صفحات سورية

المثقف القطبي ..


عماد العبار

من ميزات المثقف القطبي أنّه يريد ثورة ناصعة البياض كالثلج الذي اعتاد المشي فوقه .. ثورة غير موجودة إلا في أماكن تكاثره .. هو لا يجرؤ في الحقيقة على المساواة (الصريحة) بين الجلاد والضحيّة، لكنّه وفي الوقت نفسه يحمل ميكروسكوباً نهايته الواسعة مصوّبة على الضحيّة ..

حريص على ألاّ يتحوّل المظلوم إلى ظالم .. ولكن ماذا عن الظالم !؟ يبدو أنها مسألة فيها نظر ..

يفهم من الثورة السلميّة فقط مبدأ(كفّوا أيديكم ..) .. كما يجتزأ البعض آية (ولا تقربوا الصلاة ..) .. اعتاد على الرؤية بعينٍ واحدة (غير سليمة عموماً) .. يحب أنصاف أرباع أخماس الحلول .. رؤية مجتزأة، حسن ظن في غير مكانه وبراءة مصطنعة ..

يريد خارطة طريقٍ واضحة يمسكه من خلالها الثوار من يده، يمشون به حبّة حبّة .. مع ضمانة أن لا يتعثّر أو يتألّم أو يجوع أو يعطش .. ليضعوه في النهاية الورديّة التي يحلم بها .. وماذا عن دورك أنت يا سيد !؟

مهما كلّمته لا يسمع، فهو معني على حدّ زعمه بالدم الذي يسيل !؟ .. وهل غاب عنك يا سيد قطبي أن الدم ومنذ خمسين عاماً يسيل بلا توقف !؟ .. أم أنك غير معني بذلك الدم الذي كان يسيل بعيداً عنك ضمن الأقبية المظلمة !؟ ..

أما زلت تستغرب من قيام الثورة .. أم أنك تمضي وقتك بتقليب صفحات التاريخ حتى تستوعب حقيقة التحولات التاريخية ! ..

أما زلت تحلم بأن يمنّ عليك الجلاد بنفحات الحريّة .. وبمكرمات لا تعد ولا تحصى .. هل تضحك على نفسك أم على من تضحك !؟ ..

هل تريد أت تعود لتكتب لعشرين سنة أخرى بأسماء وهميّة .. أم أنك اعتدت على استخدام أسخف طرق المداهنة في حوارك مع المنحبكجيّة وفي الطبطبة على ترهاتهم المقززة !؟ ..

وبمناسبة حديثك عن خارطة الطريق التي تريدها من المتظاهرين، وعن النهايات المحبوكة التي لا تشوبها شائبة؛ هل لديك خارطة طريق مقابلة تضمن إرجاع الحقوق، ونشر العدل، محاسبة المجرمين، أم أن الاطفال الذين قتلوا لا أهل لهم !؟ .. هل تضمن لنا نهاية سعيدة أم أنك أيضاً ستبني على احتمالات ظنيّة لا رصيد لها، بل هي أشبه ما تكون بالسعير الذي سيهلك الجميع !؟ .. الجميع طبعاً إلا أنت ومن معك من أصحاب (التيار الثالث) .. الذي يمكن أن يلبس اللباسين دون أي مشكلة .. فقياسكم (محيّر!) ..فأنتم حريصٌون على الدم .. شديدوا الأدب مع المجرمين !..

هل لازلت تطلب إدانةً عن أعمال العنف بالمطلق؟ طيب يا سيد قطبي أنا أدين العنف مهما كان مصدره وهذه ليست أول مرة ولن تكون الأخيرة بكل تأكيد؛ مع عدم تصديقي لأي رواية يرويها طرفٌ مجرمٌ ، مجرم بشهادة حتى أشد المؤيدين ! .. ولكن هل لك بالمقابل أن تضغط على نظامك بأن يفسح المجال لنا كي نرى الحقيقة على حقيقتها بدون تعتيم .. لا أريد كلاماً ككلام الشبيحة والنبيحة الإعلاميين (نحن نطالب .. ونحن قلنا .. ونحن انضربنا على قلبنا ..) أريد أفعالاً لا أقوال .. أم أن التيار الثالث يفضل أن ينأى بعالمه عن عالم الواقع .. لا لشيء فقط حفاظاً على تلك الطهرانية والمثالية القطبيّة التي يطلبها من الآخرين ؟

أفعالاً تجعل لكلامكم رصيداً وقيمةً في جديّة سعيكم لتحقيق الإصلاح الذي تريدون، كأن تعتصموا عند مبنى الإعلام أو تجدوا وسيلةً حقيقية للضغط على النظام، حتى وإن اعتقلتم أو لوحقتم .. أظنّ أن من حق هذا الدم الذي يسيل عليكم أن تعانوا كما يعاني أبناء شعبكم لتحقيق حياة أفضل .. طبعاً هذا مجرّد اقتراح لا أقصد من خلاله الإملاء عليكم .. بغير مثل هذه الجهود الحقيقية لن يكون لكلامكم رصيد .. لأن الناس ملّت الكلام، وكفرت بعصور الظلم والتعتيم وضياع الحقوق .. ولهذا هي اليوم تفضل الموت في الشارع ..

بدون سعي حقيقي، سيبقى كلامكم قطبيّاً جامداً .. وستعصف الريح بكم وبتياركم .. أو ربما تصبّ جهودكم بمجملها في مصلحة فئة لا تحبونها .. أو بالأحرى في مصلحة فئة (أظنّ) أنكم لا تحبونها !..

ومن نافل القول أن نشير إلى أن المثقف القطبي مخلوقٌ على وشك الانقراض …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى