صفحات العالم

المحارق الجماعية في سورية: العدالة وشفاء الأمل/ موسى برهومة

 

 

ربما تعجّل المحارق الجماعية التي اكتشفت في سجن صيدنايا السوري في محاكمة نظام بشار الأسد، وتحقيق تقدّم، ولو بنزر يسير في مفهوم العدالة الذي يُمتحن الآن في أكثر منعطفاته حساسية.

ولعل التذكير بتلك المقولة التي تشير إلى أنّ «الظلم في مكان ما يُعرِّض العدالة للخطر في كلِّ مكان» يستعيد الحماسة المتردّدة التي تدعو إلى محاكمة جرائم النظام، كيلا يكون الصمت عنها ذريعة لطغاة آخرين يريدون تجريب فتوحات التوحّش وابتكارات الهمجية على شعوبهم.

ولئن كانت «الرغبة الدولية» في مقاضاة نظام دمشق، تصطدم أحياناً بالفيتو الروسي والتحفظ الصيني، من خلال التلويح واستخدام حق النقض في مجلس الأمن، وهو ما يعيق الوصول إلى المحكمة الجنائية الدولية، فإنّ ثمة طرقاً ووسائل أخرى يمكنها أن تعيد إلى الضحايا السوريين حقوقهم، ولو على نحو اعتباري، فالجثة المحترقة، والجسد المدمّى والفتاة التي سُلخت كرامتها، بعد اغتصابها في مكتب فرع المخابرات العسكرية رقم 215 في دمشق… هؤلاء لن يعوّضهم أي فعل، ولكن الأمر يتعدى التعويض الفردي إلى قطع دابر التوحش واستبداد المؤسسات الرسمية للنظام، وتكريس نفسها من أجل «حيونة» البشر وإذلالهم وكسر إراداتهم، وبعد ذلك حرقهم، على ما لهذا الفعل من أبعاد عميقة، بحسب ما أشار إليه حازم صاغيّة في مقالته في «الحياة» (20-5-2017).

وزارة الخارجية الأميركية كشفت، أخيراً، عن صور، مأخوذة من الأقمار الاصطناعية رُفعت السرية عنها، لسجن صيدنايا. تعود الصور إلى نيسان (أبريل) 2017، ونيسان 2016، وكانون الثاني (يناير) 2015، وآب (أغسطس) 2013، وتبدو فيها صور لأبنية كُتب تحت أحدها «السجن الرئيسي»، وتحت صورة أخرى كتب «محرقة الجثث المحتملة»، كما أفادت وكالات أنباء.

وتتـــقاطع هذه المعلومات الأميركية مع تقرير مدعم بصور مأخـــوذة من أقمار اصطناعية نشرته منظمة العفو الدولية في شـــباط (فبراير) الماضي، ويتهم النظام السوري بـــشنق نحو 13 ألف شخص بين 2011 و2015 في هذا السجن.

الخارجية الفرنسية ندّدت بالأمر، وفعلت كذلك خارجيات دول أوروبية وغير أوروبية. واستنكر الأمر بشدّة وأكده المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك الذي استدرك بأنّ المنظمة ليس بإمكانها التحقق في شكل مستقل من وجود محرقة في سجن صيدنايا في سورية، ومع ذلك فإنّ «العديد من كيانات الأمم المتحدة وثقت انتهاكات حقوق الإنسان في سورية».

وإذا عطفنا على المحارق الجماعية في سجن صيدنايا، الروايات الأخرى التي قدمها ناجون فارّون من جحيم الأسد، وبعضها جرى توثيقه بالصور والبيانات، فإنّ استمرار سياسة الإفلات من العقاب يبقى جرحاً غائراً في قلب الضمير العالمي، فالضحايا الباقون على قيد الحياة يطالبون بالعدالة، وعلى هؤلاء كي تثمر قضيتهم، أن يتواصلوا ويحثوا سواهم على التواصل وتقديم روايتهم ومشاهداتهم إلى المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان (ECCHR) من أجل إصدار مذكرات اعتقال جماعية ضد رموز النظام السوري، وفي مقدّمهم رأس الطغمة المتوحشة!

في إسبانيا تم رفع دعاوى ضدَّ تسعة من مسؤولي الاستخبارات العسكرية السورية بتهمة إرهاب الدولة، كما أفاد موقع «قنطرة». وتستند هذه القضية إلى صور التقطها المصوِّر العسكري «قيصر»، الذي صوَّر بتكليف من النظام السوري ستة آلاف وسبعمئة وستة وثمانين سجيناً مقتولاً، وتمكَّن من تهريب هذه الصور إلى خارج سورية.

في هذه الصور تُشاهَد جثثٌ هزيلة ومشوَّهة من التعذيب. وحول ذلك يقول المحامي البريطاني توبي كادمان، الذي أجرى لقاءً مع «قيصر»، إنَّه لم يشاهد من قبل شيئاً فظيعاً كهذا: «تعذيب ممنهج للأطفال والنساء والمسنِّين. هؤلاء الأشخاص ليسوا إرهابيين، بل مجرَّد أشخاص عاديين».

ليس مقنعاً أبداً أنّ الفيتو الروسي يعيق العدالة، أو يدعم، وهو كذلك حقاً، سياسة إفلات المجرمين من العقاب. فهناك طرق أخرى فعّالة لإعادة الاعتبار ولو نفسياً إلى الضحايا، وشفاء جروحهم ببارقة أمل توحي لهم بأنّ «العدالة بخير»!

* كاتب وأكاديمي أردني.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى