضة التي بلغت نقطة الفشل والعجز عن مواكبة عملية التغيير بسبب انتهاء أمد برامجها وعدم توافقها مع متطلبات المرحلة الراهنة بأبعادها المحلية والاقليمية والعالمية كما اقتضت تطورات الأحداث المتسارعة تبدلا في أولويات المهام والأهداف وارتقاء في وسائل النضال الجماهيري نحو استمرارية الاحتجاجات والتظاهرات الشعبية السلمية كنمط كفاحي متقدم حتى تحقيق هدفها في اسقاط النظام وهنا لابد من البحث عن الانعكاسات والتأثيرات المتبادلة في هذا الظرف الدقيق بالذات بين كل من العام السوري الوطني والخاص الكردي القومي الذي نزعم أنه يخوض تجربته الثورية الداخلية في عملية اعادة بناء الذات ضمن اطار الانتفاضة الوطنية وهي بمثابة الحاضنة الدافئة لاستكمال شروط نجاحها لذلك من المفيد والضروري تشخيص مقدمات وموضوعات التحولات الكردية والنتائج المترتبة ومن ثم مواكبة الجديد لتفعيله والسعي لصياغة أسس ومهام المرحلة الآنية باطارها الوطني العام فماهو الجديد على الساحة الكردية في هذا المجال :

أولا – لم تشهد الحركة القومية الكردية السكينة في حياتها الداخلية منذ محاولات وضع لبنتها التنظيمية الأولى في حقبة حركة – خويبون – بأواخر عشرينات القرن الماضي مرورا بمرحلة انبثاق حزبها الديموقراطي الكردستاني أواخر الخمسينات وانتهاء بماوصلت اليها الحالة الآن من تكاثر فاق الأصول واجتاز حدود تصارع الأفكار والمواقف من أجل التقدم وتحقيق الأفضل وفي الأطر المتعارف عليها الى مايشبه العصبيات ماقبل القومية التي قضت أصلا على مبررات وجودها ولايمكن في التحليل العلمي النهائي الا قراءة هذه المسيرة المتوترة في سياق البحث عن الحقيقة المنصب بدرجة أساس على بذل الجهود الفكرية والثقافية لانجاز عملية اعادة تعريف وانتاج ” الحركة الكردية ” التي رست في محطتين تاريخيتين بارزتين : الأولى ويمكن تلمسها في وثائق كونفرانس الخامس من آب لعام خمسة وستين الغنية في سلامة التقييم واكتشاف قضايا الخلاف وسبل العلاج وانبثاق اليسار القومي الديموقراطي الذي دشن نهجا متجددا متميزا ونجح في اعادة انتاج أسس النضال القومي وصياغة البرنامج الجديد والشعارات المرحلية ومن ثم أخفق في استكمال كل المهام لأسباب موضوعية وذاتية من أهمها الاصطدام الحاد والمكلف بغياب الحد الأدنى من توازن القوى بمخطط سلطة نظام الاستبداد ومشروعها المستند الى القمع وخطط التفتيت والاختراق الأمني في أصعب الظروف وفي أوج الشراسة التي بلغها نظام حافظ الأسد عبر – كبشه – السامي في الجزيرة اللواء محمد منصورة مسؤول الملف الكردي أما المحطة الثانية في مجال اعادة التعريف والانتاج فكانت ذلك المخاض الأليم خلال الهبة الكردية الدفاعية قبل سبعة أعوام التي لم تتوفر الشروط لتبلغ الانتفاض كما هو حاصل الآن والتي ستدخل تاريخنا السياسي كمؤشر مؤثر في انتهاء مرحلة وبلوغ أخرى وما يجري الآن في الساحة الكردية من تفاعلات وتحولات بالعمق ستؤسس بلاشك – عاجلا أم آجلا – خاتمة المحصلة التاريخية لمسيرة نصف قرن من التراكمات وفاتحة عهد جديد تظهر فيه الحركة الكردية على حقيقتها كماهي وليس كما كانت توصف سابقا بأسلوب تعسفي على أنها محصورة بالأحزاب والجماعات بل أنها أوسع لتشمل كل الطبقات الوطنية من شعبنا والفئات والشرائح من النساء والرجال يتصدرها في المرحلة الراهنة جموع الشباب الذين يشكلون الغالبية ويتحلون بثقة الجماهير وتفويضها لاستعادة موقعها التاريخي وهم القادة الميدانييون في الانتفاضة ومرشحون في المستقبل القريب لتبوء قيادة النضال القومي الديموقراطي الكردي في حلة جديدة وبوسائل مبتكرة وضمن حركة سياسية مكتملة الشروط في ظل المناخ الديموقراطي التعددي الحر .

ثانيا – ظهور وتجذر فئات اجتماعية شبابية متنوعة المنابت الطبقية تتصدر ساحات النضال وتشكل القاعدة الأساسية في انطلاقة المستقبل الكردي والوقود الفعلي لحراكه الراهن بخلاف ماهو مثبت عبثا وبلا أي أساس واقعي في برامج أحزاب ومنظمات الحركة السياسية القومية الكردية من أن ” الاعتماد الرئيسي على العمال والفلاحين والمثقفين ” وهو تبدل تصحيحي هائل في منظور اجتماعي فكري ثقافي كان سائدا منذ أكثر من نصف قرن .

ثالثا – بالرغم من أنه من المبكر جدا مطالبة الشباب بطرح برنامجهم المتكامل للمرحلة الراهنة الا أنه من المؤكد أن هناك مصطلحات جديدة في الخطاب السياسي الشبابي تنم عن القيادة الجماعية والمشاركة الشعبية الفعلية والعمل الائتلافي التشاوري والشفافية بدلا من عبارات ومفاهيم مضى عليها الزمن مثل ” الحزب الطليعي ” و ” القائد الملهم ” و ” الزعيم القومي ” و ” قيادة الشعب والجماهير ” و ” المركزية ” وحجب الحقيقة تحت رداء السرية المقنعة والزائفة .

رابعا – يعمل الشباب حسب مفهوم – الكردايتي – أي العمل الكردي الواسع بافساح المجال لكل التيارات الفكرية والثقافية والأطياف السياسية للتفاعل والتوافق والتضامن حول ما يتم الاجماع عليه من مهام آنية بدلا من ميول التزاحم لدى متعصبي الأحزاب في ابراز الأسماء والشعارات الخاصة أمام وسائل الاعلام ايهاما للرأي العام أنهم ” الحزب القائد ” على غرار حزب البعث ” القائد للدولة والمجتمع ” وعلى نفس منواله وعاداته وكادت أن تحصل مصادمات واحتكاكات في أوج أوقات التظاهرات ببعض أماكن التجمع بالمناطق الكردية مما ستكون لها ان حصلت عواقب وخيمة لاتحمد عقباها .

خامسا – نجح الشباب بنهجهم الديموقراطي ونظرتهم العابرة للأحزاب والجماعات من تحقيق التنسيق والتعاون والعمل المشترك بين مختلف فعاليات المناطق والمدن والبلدات الكردية وحتى التجمعات الكردية في المدن السورية وجامعاتها ليكون حراكهم الانتفاضي موحدا شاملا وعلى ايقاع شعاراتي ومطلبي واحد قابلا للتطوير كل وقت في حين تعجز المجموعات الحزبية الكردية عن تحقيق الحد الأدنى من الاتفاق والتوافق والتعاون حتى ضمن أفقها الاصلاحي الهزيل .

سادسا – استطاع الشباب بقوة المبادىء والمنطق وبميلهم الانفتاحي وتبنيهم للخطاب الوطني في الحرية وازالة الاستبداد والتغيير الديموقراطي من تحقيق أوسع التحالفات في زمن الانتفاضة بالتظاهر والاحتجاج مع ممثلي المكونات القومية العربية والكلدانية – الآشورية في المناطق المختلطة حيث توحدت الارادة وسار الجميع كتفا الى كتف ويدا بيد وبعبارة أخرى استوعب – حزب الشباب – اذا صح التعبير كل الطاقات ومختلف المكونات في حين ليس هناك حزب كردي في تنظيمه عضو واحد من غير القومية الكردية أو لديه تحالفات برنامجية وعمل مشترك مع جماعات سياسية خارج الحركة السياسية الكردية .

سابعا – طهر شباب الانتفاضة ونزاهتهم واستعدادهم لتقديم التضحيات جلب حنق السلطة وأثار غضب الأجهزة الأمنية التي تحاول عبثا القضاء على ناشطيهم أو الحصول على معلومات حولهم في حين يسرح متزعموا التنظيمات التقليدية الكردية ويمرحون ويقومون بجولات – سياحية اقليمية – أمام أعين السلطة من دون أي مساس بمقاماتهم .

لاشك أن تباشير كل هذه المتغيرات التي تطال العمق المجتمعي الكردي وتصيب كل بناه الفكرية والحزبية والسياسية وخطابه الثقافي في اطار الانتفاضة السورية والتي تترافق وموجة النهضة في ربيع بلدان وشعوب المنطقة تستحق من الجميع المزيد من التأمل والقبول لأنها قدر التاريخ ومشيئة التطور واذا كنت مع العديد من الحريصين على ضرورة أن تأخذ المسيرة الشبابية مداها من دون اعاقات مقصودة فلا أرى أية آفاق مستقبلية لدوام أسماء ومسميات الأحزاب والجماعات السياسية الكردية في حالتها الكارثية الراهنة والخيار الوحيد الانقاذي لها هو دعم الشباب ومباركة حراكهم الثوري نحو التغيير من دون تردد .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى