صفحات سوريةوهيب أيوب

المجلس الوطني السوري على المحكِّ الأخير


وهيب أيوب

الغالبية الساحقة للمعارضة السورية في الداخل والخارج، تعلمُ علم اليقين أنّ نظام دمشق الاستبدادي سوف لن يسقط بالمظاهرات ولا الاعتصامات ولا الإضرابات ولا حتى العصيان المدني. كما أنّه لن يسقُط، ولن يتنازل عن تمسّكه بالسلطة من خلال العقوبات الاقتصادية، سواء كانت العربية منها أو الدولية. هذا النظام الفاشي المُجرِم، ومنذ اللحظة الأولى اتّخذ قراره بقمع وقتل كل من عارضه ودعا لإسقاطه، لهذا فإن فاتورة القتل والاعتقال والتعذيب والتهجير ومحاصرة المدن وتدميرها، فاقت كل الحدود.

ما نسمعه من غالبية “تنسيقيات” الثورة السورية في الداخل كما الخارج، أنّه لا حلّ لإسقاط هذا النظام إلا باستخدام القوّة والسلاح، من خلال إقامة منطقة عازلة أو أكثر، يلجأ إليها الجيش الحرّ المنشق، وحظر جوّي تتخذ قراره الأمم المتحدة ومجلس الأمن، دون الحاجة لقوات دولية على الأرض السورية، وأن الجيش الحرّ وما سينضمُّ إليه من أعداد كبيرة جاهزة للانشقاق وهي تنتظر تأمين المناطق الآمنة والحظر الجوي، هي الكفيلة بإسقاط هذا النظام العصابة، خلال أسابيع.

إذاً، من المسؤول عن هذه المماطلة وإضاعة الوقت؟ وهل البعض في انتظار أشياء لا نعرفها، ولا يعرفها السوريون..؟ وماذا تعني المُهل المتكرّرة من الجامعة العربية؟ هل هناك تسوية تحت الطاولة وخلف الكواليس، على غرار التسوية اليمنية؟ وهل هناك من مشاركٍ بها ،سواء من الداخل أو الخارج من المعارضة السورية، ومن داخل المجلس الوطني وخارجه..؟

تلكؤ المجلس الوطني في توسيع المجلس ليضم كافة أطياف المعارضة السورية، يثير الريبة والشكوك…! فمن الذي سيطالب بإحالة الملف السوري للأمم المتحدة ومجلس الأمن، إذا لم تكن هناك معارضة سورية موحّدة في الداخل والخارِج يستطيع المجتمع الدولي السماع لها وتلبية طلباتها؟

الواضح أيضاً، أن هناك أطرافا عربية في الجامعة وأطرافا دولية أُخرى ومنهم إسرائيل، تسعى لإنقاذ نظام الأسد، من خلال إدخال بعض الإصلاحات عليه، وبهذا يتداركون الخطر القادم عليهم فيما لو سقط النظام تماماً، فربما يكون أحدهم هو التالي. ولهذا تمّ أخيراً تفويض الوفد العراقي من قِبل الجامعة العربية للتفاوض مع النظام السوري. فماذا يعني هذا الخيار من قِبل الجامعة بإرسال وفد، هو بالأساس طرف وحليف النظام السوري وداعماً له في قمع الثورة، سوى أن يكون شكّنا في محلّهِ!؟

إن استمرار الوضع السوري على ما هو عليه، لا يعني سوى أمرين اثنين:

إما أن يستطيع النظام، عبر المُهل المعطاة له من الجامعة العربية واستمرار قمعه الدموي للثورة بإخضاعها للقبول بحل وسط، تشارك فيه بعض أقطاب المعارضة القانعة أو المتواطئة في تسوية تُنقذه من الانهيار الكامل، ويؤمّن لها هي حصّة في المشاركة بالسلطة المُعدَّلة؛ وهذا ما سيرفضه الثوار على وجه التأكيد، على اعتبار أن هذا نظام يستحيل العيش معه بعدما أظهر أنّه بمثابة العدو للشعب السوري وليس مجرد خصم سياسي. وإما أن تنزلق البلاد إلى حرب أهلية من خلال عسكرة الثورة، إضافة للجيش الحرّ المنشق، وهذا غير مُستبعد؛ وقد أشار له برهان غليون نفسه. فهمجية النظام ووحشيته في قمع الثورة السلمية، لن تترك للعقلاء مكانا باستمرارها على هذا النحو السلمي، خاصة بعد فقدانهم الأمل بأي دعمٍ وتدخّلٍ دولي وإقليميّ يؤمّن لهم الحماية من بطش النظام وإجرامه من دون أي وازعٍ أو ضوابط.

كذلك فإن مصلحة إسرائيل وأميركا تكمن في خيارين، إما الوصول لهذه التسوية والمحافظة على العهود المقطوعة لها من النظام الحالي بالحفاظ على هدوء وأمن حدودها الشمالية في الجولان المحتل القائم منذ أربعة عقود، وإما الحرب الأهلية التي قد تستمر لسنوات، على غرار الحرب الأهلية اللبنانية، وقد تؤدّي لتقسيم سوريا لدويلات، وهذه أُمنية إسرائيلية قديمة، ترجع لعام 1968. ومن هذه الزاوية أيمكن رؤية سبب تلكّؤ أميركا لعشرة أشهر تجاه النظام السوري.

إن مدينة حمص اليوم وبعض المدن السورية الأخرى، تعاني من أزمة إنسانية حقيقية، تجعلها مناطق منكوبة بكل ما تعني الكلمة، فحتى الأطباء يُقتلون بسبب معالجتهم للجرحى، وقطع الكهرباء والماء  والاتصالات، ومنع العلاج والدواء عن المصابين، وقلة الغذاء ومواد التدفئة، هو بمثابة كارثة إنسانية حقيقية لا تُحتمل. والتعامل مع هذه الأوضاع بدمٍ بارد غير مسؤول، سيوصل الناس والثوار إلى أماكن وخيارات يصعُب التراجع عنها. فمن يكون المسؤول حينها عما ستؤول إليه الأمور؟

هذا السؤال برسم المجلس الوطني والمعارضة السورية كاملة، ولن نتحدّث هنا عن مسؤولية الجامعة العربية والمجتمع الدولي، فهؤلاء ينطلق كُلٌّ من مصالحه الخاصة.

ربما يدخل المجلس الوطني السوري في هذه المرحلة الحرِجة من الثورة السورية امتحانه الأخير، في كسب مشروعيته لتمثيل الثورة والشعب السوري، ويتحمّل مسؤوليته في اتخاذ قرارات واضحة وحاسِمة، وهذا يتطلّب الاستحقاقات التي ذكرتها سابقاً، وأهمها ضمّ باقي أطياف المعارضة للمجلس، وإلا فعليه تحمّل العواقب التي ستحلّ به، كما بالثورة والشعب السوري.

الجولان المحتل – مجدل شمس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى